المال والسيادة والجغرافيا السياسية هم موسكو الأول
بوتين لا يحمي الأسد بل يهوى تذلل الغرب أمام أبواب الكرملين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سوريا مهمة في نظر فلاديمير بوتين، ففيها مصالح روسية مالية وسيادية وجغرافية، كما أن تصلبه في حماية الأسد يدفع الغرب إلى التذلل أمام أبواب الكرملين، وهذا ما لم يسبق أن حصل في روسيا من قبل.
بيروت: منذ بداية ايار (مايو) الماضي، تدفقت مواكب من عمالقة السياسة إلى روسيا لإقناع الرئيس فلاديمير بوتين بوقف دعمه لسوريا والحرب الأهلية المستعرة فيها. لكنهم فشلوا في تغيير رأيه، أو حتى لهجته، وهذا الأمر لم يفرح أحدًا باستثناء الرئيس السوري بشار الأسد، ورجال البروباغندا السياسية في الكرملين.
أحد هؤلاء هو ميخائيل ليونتيف، الذي يظهر باستمرار على شاشات التلفزة الروسية، لا سيما التلفزيون الحكومي، ويقول: "الغرب يركض إلينا"، في إشارة إلى الوفد الأوروبي الذي زار روسيا الأربعاء. وأضاف: "إنهم في حاجة إلينا، يريدون التحدث الينا، متى كانت آخر مرة يحدث ذلك؟".
الإجابة في الواقع هي أن ذلك لم يحدث يومًا على الإطلاق. فبوتين لم يقف مرة واحدة في حياته السياسية لاستقبال هذا العدد الكبير من رجال الدول الأقوى في العالم، في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن. ففي الأسابيع الأربعة الماضية، استضاف بوتين رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ووزير الخارجية الأميركية جون كيري، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وكل منهم ناشده وقف تزويد سوريا بشحنات الأسلحة ورفع الغطاء الديبلوماسي عن الأسد.
يتقاطرون إلى موسكو
تجاهل كل هؤلاء الزوار حقيقة أن حكومة بوتين قضت العام الماضي بتنفيذ أكبر عملية قمع سياسي منذ سقوط الاتحاد السوفياتي. لكن هذا لم يمنع أي من المبعوثين الغربيين من التدفق على روسيا. في 4 حزيران (يونيو) الحالي، وصل إلى الكرملين اثنان من أهم المسؤولين في الاتحاد الأوروبي، هما رئيس المجلس الأوروبي هيرمان فان رومبوي ورئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، للقاء بوتين والتذمر من دعمه لنظام سوريا. وعلى الرغم من أنهما لم يحققا الكثير، إلا أنهما على الأقل استطاعا انتزاع تنازل غامض.
قال بوتين خلال مؤتمر صحافي في مدينة ايكاترينبرج الروسية إن بلاده لم تنفذ حتى الآن خططها لتسليم أنظمة دفاع جوي متطورة لسوريا، خوفا من أن أنها تخل بالتوازن في المنطقة.
وهذا الكلام يتناقض بشدة مع تصريحات سابقة من وزير الدفاع وكبار المسؤولين الآخرين، الذين قالوا مرارًا إن روسيا ستنفذ عقود التسلح الخاصة بها. لكن بوتين لم يذكر خطط روسيا لتسليم طائرات مقاتلة وصواريخ ياخونت المضادة للسفن إلى سوريا. كما أن الموقف الروسي الذي تبثه قنوات التلفزيون الروسية في تغطيتها للحرب الأهلية في سوريا يتمحور حول فكرة أن سوريا ضحية "العم سام".
ثلاثة عوامل
مثل هذه المواقف تصب في صالح بوتين في الداخل الروسي، إذ تساعد على تسليط الضوء عليها باعتبارها حصنًا منيعًا ضد الغرب، وهذه مواقف يتردد صداها مع جمهور الناخبين الذين نشأوا على صور من الحرب الباردة. هذا السرد الذي يعتمد على صراع الحضارات بين روسيا والغرب يمكن أن يساعد أيضًا في تفسير موقف بوتين حول الازمة السورية. فدعم بوتين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد غالبًا ما يفسَّر بناء لثلاثة عوامل هي المال والسيادة والجغرافيا السياسية، وجميع هذه التفسيرات صحيحة.
تملك الشركات الروسية عقودًا بمليارات الدولارات مع الحكومة السورية، بما في ذلك صفقات لبيع الأسلحة، وحفر آبار النفط وبناء البنية التحتية، وأي تدخل خارجي في شؤون دولة ذات سيادة سيغضب بوتين، الذي لا يريد أن يصبح هدفًا لمثل هذا التدخل.
أما على رقعة الشطرنج الجيوسياسية، فالقاعدة العسكرية الروسية الوحيدة خارج الاتحاد السوفيتي السابق هي في ميناء طرطوس السوري، وتشكل موطىء قدم روسي على البحر المتوسط، تحرص موسكو على حمايته.
لكن حسابات صانعي صورة بوتين لا تقل أهمية في تشكيل سياسته بشأن سوريا. يقول سيرغي ماركوف، الذي عمل بالكرملين لفترة طويلة ويرأس قسم العلوم السياسية في جامعة بليخانوف للاقتصاد: "مواقف بوتين بشأن سوريا تعطيه صورة الرجل القوي البارد الذي لا يلين، فبوتين لا يساوم عندما يتعلق الأمر بالمصالح الروسية، ولا يرضخ للضغوط الغربية".
الغرب المتذلل
شخصية بوتين الصلبة تعني أنه لا يوجد أي مؤشر للتوقع بأنه سيلين، خصوصًا في الوقت الذي تعاني فيه شعبيته في الداخل من الركود. خلال هذا العام، حافظت أسهم بوتين الشعبية على نفس مستوياتها منذ أواخر العام 2011، بالرغم من اندلاع احتجاجات ضخمة ضده في الشوارع للمرة الاولى في مسيرته السياسية.
وبالرغم من أن شعبيته ما زالت فوق مستوى 50 بالمئة في جميع استطلاعات الرأي الرئيسية، إلا أن الكرملين لا يستطيع العثور على علاج للملل سياسي الذي تشعر به الأمة، بعد ما يقرب من 13 عامًا تحت حكم الرجل نفسه.
يقول ماشا ليبمان، المحلل السياسي في مركز كارنيغي في موسكو لصحيفة تايم الأميركية: "سياسات بوتين بشأن أمن الوطن، والفساد، والاقتصاد وغيرها تفقد الدعم الشعبي باطراد، لكن هذا الوضع لا ينطبق على سياسته الخارجية التي لا تزال العامل الأكثر شعبية في تصنيفه الإجمالي داخل روسيا".
يضيف: "الأمريكيون يريدون السيطرة والتحكم بالجميع، لكننا لن نسمح لهم بذلك"، مشيرًا إلى أن هذا يجعل بوتين شخصية حيوية للحفاظ على قوة بلاده في وجه واشنطن، "وليس هناك من طريقة للقيام بذلك أجمل من رفض طلبات الوفود الغربية المتذللة، الواحدة تلو الأخرى".
في ما يتعلق بسوريا، يعتبر الكرملين أن سياسة بوتين حصدت نجاحًا كبيرًا، فيقول ليونتيف: "في البداية حاول الغرب إهانتنا، ثم تخويفنا، والآن يريدون التفاوض معنا، وهذه واحدة من الحالات النادرة في سياستنا الخارجية".