أخبار

الأمن متهم بالتستر على سلسلة اغتيالات

"قاتل الشاورمة" في ألمانيا ليس تركيًا بل خلية نازية

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

نشر مركز الدراسات التركية كتابًا جديدًا حول الأكلة الشعبية الأولى في تركيا وألمانيا. وذكر البروفيسور فاروق شين، رئيس المركز، أنه أراد بالكتاب أن يظهر أهمية "دونر كباب" في الاقتصاد الألماني، إذ يعيش أكثر من 20 بالمئة من الاتراك من واردات دونر كباب، وأدى تحول المطاعم التركية إلى شركات خاصة، إلى تغيير كامل بنية الاقتصاد الألماني في العقد الأخير من القرن العشرين.

وكان الألماني زايل بيلين نشر كتابًا مشابهًا في تسعينيات القرن الماضي، يشي بأن مبيعات دونر كباب في ألمانيا تفوقت على مبيعات مكدونالدز وبرغر كينج وكنتاكي وفينرفالد مجتمعة. ويقدر الكتاب وجود 10 آلاف مطعم لأكلة دونر السريعة، منها 500 في برلين، تبيع مليون شطيرة دونر في العاصمة وحدها.

ويقول كتاب "دونر: البضاعة السائدة في السوق الألمانية"، الذي نشره مركز الدراسات التركية، إلى أن محلات بيع دونر تحقق في ألمانيا دخلاً قدره مليارا يورو سنويًا من بيع 408 أطنان منه يوميًا.
وأطلقت فرقة "إكستازي" التركية أغنية شهيرة عن دونر كباب، بدعم اتحاد شركات دونر التركية في ألمانيا، عنوانها "دعوة لأكل دونر"، وهذا مطلعها:

"أنا اليوم في كل فم،
دونر غني بالمواد،
أوفر أماكن العمل،
واللذة في كل فم"

واعترفت شرطة بافاريا بأنها افتتحت مطعمًا للأكلات السريعة في مدينة نورمبيرغ، يبيع دونر كباب، في إطار تحقيقاتها حول سلسلة جرائم القتل التي طالت أصحاب المطاعم الأجنبية. عمل المطعم لعدة أشهر بمثابة "كمين" أملت الشرطة من خلاله إلقاء القبض على قاتل الشاورمة، أو القتلة الذين دوخوا الشرطة بجرائمهم طوال سنوات.

ولم يفشل المطعم البافاري في تغطية كلفته بسبب سوء مذاق الشاورمة التي كانوا يقدمونها فحسب، وإنما بسبب سوء اختيار الموقع، لأن معظم الجرائم ارتكبت في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا.

بعد 11 عامًا من التحقيقات، تبين أن الجرائم التي اتهم بها أتراك وسميت بجرائم الشاورمة كانت من فعل خلية الحزب القومي الاشتراكي النازية، التي تسترت الشرطة الألمانية على نشاطها.

كولونيا: تستقطب محاكمات خلية "الحزب القومي الاشتراكي" النازية في ألمانيا اهتمام العالم كله، بسبب علاقتها بجرائم قتل عنصرية شملت مهاجرين أتراكًا ويونانيين على مدى أكثر من عشر سنوات. والأهم في هذه المحكمة، المحرجة بالنسبة للحكومة الألمانية، أنها تجري بالتوازي مع جلسات اللجنة البرلمانية الخاصة التي تحقق بأسباب وملابسات تستر قوى الأمن الألمانية على نشاط هذه الخلية.

عروس وأم

كشفت الجلسات الأخيرة من المحكمة الخاصة بالنازية بياته تشيبه، المتهمة الأساسية في القضية، أن"العروس النازية" كما تصفها الصحافة الألمانية، لم تكن "عروسًا" فحسب لعضوي الخلية اللذين انتحرا بظروف غامضة سبقت القاء القبض عليهما، وإنما "أم" ترعى نشاط الخلية. وجاء في أقوال الشهود أنها كانت ترعى القاتلين مثل"أم"، وأنها كانت تنظم تنقلاتهما وتجمع المعلومات، الأمر الذي يفترض أنها كانت العقل المدبر لخلية القتلة النازيين.

قبل ذلك، وبعد الكشف عن الخلية وعلاقاتها المشبوهة بأجهزة الأمن، وبشكل استعراضي يلفت النظر، زارت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أحد مطاعم الشاورمة التركية، وحملت السكين الطويلة لتقطع اللحم عن الشيش دون مهارة، أمام عدسات عشرات الصحافيين.

فقد اضطرت ميركل، بعد كشف مسؤولية الخلايا النازية السرية عن سلسلة الاغتيالات التي طالت أصحاب المطاعم التركية، وبعد الشكوك حول تستر دائرة الأمن الألمانية على نشاط الخلية النازية، إلى الاعتذار رسميًا من الجالية التركية عن التحقيقات التي حاولت إلباس المافيا التركية و منظمة الذئاب الرمادية التركية المتطرفة والصرعات العائلية التركية، تهمة تنفيذ سلسلة الاغتيال.

جرائم الشاورمة

بعد 11 عامًا من التحقيقات ومن روح الدعابة التي شابت التعامل الحكومي والصحافي مع هذه الجرائم، على انها جرائم الشاورمة وجرائم البوسفور، اختار المجمع اللغوي الألمان تعبير قاتل الشاورمة كأسوأ كلمة في العام 2011.

واهتز المجتمع الألماني أمام الفشل الذريع للقوات الأمنية، التي اتهمتها الصحافة بأنها مصابة بالعمى في العين اليمنى، لأنها كانت تفتح عينيها على النشاط اليساري المتطرف، وعلى النشاط الإسلامي المتطرف، وتغمضهما عن نشاط اليمين المتطرف.

المؤسف في القصة هو أن اللجان التحقيقية الموسعة لم تدر دفة التحقيق باتجاه النشاط النازي السري، إلا بعد أن شملت سلسلة الجرائم شرطية ألمانية اسمها ميشيله كيزفيتر ببرلين. فقد تم اغتيال الشرطية الألمانية في العام 2011 بنفس المسدس الذي ارتكبت به سلسلة الجرائم التي طالت أصحاب المطاعم التركية، وكان الهدف من اغتيال الشرطية، كما هو واضح، التستر على خيط يشي بمسؤولية الخلية، ربما اكتشفته الشرطية.

رقابة دائمة!

بدأت سلسلة الاغتيالات ضد أصحاب المطاعم في 9 أيلول (سبتمبر) 2000، وشملت 8 أتراك ويونانياً واحداً، وتوقفت فجأة في نيسان (ابريل) 2006. وفضلًا عن الاغتيالات الفردية بمسدس تشاكا المزود بكاتم للصوت، نفذت الخلية تفجيرين بالقنابل ضد مطاعم تركية في كولون، في شارع كويب، الذي يطلق عليه في ألمانيا اسم "ميني اسطنبول". لم تكن هناك علاقة بين القتلى، وكانوا من مدن ألمانية مختلفة، وكان من الواضح للجميع، عدا عن رجال التحقيق، انها عشوائية ويحركها الحقد العنصري على الأجانب المقيمين في ألمانيا.

وتنتمي خلية الحزب القومي الاشتراكي إلى التنظيمات السرية التي تحمل اسم الحزب القومي الاشتراكي الألماني (يختصر بكلمة نازي)، وهو تنظيم أدولف هتلر المحظور الذي تدعي دائرة حماية الدستور أنها تخضع نشاطه لرقابة دائمة. اما الخلية المسؤولة عن الاغتيالات، فقد اتخذت من مدينة تزفيكاو الشرقية مقرًا لعملها، وضمت بياته تشيبه واوفه موندلوز واوفه بونهاردت، وربما آخرين لم تنكشف هوياتهم بعد.

انتحر منفذا الجرائم موندلوز وبونهاردت بعد مشاركتهما في عملية سطو على مصرف، وفي ظروف غامضة. ولا يستبعد بعض المحللين قيام عملاء الأمن الألماني باغتيالهما تسترًا على الفضيحة.

قامت تشيبه بعدها بحرق الشقة التي يقيمان فيها، بهدف اخفاء الأدلة، إلا أن رجال التحقيق تعرفوا في الشقة المتفحمة على المسدس الذي استخدم في الجرائم، وهو مسدس تشيكي من طراز تشاكا وعيار 7,65.

تحذير أمني

المهم في القصة الأخيرة هو أن تشيبه تلقت تحذيرًا من عميل لها يقول إن الشرطة وقعت على الخيط الذي يقود إلى الخلية، تبين بعدها أن العروس النازية تلقت التحذير من هاتف اجازته وزارة الداخلية في ولاية سكسونيا، ما سلط الضوء على دور القوات الأمنية في التستر على نشاط الخلية. وهذا ما ذكّر رجال التحقيق بمقولة شهيرة لرئيس الحزب الجمهوري فرانز شونهوبر، المحسوب على النشاط اليميني المتطرف، الذي قال في التسعينات إن معظم ناخبيه هم من سلك الشرطة والجيش.

الدكتورة مونيكا موللر لاشيت، محامية ضحايا تفجيرات كولون، ذكرت لـ"إيلاف" أن أحد الضحايا الذين تمثلهملا يزال يعاني من كدمات وعاهات سببها انفجار القنبلة في شارع كويب. كان موكلها يقف قرب مكان الانفجار مباشرة، مع ذلك أصبح هو، وبقية ضحايا التفجير، مشتبهاً فيهم لسنوات عدة، إلى أن تم الكشف عن دور الخلية النازية في الاغتيالات.

وعن الشبهات حول فشل القوات الأمنية في ملاحقة الخلية النازية، قالت لاشيت إن المحكمة الحالية تقام ضد تشيبه ومعاونيها بتهمة القتل والتفجير وتشكيل تنظيم محظور، وليس من مهمة هذه المحكمة التحقيق في دور رجال الأمن. وتوقعت لاشيت أن تستمر المحكمة لأكثر من سنتين ونصف، وينتظر موكلوها بالطبع أن تنتهي بإدانة تشيبه وأعوانها. وطالبت المحاكمة اللجنة البرلمانية الخاصة، التي تشكلت للتحقيق في الموضوع، بكشف كافة نتائج التحقيق في الصحافة.

تستر على الجرائم

تم تشكيل لجنة تحقيق مركزية من 50 خبيرًا لملاحقة المسؤولين عن سلسلة جرائم قاتل الشاورمة، يساعدهم 160 عضوًا في الولايات الألمانية. وقالوا انهم يلاحقون 3500 أثر، وحققوا مع 11 ألف شاهد، وحللوا واستمعوا إلى ملايين التسجيلات الهاتفية. لكن اللجنة استبعدت النشاط النازي من تحقيقاتها، رغم أن ممثلي الجالية التركية وأهالي الضحايا كانوا يشيرون إلى الطابع العنصري للجرائم في كل مناسبة ومقابلة.

وبالرغم من الطابع السري للتحقيقات، فقد تم الكشف عن اعتقال رجل أمن في ولاية هيسن بتهمة التعاون مع الخلية النازية. وعثر رجال التحقيق في بيته في العام 2007 على منشورات يمينية متطرفة، وعلى قائمة أعضاء ورد فيها اسم اوفه موندلوز، الذي يعتقد أنه نفذ ثماني جرائم من الجرائم التسع. وطردت شرطة مدينة كاسل عميلًا لها في العام 2007 بسبب مساهمته في تنفيذ الجرائم.

واثر هذه الفضائح، تدحرجت رؤوس مدراء كبار في دائرة حماية الدستور. فاستقال توماس زيبل، رئيس حماية الدستور في ولاية تورنجن من منصبه، وأحيل راينهادر بونيس رئيس الدائرة في سكسونيا إلى التقاعد، وتلتهما استقالة فولكر ليمبورغ من قيادة مديرية الأمن المذكورة في ولاية سكسونيا - انهالت.

واستقال المدير العام لدائرة حماية الدستور الاتحادية هاينز فروم في العام 2012. وتم تشكيل لجنة برلمانية خاصة للتحقيق بدور الأمن في التستر على نشاط الخلية، ومثل أمامها نائب رئيس حماية الدستور كلاوس ديتر فريتشه، ومن ثم وزير الداخلية الاتحادي اوتو شيلي، من حكومة المستشار السابق جيرهارد شرودر. وشملت التحقيقات أسئلة عن تقارير اختفت من ملفات القضية وكتبها رجال أمن مندسون في النشاط النازي، وتكشف منذ سنوات عن علاقة الخلية النازية بالجرائم.

تمزيق ملفات

أوعز مدير أحد اقسام دائرة حماية الدستور بتلف ملفات خاصة بالخلية النازية بعد أيام من اعتقال العروس النازية تشيبه. وأوعزت وزارة الداخلية الاتحادية يوم 14 تشرين الثاني (نوفمبر) بتمزيق ستة ملفات أخرى، أي بعد أيام من الكشف عن الخلية. وتحدثت وكالة الانباء الألمانية عن رجل أمن كشف دور الخلية في الاغتيالات قبل ثلاثة أشهر من حرق الشقة النازية في تزفيكاو، إلا أن وزارة الداخلية لم تعلق على الخبر.

واعترف ينز تيشكه، من دائرة حماية الدستور الاتحادية، أن دوائره اتلفت نحو 310 ملفات خاصة بالنشاط النازي بين 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 و4 تموز (يوليو) 2012، أي بعد الكشف عن دور الخلية النازية السرية عن اغتيالات "دونر كباب".

وأمام عدسة التلفزيون في برنامج "تقرير ماينز"، الذي بثته القناة الأولى (ARD) في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2013، قال عميل للأمن إن فيرنر ياكشتات، رئيس شرطة ولاية تورنجن الشرقية، طلب وقف التحقيق حول الخلية النازية في العام 2003. وكان العميل كتب تقريرًا إلى الأمن حول نشاط الخلية السرية، إلا أن رئيس الشرطة طالبه بنسيان الموضوع.

وعبرت ايكا تولون، رئيسة القسم التركي في راديو الغرب، عن خشيتها من أن النيابة العامة لا تملك في يدها الكثير من الأدلة التي تدين تشيبة. فالمتهمة، بحسب نصيحة محاميها، ستلتزم الصمت، وهذا يعني أن القاضي سيعتمد على ما توفره النيابة العامة من أدلة وشهود.

يمين وأزمة اقتصادية

قال البروفيسور شفيق بهادير، رئيس الجالية التركية في ولاية هيسن، إن منظمته طالبت الحكومة الألمانية أكثر من مرة بضرورة وضع حد للتعديات العنصرية على الأتراك والأجانب عمومًا، التي شارك فيها بعض السياسيين المعروفين بتصريحاتهم.

ونوه بهادير إلى أن الدستور الألماني يفرض على ألمانيا محاسبة العنصرين بكافة الوسائل السياسية والقمعية. وفي حديثه مع "إيلاف"، ربط بهادير بين تصاعد المد اليميني العنصري وبين الأزمة الاقتصادية العالمية، وقال إن المنظمات العنصرية تلقي بكافة أسباب الأزمة على عاتق الأجانب والمهاجرين، وتستغل ذلك في التحشيد لسياستها.

وعما ينتظره رئيس الجالية التركية من الحكومة الألمانية، قال إنه يطالب بتوفير الحماية اللازمة لأبناء الجاليات، وتوفير الحماية للمساجد، وتعويض الضحايا عما لحق بهم من حيف.

والجدير بالذكر أنه جاء في استطلاع للرأي أجراه معهد فورسا المعروف أن 42 بالمئة من الألمان يتمنون أن تحقق محكمة خلية النازيين العدالة، وان تنصف المظلومين، لتحسين سمعة ألمانيا الدولية. ترى لماذا تتخذ نسبة 58 بالمئة موقف المتردد وغير المبال، بل والرافض أيضًا؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف