أخبار

تحويل 13 نيسان من ذكرى الحرب اللبنانية إلى يوم عرس مدني جماعي

زواج نضال من خلود باطل... برأي المأذون شربل

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لأن المدنية مواطَنة تتجاوز الطائفة، يستمر الناشطون المطالبون بقوننة الزواج المدني في لبنان بمطلبهم بلا هوادة، وفي وجههم جبهة عريضة من رجال الدين، يسوقون كل الحجج كي لا تخرج عصمة الشعب اللبناني من أيديهم.

خاص بإيلاف، بيروت: أحب نضال درويش خلود سكرية، وبادلته الحب حبًا، واجتمعا معًا على حب الوطن ونبذ طوائفه، فشطبا مذهبهما عن بطاقتي الهوية، وقاما بخطوة سباقة بعقد زواجهما مدنيًا على الأراضي اللبنانية، متحدين بذلك، ومن دون قصد أصلًا، مجتمعًا عامرًا بالميراث الطائفي المتجذر.

ثمة تفاصيل لا يعرفها الجميع، أو لم يهتم معارضو زواج خلود ونضال بمعرفتها. فالشابان المتحابان لا ينكران الخالق أو الدين أو الانتماء الديني، ولهذا توجها مع عائلتيهما إلى شيخٍ بارك زواجهما، في خطوة تقطع الطريق على كل تكفير قد يتوسله رجال الدين، في رفض ما فعلاه.

وبعد ذلك، جمعا المستندات المطلوبة منهما لعقد زواج مدني في مكتب كاتب للعدل، مستندين إلى روح الدستور، وإلى مواطنة متجذرة في نفسيهما. وفي 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، وقّعت خلود ونضال عقد زواجهما المدني، ورفعا طلب زواجهما إلى هيئة الاستشارات في وزارة الداخلية، وينتظران إعلانه رسميًا.

خدمة توثيق فقط

حتى اليوم، لم يتبلغ الثنائي الذي هز عرش الطوائف في لبنان أي رد من هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة الداخلية. لكن وزير الداخلية اللبناني مروان شربل فاجأهما في تصريح متلفز بأن الهيئة رفضت طلبهما تثبيت زواجهما. غير أنه استدرك قائلًا: "لم نبلغهما بالقرار لأنني ما زلت أعمل على تغيير القرار، فأملي كبير، ولم أيأس من التوصل إلى سبيل للخروج من هذا المأزق، وما زالت الدراسات متواصلة". وأضاف: "هناك قوانين مرعية الاجراء، ولا وجود في لبنان لانتماء غير طائفي".

فهل من حق وزارة الداخلية أن ترفض؟ تجيب المحامية مي محمود بالسلب. تقول: "مهمة وزارة الداخلية توثيق المعاملة، وليس القبول بها أو رفضها، أي تنحصر مهمة قلم وزارة الداخلية بنقل المعاملة من سجل الوارد إلى سجل التنفيذ، بتحويل عقد القران إلى دائرة النفوس المختصة، ليتم بذلك نقل الزوجة من خانة والدها إلى خانة زوجها".

تضيف: "البحث في قانونية هذا العقد، كما كل عقد آخر في الحياة المدنية، من اختصاص وزارة العدل".

لكن محمود ترد التباطؤ في اتخاذ هذا الاجراء إلى تحويل المعاملة برمتها إلى هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة الداخلية، "لأنها أول معاملة من نوعها في لبنان، وآليات تنفيذها لدى مأموري النفوس غير واضحة بعد".

فتوى واضحة

لا يأبه الثنائي لكل ما يجري حولهما من ضوضاء، ويعلقان الأمل على رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان وحملته في سبيل قوننة وتشريع الزواج المدني في لبنان، على الرغم من أن محمود تقول إن القانون موجود، "وتشريع الزواج المدني لا يحتاج إلا لتفصيل آليات عمله، وتوضيح العلاقة المدنية مع المحاكم الشرعية الاسلامية، والمحاكم الروحية المسيحية، خصوصًا في قضايا الطلاق والارث، التي تحتاج إلى الحلول المناسبة، استنادًا إلى قوانين كل طائفة من طوائف لبنان الثماني عشرة".

ومنذ بدأ سليمان رحلته في هذا الاتجاه، حتى جوبه برفض ديني توّجه مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قباني، بفتواه التي تقيم الحد على كل مسؤول مسلم في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفحواها واضح كما يقول، إذ أكد أن كل من يوافق من المسؤولين المسلمين في السلطة التشريعية والتنفيذية على تشريع وقوننة الزواج المدني ولو اختيارياً هو مرتد وخارج عن دين الاسلام، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويحمل أوزار كل من يدخل في هذه العلاقة غير المشروعة".

خارج عن الدين

لم يكن موقف مفتي الجمهورية اللبنانية مفاجئًا إلا في حدته، وكأنه يضع حدًا للمسألة من أولها، أو يقطع رأس الأفعى كما قال الشيخ حسون المورلي، من جمعية الفتوة الاسلامية.

فالمورلي قال لـ "إيلاف" إن المسألة تمس صلب العقيدة الاسلامية، "فالمشكلة ليست في العقد المدني نفسه، بل في تداعيات هذا العقد، خصوصًا أن الشرع الاسلامي يمنع زواج المسلمة من غير المسلم، إلا بعد أن يشهر إسلامه على الملأ، قناعة لا كراهية، ففي الأمر مساس للمرأة من حيث هي رحم مسلم، تنجب أطفالًا مسلمين".

ويرى المورلي أن الزواج المدني يعارض الشرع الاسلامي في أن عقد الزواج في الدين الاسلامي يخضع للقرآن الكريم، وفي أن تعددّ الزوجات لا يتعارض مع الإسلام، وفي أن الطلاق مسموح وفق شروط الشرع الاسلامي، وفي المحرمات من النساء، "حيث أنه يبيح للرجل أن يتزوج ابنته أو أمه بالرضاع، كما يبيح للمرأة أن تتزوج أخاها أو أباها أو ابنها بالرضاع، وفي هذا مخالفة صريحة للقرآن الكريم".

ويختم قائلًا: "كل من يبيح المحرم القطعي أي الثابت في القرآن والسنة خارج عن دين الله عز وجل".

العقد المدني ممكن

في الجانب الشيعي، أعلن مجلس الافتاء الجعفري رفضه التام لإقرار الزواج المدني الاختياري في لبنان، لأسباب مشابهة لما ساقه رجال الدين السنة. لكن العلامة جعفر فضل الله فقال لـ"إيلاف": "في الاسلام، لا تشترط صيغة العقد أن يقوم بها رجل دين، وإذا كانت صيغة الزواج المدني تؤدي بالعرف العام إلى الزواج، فلا مشكلة فيها، بل يمكن للمرأة والرجل أن يعقدا لنفسيهما، فتقول المرأة للرجل تزوجتك ويقول الرجل قبلت، وانما يجري عقد الزواج لدى رجال الدين من باب التبرك، وكان رأي العلامة حسين فضل الله أن الزواج المدني شرعي"، من دون أن ينفي التصادم بين بنود الزواج المدني والقواعد الشرعية، ومنها زواج المسلمة من غير المسلم، وبعض الآثار المترتبة على هذا الزواج.

خصوصية الموحدين

في طائفة الموحدين الدروز، المحاذير كثيرة، لأنها تحرم الزواج أصلًا من خارج الملة، مدنيًا أو غيره. وقال مصدر في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، فضل عدم الكشف عن اسمه، لـ"إيلاف": "الموقف الرسمي يخرج عن مشيخة عقل الطائفة، ولم يصدر حتى الآن أي موقف، لكن التوجه هو أن لا يتعارض موقف شيخ العقل مع مواقف المرجعيات الدينية الاسلامية في هذا الشأن، وكذلك موقف الهيئة الروحية ايضًا".

أضاف: "ثمة خصوصية لطائفة الموحدين الدروز في هذا الشأن، فالمحكمة الدرزية لا تعارض زواجًا مدنيًا إن تم بين شريكين درزيين، أرادا الخضوع للقانون المدني إن وجد، وبذلك لا رفض قاطع للزواج المدني الاختياري إن لم يمس هذه الخصوصية الدرزية، أي شريطة أن لا يجمع درزيًا بغير درزية، أو درزية بغير درزي".

وكان قاضي المذهب الدرزي عباس الحلبي أعلن في حديث صحفي تأييده الزواج المدني حتى النهاية, داعيًا إلى اعطاء الخيار للناس لمن يرغب أن يتزوج مدنيًا أو غيره, ومؤكدًا أن قانون العام 1936 أقرّ بوجود طائفة الحق العام, أي طائفة من لا ينتسبون لدين معين، "وهذه الثغرة تسمح لمن يريد الزواج الاستفادة منها، الا أن رجال الدين في لبنان سيفقدون مكاسب كبيرة في حال اقرار هذا الزواج, وأن همهم ليس على الدين وكتبه، بل على مصالحهم المادية والمعنوية".

ترفضه لكن تعترف به

الكنيسة تعترف بالزواج المدني لغير المسيحيين، لكنها ترفض إقرار وقوننة الزواج المدني الاختياري لسببين، بحسب ما قاله الاب لويس حنا لـ"إيلاف": "أولًا، الزواج في الكنيسة ليس عقدًا بشروط دنيويّة، بل هو سرّ من اسرارها، بمعنى أنه يجب أن يتم بمباركة رجل الدين المسيحي الذي يمثّل المسيح على الأرض".

أضاف: "ثانيًا، الزواج في الدين المسيحي هو رابط أبديّ لأن ما جمعه الرب لا يفرّقه إنسان، لذلك لا طلاق في الكنيسة الكاثوليكيّة، إنما إبطال زواج لأسباب قليلة، كالخيانة مثلًا، وإن كانت شروط اثباتها صعبة، والغش والأمراض النفسيّة".

وفي الاجتماع الاخير للمطارنة الموارنة الأربعاء، أكدوا أن الزواج المدني يدخل في صميم قوانين الأحوال الشخصية، ولا يحق للدولة مخالفة المادة التاسعة بإقرار الزواج المدني من دون تعديل الدستور.

موافقون... ولكن!

سياسيًا، أعلنت غالبية النواب اللبنانيين قبولهم بالزواج المدني، حتى السنة منهم بعدما أعلن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أنه لا يقف في وجه هذا القانون، بل في وجه لهجة التكفير التي ساقها المفتي قباني.

ويؤكد النائب غسان مخيبر أنه مؤيد للزواج المدني الاختياري، وعامل في سبيل تحقيقه، "وكنت مشاركًا وما زلت في تحرك مجتمعي يضغط في اتجاه إقرار الزواج المدني الاختياري، وأعتقد أن لا خلاص للبنان سوى بالدولة المدنية، هي إقرار المجلس النيابي للقانون الاختياري للزواج المدني، فنحن نعترف بالزيجات المدنية المعقودة في الخارج، وليس من المعقول أن نمنعها في لبنان".

وكذلك يوافقه النائب نضال طعمة الرأي، مؤكدًا أن الزواج الديني هو زواج ايماني بالدرجة الاولى، "ولا يمكن فرض الزواج الديني على غير المؤمن، أي على من شطب مذهبه عن الهوية مفضلًا المواطنة على الطائفة، ويجب اعطاء المجال للزواج المدني الذي يسهّل عملية الزواج المختلط".

يضيف طعمة: "الزواج المدني بداية الطريق نحو إلغاء الطائفية السياسية، فكفانا تقوقعًا وانعزالية، كما أن هذا الزواج تكرس اليوم مع خلود ونضال، وطالما هو معترف به في لبنان فلماذا اللجوء إلى قبرص؟"

زواج مدني جماعي

على هذا المنوال ينسج النواب اللبنانيون في غالبيتهم، لكن كل هذه الموافقات لم تدفع بعد بعشرة نواب فقط للتقدم من مجلس النواب بمشروع قانون، بحسب النظم المرعية في المجلس النيابي، "ولن تجد هؤلاء العشرة لأن كل واحد معلق بعرقوبه"، كما يقول يحيى جابر، الاعلامي والشاعر والناشط الشرس في وجه سطوة رجال الدين في مسألة تشريع الزواج المدني في لبنان.

وبمبادرة من جابر، تم إنشاء صفحة "العرس المدني اللبناني"، التي تدعو إلى مهرجان احتفالي مدني غفير، في 13 نيسان (أبريل) المقبل، أي في ذكرى اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية.

يقول جابر في حديث صحفي: "هذا يوم مشهود، اخترته لارتباطه بالحرب الأهلية وبتاريخها الذي أرفضه، وأريد أن أغيّر وجهته في أذهان اللبنانيين، من ذكرى طائفية قاسية إلى ذكرى مدنية جميلة، من خلال تنظيم عرس مدني حافل، يفتتح بتقديم التهاني لخلود ونضال، وبعدها يعقد زواج مدني لعدد من الراغبين في ذلك".

وفي تعريف للصفحة، كتب جابر: "نتشرف بدعوتكم لحضور زفاف خلود سكرية ونضال درويش، أول عروسين في أول زواج مدني في لبنان، في أكبر وأضخم عرس لبناني. لهما نرش الأرز ولهما نضال شجرة الأرز وخلودها. شاركونا بالفكرة. شاركونا بالسهرة. شاركونا بالرقصة والزلغوطة والنقطة. شاركونا بالصوت والصورة بالدبكة والشبكة. برش الرز والملبس والبونبون. العرس للجميع، لكل المتزوجين مدني، ولكل أولادهم وبناتهم على المنصة. شاركونا. إحشدوا معنا. ليس لإجل الزواج المدني بل هو عرس لكل حقوقنا المدنية. كونوا كتار شاركونا الأفكار. عاش اليوم المدني".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف