أخبار

استاذ التاريخ يرد تسارع الحراك إلى الغزو وليس تأثرًا بالربيع العربي

الحراك الكويتي سلمي ومتدرج ويأتي دائمًا ردة فعل لأزمة عابرة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يقول الدكتور هشام العوضي، أستاذ التاريخ بالجامعة الأميركية في الكويت، إن الحراك المتصاعد في البلاد دليل صحة إجتماعية، لأن العلاقة بين الشعب والأسرة الحاكمة محكومة بالسلم وبالتحول التدريجي، الذي يأتي في العادة ردة فعل على أزمة عابرة بالبلاد، مهما كانت حدتها.

الكويت: يبدي البعض تخوفهم من الحراك السياسي الذي تشهده الكويت حاليًا، والمتمثل بمعارضة صلبة، ويطلق عليها الغالبية المعارضة التي تتعرض لهجوم شرس لم يثنها عن حراكها وتمسكها بمطالبها. ووسط هذا التخوف، يقول الدكتور هشام العوضي، أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في الجامعة الأميركية بالكويت، لـ"إيلاف" إن ما يحدث في المجتمع الكويتي دليل صحي، مستشهدًا برصده التاريخي للحراك السياسي الكويتي وتحليله وربطه بالحراك الحالي، "فالتعاطي السياسي بين الشعب والأسرة الحاكمة منذ أن استقر آل الصباح اتسم بالتعاطي السلمي الذي لا يدخل فيه العنف عاملًا في التغيير، كما اتسم كل تحول ديمقراطي في هذا البلد بالتدرج البطيء، وارتباطه بأزمة تسبقه، فهو لا يأتي تلقائيًا ولكن كردة فعل لأزمة ما".
وأشار العوضي إلى أن تسارع وتيرة الحراك حاليًا مرده لتداعيات غزو العراق للكويت في العام 1990، وليس تأثرًا مباشرًا بالربيع العربي.

السلمية أول السمات
بعد أن غاص العوضي في تاريخ الحراك الكويتي، رصد سمات لازمت كل حراك تقريبًا. أول تلك السمات هي السلمية. ويستدرك قائلًا: "نعم حدث استثناء في حركة المجلس التشريعي في العام 1938 الذي شهد بعض العنف، وهو مجلس تشريعي لم يأخذ لقب مجلس أمة، لأن أول مجلس أمة كان بعد الاستقلال، ومجلس 1938 كان من المجالس المبكرة الذي تم تشكيله أبان وجود البريطانيين في الكويت".
وأشار إلى أن الطابع السلمي في الحراك الكويتي يعود إلى طبيعة العقد الاجتماعي الذي يربط بين الحاكم والمحكوم، "فأسرة الصباح بالمقارنة مع أسر أخرى حاكمة لم تأت الكويت بالقوة، ولم تكن غازية أو متغلّبة على الشعب، بل كان آل الصباح مهاجرين أتوا من نجد لظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية، وحطوا رحالهم في الكويت، ولم يأتوا فرادًا، بل مع أسر أخرى وقبائل أخرى، اختارتهم لإدارة الشأن السياسي، على أن تقوم أسر أخرى بإدارة الشؤون التجارية".
تمثل الاتفاق بين هذه العائلات في أن تقوم أسرة الصباح بتوفير الأمن والأمان لضمان سلامة قوافل التجار التي تقطع الصحراء، وضمان عدم تعرض سفنهم لهجمات القرصنة، وتولى التجار الدعم الاقتصادي الذي يعين اّل الصباح على أداء دورهم السياسي. وضمن هذا الإطار، كان يحصل حراك ومفاوضات لإعادة صياغة بعض بنود هذا العقد الاجتماعي ولكن في إطار العقد الأساسي لعلاقتهما.
أضاف العوضي: "هذا ما يحدث حاليًا، فحتى الشباب الذي يستخدم فايسبوك أو المسيرات أو التظاهرات، يرتكز على روح العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، فلا توجه مثلًا لافتة (ارحل.. ارحل) إلى أمير الدولة، ولكن اقصاها إلى قيادات كبيرة في الحكومة".

تحول متدرج
أما السمة الثانية للحراك السياسي الكويتي فهي التدرج في التحول، ومن علامات هذا التدرج ما حدث في المجلس الاستشاري في العام 1921 المعيّن من قبل الشيخ أحمد الجابر الصباح الذي حكم الكويت، حتى العام 1950. فما أن تسلم الشيخ أحمد الحكم حتى تقدمت إليه مجموعة من التجار بعريضة تطالبه بتشكيل مجلس يقوم بإيصال رأي التجار إزاء الأمور السياسية وغير السياسية، فوافق. لكن المجلس لم يستمر إلا شهرين، بسبب عدم التزام التجار بحضوره، نظرًا لانشغالهم بمتابعة تجارتهم خارج الكويت، فانهار المجلس.
بعد ذلك، لم يحدث أي شيء يذكر، بحسب العوضي، إلى أن تم اكتشاف النفط في الكويت في الثلاثينات، وأصبحت حركة التجار أكثر نضوجًا وسرعة، خصوصًا بعد النكسة الاقتصادية العالمية في الأعوام 1929 - 1932 في أميركا وانهيار أسواق المال، وبالتالي ضعفت القدرة الشرائية العالمية للؤلؤ الخليج نظرًا لغلاء ثمنه، وظهور اللؤلؤ الياباني الأرخص والأكثر وفرة، ما أصاب حركة التجار بالتعثر، وأعطى للحراك الشعبي الكويتي مزيدًا من الحدة والمطالبة في أن يكون لهم دور جديد في كويت ما بعد اكتشاف النفط.
ويستطرد العوضي مشيرًا إلى أن البريطانيين لعبوا دورًا مهمًا في إقناع الشيخ أحمد الجابر للإستجابة إلى مطالب التجار، فتم تشكيل مجلس تشريعي وليس استشاري في العام 1938، وزاد عدد أعضائه من 12 في مجلس 1921 إلى 14 عضوًا في مجلس 1938. ولأول مرة، تم انتخاب الأعضاء ولم يعينهم الحاكم، وتمّت عملية الاقتراع السري في ديوانيات التجار، وأصبح التجار أكثر التزامًا في حضور جلساته، لكن المجلس استمر ستة أشهر فقط.
في هذه الفترة، كان العالم العربي يعيش أحداثًا سياسية جعلت التجار ينتهجون سياسات لم ترض البريطانيين. فقد حدثت الثورة في فلسطين بين عامي 1936 و1939، وشهدت هذه الفترة نزوح أكثر من 250 ألف يهودي من أوروبا، وبعض هؤلاء اليهود نزح إلى أميركا، لكن عددًا كبيرًا منهم هاجر إلى فلسطين التي كانت وقتئذ تحت الانتداب البريطاني. وثار الفلسطينيون ضد هذا التدفق الصهيوني واحتاجوا لأسلحة طلبوها من الدول العربية، فلعب تجار الكويت، وخصوصًا اعضاء مجلس 1938، دورًا محوريًا في جمع الأموال وإرسالها إلى فلسطين، ما أثار حفيظة بريطانيا.
حُلّ مجلس 1938 التشريعي المنتخب بعد ستة أشهر من تشكيله، على اعتبار أنه تدخل في السياسة الخارجية الكويتية التي تعتبر بريطانيا نفسها مسؤولة عنها.

ردة فعل بعد أزمة
يؤكد العوضي أن التحول في الكويت لا يأتي تلقائيا، فقد جاء مجلس 1921 في أعقاب حرب الجهراء في 1920، و مجلس 1938 في أعقاب أزمة تجار اللؤلؤ، ومجلس 1963 في أعقاب تهديد عبد الكريم قاسم للكويت عام 1961، ومجلس 1992 في أعقاب غزو 1990. وحتى إعطاء المرأة الكويتية حقوقها السياسية عام 2005 جاء بعد كارثة الغزو العراقي وأداء المرأة البطولي أثناء الغزو. أما الحراك السياسي الجاري فهو حالة مخاض لمولود جديد، "وأنا كمؤرخ أرى أن الأزمة السياسية الحالية، بناء على المعادلة التاريخية في التحول الديموقراطي في الكويت، ستكون ذات نتائج مريحة".
أضاف: "في السابق كان التجار هم قادة الحراك السياسي، بينما كان الشعب مغيبًا عنه، لكن ظهور النفط فك حالة الارتباط بين التجار والقيادة السياسية، وما نراه اليوم حراك شعبي بكافة مكوناته وأطيافه، وهذا يجعله أكثر قوة من الحراكات السابقة التي كانت محصورة بفئة التجار، فهو حراك إسلامي، وقبلي، وشبابي، وسبب هذا التغيير هو سياسة توزيع عوائد النفط التي بدأت في عهد الشيخ عبد الله السالم منذ الخمسينيات، وتمثلت بمجموعة سياسات اقتصادية منها سياسة التثمين، وسياسة التوظيف التي كفلها الدستور، ومجانية التعليم، إضافة إلى دور التجنيس السياسي الذي بدأ لإضعاف نفوذ القوميين العرب في مجالس الستينيات".
وبسبب الاستقلالية المالية ومجانية التعليم والبعثات الدراسية التي تمتع بها كافة مكونات المجتمع، خرج بعض الشباب عن أوامر شيوخ القبيلة الذين كانوا يعتمدون عليهم في حياتهم، وأصبحت مكونات الحراك السياسي المعارض تضم الليبراليين والإسلاميين والقبليين، وهذا خلق بينهم لغة مشتركه توحد مطالبهم، ما قوى المعارضة، "لكن هذا لا يعني أن المعارضة لا تعاني من فجوات وسلبيات"، كما يقول العوضي.

مخاطر تهدد المعارضة
من السلبيات والمخاطر التي تهدد المعارضة غياب الأحزاب لصالح أشخاص تلتف حولها كل معارضة، "وهذا لا يضمن استمرارية راشدة وناضجة لأي تجمع سياسي، لأن الأشخاص غير دائمين وعرضه للتغير، فالاستمرارية تتطلب الانتماء لأفكار وكيانات سياسية، لا زعامات فردية".
ومن سلبيات المعارضة الحالية أيضًا أنها مجتمعة على ما لا تريد وغير متفقة على ما تريد. فهي لا تريد القبضة الحديدية من الحكومة ومن القيادة السياسية على الإرادة الشعبية، ولا تريد الفساد، ولا تريد سيطرة أعضاء الحكومة على مجلس الأمة التشريعي عبر شراء بعض الأعضاء، وأما الذي تريده فهو غير مشترك بين مكوناتها. فالإسلاميون يريدون تغيير المادة الثانية من الدستور حتى تصبح الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، في حين يرفض الليبراليون ذلك، ويريدون دولة تحكمها قوانين مدنية.
ومن المخاطر التي تهدد المعارضة أيضًا أن وقودها هم الشباب الذين يتسمون بالعاطفة الصادقة، ولكن بقلة الخبرة أحيانًا، "وهناك تخوف من أن ينصاع أقطاب المعارضة للاندفاع الشبابي، ما يفقدهم رصيدا من شعبيتهم"، بحسب العوضي.
كما تحتاج المعارضة إلى خطاب قوي لكن غير مستفز او يستعدى القيادة السياسية. فمثلًا، تطالب المعارضة بتنقيح الدستور، ولكن دستوريًا لا يمكن تنقيح الدستور إلا بالتوافق بين القيادة السياسية ومجلس الأمة. وبالتالي، فمن غير المعقول أن يحدث هذا التوافق بين القيادة السياسة والمعارضة وسط هذا التشاحن بين الطرفين. ولهذا، المطلوب من المعارضة ومن القيادة السياسية إقامة حوار بينهما، بدلًا من حالة الجفوة.

تسارع وتيرة الحراك
قال العوضي إنه في العام 2003، فصلت ولاية العهد عن رئاسة لوزراء، "وهذه نقطة فاصلة في المسيرة الديقراطية، وفي ذات العام حدث أول استجواب برلماني لرئيس الوزراء، لأنه ما دام تم فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء فقد تم شرعًا استجواب رئيس الوزراء".
ومنذ انتخاب وتشكيل أول مجلس أمة في العام 1992، أي بعد التحرير، ولغاية المجلس الحالي 2012 - 2013 تم حل ثمانية مجالس دستوريًا، أي أن سمو الأمير كان يحل المجلس ويعود لانتخابات جديدة خلال مدة لا تزيد عن 60 يومًا من تاريخ حل المجلس، وهذا يعني أن الكويت تجاوزت الفترات الماضية التي كان يتم فيها حل المجلس حلًا غير دستوري، وهذا تطور سياسي إيجابي.
إذن، هناك تسارع في وتيرة التطور لصالح الحراك الشعبي مقارنة بالثلاثينات والخمسينيات وغيرها من المجالس، "والأسباب كثيرة، منها التعليم والاحتكاك بالعالم وتقنية التواصل، لكنني أعتقد أن حالة الشعب والبلد خلال الغزو ساهما في تسارع وتيرة الحراك، وأستبعد تمامًا تأثير الربيع العربي على تسارع وتيرة الحراك الكويتي، فالربيع الكويتي حدث قبل ذلك بسنوات، وكان لغزو الكويت الأثر الأكبر في ذلك التسارع".
فماذا حدث أثناء الغزو؟ يقول العوضي: "لأول مرة في تاريخ الكويت، يجلس قطاع كبير من الكويتيين بلا حكومة حاضرة داخل الكويت، ويأخذ الشعب مسؤولية إدارة البلد، وهذا أعطى الشعب ثقة بالنفس حافظ عليها بعد التحرير وعودة الحكومة من السعودية، فأصبح أعلى صوتًا في مطالباته بالمشاركة السياسية".
ولأول مرة، اضطر قطاع كبير من الشعب الكويتي أن يمكث خارج بلده لفترة طويلة لم تقل عن سبعة أشهر، ما فرض عليه الاحتكاك والاطلاع على الحريات السياسية ومؤسسات الدول، وبعد التحرير عاد إلى الكويت بعقلية منفتحة ومصرة على عودة الديموقراطية للكويت. ولأول مرة تخرج أسرة الحكم من البلاد، ما خلق مجالًا لإحداث بيعة ثانية لأسرة الصباح كي تعود لتحكم الكويت بعد التحرير، بفضل قناعة الشعب بدور أسرة الصباح التاريخي. وعندما جددت البيعة، حصل تفاوض على العقد الاجتماعي، الذي قضى أن تحكم الأسرة الحاكمة الكويت، وأن يعاد مجلس الأمة الذي حل حلًا غير دستوري في العام 1986، فكان أول مجلس بعد التحرير في العام 1992، ومن يومها وحتى هذا التاريخ لم يحل المجلس حلا غير دستوري، وهذا تطور ايجابي.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف