ظاهرة غيّرت نظرة الفلسطينيين إلى قناة أم بي سي
محمد عساف: هل يحقق لفلسطين مصالحة عجز عنها السياسيون؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
التف الفلسطينيون، فتحاويين وحماسيين، حول محمد عساف، خصوصًا عندما غنى لكوفية تجمعهم ضد إسرائيل ولا تجمعهم في فلسطين، ما اعتبره البعض نذير خير، أن يحقق عساف ما فشل في تحقيقه السياسيون في الضفة وغزة.
نابلس: طرب الفلسطينيون على مدار ثلاثة أشهر لصوت نجم "عرب أيدول" محمد عساف. وخلال الفترة ذاتها، تباينت الآراء وتبدلت، فبينما كان البعض يشد من أزر عساف ويدعمه وتوجه معه إلى بيروت، كان آخرون يهاجمونه وينتقدون مشاركته في برنامج المواهب العالمي بنسخته العربية.
لكنّ حتى المنتقدين من حماس غيروا آراءَهم، وباتوا يدعمون عساف حتى ولو من تحت الطاولة، واستقبلوه بشكل رسمي لدى عودته إلى قطاع غزة، ووفروا له الحماية. فكل الفلسطينيين أدركوا في النهاية أن نيل عساف لقب "محبوب العرب"، سيكون مفيدًا إلى حد ما للقضية الفلسطينية. كما خشي البعض من موجة انتقادات إن استمرت مهاجمة عساف بعد نيله اللقب.
الفن وقضية فلسطين
بعد أن انتهت مرحلة التأييد والانتقادات، يتطلع الفلسطينيون إلى ما يمكن أن ينجزه عساف للقضية الفلسطينية، وإذا ما كان بإمكانه تغيير نظرة العالم إلى فلسطين وقضيتها. ويجمع قادة ومراقبون على أن عساف استطاع بفنه أن يحقق الكثير، وربما انجز أشياء لم يفلح في تحقيقها السياسيون.
وقال عبدالله كميل، القيادي في حركة فتح وعضو اللجنة الشعبية لدعم عساف، لـ"إيلاف"، إن موضوع عساف بات وطنيًا، مشيرًا إلى أن بعض الأغاني الوطنية الهامة وعلى رأسها "علي الكوفية" ارتبطت باسم عساف.
وأضاف: "عملية تسويق عساف كانت سهلة، وكان هناك أثر كبير للدعم الذي وفره الرئيس محمود عباس لعساف". ورأى كميل أن لعساف تأثيرًا كبيرًا على قطاع الشباب تحديدًا وعلى الرأي العام في فلسطين. أضاف: "لكن ذلك لن يستمر طويلًا إن ابتعد عساف عن الجو الوطني الفلسطيني، حيث لا بد من دائرة وطنية محصورة توجهه وتوجه فنه، من أجل خدمة القضية الفلسطينية بالشكل المطلوب، اعتمادًا على فن عساف".
إيجابي وسلبي
من جهته رأى الإعلامي أمين أبو وردة أن ظاهرة عساف تستحق التوقف عندها، لأنها تركت انطباعات عديدة بعضها ايجابي وبعضها سلبي. وقال لـ"إيلاف": "الايجابي أنها اعطت رسالة للعالم أن الشعب الفلسطيني تواق للراحة والتخلص من ويلات القمع والرصاص، وعنده أمل بالحياة، وهناك ابداعات تخرج من رحم المعاناة عندما تجد الفرصة، فالظاهرة نجحت في توحيد الفلسطينيين بعدما فصلتهم الجغرافيا بين الناصرة وغزة والضفة والشتات، كما التف الخصماء في السياسة خلفه مما أعطى إشارة بقدرة الفن على التوحيد".
وعن النواحي السلبية قال أبو وردة: "يمكن القول إن حالة عساف اعطت رسالة أن بعض الجهات تسعى الى تحقيق نصر في أي مجال للتغطية على الفشل في جوانب أخرى، اضافة إلى تباين الفرق في الاهتمام بقضايا أخرى كالأسرى والقدس والاستيطان، ما يولد حالة من النقمة، فلِم يجتمعون حول عساف ويتفرقون في بقية الملفات؟".
أضاف: "الموضوع أظهر أن الشعب الفلسطيني يملك ملايين الدولارات للتصويت، فهو ليس بحاجة للمساعدات، وقد يكون ذلك مبررًا للبعض".
بينما قال فايز عرفات، مدير مركز يافا الثقافي، لـ"إيلاف" إن عساف كان له دور حيوي في احساس الفلسطيني بالحضور الثقافي والفني الفلسطيني على مستوى الامة. ويرى عرفات أن صوت عساف كان هامًا في حصوله على اللقب، بالإضافة لما أسماه تجديد الاحساس القومي العربي تجاه فلسطين والتصويت لها من خلال عساف.
وتابع: "شكل التصويت لعساف حالة من الوحدة الفلسطينية باتجاه هدف انجاح هذا الصوت، ونلاحظ ذلك من غياب أو ضعف الجدال حوله، وخصوصًا من التيارات الاسلامية".
أم. بي. سي. وكرم الإبراهيم
كثيرًا ما نظر الفلسطينيون إلى قناة أم بي سي بأنها فضائية غير موضوعية، وأحياناً كان البعض يتطلع إليها بعين الريبة. لكن رسالة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس المجلس الاعلى للشباب والرياضة، اللواء جبريل الرجوب إلى الشيخ وليد الإبراهيم رئيس مجلس إدارة أم بي سي كشفت عن علاقة طيبة بين القيادة الفلسطينية وإدارة القناة، التي استجابت سريعًا من خلال الابراهيم للطلب الفلسطيني بالسماح لعساف بإقامة حفلاته مجانًا في فلسطين ومن دون حقوق حصرية.
وأعلن الرجوب أن جميع حفلات عساف في فلسطين، والتي ستبدأ في الاول من الشهر المقبل، ستكون مجانية. وقال الرجوب في رسالته: "إن مآثركم في إبراز شعبنا وقضيته العادلة في تتويج الفنان الكبير محمد عساف خالدة في عقولنا ووجداننا، وإن موقفكم النبيل بالسماح للأخ محمد عساف بتكريم شعبه في فلسطين المثخنة بجراح الاحتلال لهو البرهان على صدقية رسالتكم القومية والإنسانية، هذه الموافقة التي تستثني فلسطين من الالتزام التجاري نقدرها عاليًا لكم ولشركتم".
وقال كميل إن النظرة إلى أم بي سي تغيّرت عما كانت عليه في السابق، وقال أبو وردة إن الشارع الفلسطيني ما زال متحفظًا على القناة، بسبب عدم منحها القضية الفلسطينية المساحة الإخبارية الكافية. ورأى عرفات أن هذه النظرة مرتبطة بأجندات السياسيين الحزبية.
الظاهرة العسافية والمصالحة
رأى أبو وردة أن عساف بإمكانه أن يكون علامة لتوحيد الفلسطينيين وإنهاء الإنقسام، وفتح باب المصالحة من جديد. وقال كميل: "سيكون لعساف التأثير من خلال الأغاني الهادفة الى المصالحة، وبالتحديد خلق رأي عام ضد من لا يريد الانصياع للارادة الشعبية الهادفة لإنهاء الانقسام". فيما قال عرفات إن الانقسام الفلسطيني أكثر تعقيدًا من أن يكون لعساف تأثير كبير عليه. وأضاف:" لكنه يمثل صدى وصوت كل فلسطيني تعب من هذا الانقسام".
ومع بدء مشاركة عساف في البرنامج، خرج بعض قادة حماس وانتقدوه، وقال بعضهم إنه لا يمثل غزة، لكن حماس عادت وحاولت لاحقًا تهدئة الأمور، بعدما شاهدت حجم الالتفاف الجماهيري حول عساف. وعند عودته إلى قطاع غزة استقبلته بشكل رسمي في قاعة كبار الزوار في معبر رفح. ورغم أن الاستقبال لم يكن على مستوى رفيع وتمثل في وفد ترأسه مدير عام وزارة الثقافة في الحكومة المقالة، إلا أن الحركة أرادت من ذلك توظيف نجاح عساف، وعدم الظهور أمام العالم أنها حركة تقمع الفن وتهاجمه، خصوصًا مع مساعي قادتها الذين يتجولون في أوروبا لشطب الحركة عن قوائم الإرهاب.
إسرائيل دخلت على الخط
دخلت إسرائيل نفسها على خط عساف واهتمت بأخباره. وكان أبرز المهتمين الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي أفخاي أدرعي، الذي كتب أكثر من مرة عن "ظاهرة العساف"، والذي وجد الفرصة أيضًا لانتقاد حركة حماس عندما كانت تهاجم عساف.
ولم يخفِ أدرعي إعجابه بصوت عساف، لكنه قرر في الحلقة الأخيرة أن لا يشجع أحدًا لعدم التأثير على النتيجة كما قال، وبعد إعلان النتائج هنّأ أدرعي عساف على فوزه.
كما هنّأ رئيس بلدية تل أبيب يافا رون خولدائي الفنان، ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن خولدائي خلال حفل تخريج طلاب من مدرسة ثانوية في يافا قوله: "إن الشعب الفلسطيني يستحق أن يفرح بهذا الانجاز". وسبق أن رفض عساف مديحًا كثيرًا من أدرعي، وقال في تصريح له: "لقد اضطرني حديثك هذا أن أزور صفحتكم البغيضة التي تفوح منها رائحة الخبث والخباثة والكذب والافتراء".