الفساد مؤسسي في الأردن ويتطلب دسترة الرقابة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تشكو هيلدا عجيلات، رئيسة مركز الشفافية الأردني، غياب التشريعات الأردنية المتوائمة مع الاتفاقات الدولية لمكافحة الفساد، وتطالب بدسترة الهيئات الرقابية واستقلالية هيئة مكافحة الفساد لتعزيز دورها، في القطاعين العام والخاص.
عمان: تعتبر مكافحة ظاهرة الفساد في العالم العربي والقضاء عليه من اهم مطالب الشارع العربي عمومًا والأردني خصوصًا، ما يتطلب تضافر الجهود بين مؤسسات المجتمع المدني لمحاربة الفساد، وضرورة العمل على عدم توفير البيئة المساعدة لنمو ظاهرة الفساد، وذلك من خلال البدء من الأسرة والتربية، ثم المدارس والجامعات، وصولًا إلى المجتمع الخارجي للفرد. فالجميع يعول على دور المواطن والإعلام للكشف والتبليغ عن الفاسدين ومكافحة الفساد، مع التحذير من اصدار احكام مسبقة على الناس. فلا يجوز أن يُتهم أحد أو يُبرّأ آخر إلا عن طريق القضاء العادل الذي يصدر احكامه على من يثبت عليه تهمة الفساد، فهو الوحيد القادر على اصدار حكم البراءة أو الادانة بكل نزاهة وشفافية ومن دون محاباة وتحيّز أو خوف.
استغرق الاردن وقتاً طويلًا في مناقشة موضوع الشفافية ومكافحة الفساد والهدر والمحسوبية، قبل الانتخابات النيابية وبعدها، خصوصًا أن المعارضة الاسلامية قاطعت الانتخابات البرلمانية الأخيرة بسبب اتهامات للسلطة التنفيذية بكم الأفواه المتكلمة عن استشراء الفساد والتزوير والهدر في المال العام. وما عزز هذا النقاش كان تراجع الأردن على سلم الشفافية العالمية، الذي أثار المزيد من التساؤلات حول حقيقة نيات أجهزة الدولة الأردنية وجديتها في محاربة الفساد.
النقاط لا المرتبة
ترى الدكتورة هيلدا عجيلات، رئيسة مركز الشفافية الأردني، في حديث خاص لـ"إيلاف" أن تراجع المملكة إلى المرتبة الرابعة عربيًا في تقرير مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية للعام 2012 لا يؤثر كثيرًا على سير الاجراءات في مكافحة الفساد، لأن المهم هو ارتفاع علامة المملكة ثلاث نقاط، من 45 إلى 48، قائلًا: "ما يهمنا هنا العلامة وليس المرتبة، فالمرتبة تختلف من سنة لأخرى بدخول بلدان إلى المؤشر أو خروجها منه، فالمؤشر يقيّم ويرتب الدول طبقًا لدرجة إدراك وجود الفساد بين المسؤولين والسياسيين في الدولة، وﻴﻘﻴس ﻤﺴﺘوى إدراك اﻟﻔﺴﺎد ﻻ اﻟﻔﺴﺎد ﻨﻔﺴﻪ، أي أﻨﻪ ﻴﻌﻛس اﻟﺼورة اﻟﺘﻲ ﻴراﻫﺎ اﻟﻤﺴﺘﻔﺘون ﻋن اﻟﺒﻠد اﻟﻤﺼﻨف ﺒﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻔﺴﺎد اﻹداري واﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻓﻴﻪ، والذي يفُسر بإﻋﺘﺒﺎرﻩ إﺴﺘﻐﻼﻝ الوظيفة العامة للمنفعة الشخصية".
أضافت عجيلات: "محاربة الفساد تتطلب إرادة سياسية حقيقية ومنظمومة نزاهة وطنية تشترك فيها جميع مكونات المجتمع الأردني، فأجهزة الدولة تحاول أن تحارب الفساد ولكن ببطء وبقدر غير كافٍ، والدلالة على ذلك النتائج البسيطة في مكافحة الفساد على مر السنوات القليلة السابقة".
إشراك القطاعات
تعتقد عجيلات أن التنوع والتعدد في أي لجنة متخصصة بمكافحة الفساد هي المنهجية السليمة في محاربة الفساد، في ظل التصميم الملكي لإرساء مفهوم الشفافية في القطاع العام، "لكن هذا يتطلب إختيار أشخاص من ذوي الكفاءة العالية والإختصاص والخبرة والتفرغ التام لمراجعة منظومة النزاهة الوطنية، والإبتعاد عن الوظائف العامة لضمان عدم تضارب المصالح، لأن عمل اللجنة يتطلب بذل المزيد من الجهود الرامية إلى محاربة الفساد وتكاتفها للوقاية منه، حيث أن الوقاية هي التي تحدّ من تفشي الظاهرة في قطاعات المجتمع المختلفة، ولا بد من إشراك ممثلي هذه القطاعات في اللجنة وأن لا تقتصر على أعضاء إعتدنا رؤيتهم في مختلف الأدوار والمهام!".
وترى أن الفساد في الأردن أصبح مؤسسيًا، مع غياب المبادئ والمفاهيم التي تحدّ منه، وبالتالي تزيد من إستنزاف الدولة لمواردها البشرية والطبيعية. تضيف: "فثمة سلطة تغول على أخرى، إلى جانب غياب الولاية العامة التي منحها الدستور للسلطة التنفيذية، وعدم إستقلال الهيئات الرقابية إستقلالًا تامًا، وتجاوز المرجعيات، وعدم إرساء قواعد الحوكمة الرشيدة، وغياب المساءلة والمحاسبة ، كل هذه العوامل سببت وتسبب فشل الحكومات في برامجها الإصلاحية، فالحكومات وإن تتبعت أدوات شراكة الحكومة المفتوحة Open Government Partnership من شفافية وإفصاح وشراكة، وقامت بتعزيز التشريعات وتطوير تلك المتعلقة بالنزاهة والشفافية مثل قانون إشهار الذمة المالية وقانون الحق في الوصول إلى المعلومات، فإنها لن تنجح في عملية مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين".
المكافأة لا التوقيف
وحول توقيف صحافيين على خلفية إثارتهم لشبهات فساد في صفقات تتناول المال العام، قالت عجيلات لـ "إيلاف": "حرية التعبير كفلها الدستور الأردني للمواطنين، لكن بعيدًا عن التشهير وإغتيال الشخصية، فلا بد من تحفيز الصحافي الإستقصائي الذي يكشف قضية فساد والقائمين عليها مقدمًا إثباتات وبينات، لا توقيفه ومحاسبته!".
واضافت: "هنا أقتبس كلمة الملك عبدالله الذي أكد أن الحرية في الأردن سقفها السماء، مشددًا على ضرورة أن يتحمل الرجل المسؤول في المنصب العام النقد أو يختار الجلوس في بيته، فالأردن وقّع الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد وصادق عليها في بداية العام 2005، وما زلنا نحتاج إلى تحسين وتطوير الآليات والتدابير الوقائية لمحاربة الفساد لضمان مساءلة الفاسد وحماية المبلغ أو الشاهد على الفساد".
ودعت عجيلات الاعلام الاردني إلى ضرورة ممارسة دوره الرقابي والتوعوي في اظهار مخاطر الفساد على التنمية الشاملة، وعلى حياة الفرد والمؤسسات، قائلة: "الإعلام الأردني الرسمي مقصر جدًا في مجالي التوعية لمخاطر الفساد والتثقيف لنتائجه المدمرة على التنمية الشاملة وعلى حياة الأفراد والمؤسسات. أما الإعلام الخاص فما زال ضعيفًا وهشًا وغير حيادي".
الفجوة بين التشريع والتنفيذ
تعتقد عجيلات بأن الأردن سبّاق في توقيع الإتفاقيات الدولية، لكنّه بطيء في تنفيذها أو مراجعتها وتطويرها لتلائم المستجدات على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية. المشكلة، بحسب العجيلات، لا تكمن في التشريعات نفسها وإنما بالقائمين على تطويرها بالآليات اللازمة، "فقانون من أين لك هذا مطلب شعبي منذ عقود ولم يتم إستصدار القانون لغاية تاريخه على الرغم من الوعود المتكررة على مر الحكومات المتعاقبة".
ودعت عجيلات إلى اجراء مراجعة دورية لهذه التشريعات، لأن الفجوة بين أي عاملين هو الفراغ الذي يتم إجراء التحليلات فيه، فيمكن أن تصيب ويمكن أن تخيب، "لذا لا بد من إجراء مراجعة دورية للتشريعات، والعمل على تطويرها وسد الثغرات فيها حتى لا يُترك المجال لأي إجتهادات شخصية أو سياسية! فالفساد قائم على ضعف التشريعات وعدم تطبيقها، وعلى الفراغ ما بينها وبين الثغرات الموجودة فيها".
أضافت: "كشف التقرير السنوي لمنظمة النزاهة الدولية للعام 2011 عن الضعف الشديد في التشريعات الأردنية في مجال التمويل السياسي، حيث حصل الأردن على درجة 67 في المئة من حيث التشريعات أي بتقدير ضعيف، ودرجة 46 في المئة لفاعلية التشريعات والإجراءات بتقدير ضعيف جدًا، ودرجة كلية 57 في المئة للإطار القانوني والعملي لمنظومة مكافحة الفساد بتقدير ضعيف جدًا.
وبحسب التقرير الكمي الذي يعتمد 325 مؤشرًا قانونيًا وتطبيقيًا حول التشريعات والإجراءات المتعلقة بالحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، حصل الأردن على درجة 13 في المئة في مجال تشريعات التمويل السياسي، وكذلك في مجال إدارة الشركات الحكومية والخصخصة، و17 في المئة في النزاهة الإنتخابية، و29 في المئة في حماية شهود الفساد، و34 في المئة لقوانين وإجراءات منع تضارب المصالح في القضاء".
وبينت عجيلات أن الاردن بلور بعض بنود الإتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، وليس جميعها، مشيرة إلى عدم مواءمة قانون العقوبات الأردني مع الجرائم المنصوص عليها في الإتفاقية الدولية، كقضية الرشوة في القطاع الخاص، وهي غير مجرمة في القانون المحلي ومجرمة بموجب الإتفاقية الدولية.
مسميات أخرى
قالت العجيلات: "لا يوجد شي إسمه قضايا فساد لأن المحاكم فيها قضايا مختلفة، كقضية الرشوة، وإستغلال الوظيفة، والإحتيال وغيرها... فهذه تقع كلها في باب الفساد، لكن بمسميات عديدة وفق قانون العقوبات، لكن حسب تقرير هيئة مكافحة الفساد للعام 2011، فقد تعاملت مع 714 شكوى خلال العام 2011 تم تحويل 36 قضية منها إلى المدعي العام المنتدب لدى الهيئة، اضافة إلى الفصل في 43 قضية من أعوام سابقة وإحالتها إلى الادعاء العام المنتدب، حيث بلغ العدد الإجمالي للقضايا التي تم التعامل معها من قبل محققي الأمن العام المنتدبين لدى الهيئة 187 قضية، تم بمقتضاها اتخاذ الإجراءات التي شملت تحويل 28 قضية إلى المدعي العام المنتدب، وحفظ 49 قضية لعدم وجود شبهة فساد فيها، كما تمت مخاطبة الجهات صاحبة العلاقة لتصويب التجاوزات في 87 قضية".
ووفقًا للتقرير، تمت احالة 3 قضايا إلى مجلس النواب، كونها تتعلق بوزراء، و7 قضايا جرائم اقتصادية إلى مدعي عام أمن الدولة، إضافة إلى حفظ 267 قضية لعدم وجود شبهة فساد فيها أو لشمولها بقانون العفو العام. كما تمت مخاطبة الجهات صاحبة العلاقة لتصويب بعض التجاوزات التي تحتويها 17 قضية.
واشارت عجيلات إلى أن التقرير اظهر أن عدد القضايا التي صدرت بها أحكام قضائية من المحاكم المختصة للعام 2011 بلغ 28 قضية لم يصدر بأي منها قرار بالإدانة أو البراءة أو عدم المسؤولية، بسبب شمولها بقانون العفو العام، في حين بلغ عدد القضايا التي اكتسبت الدرجة القطعية في المحاكم خلال العام 2011 من قضايا سنوات سابقة 46 قضية، تمت الإدانة في 16 منها.
دسترة الرقابة
لا ترى عجيلات بدًا من دسترة الهيئات الرقابية، وليس فقط قوننتها، ومن العمل على استقلاليتها استقلالًا شاملًا وتامًا لضمان نزاهتها وحياديتها، على الرغم من إشادة المنظمات الدولية والإقليمية بقانون حق الحصول على المعلومات، الذي اعتبرته خطوة واعدة إلى الامام. الا أن الممارسة العملية بينت أن إمكانية وصول المواطن إلى الوثائق المهمة، مثل نماذج الإفصاح عن الموجودات التي يقدمها المسؤولون الحكوميون والسجلات المالية للشركات الحكومية والتقارير الصادرة عن هيئة مكافحة الفساد وديوان المظالم، مقيدة، ومضيفةً: "اشار تقرير المنظمة إلى أنه من غير المحتمل لجوء المواطنين إلى المحكمة للطعن في حرمانهم من الوصول إلى هذه الوثائق بسبب طول فترة التقاضي وإرتفاع اسعار الرسوم القانونية المطلوبة، كما أن قانون الحق في الحصول على المعلومات Access to Information الذي صدر بقانون خاص في العام 2007 لم يحقق الغاية المرجوة منه، كذلك لا يوجد تصنيف للمعلومات حتى هذه اللحظة ولا نموذج طلب معلومات موحد، وكذلك قانون حماية أسرار الدولة، وذلك لمعرفة وتمييز المعلومات المراد والمسموح الحصول عليها".
لاستقلالية الهيئة
شددت عجيلات على أهمية مكافحة الفساد في القطاع الخاص، لأن ذلك يشكل إحدى دعائم نظام النزاهة الوطني والحوكمة الرشيدة، خصوصًا أن الفساد في القطاع الخاص يعرقل التنمية الاقتصادية المستمرة ويلحق الأذى بالتنافس الشريف، وكلفته باهظة على القطاع الخاص والدولة على حد سواء.
وطالبت عجيلات بضرورة ضمان استقلالية هيئة مكافحة الفساد، قائلة: "طالما أن مجلس هيئة مكافحة الفساد يُسمى من قبل مجلس الوزراء، فان أداءها وتقاريرها مشكوك فيها، لذا لا بد من دسترتها وضمان إستقلاليتها إذا أردنا فعلًا محاربة الفساد، كما لا بد من أعضائها أن يفصحوا عن إقرار الذمة، وأن يتم تفحص هذه الإقرارات ونشرها على الموقع الإلكتروني للهيئة، إذ يُفترض أن يكونوا النموذج الأمثل للنزاهة والشفافية في المجتمع.