الهجرة قلبت حياتهن سلوكيًا واخلاقيًا
النازحات العراقيات ضحايا تهميش المجتمع ونظرته الدونية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تتردد العائلات العراقية المهجّرة في العودة إلى مساكنها الأصلية لأسباب طائفية وهربًا من العنف. والعراقيات المهجرات من دون معيل هنّ الفئة الأشد معاناة، إذ يضطررن إلى ممارسة الأعمال الشاقة، وحتى ممارسة الدعارة أحيانًا، لتأمين لقمة العيش.
بغداد: بعد مضي سنوات على عمليات النزوح الداخلية القسرية في العراق، مازالت الكثير من العائلات المهجرة تتردد في العودة إلى مساكنها الأصلية لأسباب طائفية وخوفاً من العنف والقتل والاغتيالات، إضافة إلى المعوقات الاقتصادية.
وتعتبر النساء المهجرات من الأرامل والمطلقات أو العوانس، أكثر الفئات معاناة بين النازحين الداخليين، حيث وجدن أنفسهن في خضم محنة نزوح أفضت بهنّ بعيدًا عن أماكن سكنهن. وبحسب وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، هناك الكثير من الأسر التي لا ترغب بالعودة إلى المناطق التي هُجرت منها، في حين عادت 90 ألف عائلة نازحة إلى مناطق سكنها عام 2012.
التهجير قاد نازحات إلى دعارة وأعمال شاقة
ولأن الكثير من النازحات بلا معيل، فقد اصبحن عرضة لضيق ذات اليد والإضطرار إلى ممارسة الأعمال الشاقة، بل إن بعضهن لجأ إلى ممارسة الدعارة لأسباب قاهرة.
ودفعت أعمال العنف في العراق منذ عام 2006 اثر موجة الاقتتال الطائفي، الآلاف من السكان إلى الهجرة إما إلى دول الجوار أو إلى النزوح الداخلي إلى المناطق الأقل توتراً.
ومن الجدير بالذكر، أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، اعتبرت منذ عام 2001 يوم 20 حزيران يومًا عالميًا للاجئين.
وتقول أم علاء، الارملة والأم لثلاثة أطفال أن نزوحها من منطقة الدورة في بغداد إلى الحلة مركز محافظة بابل (100 كم جنوبي بغداد)، كان عام 2006. ومنذ ذلك التاريخ فقدت القدرة على العودة بسبب ظروفها المادية مما أدى بها إلى العمل في سوق الخضرة في المدينة. كما أن ابنها الأكبر ترك المدرسة ويعمل في أحد كراجات تصليح السيارات.
وتبلغ معاناة ام علاء أشدها في الأزمات الشخصية وأوقات الشدة حيث تفتقد أهلها وأقاربها.
وتوجد في أغلب مدن العراق نازحات تقطعت بهنّ السبل في العودة إلى مكان إقامتهن الأصلي، ويعانين من شظف العيش وقلة المساعدات المادية المقدمة لهن. ويمنح النازح مساعدات مادية بسيطة ومبلغًا شهريًا لا يتجاوز المائة دولار.
مشروع للتوطين
وعلى الرغم من أن وزارة الهجرة بدأت منذ سنوات مشروع توطين داخلي بعد تخصيص مبلغ 10 مليارات دينار لتوزيعه كقروض على المواطنين العائدين من المناطق التي هجّروا منها، فإن هذه المساعدات تمثل دعمًا ضئيلًا للآلاف من النازحين.
وبات خيار العودة بالنسبة للمهجرة كوثر التميمي غير ممكن، بعدما فقدت اثنين من أبنائها في محافظة ديإلى شمال شرق بغداد، خلال مناوشات مسلحة عام 2005. ومنذ ذلك التاريخ، نزحت إلى كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) وأقامت في معسكر للنازحين ثم ما لبثت أن استأجرت منزلًا.
وتقول التميمي إن المأساة تكمن في النظرة الإجتماعية للمهجّر، اذ يبقى غريبًا، وتسمع بأذنيها يوميًا كيف أن الناس ينادونها بـ"المهجّرة" على الرغم من كونها عراقية. وتتابع: أغلبهم لديهم نظرة دونية إلى المرأة المهجرة التي تفتقد إلى معيلٍ.
وتضيف التميمي: بل في بعض الاحيان ينظر الرجال اليّ نظرة شهوانية لعدم تصورهم للأسباب القاهرة التي جعلت المرأة تهاجر لوحدها من مكان سكنها إلى مكان آخر جديد. وتتابع متألمة: لا يدركون قساوة الظروف التي أجبرتني على ذلك.
وذات مرة، تقدم شاب لخطبة ابنتها البالغة من العمر 20 عامًا، لكنه عزف عن الأمر لمجرد معرفته أن الفتاة من عائلة نازحة.
وفي مدينة كربلاء أيضًا، تؤكد النازحة من ديإلى ام حسن، أن الكثير من النساء، اللواتي قُتل أزواجهن في المواجهات المسلحة، يرفضن العودة إلى ديارهن لأسباب طائفية واجتماعية وخاصة، تتعلق بظروف مقتل ازواجهن.
وتقول ام حسن إن تدبير وسيلة العيش في مكان الإقامة يجعل من الصعب الهجرة مرة أخرى لاسيما في المناطق التي ما زالت تشهد توترات مثل ديإلى.
4 ملايين عراقي فروا من ديارهم
وفي مدينة بغداد وحدها هنالك أكثر من 220 منطقة سكنية عشوائية وأغلبها تعجّ بالنازحين الداخليين.
نازحة أخرى هي ام جعفر تقول إنها لم تعد تستطيع العودة إلى الأعظمية في بغداد حيث قتل أبناء المنطقة زوجها عام 2006 وبات من المستحيل أن تعود إلى مكان اقامتها.
وأضافت: من دون أن أكون صاحبة شعارات وطنية زائفة، اذا عدت فسأكون ضمن أقلية لاسيما وأنه ليس لي اقرباء هناك. وتطالب ام جعفر المسؤولين الالتفات إلى امثال حالتها من كثيرين دفعتهم الظروف الخاصة إلى البقاء نازحين إلى الأبد.
وبحسب مؤسسة بروكينغز، هناك أربعة ملايين شخص فروا من ديارهم بما فيهم 2.8 مليون شخص نزحوا داخل العراق عام 2008، في حين يعيش الباقي كلاجئين في دول الجوار.
انقلاب سلوكي
وقالت الباحثة الاجتماعية ابتهال القيسي التي عملت في منظمات المجتمع المدني لنحو اربع سنوات، إن النساء النازحات في العراق يمثلن مشكلة اجتماعية حقيقية، مع عدم قدرة الدولة على تأمين حياة كريمة لهن.
وتقول القيسي: "في ظل غياب الآليات التي تحفظ حقوقهن، تحوّل بعضهن إلى ممارسة الأعمال المشينة مثل الدعارة، وما يشجعهنّ على ذلك، انهنّ غير معروفات في المجتمع الجديد". وتابعت: "الهجرة أحدثت انقلابًا سلوكيًا واخلاقيًا في حياتهن، واضطررن إلى تقمص شخصيات جديدة لم يعتدن عليها من قبل".
وبحسب القيسي فإن كلمة (مهجّر) أصبحت مصطلحًا متداولًا في لغة الناس اليومية وغالبًا ما تحمل معاني العيب والشعور بالنقص.
مهجّرون على هامش المجتمع
وفي الكثير من مدن العراق مازال يعيش النازحون على هامش المجتمع في مجمّعات عشوائية وأماكن منعزلة.
ويقول علي حسن من دائرة مهجري بابل إن وزارة الهجرة تعمل على إنجاز 100 وحدة سكنية في قضاء المدحتية، والثاني في مركز قضاء الوردية، حيث خصصت هذه المجمعات في الأساس للنازحين. كما أنجزت الوزارة اكثر من أربعة آلاف دار سكنية قليلة الكلفة في تسع محافظات، لإيواء النازحين والمهجرين.
غير أن النازحة أم ولاء وهي تسمع هذه الإحصائيات تهز يدها وتقول: ستوزع على المعارف والأقرباء والمنتفعين الذين ينسقون ضمن شبكات الفساد المالي.