هل تقود مظاهرات (تقسيم) في إسطنبول إلى ربيع بـ نكهة تركية؟
أردوغان يواجه الامتحان الأصعب منذ 2002
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
هل تواجه تركيا "ربيعًا" سؤال بدا بديهيًا مع سلسلة الاحتجاجات الأخيرة التي امتدت بسرعة لتشمل معظم المدن التركية، حيث يبدو أردوغان في موقف ضعف وارتباك وأمام أصعب امتحاناته السياسية إطلاقًا منذ عقد، خصوصًا مع تزايد الغضب الشعبي عليه واتهامه بالسعي إلى أسلمة البلاد.
نصر المجالي: يواجه رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ومعه حزب العدالة والتنمية الامتحان الأصعب في تاريخه السياسي بعد تصاعد الاحتجاجات في ميدان "تقسيم" في قلب إسطنبول، والتي امتدت إلى العاصمة أنقرة ومدن أخرى، وسقوط أكثر ألف جريح وسط قلق دولي. وبدا السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل ستواجه تركيا ربيعًا على غرار الربيع العربي، الذي أسقط أنظمة حكم في الجوار العربي، مثل مصر وتونس وليبيا واليمن.
ويرأس أردوغان الحكومة التركية منذ عام 2002، ويقول البعض في تركيا إن الحكومة، التي يقودها حزب العدالة والتنمية، أصبحت استبدادية بشكل متزايد.
ورغم أن أصول حزب العدالة والتنمية تعود إلى الإسلام السياسي، فإن أردوغان يقول إنه ملتزم بمبادئ الحكم العلماني في تركيا.
والمظاهرات التي تصاعدت السبت هي الأعنف ضد الحكومة منذ سنوات، في الوقت الذي اشتبك فيه محتجون مع شرطة مكافحة الشغب في إسطنبول لليوم الثاني.
وقد تراجعت الحكومة التركية السبت، وفتحت الطرق المؤدية إلى ساحة تقسيم في إسطنبول في اليوم الثاني من صدامات عنيفة بين الشرطة ومتظاهرين ينددون بسياستها. وأمر رئيس الوزراء التركي قوات الأمن بالانسحاب عصرًا من ساحة تقسيم وحديقة جيزي، التي كان إعلان العزم هدمها الشرارة التي أشعلت الصدامات.
على الفور، تدفق الآلاف يحملون الأعلام التركية إلى المكان على وقع الأسهم النارية. وتعهد أردوغان بالمضي قدمًا في خطط إعادة تنمية ميدان تقسيم في وسط إسطنبول، وهو الأمر الذي أثار مظاهرات.
تطوير إسطنبول
وقال أردوغان إن خطط حكومته بشأن تطوير وسط إسطنبول تستغلّ ذريعة لإذكاء التوترات في البلد، مضيفًا أنه لن يرضخ "لمتطرفين مستهترين". ومضى أردوغان يقول "كانت الشرطة هناك (في ميدان تقسيم) البارحة. وسيكونون هناك اليوم وغدًا أيضًا. لا يمكن أن يتحوّل ميدان تقسيم إلى منطقة يصول فيها المتطرفون المستهترون ويجولون".
وأوضح أردوغان في كلمة أذاعها التلفزيون "كل أربعة أعوام نجري انتخابات، وهذه الأمة تختار. وأضاف: "أولئك من لا يقبلون سياسات الحكومة بإمكانهم التعبير عن رأيهم في إطار القانون والديمقراطية... أطلب من المحتجين أن ينهوا على الفور مثل هذه التصرفات".
وتوجه أردوغان إلى المحتجين قائلًا "كل الطرق ماعدا صناديق الاقتراع تظلّ غير ديموقراطية"، مضيفًا أن بإمكانه حشد ملايين المتظاهرين المؤيدين للحكومة لو أراد ذلك.
إقرار باستخدام القوة
لكن أردوغان أقرّ بأن الشرطة ربما "أفرطت" في استخدام القوة، مشيرًا إلى أن "تعليمات ضرورية" صدرت لوزير الداخلية ومحافظ إسطنبول بشأن كيفية التعامل مع المحتجين. وقال أردوغان إن وزارة الداخلية تحقق في "إساءة استخدام قوات الأمن للغازات المسيلة للدموع".
ودعا الرئيس التركي، عبد الله غول، جميع الأطراف إلى أن يتصرفوا على نحو يدل على "النضج"، حتى تهدأ الاحتجاجات التي قال إنها بلغت "مستوى مزعجًا". ودعا الشرطة إلى "التعامل مع الاحتجاجات بشكل مناسب".
أشرف أردوغان على تحويل اقتصاد تركيا خلال عشر سنوات أمضاها في السلطة، من اقتصاد يعاني من أزمة مزمنة إلى الاقتصاد الأسرع نموًا في أوروبا، وما زال بشكل كبير السياسي الأكثر شعبية في البلاد.
إلا أن منتقدين يشيرون إلى تسلطه وما يصفونه بتدخل حكومته في الحياة الخاصة. وأدت القيود الأكثر صرامة على مبيعات الخمر وتحذيرات من اظهار العاطفة على الملأ في الأسابيع الأخيرة إلى احتجاجات. ويشعر كثير من الأتراك أيضا بالقلق من أن تؤدي سياسة الحكومة إلى أن يجر الغرب تركيا للصراع في سوريا.
مظاهرات كبرى
وبدأت الاحتجاجات في متنزه جيزي قرب ميدان تقسيم في وقت متأخر من مساء يوم الإثنين الماضي، بعد قطع أشجار بموجب خطة حكومية لإعادة التنمية، ولكنها اتسعت إلى مظاهرة كبيرة ضد ما يصفونه بتسلط أردوغان وحزبه العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية.
كما اندلعت احتجاجات في العاصمة أنقرة وفي مدينة ازمير الساحلية على بحر إيجه في وقت متأخر من مساء الجمعة وهناك دعوات في مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت لخروج مظاهرات مشابهة في أكثر من عشر مدن أخرى يوم السبت.
وقال مسعفون إن ما يقرب من ألف شخص أصيبوا في الاشتباكات في اسطنبول يوم الجمعة، وهي أعنف مظاهرات مناهضة للحكومة منذ أعوام. وقال اتحاد الأطباء التركي إن نحو ستة متظاهرين فقدوا البصر، بعد إصابتهم في العين بعبوات غاز.
واعتذر نائب رئيس الوزراء بولنت أرينج عما جرى في إسطنبول، حيث قال "بدلًا من أن تطلق الغاز على أناس يقولون لا نريد مركزًا تجاريًا هنا، كان على السلطات أن تقنعهم، وتقول لهم إنها تشاركهم قلقهم. وقال وزير الداخلية معمر جولر إنه سيجري التحقيق في المزاعم باستخدام الشرطة للقوة المفرطة.
تنديد دولي
مع صدور هذه المواقف، أقر رئيس الوزراء بأن الشرطة تحركت أحيانًا في شكل "مفرط"، وقال "صحيح هناك أخطاء وأعمالًا مفرطة ارتكبت في كيفية رد الشرطة"، لافتًا إلى أن وزارة الداخلية أمرت بإجراء تحقيق.
إضافة إلى المجتمع المدني التركي، نددت الولايات المتحدة وبريطانيا والبرلمان الأوروبي والعديد من المنظمات غير الحكومية، في مقدمتها منظمة العفو الدولية بقمع المتظاهرين في إسطنبول، فيما اتهم وزير الإعلام السوري عمران الزعبي السبت أردوغان بقيادة بلاده "بأسلوب إرهابي".
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن الزعبي قوله إن "قمع رجب طيب أردوغان رئيس حكومة حزب العدالة والتنمية التركي للمظاهرات السلمية أمر غير واقعي، ويكشف انفصاله عن الواقع". وقال "إن الشعب التركي الشقيق لا يستحق هذه الهمجية ولا مبرر بأن يتحدى أردوغان شعبه.
ولم تعلن السلطات التركية أية حصيلة رسمية للصدامات، فيما تحدثت منظمة العفو الدولية الجمعة عن "أكثر من مئة" جريح. وأعلن محافظ إسطنبول حسين عوني موتلو الجمعة أنه تم نقل 12 شخصًا إلى المستشفيات، فضلًا عن اعتقال 63 آخرين على الأقل.