مصر "الميادين" تقلق المدّ الإسلامي السياسي: "ربيع" مهدد بإعادة هيكلة

ما جرى في مصر أخيرًا من تكملة للثورة أو ما سماه البعض الآخر "ثورة ثانية" قضّ مضاجع الإسلاميين في المنطقة والذين كانوا ظنوا لوهلة أن الربيع لهم، فإذ بصحوة مدنية تصحح مسار الثورات وتعيد هيكلتها بعيدًا عن الصبغات الدينية بدأت تخيف حكامًا جددًا أوصلهم الدين إلى السياسة.

الإطاحة العسكرية بالرئيس محمد مرسي وسقوط الإخوان المسلمين عن السلطة في مصر أثار قلق الأحزاب الإسلامية في أنحاء المنطقة كافة، والتي تسعى جاهدة إلى الحفاظ على المكاسب التي تحققت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نتيجة لانتفاضات الربيع العربي.

في تحوّل مذهل، أدى عزل مرسي إلى غرس جذور الحذر في صفوف بعض الإسلاميين والتريث في تطبيق جدول أعمالهم المتشدد، لكنه عزز أيضًا تطرّف المتشددين، الذين يعارضون الديمقراطية منذ فترة طويلة.

المدنية تهدد إنجازاتهم
انتفاضات الربيع العربي شهدت صعود نجم الأحزاب السياسية الإسلامية من المغرب إلى سوريا، وكان الانتصار الأكبر والأوضح من نصيب الإخوان المسلمين في مصر، والذين فازوا في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، الأمر الذي جعل رفض الشعب ثم الجيش لهم أكثر إثارة للانتباه.

فروع الإخوان في تونس وسوريا تكافح من أجل النأي بأنفسها عن "الشجرة الأم" في مصر، في حين أن القوى العلمانية تناضل لتثبيت مكتسبات الثورة بعيدًا عن الأسلمة والتشدد.

"ما يحدث في مصر له تأثير كبير على فروع الأحزاب الإسلامية"، قال محلل شؤون الشرق الأوسط فواز جرجس من كلية لندن للاقتصاد، لصحيفة "واشنطن بوست"، مشيرًا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين مُنيت بنكسة، أسقطت الهالة التي كانت تحيط بها، والتي تزعم أن الإسلاميين فوق الشبهات، وأنهم أكثر كفاءة في الحكم".

تونس تتحمّس
وأضاف جرجس: "في الواقع، واحد من الدروس التي تعلمناها هو أنهم غير أكفاء، إن لم يكن أكثر من الأنظمة الاستبدادية القديمة".
ليلة خلع مرسي، اندلعت الاحتفالات في جميع أنحاء العاصمة التونسية، وارتفعت المطالبات الشعبية بحل المجلس، الذي يهيمن عليه الإسلاميون، والذي تم انتخابه في أكتوبر/تشرين الأول 2011.

الفوز المهم الآخر للإسلاميين في تونس، حيث بدأ الربيع العربي، كان الأكثر إثارة للإعجاب، إذ فاز حزب النهضة المقموع بأكثر من 40 في المئة من المقاعد في ائتلاف مع اثنين من الأحزاب العلمانية اليسارية الأخرى.

سارع رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، إلى إدانة الإطاحة بمرسي، واصفًا خطوة الجيش بـ"الانقلاب الصارخ"، ولكن سرعان ما تبع هذا الاستنكار تصريحات تنأى بحزبه عن الطريقة التي أدارت بها جماعة الإخوان شؤون الدولة المصرية.

على الرغم من هذا الحذر، بدأت المعارضة التونسية المتنوعة، التي تتألف من الأحزاب اليسارية وفلول النظام المخلوع بالدعوة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، كما إن هناك حملة لجمع تواقيع المواطنين على غرار حملة "تمرد"، التي ساعدت على حشد المعارضة لمرسي في الأشهر القليلة الماضية.

ويتهم التونسيون حزب النهضة بأوجه القصور نفسها، التي أسقطت الإخوان في مصر، بما في ذلك عدم الكفاءة واتباع نهج متغطرس في الحكم.

إعادة جدولة للربيع
وأشار المحلل في شؤون شمال أفريقيا إيساندر العمراني إلى أهمية سقوط الإخوان في مصر، فالمسألة أكثر من مجرد انتصار العلمانيين على الإسلاميين، إذ إنها إعادة تنظيم التحالف الأصلي للربيع العربي الذي أطاح بالطغاة مثل حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس.

وأضاف: "الأحزاب اليسارية والليبرالية التي تحالفت سابقًا مع الإسلاميين ضد النظام القديم، تتحالف الآن مع النظام القديم ضد الإسلاميين".

يأتي سقوط الإخوان المسلمين في وقت حسّاس بالنسبة إلى تونس، التي تواجه أزمة اقتصادية، وتمر أيضًا في المراحل النهائية من العملية الصعبة المتمثلة في الموافقة على الدستور الجديد للبلاد.

سوريا تتأثر أيضًا
أما في الصراع السوري، الذي يعجب الجماعات الإسلامية، التي تقاتل ضد نظام الرئيس بشار الأسد، فقد لعبت جماعة الإخوان دورًا كبيرًا في محاولات لإنشاء قيادة في المنفى. لكن عقب انتكاسة الإخوان في مصر، تعرقلت هذه الطموحات. ففي اجتماع عقد في إسطنبول هذا الأسبوع، خسر مرشح الإخوان، الذي كان من المفترض أن يكون الزعيم الجديد للائتلاف الوطني السوري بهامش ضيق.

وفقًا لسلمان الشيخ، مدير مركز بروكنغز الدوحة، فإن جماعة الإخوان في سوريا لا تتفق مع النهج المتعالي لنظيرتها المصرية، "إذ إنها انتقدت كيفية تعامل جماعة الإخوان مع منصبهم في مصر، وتحديدًا أنهم لم ينجحوا في بناء الثقة، وعمدوا إلى المواجهة بدلًا من تحويل الجماعة إلى قوة وطنية حقيقية".

على الرغم من ذلك، يعتقد معظم المحللين أن انتكاسة جماعة الإخوان المسلمين لا تعني نهاية الإسلام السياسي كقوة في المنطقة، إذ إنها لاتزال الحركة السياسية الأكثر تنظيمًا في بلدان كثيرة.

وقال الشيخ من معهد بروكينغز إن "خسارة جماعة الإخوان المصرية في عام واحد فقط، تعني أن الإسلاميين لديهم الكثير لتعلمه عندما يتعلق الأمر بالحكم. وأضاف: "مع مرور الوقت، أظهرت هذه الجماعات نفسها على أنها أقل قدرة وأكثر أيديولوجية في نهجها مع الناس، وهذا ينبغي أن يكون دعوة إلى الاستيقاظ".