السوريون يتذكرون شهر الثورة حين أسقطوا جمهورية الخوف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
قرر السوريون قبل عامين أن يكسروا جدار الخوف بعد أن عاشوا لمدة طويلة في ظل ترهيب أجهزة الاستخبارات. ويؤكد المعارض السوري ميشال كيلو أن حضور أجهزة المخابرات ترك أثرًا مريعًا في فكر السوري الذي كان مرغمًا على ألا يكون له رأي.
بيروت: عاش السوريون طوال أكثر من أربعين عامًا في ظل ترهيب اجهزة الاستخبارات التي تغلغلت في حياتهم وقولبت طريقة تفكيرهم. في آذار (مارس) 2011، قرروا أن يكسروا جدار الخوف، ولو كلفهم الامر حياتهم.
ويقول الناشط ابو غازي من محافظة حماة في وسط البلاد إن والديه كانا يرددان امامه مذ كان صغيراً "لا تتدخل في السياسة حتى لا تأتي المخابرات لتبحث عنك". ويضيف "هذا الخوف من الاجهزة الامنية جعل السوريين مغيبين عقليًا ومسيّرين سياسيًا، غير قادرين على تحليل الواقع".
منذ وصول الرئيس الراحل حافظ الاسد، والد الرئيس بشار، الى سدة الحكم في العام 1970، باتت سوريا تعيش في ظل نظام متسلط يديره حزب واحد هو البعث العربي الاشتراكي، وذلك على صورة العراق ابان حكم الرئيس الراحل صدام حسين.
ويشير خبير غربي مقيم في العاصمة السورية فضل عدم كشف اسمه الى أن "اجهزة المخابرات احتلت تدريجياً موقعًا لا يتناسب مع وظيفتها المفترضة، وتحولت الى الاداة التنفيذية الوحيدة للنظام".
مدفوعًا بارادة لقمع أي اختلاف داخل المجتمع، اعتمد النظام السوري في عهد حافظ الاسد على الاجهزة الامنية القوية، وابرزها المخابرات العسكرية، والمخابرات الجوية، و"فرع فلسطين" الذي كان اسمه كفيلاً بإخافة الناس.
ويؤكد المعارض السوري البارز ميشال كيلو لفرانس برس أن حضور اجهزة المخابرات "ترك أثرًا مريعًا في فكر وسلوك السوري الذي كان مرغمًا على ألا يكون له رأي أو موقف، وإلا تعرض لأفظع أنواع العقاب".
ويضيف هذا المعارض الذي امضى اعواماً في السجون السورية أن الاجهزة كانت حاضرة "في كل مكان، من دوائر العمل الى الأحياء الى الشوارع والمقاهي والحوانيت وحتى المقابر". ويقول الخبير الغربي إنه خلال الثمانينات من القرن الماضي "ساد حكم من الرعب الذي ترك اثره العميق على المجتمع السوري"، في اشارة الى القمع الدموي لانتفاضة جماعة "الاخوان المسلمين" في حماة.
ويضيف "ولّد هذا الامر نوعًا من الذاكرة الجماعية، وظل يسكن كل شخص لمدة طويلة". وتقوم اجهزة الاستخبارات السورية بعمليات اعتقال عشوائية، وتمارس التعذيب بشكل منهجي، وتعطي تعليمات سرية للادارات العامة، وكانت قادرة على نقض قرارات اتخذتها الحكومة.
هذه الممارسة كانت ذكراها مترسخة في الاذهان بعد وصول الرئيس الشاب بشار الاسد الى الحكم في العام 2000 خلفًا لوالده، على الرغم من أن اجهزة الاستخبارات في عهده اصبحت "اقل عنفًا واكثر تطورًا"، بحسب الخبير نفسه.
ويتابع "كان الناس يرتعبون من ظلهم في ذلك الوقت. حتى اولئك الذين لم يكونوا يخوضون في الاحاديث السياسية والذين لم يكن لديهم أي سبب للخوف، كانوا يعيشون في خوف". كان يكفي عملاء هذه الاجهزة مثلاً أن يلجأوا الى الايحاء فقط بدلاً من التهديد المباشر، لاخافة الناس. ويوضح الخبير أن "ذكرى الترهيب وحدها كانت كافية".
والمخبرون كانوا اكثر من يثير خوف الناس، فهم "عيون وآذان" اجهزة الاستخبارات التي تدفع لهم اموالاً عن كل معلومة يقدمونها حول سكان الاحياء والحارات. ويشير ابو غازي الى أن المخبر "قد يكون البقال أو الخباز أو مصفف الشعر".
وبحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، قتل الآلاف من المخبرين المبغوضين من السكان بعد اندلاع الاحتجاجات المطالبة بسقوط النظام في منتصف آذار (مارس) 2011.
وبفعل كونها على تماس مباشر مع المجتمع، كانت اجهزة المخابرات اول من لمس تغييرًا في سوريا بعد انطلاق شرارة "الربيع العربي" في العام 2010. ويقول الخبير الغربي "في حين كان النظام في مرحلة انكار لما يحدث، رأت المخابرات هذا المجتمع يتحول سريعًا وبطريقة مقلقة جدًا بالنسبة اليها".
ودفعها هذا القلق المتزايد الى خطوات منها "أنه كان يتعين على كل من يرغب في شراء دلو من الطلاء، تقديم بطاقة هوية للتعريف عن نفسه"، وذلك بعد انتشار الرسوم والشعارات المناهضة للنظام قبل اندلاع الانتفاضة.
ومع نزول عشرات الآلاف من السوريين الى الشوارع في تظاهرات معارضة للنظام، شارك "الشبيحة" الذين كانوا في الاصل مهربين يحظون بتغطية من النظام، في قمع الاحتجاجات بالقوة. وعادت مجددًا ممارسات التعذيب المعهودة والاعتقالات العشوائية.
لكن جدار الخوف انهار الى غير رجعة، كما يقول السوريون المعارضون مثل ابو غازي. ويضيف الشاب العشريني "المهم الا يأتي بعد الاسد، شكل آخر من الدكتاتورية، أو اشخاص يريدون فرض آرائهم الدينية على سبيل المثال (...) لن نقبل بعد اليوم بالترهيب".