أخبار

ما زالوا يعيشون الخوف من كتبة التقارير

انقسمت سوريا فانقسم معها مغتربوها في الخارج

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الاغتراب مرآة الاقامة، فما أن انقسم السوريون في بلدهم حتى انقسموا في مغترباتهم، لكن الجاليات السورية ما زالت تعيش الخوف من المخابرات وكتبة التقارير، قلقًا على عائلات ما زالت تقطن في الوطن الدامي.

لندن: يتذكر زاهر شهاب بوضوح كيف سمع النبأ للمرة الاولى، إذ كان طالب دكتوراه في جامعة باث جنوب انكلترا على موعد مع استاذه المشرف على رسالته الأكاديمية، عندما راعه أن يرى فايسبوك يعجّ بالشائعات عن مقتل عائلته.

وأكدت الاتصالات الهاتفية العاجلة مع الأهل موت والدته وشقيقه وعمته واثنين من أعمامه، واثنين من ابناء عمومته كانوا يعملون في حقول مزرعتهم في ضاحية داريا في ريف دمشق، عندما سقط عليهم صاروخ. فتوفي عمه في الحال، وعندما هرع شقيقه ووالدته واقاربه لنجدته سقط صاروخ آخر قتلهم معه.

وبعد نحو عام على الحادث، ما زال شهاب (29 عامًا) في حالة صدمة، ويقول إنه حتى الآن لا يصدق ما حدث، وأن والديه كانا يعيشان حياة ريفية ولا يشاركان في أي نشاط سياسي، "وكانا فخورين بدراستي في بريطانيا".

اليوم، يمكن أن تُسمع اصداء المصاب الذي فُجع به شهاب في بيوت آلاف السوريين البريطانيين، بعد أن زاد عدد ضحايا الحرب المستعرة في سوريا على 93 الف قتيل، و1.6 مليون لاجئ و4.25 ملايين مهجر في بلدهم.

قلق دائم

انخرط في النزاع مقاتلون أجانب، بينهم أكثر من 100 مواطن بريطاني، بحسب بعض التقارير. وفي ايار (مايو) الماضي، قُتل البريطاني من اصل سوري علي المناسفي (22 عامًا) من منطقة آكتون غربي لندن، وهو يقاتل ضد قوات نظام بشار الأسد في صفوف إحدى الجماعات الاسلامية.

وفي الشهر نفسه، قُتل الطبيب عيسى عبد الرحمن (26 عامًا)، الذي ترك عمله في احد مستشفيات لندن للعمل متطوعًا في منظمة "يدًا بيد من اجل سوريا". وقُتل عبد الرحمن اثناء محاولته توفير اسعافات طبية لمواطني بلده.

لم يسبق أن كان مجتمع المغتربين السوريين البريطانيين الصغير، ويُقدر عددهم بنحو أربعة إلى عشرة آلاف، منقسمًا كما هو الآن. وفي السنوات التي سبقت الانتفاضة، تزوج بشار الأسد من إحدى بنات هذا المجتمع، بعد أن التقى اسماء الأخرس، ابنة طبيب القلب المقيم في لندن فواز الأخرس، اثناء دراسته طب العيون إبان التسعينات. لكن غياث الجندي، الذي يعيش في بريطانيا منذ 14 عامًا، يقول إن السوريين البريطانيين يعيشون كابوسًا على مدار الساعة.

وكان الجندي الذي يعمل باحثًا في منظمة القلم هرب من التعذيب والسجن في نظام الأسد. وقال الجندي لصحيفة غارديان إنه قلق دائم على الأشخاص من اصل سوري، "فأنت حتى عندما تكون نائمًا تقلق على اهلك وعلى جيرانك وعلى اصدقائك".

الجالية المندمجة

وكانت تجارة القطن هي التي حملت أوائل السوريين إلى شواطئ بريطانيا في القرن التاسع عشر، وما زال مهاجرون يملكون معامل في مدن شمالية مثل برادفورد وليدز، بحسب نديم شحادة من معهد تشاتهام هاوس للأبحاث.

وقبل الانتفاضة، كانت هذه العائلات التجارية ترتبط بعلاقات مع سوريا، وتتنقل بين البلدين لأغراض التجارة في غالب الأحيان. واتسع حجم هذه الجماعة الصغيرة من المغتربين في الستينات والسبعينات بموجة جديدة من الهجرة بسبب انعدام الاستقرار السياسي والتأميمات، إلى جانب اجتياح النظام السوري لبنان. وازدادت زيارة الوطن صعوبة بسبب الخدمة العسكرية الالزامية لمدة 30 شهرًا.

وأسهم في رفد المغتربين بأعداد جديدة القمع الوحشي ضد الخصوم السياسيين، مثل الاسلاميين في الثمانينات كمجزرة حماة. وكان مجتمع المغتربين التقليدي ينظر احيانًا بريبة إلى الوافدين السياسيين الجدد، بحسب مالك عبدة، الصحافي السوري المولود في بريطانيا.

ويعتبر افراد الجالية الذين غالبيتهم من الميسورين والمهنيين أنفسهم جماعة أكثر تقدمًا واندماجًا بالمجتمع البريطاني من الجماعات المهاجرة الأخرى. لكن ما زالت هناك اواصر متينة تربطهم بالوطن الأم.

ويقول عبدة إن المنتديات كانت تلتئم كل ليلة جمعة بين رجال الجالية في منطقة آكتون حيث نشأ عبدة، فضلاً عن عقد اجتماعات أكبر عندما يصل زوار بارزون من سوريا إلى بريطانيا. وكانت تقام حفلات خاصة تُقدم فيها أكلات سورية شعبية، وتُقام أعراس ومآتم ايضًا.

الخوف... الخوف

لكن الباحث شحادة يرى أن زواج الأسد من اسماء الأخرس، وتخفيف قانون الخدمة العسكرية الالزامية، أحدثا تحولًا كبيرًا. فشُكلت الجمعية السورية البريطانية، وبدأ سوريو المهجر يعملون في المنظمات غير الحكومية والجمعيات التي شكلتها اسماء، واصبحت الجالية كلها أكثر نشاطًا، بحسب شحادة.

كما ظن المجتمع الدولي أن الأسد صاحب مشروع اصلاحي، فإن كثيرين من السوريين البريطانيين نظروا إلى صهر فواز الأخرس على أنه رجل متعلم يمكن أن يساعد في لئم الجروح ومعالجة الشروخ. ونقلت صحيفة غارديان عن شحادة وصفه فواز الأخرس بالقول: "كان لطيفًا جدًا، وكانت الآمال معقودة على قيامه بدور الجسر إلى النظام لإحداث تغيير".

ما لم يتغيّر كان ابتعاد الجالية عن الأضواء والسياسة. يقول شحادة: "لم تكن هناك قط اجتماعات أو احزاب سياسية أو حتى مطبوعات مثل اصدار جريدة للسوريين البريطانيين". ويقول العديد من السوريين البريطانيين إن غياب السياسة اللافت كان نتاج ثقافة الخوف التي اشاعها نظام البعث حتى في المهاجر وتجمعات المغتربين.

ويقول كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني المتزوج من سورية، إن مخبري النظام المبثوثين بين المغتربين أبقوهم في خوف من الانتقام من اهلهم في الوطن. ونقلت صحيفة غارديان عن دويل قوله: "إن الاختلاف مع بلد مثل العراق في عهد صدام حسين كان هروب العراقيين جماعيًا وكانت العائلات لا تعود قط خوفًا من انتقام النظام لمغادرتها البلد، لكنّ الكثير من السوريين البريطانيين غادروا قبل الأزمة للعمل أو الدراسة في الخارج بسبب انعدام الفرص في سوريا، وبالتالي بقي العديد من اقاربهم في سوريا، ومن يتحدث عن النظام يدرك أن الأجهزة الأمنية ستضايق عائلته".

وتقول رازان سفور (19 عامًا) التي ولدت ونشأت في بريطانيا، إنها تربت على قول ما يدور في ذهنها، لكنها صُدمت عندما بدأت تتعلم العربية في مدرسة تابعة للمغتربين السوريين في لندن. وقالت: "إذا تحدثتُ عن المعارضة كانت البنات الأخريات يخفن وينظرن اليّ نظرات غريبة، وعندما كنتُ أهم بقول شيء كانت معلمتي توقفني متوجسة من أن يكون ما أقوله خطأ".

كتبة التقارير

قال شحادة إن المغتربين السوريين في عموم أوروبا كانوا يشعرون بوطأة هذا الوضع. واضاف أن صديقًا له كان يحتسي القهوة في باريس مع ثلاثة سوريين آخرين أحدهم صديق حميم. بعد ذلك، قال له هذا الصديق إنه سيكتب عنه تقريرًا لأنه روى قصة لا تنم عن احترام للرئيس.

وأوضح كاتب التقرير أنه لا يعرف الرجلين الآخرين، "وإذا كتبَ أحدهما تقريرًا يقول فيه انني كنتُ حاضرًا، ستكون أمام اسمي علامة استفهام وستتضرر مصالحي وتفقد شقيقاتي وظائفهن، وقد اتعرض للاعتقال، فأرجوك حتى إذا كنا بمفردنا لا تحكي لي نكاتًا كهذه، لأني لن اكون واثقًا من انك لا تريد ايقاعي في مصيدة".

ويقول ساير الحاج، وهو ناشط سوري كردي يقيم في بريطانيا منذ اكثر من 10 سنوات، إنه تعرض لمضايقات من السفارة السورية بما في ذلك اختراق بريده الالكتروني، "وقالوا إنهم من المخابرات السورية، ثم استدعتني السفارة وقالت لي أن احضر".

ويقول شهاب إن السفارة تحركت بسرعة حين اندلعت التظاهرات الأولى في سوريا، وأن بعثته من جامعة دمشق أُلغيت لتأييده المتظاهرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الآن يخاف على حياته إذا عاد إلى سوريا. واضاف "أن في كل سفارة مكتباً مسؤولاً عن متابعة السوريين في البلد، والسوريون يعرفون ذلك".

مع تزايد اعداد القتلى، وتصاعد أعمال العنف، اصبح كثير من السوريين البريطانيين أكثر حدة في التعبير عن آرائهم مع النظام أو ضده. وقال القس نديم نصار إن العلاقات والصداقات وحتى الزيجات في مجتمع المغتربين السوريين دُمرت. واضاف: "الاستقطاب حدث بسرعة كبيرة، بين الموالين والمناوئين للنظام، ومجتمع المغتربين الآن منقسم انقسامًا عميقًا، ولدي صديق كاد يطلق زوجته بسبب اختلاف آرائهما، ولا اعتقد أن هناك بيتًا واحدًا افراد العائلة فيه متفقون في آرائهم، لأنها قضية شديدة التعقيد".

تهديدات في الشوارع

لدى بعض الموالين للنظام مصالح خاصة في بقائه، في حين يخشى آخرون مما سيحدث بعد سقوط النظام. وأسهم العنف الطائفي وتدخل قوى خارجية في تعميق هذه المخاوف. وقالت منظمة "سوريون في بريطانيا"، التي تدعو إلى التغيير بالطرق السلمية أن اعضاءَها تلقوا تهديدات وتعرضوا لاعتداءات جسدية وشفهية في شوارع لندن, واجتماعياً، تأثر التفاعل بين العائلات السورية نتيجة العنصرية والتطرف، بحسب المنظمة.

ويقول كريس دويل، مدير مجلس التفاهم العربي البريطاني، إن مثل هذا الغضب ليس مستغربًا إزاء هول ما يجري، "حيث يُعذب الاطفال وتُغتصب النساء وتُسوَّى احياء كاملة بالأرض". وكان أحد أهداف هذا الغضب فواز الأخرس، الذي تعرض منزله في غرب لندن لهجوم.

وكانت صحيفة غارديان كشفت في آذار (مارس) الماضي رسائل الكترونية مسربة يقدم فيها الأخرس نصائح إلى الأسد، بما في ذلك كيف يتعامل مع أشرطة فيديو تظهر فيها قوات النظام وهي تعذب اطفالاً.

وسحبت الجمعية الطبية السورية البريطانية الجائزة التي قدمتها إلى الأخرس تقديرًا لخدماته. ويقول الدكتور محمد الحاج علي، الذي يعمل في الحملة الانسانية السورية البريطانية، والذي زار مخيمات اللاجئين في الاردن وتركيا: "ان ايصال بعض المساعدات إلى الشعب السوري على الأقل أخذ يقرب من جديد بين المغتربين هنا".

في هذه الأثناء، انصب تركيز وسائل الاعلام على قصص السوريين البريطانيين الذين عادوا إلى وطنهم للقتال. ويعتقد عضو مجلس النواب من مدينة برمنغهام خالد محمود أن اعدادًا كبيرة من المسلمين البريطانيين يقاتلون في سوريا، لكن لا يُعرف عدد السوريين البريطانيين منهم.

وقالت سفور لصحيفة غارديان إنها تعرف شبابًا سافروا للقتال في سوريا، ورأوا اشخاصًا يموتون امامهم، لكنّ اثنين فقط كانا من السوريين البريطانيين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف