أخبار

حرية الرأي والتعبير تنتظر ضمانات بالحماية

الصراع على روح الثورة يتبدى بأسطع أشكاله في تونس

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

تنظر دول الربيع العربي مثل مصر وليبيا بحسد إلى تونس رغم كل ما تواجهه من تحديات. ورغم أن انعدام الثقة ما زال موجودًا في البلاد إلا أن الثلاثي الحاكم تمكن من كتابة دستور رحبت به منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان لفصله بين الدين والدولة.

لندن: حين عاد راشد الغنوشي مؤسس حزب النهضة الاسلامي الى تونس من منفاه في لندن اوائل عام 2011 كان يخطط للعمل مع القوى الأخرى على طي صفحة النظام الدكتاتوري العلماني.

وفي وقت لاحق من العام نفسه فاز حزب النهضة الذي انبثق عن حركة الاخوان المسلمين بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية وشكل حكومة ائتلافية مع حزبين علمانيين منافسين. وأراد الغنوشي أن يُري الجميع ان بمقدور الاسلاميين والعلمانيين ان ينهوا عقودا من العداء بين المعسكرين.

دستور مرحب به

ولاحظ مراقبون ان انعدام الثقة ما زال موجودا ولكن الثلاثي الحاكم تمكن من كتابة دستور رحبت به منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان، من بين منظمات حقوقية أخرى، لفصله بين الدين والدولة والآليات التي نص عليها لمراقبة السلطة. وما زالت اختبارات تنتظر الضمانات التي اتفق عليها الثلاثي الحاكم لحماية حرية التعبير والضمير.

ولكن دول الربيع العربي مثل مصر وليبيا تنظر بحسد الى تونس رغم كل ما تواجهه من تحديات. وكان الغنوشي أعلن في حديث لصحيفة وول ستريت جورنال يوم الانتخابات في العاصمة تونس قبل عامين ان الهدف هو "اسلام معتدل... يكون ديمقراطيا".

خطر الحركات السلفية

ولم يتحقق هذا الهدف حتى الآن ولكن المفارقة تتمثل في ان أكبر خطر يهدد هذا الهدف يأتي من داخل الاسلاميين أنفسهم. إذ نشأت حركة سلفية سرعان ما تنامى نفوذها في مواجهة التنازلات التي قدمها حزب النهضة للعلمانيين.

السلفيون يرون في الحكم الديمقراطي ردة وقرار حزب النهضة ألا يأتي أي ذكر للشريعة في الدستور اثار سخطهم عليه، لا سيما وانهم يقولون ان الحاكمية لله. ويُشتبه بأن لبعض المجموعات السلفية ارتباطات بتنظيم القاعدة.

ويقول منتقدو حزب النهضة ان الحزب والغنوشي تجاهلا نواقيس الخطر التي كانت تقرع منبهة الى التهديد القادم. إذ انقض السلفيون على كل ما هو لا اسلامي بنظرهم فحاصروا قناة "بسمة" التلفزيونية بعد ان بثت فيلم برسيبولس الكارتوني لأنه يجسد في احد مشاهده الذات الإلهية، وهاجموا محلات لبيع الخمور وحطموا صالونا فنيا وهشموا مسارح وقاعات موسيقية.

وتدفقت اسلحة من ليبيا ما بعد القذافي المجاورة الى خلايا سلفية سرية في تونس. ولكن حزب النهضة قاوم بعناد الدعوات المطالبة بملاحقتهم.

مؤامرة

وفي اوائل العام الماضي التقى الغنوشي قادة انصار الشريعة، فرع الجماعة التي هاجمت القنصلية الاميركية في بنغازي في ايلول (سبتمبر) 2012. وظهر الغنوشي في شريط فيديو عن اللقاء يناشد جمهوره ان يمهلوه "مزيدا من الوقت" لتنحية العلمانيين الذين "يسيطرون على الاعلام والاقتصاد والادارة"، كما اعلن. وشعر بعض العلمانيين التونسيين بأن مؤامرة تُحاك ضدهم.

وبدأت اعمال السلفيين تهدد تجربة تونس الديمقراطية. وبعد ثلاثة ايام على هجوم بنغازي اقتحم انصار الشريعة مبنى السفارة الاميركية ومدرسة اميركية في تونس. ورُفع علم تنظيم القاعدة الأسود فوق المجمع. وفي شباط (فبراير) قُتل المعارض والحقوقي العلماني شكري بلعيد خارج منزله في العاصمة. ونزل آلاف المتظاهرين الى الشوارع احتجاجا على مقتله محملين تهاون حزب النهضة مع استفزازات السلفيين مسؤولية اغتياله.

ولكن الاسابيع الأخيرة شهدت تحرك الحكومة الائتلافية بقيادة حزب النهضة بحزم ضد الاسلاميين المتطرفين. ودفعت الحكومة بقوات من الجيش الى الحدود الجزائرية لمحاربة جماعة ارهابية متحصنة في المنطقة.

وفي الشهر الماضي اشتبكت قوات الشرطة مع مؤيدي انصار الشريعة في عدة مدن بعد ان منعت الحكومة الجماعة من عقد مؤتمرها السنوي. وكان قرار المنع ايذانا بسياسة جديدة اشد صرامة في التعامل مع المتطرفين.

وفي ايار (مايو) اصدر الغنوشي بيانا اعلن فيه ان الجهاديين السلفيين يشكلون تهديدا لسلامة تونس وتعهد بمحاربتهم. وهو يسميهم الآن "ارهابيين"، في توصيف لا يرد بسهولة على لسان اسلامي مثله لا سيما وان دكتاتور تونس السابق اتهم الغنوشي نفسه في الثمانينات بأنه "ارهابي" تدرب في ايران وسجنه وعذب انصاره. واليوم يوجه حزب النهضة قوات الجيش والشرطة ضد جيل مغاير من الاسلاميين.

وقال الغنوشي (72 عاما) لصحيفة وول ستريت جورنال خلال زيارته لنيويورك مؤخرا ان التعامل مع السلفيين لا يكون بالوسائل الأمنية وحدها. وان انعاش الاقتصاد التونسي سيكون عاملا شديد الفاعلية في الحد من شعبيتهم. واضاف الغنوشي "نستطيع احتواءهم بالحوار". ويؤكد آخرون قريبون من حزب النهضة ان زج الجيش والخسائر التي تكبدها في القتل أوصلت الحزب الى نقطة اللاعودة.

في هذه الأثناء اعلن الجهاديون الحرب على حزب النهضة والغنوشي. ووجه زعيمهم سيف الله بن حسين تحذيرا الى الغنوشي بقرب المعركة. وتشهد هذه الانعطافة في الوضع التونسي على امكانات التطور الديمقراطي التي تزخر بها ثورات الربيع العربي بما في ذلك داخل القوى الاسلامية التي كانت الرابح الأكبر منه حتى الآن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف