الاعتقالات أثرت على ترابطهم ولجان بديلة تحلّ مكان القيادات
إخوان مصر يستعيدون تكتيكات العمل السرّي لمواجهة الملاحقات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لا شك أن للاعتقالات الأخيرة التي طالت الإخوان في مصر أثرًا على ترابط الجماعة، إذ عادت إلى العمل السري الذي اعتادته، وباتت تعقد لقاءاتها في مؤسسات مؤيدة لها بعيدًا عن المقار، كما اضطرت لتشكيل لجان بديلة لتعويض غياب القيادات المعتقلة.
القاهرة: استعادت أسرة عائشة، القيادية الإخوانية، أساليب العمل السري لجماعة الإخوان المسلمين، التي أتقنتها لعقود قبل إمساكها بالحكم، إذ توارى الأب القيادي عن الأنظار، وأصبحت الابنة أسيرة حالة من الشعور بالمطاردة، في ظل الملاحقات الأمنية التي تستهدف مسؤولين في هذه الجماعة.
ومنذ فضّ اعتصامات الإسلاميين في الرابع عشر من آب/أغسطس، ومقتل نحو ألف شخص منذ ذلك الحين، معظمهم من الإسلاميين، يشنّ الأمن المصري حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات الصف الأول والثاني وأعضاء آخرين في جماعة الإخوان، طالت المرشد العام محمد بديع وعددًا كبيرًا من القيادات البارزة.
وأثرت تلك الاعتقالات بشكل مباشر على ترابط وتنظيم جماعة الإخوان على الأرض، حسب ما قال أعضاء في الجماعة لفرانس برس، مجبرة أعضاء الجماعة مجددًا، على اتباع تكتيكات العمل السري نفسها التي اعتادت عليها منذ تأسيسها في العام 1928 وحتى عشية ثورة 25 يناير 2011.
ضعف تواصل
وقد جرى تشكيل لجان بديلة داخل الجماعة لتعوّض دور القيادات المعتقلة في التنسيق والتواصل مع الأعضاء وحشدهم، حسب ما كشف أعضاء في الإخوان لفرانس برس. ورغم الإعلان عن تعيين محمود عزت مرشدًا موقتًا بعد اعتقال بديع، إلا أن أحدًا من القيادات الوسطى في الإخوان لم يؤكد الخبر، ما يعكس ضعف التواصل داخل الجماعة.
وقالت عائشة (25 عامًا)، وهو اسم مستعار لقيادية شابة في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، وابنة أحد قادة الجماعة في محافظة الأسكندرية إن "التواصل أصبح مباشرًا. لا نستخدم الهاتف أو الانترنت خوفًا من تحديد أماكننا"، وتابعت "أصبحت أكثر حرصًا على المعلومة التي بيدي وعلى أمني الشخصي".
أضافت عائشة، التي توارى والدها عن الأنظار خشية القبض عليه، "نحن نستعيد قمع الأمن بشكل عادي، لأننا تعودنا على ذلك طيلة سنين". واقترنت جماعة الإخوان بصفة "المحظورة" في الإعلام الرسمي خلال عهد الرئيس المصري السابق حسني مبارك، لكنها باتت اليوم تواجه حظرًا شعبيًا متزايدًا في الشارع يزيد من وطأة ملاحقة الأمن لقيادتها.
وتقول عائشة: "التضييق أصعب من عهد مبارك، لأن هناك تضييقًا شعبيًا أيضًا"، وتابعت بضيق: "كثير من الناس يعاملوننا بشكل سيىء. كثيرون يريدون التخلص من جيرانهم الإخوان. لكنّ هناك متعاطفين معنا بالطبع". وأربكت حملة الاعتقالات واختفاء القيادات وتواريهم عن الأنظار صفوف الجماعة، التي فشلت بشكل واضح في حشد أنصارها في الشارع خلال الأسبوع الماضي، ذلك ربما بسبب تعذر إبلاغ كثيرين بالأوامر.
وقال قيادي في حزب الحرية والعدالة في طنطا (دلتا النيل) يدعى أحمد: "لم نعد نتواصل بشكل مكثف عبر المكالمات الهاتفية، لأننا نعرف أنها مراقبة". وأضاف أحمد، الذي لم يقضِ ليلته في منزله في بلدته خشية اعتقاله، "أصبحنا نتلقى التكليفات الصادرة لنا وجهًا لوجه".
الاعتقالات تجاوزت الألفين
وذكر قيادي آخر أن "التواصل عبر الهاتف ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح محدودًا"، بينما قال آخرون إن "أحدًا من القيادات لا يقضي الليل في بيته منذ بدء الحملة الأمنية". وقالت مصادر أمنية لوكالة فرانس برس إن "عدد المقبوض عليهم من جماعة الإخوان المسلمين يتجاوز ألفي معتقل عبر البلاد منذ فضّ الاعتصامات"، مشيرة إلى أنه "ليست هناك قائمة كاملة بالمقبوض عليهم حتى اللحظة".
لكن إسماعيل الوشاحي، وهو محامٍ منتمٍ إلى الإخوان، يقول "أحصينا 8 آلاف حالة اعتقال واختفاء قسري للمنتمين إلى الجماعة. المعتقلون يواجهون 16 تهمة، منها القتل والشروع في القتل وحيازة أسلحة وحرق منشآت" وذلك منذ الثالث من تموز/يوليو.
ووجّهت الحملة الأمنية ضربة قاسية، ولكنها ليست قاتلة للجماعة، التي لا تزال تستطيع تنظيم مسيرات مؤيدة في الشوارع، ولو أنها لم تعد تجمع أعدادًا كبيرة، في وقت لم تحلّ السلطات المصرية جماعة الإخوان بعد، لكن رئيس الوزراء حازم الببلاوي قدم اقتراحًا بذلك.
ويقول أشرف الشريف أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة لفرانس برس إن "الجماعة تعاني حالة ارتباك، ولكن أموالها لا تزال بيدها إلى حد كبير، ومعظم أعضائها غير معتقلين". ويتابع "الحملة الأمنية وجّهت ضربة قاسية، ولكنها غير قاصمة. الأمر له أبعاد رمزية أكثر منها حقيقية".
المؤسسات المؤيدة بدلًا من المقار
وتضم جماعة الإخوان المسلمين مئات الآلاف من الأعضاء في مصر، بحسب تقديرات غير رسمية. ومنذ فضّ الاعتصامات، توقف الإخوان عن حشد أنصارهم من خارج العاصمة للتظاهر في القاهرة. ويعود الأمر إلى اعتقال عدد كبير من المسؤولين عن الأمر من رؤساء المكاتب الإدارية في المحافظات المختلفة، حسب ما قال قيادي إخواني.
وقال هيثم أبو خليل، القيادي السابق في الجماعة، إن "جماعة الإخوان المسلمين كجماعة سرية مغلقة يمكنها مواجهة الحملة الأمنية بسهولة وإعادة ترتيب صفوفها بشكل سريع وفعال". ومنذ نهاية حزيران/يونيو الفائت، أغلقت معظم مقار جماعة الاخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة أبوابها.
وتعرّضت عشرات المقار في عدد كبير من المحافظات للحرق والتدمير على أيدي معارضي الجماعة. والثلاثاء الماضي، عقد التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب، المؤيد للإخوان، مؤتمرًا صحافيًا له في مقر حزب العمل في القاهرة، لم يحضره أي من قيادات الإخوان أو الرموز الإسلامية المؤيدة لهم، ما اضطر الصحافيين لسؤال منظمي المؤتمر عن هويتهم وأسمائهم.
وقبل سقوط نظام مبارك، اعتادت جماعة الإخوان المسلمين أن تعقد مؤتمراتها في هيئات ومؤسسات مؤيدة لها، وهو ما بدت الجماعة وكأنها تستعيده الآن. وفي بورسعيد يقول أحد قادة الجماعة لفرانس برس عبر الهاتف بتحدٍّ "نحن عدنا إلى العمل بطريقة زمان مع القواعد بشكل مباشر بعيدًا عن المقار"، مضيفًا "الأصل أننا نتعامل مع الناس دون مقار. العمل فوق الأرض كان الاستثناء".