عبدالله الثاني بدد أحلام النواب الأردنيين في التوزير مطالبًا بالتدرّج
حكومة عبدالله النسور ما "بين الشوكة والسكين"!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تدور في الشارع الأردني عدة تساؤلات حول رئيس الحكومة عبدالله النسور بعد أن حسم الملك عبدالله الثاني الموقف من توزير النواب. ففيما رأى مراقبون أن المبادرة تمثل عرقلة لأداء حكومة النسور اعتبر آخرون أنها أتت لإنقاذ رئيس الحكومة من ورطة وعوده.
عمّان: السؤال الذي يتردد في العاصمة الأردنية عمّان هو: هل تورط رئيس الحكومة الدكتور عبدالله النسور بحاجز "ملكي مكين" قد يقوده للاستقالة "طواعية" إثر تبديد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أحلام نواب البرلمان السابع عشر، بإجراء تعديل وزاري على حكومة عبد الله النسور وإشراك بعضهم فيها، أم أنه سيستمر في مقعد الرئاسة لحكومة مبتورة يتلقى ضربات البرلمان إلى حين من الزمن انتظاراً لإنقاذ ملكي حاسم قد تطول مدته أو تقصر؟
أم أن النسور من جانب آخر، سيظل في مواجهة مجلس نواب عالي الصوت، ومنه مجموعة كبيرة تحلم بالمنصب الوزاري، قدم عدد من أعضائه مذكرة بطلب طرح الثقة بالحكومة، وقد تستمر مثل هذه المطالب حتى إسقاط الحكومة تحت قبة البرلمان لتكون هي الثانية التي تواجه هذا السقوط في التاريخ الأردني منذ إسقاط حكومة سمير الرفاعي السادسة العام 1963.
الملك يحسم
وكان الملك عبدالله الثاني حسم الموقف خلال لقاء هو الأول من نوعه لأعضاء مجلس النواب السابع عشر الـ 150 يوم الأحد الماضي، وذلك في مبادرة اعتبرها مراقبون على الساحة الأردنية بمثابة "عرقلة لأداء حكومة النسور" التي استطاعت نيل ثقة النواب بـ "شقّ الأنفس" بواقع منح 82 نائبًا للثقة مقابل حجب 66 نائبا، من أصل 150 نائبا.
وبعد ساعات محدودة من الحسم الملكي تنادى عدد من نواب البرلمان الأردني للتوقيع على مذكرة، للمطالبة بطرح الثقة بحكومة عبدالله النسور، ردًا على عدم استجابتها لمطالب النواب الأخيرة.
والنواب الـ 87 الذين وقعوا على مذكرة طرح الثقة بالحكومة وجدوا في موضوع مطالبتهم بعدم استجابة الحكومة لمطالب النواب بطرد السفير الإسرائيلي واستدعاء السفير الأردني في تل أبيب سبباً لهذا الطلب، لكن لم يغب عن أذهانهم أن رئيس الحكومة لن ينفذ تعهداته بالتعديل الوزاري لشمول نواب في حكومته.
وجاء في مذكرة النواب الذين سحب عدد منهم توقيعهم عنها "أنه نظراً لعدم استجابة الحكومة لطلب ممثلي الشعب من الزملاء أعضاء البرلمان بطرد السفير الإسرائيلي من الأراضي الأردنية واستدعاء سفيرنا في تل أبيب، لما قام به العدو الصهيوني من التعدي على مقدساتنا الإسلامية في القدس الشريف".
وفوق هذا، فإن النواب في محاولاتهم للضغط على الحكومة التي تواجه عدة أزمات داخلية يطالبون أيضاً بإعادة النظر في بنود معاهدة السلام لما فيه مصلحة الأردن، مشيرين إلى عدم الالتزام الطرف الاسرائيلي في العديد من البنود المتفق عليها بين الطرفين في اتفاقية وادي عربة.
يذكر أن الرئيس النسور (وهو وزير سابق لمرات عديدة ونائب ظل يناكف كل الحكومات السابقة) الذي تم تكليفه بتشكيل حكومته الثانية بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في شباط (فبراير) الماضي كان أطلق عدة وعود وتعهدات بشأن اعتزامه توزير النواب وذلك خلال المناقشات الساخنة للنواب لبيانه الوزاري.
وينص الدستور الأردني على أن أوامر الملك الشفوية والخطية لا تعفي الوزراء من مسؤوليتهم، فإن النواب الموعودين بالتوزير، وتبددت أحلامهم في الهواء الملكي، سيجدون ضالتهم بالانتقام من حكومة النسور ولن يفوتوا اية فرصة لإسقاطها تحت أية ذريعة.
وكان الملك عبدالله الثاني كشف صراحة خلال اللقاء، عن استئذان الرئيس النسور له بإجراء تعديل وزاري على حكومته، لكنه - أي الملك - أكد "أهمية الحفاظ على مبدأ التدرج في هذا الموضوع". وبالمقابل دعا الملك إلى ضرورة تحديث النظام الداخلي للبرلمان، وتحدث عن ضرورة "مأسسة" عمل الكتل النيابية واستقرارها.
ووجه الملك سؤالا مباشراً لنواب البرلمان :"السؤال المطروح عليكم اليوم هو: إذا كان الهدف النهائي للإصلاح هو حكومة برلمانية شاملة، فهل الأولوية اليوم هي دخول النواب في الحكومة، أم تحديث ومأسسة عمل مجلس النواب، بما يؤدي إلى نجاح تجربة إشراك النواب في الحكومات البرلمانية؟".
مياه باردة
إلى ذلك، وصف برلمانيون ممن "حجبوا" الثقة عن الحكومة الموقف الملكي بأنه بمثابة "رش مياه باردة على النواب"، معتبرين أنها مبادرة لإنقاذ النسور من ورطة وعوده، واعتبر بعض النواب ان الملك "أنقذ النسور من ورطته"، معتقدين أن ما قاله الملك هو "رسالة قاسية للنواب ولرئيس الحكومة أيضا".
كما اعتبر مراقبون ان الرسالة الملكية واضحة بأن النواب ليسوا مهيئين لتسلم حقائب وزارية. لكن من جهته، وبخلاف توقعات مراقبين بشأن توتر العلاقة لاحقا بين الحكومة والنواب، اعتبر النائب في البرلمان مصطفى الحمارنة، أن الموقف الملكي من شأنه "تقوية" حكومة النسور.
وقال الحمارنة الذي صوت للنسور بمنح الثقة "موقف الملك لم يأت من فراغ بل استجابة للرأي العام الذي فضل عدم توزير النواب لأن الكتل النيابية ليست متماسكة... ما جرى هو لصالح رئيس الحكومة الذي اضطر الى الحديث عن تعديل وزاري قبل الثقة".
ولفت الانتباه اليوم الثلاثاء مقال للكاتب فهد الخيطان "وهو مؤيد للحكم" في صحيفة (الغد) تحدث فيه عن ان حكومة النسور باتت مهددة بالسقوط، وقال: "إذا كان توزير النواب أمرا غير مرغوب فيه الآن، وهو توجه صحيح من وجهة نظري، فلماذا لم ينبه أحد في "السيستم - النظام" النسور، على الأقل بالطلب منه عدم تضمين كتاب الرد إشارة صريحة للموضوع ؟ لم يعترض أحد في حينه سوى بعض النواب وكتّاب المقالات، فيما التزم المسؤولون الصمت. ربما اعتقدوا أنه مجرد خطوة تكتيكية لكسب ثقة النواب، ثم بعد ذلك يكون لكل حادث حديث. لكن النسور أخذ الأمر على محمل الجد، وعندما حان وقت الوفاء بالوعد جاء الضوء الأحمر من القصر".
ورطة الرئيس
وتابع فهد الخيطان: "رئيس الوزراء في ورطة؛ فهو من جهة لا يستطيع أن يتحدى الإشارة الملكية، ومن جهة أخرى سيجد نفسه في موقف محرج مع نواب قطع أمامهم وعدا بالتوزير. وفي الوقت ذاته، عليه أن يكسب رضاهم ليمرر قرار رفع أسعار الكهرباء، ويتجنب التصويت على طرح الثقة بحكومته بعد أن وقعت أغلبية نيابية على عريضة لحجب الثقة".
إلى ذلك، رجح المحلل السياسي الكاتب في صحيفة (الدستور) ماهر أبو طير أن تشهد العلاقات بين البرلمان والحكومة تصعيدا خلال الاسابيع القليلة المقبلة، وخطابا نيابيا أكثر خشونة، وعزا أبو طير تبدل موقف مطبخ القرار الذي تحدث في وقت سابق عن ضرورة تشكيل حكومة برلمانية، إلى دراسة أجرتها مراكز قرار لقياس كلفة "توزير النواب".
وقال أبو طير: "ما جرى سينعكس بشكل سلبي على موقف النواب من الحكومة.. صفحة التوزير طويت بعد أن كان هناك تسويات بين الكتل والرئيس... الملك رفع الحرج عن النسور وعبر بوضوح عن رغبة القصر".
نهج جديد
ويشار إلى أن الملك عبدالله الثاني أكد في خطاب العرش الذي كان ألقاه في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الامة السابع عشر إلى نهج عمل جديد، وسنبدأ من نهج التشاور مع مجلس النواب والكتل النيابية فور تشكيلها، في تشكيل الحكومات من أجل الوصول إلى توافق يقود إلى تكليف رئيس للوزراء، ويبادر هو بدوره للتشاور مع الكتل النيابية، ومع القوى السياسية الأخرى حول فريقه الوزاري، ثم يتقدم للحصول على الثقة من مجلس النواب، على البيان الوزاري الناجم عن عملية التشاور، وعلى أساس برامجي لمدة أربع سنوات.
وقال الملك: وستكون عملية المشاورات وتشكيل الحكومات سريعة وسهلة، إذا توفر ائتلاف كتل يحظى بالأغلبية، ولكنها ستأخذ وقتاً وجهداً أكثر، في حال عدم بروز ائتلاف أغلبية، وهذا من أساسيات الديمقراطية البرلمانية.
والملك عبدالله الثاني كان أكد أن تطور آلية التشاور يعتمد على تقدم العمل الحزبي والبرلماني، الذي يؤدي إلى ظهور ائتلاف برلماني على أسس حزبية، يتمتع بالأغلبية وتنبثق منه الحكومة، ويقابله ائتلاف برلماني معارض يمارس الدور الرقابي، كحكومة ظل.
وقال إن هذا الدور يرتب عليكم مسؤولية كبيرة في أن يكون مجلس الأمة حاضنًا للحوار الوطني، بحيث يتواصل مع المجتمعات المحلية والقوى السياسية بنقاشات موسعة، تضمن إيصال آراء الجميع وتضمينها في عملية صناعة القرار، ليستقر في يقين كل مواطن بأن مشاركته السياسية منتجة.
وختم قائلًا: إن دور مجلس النواب في الحكومات البرلمانية، يتطلب منه الإسراع في تطوير نظامه الداخلي، لمأسسة عمل الكتل النيابية، ودعم فعالية المجلس، كما ينبغي للمجلس تطوير مدونة سلوك ملزمة، يتعهد النواب من خلالها ممارسات نيابية إيجابية، تعزز دورهم التشريعي والرقابي، وتجعل أساس علاقتهم بالحكومة التنافس على خدمة الصالح.