المنافس الوحيد الذي تخشاه أنجيلا ميركل... امرأة

لا شك في أن التاريخ سيحفظ للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مكانة رحبة على صفحاته. وقد بلغ من شأنها أنها صارت بلا منافسين حقيقيين يطمحون إلى مقعدها... حتى الآن. فهناك نجم يزداد لمعانًا يومًا بعد آخر، ويعده المراقبون بالخلافة قريبًا.

صلاح أحمد: كل الرجال الذين لم يعجبهم أن ألمانيا، القوة الأوروبية العظمى، تقودها امرأة لم يعرف عنها تمتعها بالكاريزما السياسية أو سحر الشخصية الذي يأتي بمعيّة جمال الخلقة، حاولوا إزاحتها جانبًا. لكن المطاف انتهى بهم سريعًا إلى سلة مهملات التاريخ هم أنفسهم.

هكذا ظلت أنجيلا ميركل جالسة على كرسي المستشارية ملكة غير متوّجة، ولا سبيل للنيل منها، سواء على الصعيد الداخلي أو الأوروبي أو الدولي.

لكن، وفقًا لصحيفة "تايمز" البريطانية، فإن هذا العرش الراسخ قد يهتز قريبًا... وليس بأيدي عتاة الساسة التقليديين، وإنما من لدن امرأة أخرى، تعمل حاليًا داخل مجلس وزراء ميركل نفسها في منصب وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية.

لهذه ما ليس لتلك
اليك أورسولا فون دير لاين (54 عامًا)، التي تتمتع بكل ما تفتقر إليه ميركل. فهي جميلة تتفجر أنوثة، وتحيط نفسها بشيء من نوع "الهالة الارستقراطية"، التي يخلقها نجوم المجتمع حولهم من عدم. على أن الاستثناء هنا هو أن هذه المرأة لم تخلق هذه الهالة من عدم. فهي سليلة بارون، وتزوجت من أسرة تتحدر من نبلاء البلاد. وعلى صعيد السلطة بالمفهوم الحديث فهي أيضًا ابنة إيرنست أولبريشت رئيس الوزراء السابق في ولاية سكسكونيا السفلى.

على عكس ميركل، التي أمضت طفولتها وصباها في ألمانيا الشرقية "القاسية الصارمة"، نشأت فون دير لاين بين أضواء المدن الغربية وبهرجها. فكانت طفولتها في بروكسل، حيث كان والدها مسؤولًا في السوق الأوروبية المشتركة.

لاحقًا تلقت تعليمها الجامعي في "لندن سكول أوف ايكونوميكس". ثم درست الطب في جامعة هانوفر، قبل أن تنتقل إلى كاليفورنيا مع زوجها بروفيسور العلوم الطبية في جامعة ستانفورد، كاليفورنيا.

أضف إلى هذا أن لفون دير لاين سبعة أبناء من زواجها، بينما ظلت ميركل بلا أبناء، رغم أنها تزوجت مرتين. وإذا كان ثمة من يعتقد أن هذا لا علاقة له بالسياسة، فإن المحللين السياسيين يضعونه في إطار أكبر يتعلق بما يتصوره الناخب من أن الخصوبة البيولوجية ترتبط على نحو ما بالخصوبة الفكرية لكون الأمومة أحد أكبر مصادر النضج في الحياة.

جرأة سياسية
على أن ما بدأ يدير طواحين الشائعات عن طموح فون دير لاين إلى كرسي المستشارية نفسه هو جرأتها السياسية الواقفة على عتبة العصيان لزعيمة حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" (المحافظ) الذي تنتمي إليه كلتا المرأتين. فقد تحدتها علنًا بوقوفها خلف مشروع قانون لتخصيص قدر أدنى من المقاعد التنفيذية للنساء داخل مجالس الإدارات بقوة القانون. وناضلت من أجل حصولها على وعد من الحزب بأن يكون هذا الأمر ضمن النقاط الرئيسة في بيانه الانتخابي المقبل.

لم يغضب هذا الموقف المستشارة وحسب، لأنها رأت فيه تجاوزًا سافرًا لسلطتها، وإنما أغضب أيضًا رعيل الحزب القديم... ولكن على المستشارة نفسها. وينطلق هؤلاء من حقيقة أن فون دير لاين قادرة على "التحريك السياسي ولفت الأنظار، خاصة وسط قطاعي النساء والشباب" على نحو لم تثبت ميركل أنها قادرة عليه.

سيدة نفسها
تتمتع فون دير لاين أيضًا بسمعتها كشخص رافض للقوالب الجاهزة، سواء كانت هذه القوالب تصنّف في خانة التقدمية أو التقليدية الرجعية، وبحملاتها الصريحة من أجل مبادئها.

على سبيل المثال فهي داعية شرسة إلى سد جميع المنافذ أمام المواد الإباحية على الإنترنت إلى حد أنها تنبذ حرية التعبير جملة وتفصيلًا إذا كان هذا هو الثمن اللازم. وهي أيضًا داعية إلى صرف رواتب مجزلة خلال عطلات الأمومة خصوصًا والأبوة أيضًا.

وغني عن القول إن مواقف كهذه الأخيرة بشكل خاص جمعت من حولها الصوت النسائي على نحو يكاد يكون غائبًا في التاريخ السياسي الألماني الحديث. لهذا كله قالت عنها صحيفة "دي تسايت" إنها "تتمتع بالقدرة على جذب الجماهير إلى خطاباتها السياسية، وعلى أن تملأ بهم المقاعد والمدرجات".

من جهتها، كانت مجلة "دير شبيغل"، وهي المطبوعة الألمانية الأشهر في العالم، صريحة بقولها إن فون دير لاين "في تناولها للأشياء بروح مقدامة وشجاعة تهيئ لها التصدي للمشاكل وجهًا لوجه، فهي تشكل بديلًا حقيقيًا من أنجيلا ميركل المترددة أبدًا".

أورسولا فون دير لاين
* ولدت في بروكسل في أكتوبر/تشرين الأول 1958، ثالث أبناء الألمانييْن هايدي أديل وإيرنست أولبريشت، الذي ترأس الوزراء في سكوسنيا السفلى من 1976 إلى 1990. ونشأت بين ستة أخوة منهم بنت والبقية ذكور.

* تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي في المدرسة الأوروبية، بروكسل، ثم انتقلت إلى دراسة الاقتصاد في غونتنبرغ ومونستر، ألمانيا، ثم لندن، وتخرجت بشهادتها في 1978. ثم عادت إلى ألمانيا، وفي 1987 تخرجت في كلية الطب في جامعة هانوفر الألمانية، وفي 2001 حصلت على ماجستير الصحة العامة.

* ترقت في صفوف حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" حتى حصلت على مقعد في لجنته التنفيذية (2004 - 2009).
* صارت في حكومة ميركل الأولى وزيرة للشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب (2003 - 2009). وظلت منذ هذا العام الأخير تشغل منصب وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية.

أنجيلا ميركل
* ولدت أنجيلا دوروتيا ميركل في 17 يوليو (تموز) 1954 في هامبورغ لأبيها القس اللوثري والمعلم، الذي انتقل عام ولادتها بالأسرة إلى تيمبلين، قرب برلين في ألمانيا الشرقية سابقًا. وهنا تلقت تعليمها الابتدائي والثانوي قبل التحاقها بجامعة لايبزيغ، حيث درست الفيزياء (1973 ـ 1978). ثم واصلت دراساتها في "المعهد المركزي للكيمياء الفيزيائية" في أكاديمية العلوم (1987 ـ 1990) وحصلت منه على شهادة الدكتوراه في الفيزياء متخصصة في كيمياء الكم.

* في أواخر 1989، بعد سقوط جدار برلين، صارت ناشطة في الحركة المطالبة بالديمقراطية، وانضمت إلى الحزب الجديد "الصحوة الديمقراطية". وبعد أول انتخابات ديمقراطية في الشطر الشرقي، أصبحت ناطقة باسم الحكومة الجديدة بقيادة لوتار دوميزيير.

* بعد أول انتخابات في ألمانيا الموحدة في ديسمبر (كانون الأول) 1990 صارت وزيرة لشؤون النساء والشباب في حكومة هيلموت كول، الذي رعاها، وعيّنها في 1994 وزيرة للبيئة وسلامة المفاعلات النووية.

* بعد هزيمة حكومة كول في انتخابات 1998 العامة، انتخبت أمينة عامة للاتحاد الديمقراطي المسيحي. وفي مايو (أيار) 2005 فازت بترشيح تحالف الحزبين "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" و"الاتحاد الاجتماعي المسيحي" لخوض انتخابات ذلك العام. فنازلت مرشح "الحزب الديمقراطي الاجتماعي" غيرهارد شرودر وصارت، بعد هزيمته، أول مستشارة للبلاد.