انقسام تركي داخلي حول التعامل مع الصراع السوري
إردوغان مع الضربة الأميركية ومعارضوه ضعفاء ينتقدون بلا بديل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أعلن رجب طيب إردوغان وقوفه مع الضربة الأميركية للنظام السوري، غير عابئ بمعارضيه، الذين استمروا في انتقاده وتحميله مسؤولية تسرّب الخطر إلى بلادهم من الصراع السوري، فهم ينتقدون من دون أن يقدموا أي بدائل.
يغوص الكونغرس الأميركي في نقاش حاد حول السماح بشنّ ضربة عسكرية على سوريا، بعد الهجوم بالسلاح الكيميائي، الذي أدى إلى مقتل ما يصل إلى حوالى 1400 شخص، حسب تقديرات الولايات المتحدة، في ضواحي دمشق يوم 21 آب (أغسطس).
حتى الآن، وفي الوقت الذي يسعى فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى حشد تحالف من الدول لدعم العملية العسكرية، أعلنت دول حليفة، مثل بريطانيا وألمانيا، أنها لن تشارك في الضربات. وفشلت الجامعة العربية، التي اعتبر تأييدها حاسمًا في استخدام القوة في ليبيا، لأنها أمّنت المزيد من الشرعية، في التصويت لدعم الحملة العسكرية بقيادة الولايات المتحدة.
إردوغان مع الضربة
على الرغم من ممانعة الدول الأوروبية والعربية، أعلنت الحكومة التركية علنًا وبوضوح دعمها لعمل عسكري ضد الرئيس السوري بشار الأسد. غير أن أحزاب المعارضة التركية تعارض هذه المسألة، معتبرة أن تأييد رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان ليس سوى أحدث خطأ في تعاطي حزب العدالة والتنمية مع الحرب الأهلية السورية.
وانتقدت المعارضة التركية باستمرار سياسة الحكومة تجاه الصراع السوري، باعتبار أنها تجعل بلادهم عرضة لرد فعل سلبي من النزاع المجاور. في بداية النزاع، كانت أنقرة رافضة للتدخل الخارجي، وأيّدت أي حل سوري للأزمة. وبعد ذلك، عملت الحكومة التركية على تعظيم نفوذها في أوساط المعارضة السورية، وتمكين جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
حتى الآن، غيّرت أنقرة لهجتها، فقالت في مناسبات عديدة إنها ستدعم التدخل العسكري الخارجي طالما أنه تم إقراره من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أو تحت سابقة قانونية دولية مثيرة للجدل تعرف بـ "مسؤولية الحماية". ويقول إردوغان إن العملية العسكرية يجب أن تكون شبيهة بتلك التي قادها حلف شمال الأطلسي في كوسوفو، والتي استمرت 78 يومًا، وينبغي أن تهدف إلى اسقاط النظام، بدلًا من عملية مماثلة لضربات الأيام الأربعة في العراق في العام 1998.
لكن الرأي العام التركي لم يكن في مصلحة هذا التدخل، لا سيما بعدما أسقطت قوات الأسد طائرة استطلاع تركية في حزيران (يونيو) 2012، وأدت قذيفة مدفعية إلى مقتل خمسة مواطنين أتراك في بلدة أكساكال الحدودية في تشرين الأول (أكتوبر) 2012، وقتلت سيارتان ملغومتان 52 شخصًا في بلدة الريحانية، التي تستضيف عددًا من المقاتلين السوريين. واعتبرت صحيفة فورين بوليسي أن هذه الأحداث دفعت الرأي العام إلى المطالبة بسياسة أكثر انعزالية تجاه الصراع الدموي السوري، الذي تتسلل آثاره إلى بلادهم.
تعثر المعارضة
في هذه الأثناء، يعمل حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا، وهو جماعة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، على توطيد قبضته على المناطق الرئيسة على الحدود التركية. واتخذ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي خطوات نحو الحكم الذاتي، وأتى قرار حزب العدالة والتنمية للتعامل مع صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي، ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير، فأثار موجة غضب شديدة في الشارع التركي، الذي اعتبر أن إردوغان يتعامل بطريقة لينة مع الإرهاب.
فتعامل حزب العدالة والتنمية مع الأزمة السورية أصبح بمثابة الاستفتاء على سياسة الحزب الحاكم المثيرة للجدل للسياسة الخارجية، والتي تعتمد على مبدأ العمق الاستراتيجي، أي صفر مشاكل. كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض، انتقد إردوغان مرارًا، قائلًا: "حزب العدالة والتنمية حوّل سياسة صفر مشاكل إلى سياسة صفر علاقات مع أي دولة من الشرق الأوسط، حتى القوقاز".
لكن منذ بداية الأزمة السورية، تعثر حزب الشعب الجمهوري بشدة، إذ اختار إرسال وفدين لزيارة الأسد للتعبير عن رفض الشعب التركي للتدخل في الشؤون السورية، والتزامه علاقات حسن الجوار. فاستغل إردوغان هذه الأخطاء السياسية متهمًا كيليجدار أوغلو منذ ذلك الحين بالمؤيّد للإرهاب الدولي، حتى إنه ألمح إلى أن حزب الشعب الجمهوري قد يكون متواطئًا في تفجيرات الريحانية.
استقطاب مستمر
تحمّل الجهات المعارضة حزب العدالة والتنمية مسؤولية امتداد العنف إلى تركيا، معتبرة أن حكومة إردوغان تسمح لمقاتلين أجانب بالعبور عبر الأراضي التركية، وتسهل عمليات نقل الأسلحة إلى الثوار، ما جعل من تركيا جزءًا من حرب إقليمية بالوكالة. ويجادل حزب الحركة القومية اليميني حول أن المسؤولية الأساسية للحكومة التركية هي حماية مواطنيها وأراضيها، وأن العمل العسكري في سوريا يتطلب موافقة الأمم المتحدة.
إضافة إلى ذلك، رفض الحزب بقوة تقرّب حزب العدالة والتنمية من صالح مسلم، زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي، معتبرًا أنه يمثل إحراجًا للدولة التركية. وعلى الرغم من هذه الخلافات والانتقادات، هناك مبدأ واحد يجمع حزب العدالة والتنمية بحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، وهو الاعتقاد بأن سوريا ما بعد الأسد ينبغي أن تكون لها حكومة مركزية قوية، تحافظ على وحدة أراضيها.
والحوار الداخلي التركي حول سوريا يعكس إلى حد كبير الانقسام الأيديولوجي الذي يتخمر منذ فترة طويلة في المجتمع التركي، فرفض حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية احتضان إردوغان للإسلاميين السوريين وفضل اعتماد مقولة أتاتورك "السلام في الداخل والسلام في الخارج". لكن إردوغان يؤكد أن تركيا يجب أن تلعب دورًا أكثر نشاطًا في المنطقة، ويؤكد أن الدولة التي تتجاهل المجازر ولا تتصرف استجابة لمعاناة الأبرياء لا تمتلك المثل العليا أو الأهداف.
فشل النقاش في الوصول إلى أي مستوى من التوافق يسمح لحزب العدالة والتنمية بمواصلة تنفيذ سياساته من دون عوائق إلى حد كبير. وعلاوة على ذلك، لم تضع أي من الأحزاب المتنافسة استراتيجية بديلة قابلة للتنفيذ. وبدلًا من ذلك، يركز كل حزب على معارضة حزب العدالة والتنمية فقط، من دون تقديم حلول، ما لا يترك للناخبين الأتراك خيارًا سوى الوقوف إلى جانب أحد طرفين، بدلًا من منتصف الطريق، وهذا هو مسار الاستقطاب السياسي المعتاد في تركيا.