أخبار

صندوق الكرامة اعتبره البعض تكريسًا لمنطق الغنيمة

تعويض ضحايا الاستبداد يثير خلافات عميقة بين إسلاميي تونس ومعارضيهم

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يرى معارضون تونسيون أنّ إحداث "صندوق الكرامة ورد الإعتبار لضحايا الإستبداد"، الذي تمت الموافقة عليه، يعزز شكوك العلمانيين حول منطق الغنيمة الذي تتعامل به حركة النهضة مع الحكم في تونس.

محمد بن رجب من تونس: أثار إحداث "صندوق الكرامة ورد الإعتبار لضحايا الإستبداد"، الذي أقرّ منذ يومين في إطار الموافقة على ميزانية الدولة لعام 2014،ردود فعل متباينة في تونس.

وصادق المجلس التأسيسي (البرلمان) على قانون يعوض ضحايا الاستبداد ابان حكم الأنظمة السابقة في البلاد، في خطوة أثارت حفيظة بعض القوى السياسية خصوصا وأن معظم هؤلاء من أنصار حزب النهضة الحاكم.

وأقر المجلس فجر الاثنين فصلا لمشروع قانون المالية يتعلق باستحداث صندوق الكرامة وردّ الاعتبار لضحايا الاستبداد ضمن الموازنة المالية لعام 2014.

ورفض وزير المالية التونسي إلياس الفخفاخ، طريقة تمرير مقترح استحداث الصندوق، وقال إن البرلمان مرره بطريقة "لم تكن ديمقراطية بالمرة".

وقال الفخفاخ في حديث لإذاعة محلية: "عندما تتمّ شخصنة الأشياء، وبعض الأطراف تسعى إلى تمرير الفصـــل بالقوة، ويتوج ذلك بالتصفيق، فهذا يفقد المحتوى قيمته".

وانتقدت أحزاب المعارضة هذا الإجراء مؤكدة أنّ حركة النهضة أرادت تعويض منتسبيها دون اعتبار لمطالب التشغيل والتنمية وتحسين المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، بينما أكد الداعمون لصندوق الكرامة أنه جاء في إطار قانون العدالة الإنتقالية وتعويضا لضحايا الإستبداد الذين عاشوا القهر والسجن والإبعاد القسري.

عقلية الغنيمة

أكد إياد الدهماني عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري أنّ نواب حركة النهضة تعاملوا مع ميزانية الدولة للعام 2014 كأنها "غنيمة يقدمونها لمنتسبيهم من ضحايا استبداد النظام السابق".

وقالت النائبة عن التحالف الديمقراطي سامية عبو إنها "رسالة سيئة من حركة النهضة سياسيا وقانونيا وأخلاقيا حيث تم تقديم هذا المقترح دون العودة إلى وزارة المالية أو حتى استشارة لجنة المالية بالمجلس التأسيسي التي يترأسها نائب من حركة النهضة".

وكان المجلس التأسيسي صادق في 15 ديسمبر الجاري بأغلبية 125 صوتاعلى قانون العدالة الإنتقالية الذي يتضمن 71 فصلا.

خطأ سياسي

واعتبرت النائبة سامية عبّو أنّ الوضع الإقتصادي والإجتماعي الصعب الذي تعيشه تونس يجعل من إقرار هذا الصندوق في هذا الوقت بالذات "خطأ سياسيا من حركة النهضة لأن قانون المالية قد أثقل كاهل المواطن بالإتاوات كما أنّ المقترح جاء منقوصا من أي توضيح حول الموارد التي ستقدّم للمستفيدين منه وبالتالي يجب على وزير المالية أن يقدم قانونا آخر لتوضيح كل ما يتعلق بهذا الصندوق الذي يفتقر إلى الموارد".

وشدّدت في تصريح لـ"إيلاف" على أنّ حركة النهضة لا تهتمّ بمصالح المواطنين بمختلف مشاربهم بل تفكر في منتسبيها والمقربين منها.

جبر الضرر

أكد عبدالوهاب الهاني رئيس حزب المجد لـ"إيلاف" أنّ مبدأ الإقرار بالتعويض لكل مواطن تعرض للظلم وسلبت حقوقه من طرف الدولة، وهو معمول به في كل القوانين الدولية، ولكن ذلك يجب أن يكون وفق القوانين المعمول بها.

وأشار إلى أن مسار العدالة الإنتقالية يجب أن يبدأ بمعرفة الحقيقة ومحاسبة المجرمين ثم جبر الضرر وصولا إلى المصالحة.

من ناحيته اعترف المنسق العام المكلف بقانون العدالة الانتقالية، محسن السحباني، في افادة لإحدى الإذاعات الخاصة، إلى أنّ إدراج قانون إحداث صندوق الكرامة ورد الاعتبار لضحايا الاستبداد صلب قانون المالية لسنة 2014، إجراء قانوني باعتباره جاء تطبيقا لما ورد في قانون العدالة الانتقالية.

دعوة المرزوقي

عبر عبد الوهاب الهاني عن تخوّفه من شراء ضمائر المواطنين المستحقين لهذه التعويضات، مشددا على أنّ إدراج هذا القانون في فصل ضمن قانون المالية يعتبر خطأ قانونيا.

وأبرز أنّ الفصل 30 من القانون الأساسي للميزانية يقول: "لا يمكن عرض أي فصل إضافي ولا أي تنقيح لمشروع قانون المالية الذي تقدمه الحكومة إن لم يكن يرمي إلى إلغاء مصروف من المصاريف أو الحط منه أو إحداث مورد من الموارد أو الزيادة فيه، وكل عرض لمصاريف جديدة يجب أن يكون مصحوبا بآقتراح مورد مقابل أو اقتصاد مساو في بقية المصاريف".

ويقول القانون: "إن الفصول الإضافية أو التنقيحات المخالفة لهاته الأحكام تلغى وجوبا" وبالتالي فإنّ على رئيس الجمهورية وقبل أن يختم قانون الميزانية عليه أن يطلع على القانون الأساسي ومن واجبه إلغاء ذلك الفصل الذي أقرّ صندوق الكرامة.

قانون العدالة الإنتقالية

أكدت أمينة الزغلامي رئيسة لجنة "شهداء وجرحى الثورة و تفعيل العفو التشريعي العام" أنّ إقرار صندوق الكرامة وردّ الإعتبار لضحايا الإستبداد، جاء من خلال فصل جديد كان اقترحه نائبان لا ينتميان إلى حركة النهضة، وهو يتماشى مع قانون العدالة الإنتقالية الذي تم إقراره يوم 15 ديسمبر الجاري، وتضمن فصلا يطالب بوجوب بعث حساب أو صندوق في الخزينة العامة للدولة يتولى التعويض لضحايا الإستبداد في إطار العدالة الإنتقالية وتضبط طرق تنظيم الصندوق وتسييره وتمويله بأمر، مبيّنة أنه لم يأخذ مليما واحدا من ميزانية الدولة.

وينتظر أن يصدر وزير المالية القادم أمرا لتوضيح طرق تمويل الصندوق اعتبارا للميزانية والوضع الإقتصادي والإجتماعي الذي تعيشه تونس.

أسباب سياسية وإيديولوجية

من جانبه علّق طارق الكحلاوي عضو المكتب التنفيذي لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية ومدير عام المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية على التجاذبات الحاصلة حول صندوق الكرامة قائلا على فايسبوك:" هناك من يرفض هذا الصندوق لأسباب سياسية وإيديولوجية وهو رافض أصلا لقانون العدالة الإنتقالية"مؤكدا أنّ الصندوق لن يستحوذ على أي مليم مخصص لميزانية الدولة 2014 فقد جاء في نصّ القانون أنّ: "إحدث حساب خاص يطلق عليه اسم صندوق الكرامة وردّ الاعتبار لضحايا الاستبداد يتولّى المساهمة في التعويض لضحايا الاستبداد في إطار العدالة الانتقاليّة وتضبط طرق تنظيم الصندوق وتسييره وتمويله بأمر".

تضليل الرأي العام

استنكر رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في بيان له بروز ردود أفعال سياسية وإعلامية مشوّهة لهذا القرار ومضلّلة للرأي العام في حديثها عن "نهب المال العام" و"عقلية الغنيمة"، على حدّ تعبيره.

وأشار الغنوشي إلى أنّ "أول مرسوم وقع سنّه بعد الثورة كان مرسوم العفو التشريعي العام الذي يردّ مظالم آلاف المضطهدين من كافة العائلات السياسية وهو أحد استحقاقات الثورة الذي لم يفعّل إلى اليوم بشكل كامل".

وأضاف أنّ "الفصل 19 من ميزانية الدولة ينصّ على أنّ إنشاء حسابات خاصة يجب أن يتم في إطار قانون المالية"، وأنّ "قانون العدالة الانتقالية الذي وقع إقراره مؤخرا هو الذي أوصى ببعث "صندوق الكرامة".

وشدّد الغنوشي على أنّ "تضليل الرأي العام عبر الإساءة لآلاف المناضلين الذين اضطُهدوا لسنوات طويلة ولا يزال عدد كبير منهم إلى اليوم يفتقد إلى أبسط مستلزمات الحياة الكريمة فيه تَجَنٍ على هؤلاء المناضلين وتجنٍ على الثورة نفسها التي قامت ليستردّ التونسيون كرامتهم".

حملة ممنهجة

من جانبها لفتت وزارة حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية في بيان لها إلى "اندفاع البعض في حملة ممنهجة وهجمة منظمة إلى الإساءة إلى ضحايا إنتهاكات الماضي والإنتقاص من وطنيتهم".

وأشارت الوزارة إلى أنّ "كلّ ما يشاع ويردد هذه الأيام من أنّ صندوق الكرامة ورد الإعتبار لضحايا الإستبداد سينزل به مبلغ قد يصل إلى ألفي مليار سيدفع غنيمة لأنصار حركة النهضة وسيغرّم الشعب التونسي لأجل ذلك ضرائب وأتاوات، هو محض كذب وإفتراء على ضحايا الإستبداد".

ودعت الوزارة "عددا من السياسيين ومن قادة بعض الأحزاب إلى الكفّ عن ترويج كذبة وإشاعة تغريم التونسيين من أجل التعويض لضحايا الإستبداد وهو ما مثّل إساءة للضحايا".

وحذرت من أنّ "ترديد مثل هذه الإشاعات والطعن في وطنية ضحايا الإستبداد يمثل إنتهاكا جديدا من إنتهاكات حقوق الإنسان".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف