لواء أبو فضل العباس هو ند جبهة النصرة ميدانيًا
حماية المراقد تحمس شيعة العراق على الانخراط في الحرب السورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
من العلامات الكبرى لتحول الحرب في سوريا إلى صراع مذهبي دموي انخراط الشيعة العراقيين في هذه الحرب، رافعين راية حماية المراقد الشيعية، التي تتهمه جبهة النصرة بعبادتها بدلًا من عبادة الله.
لندن: لم يتوان عمار الصادق عن التحرك حين سمع من صديق له في دمشق أن مقاتلين سوريين ألحقوا أضرارًا بواحد من أقدس المراقد الشيعية. فانطلق الشاب البالغ من العمر 21 عامًا باتجاه الحدود، يدفعه الغضب والرغبة في الانتقام، قاطعًا الصحراء الغربية العراقية بالسيارة في غضون ست ساعات، ليكون جهاديًا آخر على طريق الحرب، عبر أراض كان جهاديون آخرون يستخدمونها في زمن ليس ببعيد للتسلل بالاتجاه المعاكس. لكن هذا الجهادي، عندما وصل إلى سوريا، لم يكن في نيته الانضمام إلى المقاتلين السنة الذين يسيطرون على شمال سوريا، بل إلى مجموعات شيعية لا تقل حماسة، تتمركز في محيط العاصمة السورية.
قال الصادق: "نزل الخبر علي كالصاعقة"، حين سمع أن اسلاميين متطرفين يحاولون تدمير مرقد السيدة زينب. اضاف: "لم انتظر لابلاغ الأهل بل كل ما كنتُ افكر فيه هو الذهاب إلى سوريا وحماية المرقد، رغم انني لم استخدم سلاحًا في حياتي".
الندّ للندّ
كان الصادق يحاول الانضمام إلى لواء أبو فضل العباس، الذي برز خلال الأشهر الأربعة عشر الماضية بوصفه واحدًا من أقوى الألوية المقاتلة في سوريا. وتشير المقابلات التي أُجريت مع مقاتلين سابقين وحاليين في اللواء إلى أن زهاء 10 آلاف متطوع انضموا اليه خلال العام الماضي وحده، كلهم من الشيعة، وكثير منهم من خارج سوريا. وكان مبرر تشكيل اللواء حماية المقامات الشيعية وخاصة مرقد السيدة زينب على اطراف دمشق، لكن دوره قاده إلى كل ساحة من ساحات الحرب السورية. ويقول مراقبون إن لواء ابو فضل العباس غريم مباشر على ارض المعركة لجماعة جبهة النصرة، عدة وعددًا.
وشاع خبر تشكيل لواء أبو فضل العباس في بغداد وفي اوساط الشيعة عمومًا. وينتمي كثير من مقاتليه إلى عمق المناطق الشيعية في العراق، حيث كانت البداية في النجف بفتوى أصدرها الشيخ قاسم الطائي، يبارك فيها توجه الشيعة إلى القتال في سوريا. واسفرت الفتوى عن توافد شبان عراقيين للجهاد، وتأييد متزايد في الأوساط الشيعية للانخراط في العنف الطائفي بنسخته السورية، بعد اقل من خمس سنوات على ما اصاب العراق من دمار وتكبده من خسائر فادحة في أرواح مواطنيه نتيجة هذا العنف الطائفي نفسه. وسرعان ما فُتحت مراكز تجنيد، ودُعيت الكوادر إلى حمل السلاح، كما حدث في العام 2006 عندما نجح تنظيم القاعدة في العراق في تدمير أضرحة شيعية في العراق مرتين.
سوريا وليس المرقد
الانضمام إلى لواء ابو فضل العباس لم يكن سهلًا على الصادق. ففي البداية، نصحه حرس الحدود العراقيون ألا يعبر إلى سوريا، لكنهم سمحوا لهم بالمرور بعد أن صدَّقوا روايته بأنه يحاول الوصول إلى عائلته. وتمكن من الوصول إلى دير الزور، التي يسيطر عليها عمليًا مقاتلو المعارضة وجبهة النصرة، لكن الحظ حالفه بمغادرتها من دون أن تُكتشف وجهته الحقيقية.
في دمشق، وصل إلى قادة لواء أبو فضل العباس، وسرعان ما علم أن الانخراط في صفوفه يحمل معه واجبات والتزامات صارمة لم يكن يتوقعها. وقال الصادق لصحيفة غارديان البريطانية: "ما إن تنضم إلى اللواء، عليك أن تنضم إلى الجيش السوري النظامي، وأن تقاتل مع الرئيس بشار الأسد، قبل أن تقاتل في صفوف اللواء، وسيقول لك الجيش السوري إن عليك أن تعلم أنك تحمي سوريا وليس المرقد فحسب".
وفي مواجهة دور يختلف اختلافًا كبيرًا عن واجب الحراسة الذي كان يتوقعه لحماية مرقد السيدة زينب وضغوط متواصلة من الأهل للعودة، صرف الصادق النظر عن مهمة الجهاد في سوريا، وعاد إلى بغداد.
برز دور لواء ابو فضل العباس خلال الأشهر الأخيرة مع اعلان حزب الله زيادة تدخله خصوصًا في قيادة الهجوم على بلدة القصير الحدودية. وقال رجل اعمال سوري أسهم في تجنيد شيعة من خارج سوريا ان ليست هناك معركة كبيرة لا يقاتل فيها لواء ابو فضل العباس، في اي مكان، باستثناء اقصى شمال سوريا وشرقها. واضاف لصحيفة غارديان أن نفوذ اللواء يتعاظم.
ويؤكد الصادق أن التنظيم المتزايد في نشاط اللواء يتبدى في بغداد نفسها، موضحا أن الخطوة الأولى هي التسجيل في أحد مكاتب المقاومة الشيعية، مثل عصائب اهل الحق أو جيش المختار أو حزب الله العراقي، وتلي ذلك رحلة إلى معسكر في ايران حيث يشارك المتطوع في دورة تدريب تستمر 45 يومًا للتخصص في استخدام اسلحة محدَّدة مثل راجمات الصواريخ أو الكلاشنكوف أو بندقية القنص أو آر بي جي. يضيف: "بعد الدورة، يسلمونك إلى وسيط ايراني يأخذك إلى سوريا للانضمام إلى اللواء".
عودوا سالمين!
قرر الطالب الجامعي مرتضى عقيل (21 عامًا) من بغداد الانضمام إلى الجهاديين الشيعة في سوريا اواخر العام 2011. وحين سجل اسمه، قيل له إنه امام خيارين هما القتال قرب مرقد السيدة زينب أو في بلدة داريا جنوب شرق دمشق، حيث يوجد مزار شيعي آخر هو مرقد السيدة سكينة. قال: "إذا ذهبت إلى سوريا لديك خيار واحد هو الموت، فأنت تبقى شهرين او ثلاثة اشهر وتعود إلى الأهل شهرين ثم تعود للقتال". وقال عقيل، الذي تدرب على القتال بالكلاشنكوف في جنوب العراق مع ألف جهادي آخر، إنه اُرسل إلى مشهد في ايران ثم إلى بيروت ومنها إلى دمشق بالطائرة.
وفي دمشق، هناك مركز تدريب قرب المرقد، يتعين على جميع المتطوعين أن يشاركوا بدورة تدريب مكثفة فيه. ثم يلتقون ابو عجيب قائد لواء ابو الفضل العباس الذي يطلب منهم أن ينتبهوا إلى انفسهم ويعودوا سالمين، بحسب ما يروي عقيل.
وأكد أن جميع المتطوعين من خارج سوريا، "ولدينا كل ما يسهل معركتنا، فهناك اسلحة من كل نوع، بلا أي نقص، ثلاث وجبات وفنادق لاستضافة المقاتلين وهواتف خلوية وانترنت لا ينقطع ابدًا".
اضاف: "نواجه هجمات متكررة من الجيش الحر طوال اليوم وخاصة بقذائف الهاون والمدفعية، تمكنا من تعزيز المرقد، لكن قذائف الهاون تسبب لنا المتاعب وتزداد الهجمات كثافة في الليل".
وقال إن اربعة من رفاقه قُتلوا بنيران قناصة، احدهم عراقي وآخر لبناني والاثنان الآخران ايرانيان. ونقلت صحيفة غارديان عن عقيل قوله: "ليس هناك حاجة للجيش السوري في السيدة زينب، فإن مقاتلي اللواء يحمونه، من المطار إلى العاصمة إلى السويداء، بما في ذلك احياء سكنية ومستشفيات ومبان حكومية ومراكز شرطة ومدارس ومساجد".
يعبدون القبور
تتهم فصائل المعارضة السورية المسلحة على اختلاف توجهاتها نظام الأسد باستخدام قضية السيدة زينب ذريعة لدعوة الشيعة إلى الانخراط في القتال. وقال القائد العسكري أبو احمد، الذي تعمل وحدته قرب المرقد، لصحيفة غارديان إن لا احد من السنة يريد إلحاق الضرر بالمرقد، وان كثيرين في وحدته كانوا اصحاب متاجر يعتمدون في رزقهم على الزوار الشيعة. واضاف أن حصار المرقد بدأ في تموز (يوليو) الماضي بعد مقتل اربعة من قادة النظام العسكريين والأمنيين في عملية تفجير، "فنزل الشيعة إلى الشوارع بأسلحتهم وقطعوا كل الطرق وبدأوا يعتقلون الناس، وقتلوا العديد من مقاتلينا، ثم بدأوا يتجمعون حول المرقد مع عناصر حزب الله وجيش المهدي العراقي وشيعة سوريين".
اضاف ابو احمد: "منذ تموز (يوليو) الماضي حتى اليوم نقاتلهم كل يوم، اقترحنا منطقة عازلة حول المرقد لكنهم رفضوا، فنحن أكبر الخاسرين إذا دُمر المرقد لأننا سنفقد أعمالنا".
وقال قيادي في جبهة النصرة في دمشق، قدم نفسه باسم ابو حفص: "هؤلاء المقاتلون الشيعة موجودون في سوريا منذ بداية الثورة يقاتلون مع النظام، ونحن نعرف أن ايران والعراق يرسلان مقاتلين إلى سوريا، سوى أن ذلك اصبح معروفًا للجميع الآن".
ولا تخفي جبهة النصرة، التي تضم اعدادًا كبيرة من المقاتلين الأجانب في صفوفها، كراهيتها للمذهب الشيعي واستعدادها لاستهداف اضرحة الشيعة ومزاراتهم. وقال ابو حفص لصحيفة غارديان: "نحن نعبد الله وهم يعبدون القبور".