متشددو اليمن يرفضون قانونًا لتحديد سنّ الزواج
وإذا الطفلة روان سُئلت بأي ذنبٍ قتلت!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أعلنت الحكومة اليمنية الجمعة أن السلطات تحقق في وفاة فتاة عمرها ثمانية أعوام بسبب نزيف داخلي نتج من ليلة زفافها وسوف تقاضي المسؤولين عن ذلك. وأشعلت هذه الحالة من جديد غضبًا دوليًا حيال قضية زواج القاصرات.
نصر المجالي: عرف اليمن حملات كثيرة ضد الزواج المبكر، نجحت إحداها في فرض مسودة قانون على البرلمان حالت الاعتراضات الكثيرة عليها دون تحوّلها إلى قانون، كما أدى قيام الثورة إلى تبدل الأولويات في البلد الذي أصبح في حاجة إلى إعادة بناء، ما جعل الحديث عن الزواج المبكر "رفاهية" يسخر منها اليمنيون، حسب بعض النشطاء، الذين ألقوا بالمسؤولية على الحكومة.
وقد أودى نزيف ناتج من تمزّق المهبل بحياة الطفلة اليمنية روان ذات الثماني سنوات في اليوم التالي لليلة الزفاف، حسب ما تداولته وسائل إعلامية.
وقالت الناشطة والمحامية راقية حميدان، بحسب تقرير لـ"بي بي سي" إن "الصغيرة توفيت في اليوم التالي لليلة الدخلة، بعدما أصيبت بنزيف حاد ناتج من تمزق في المهبل، كما جاء في الصحافة، وأن هذه ليست حالة معزولة، بل إن هناك حالات أخرى كثيرة لصغيرات في مثل هذه السن ينزفن حتى الموت بعد ليلة الدخلة".
وأضافت أن "تحديد سنّ الزواج ألغي في اليمن بعد تعديلات على قانون الأحوال الشخصية كانت في كل مرة أسوأ بالنسبة إلى المرأة"، معتبرة أن الفقر يشكل عاملًا مهمًا، "فالذي لا يجد قوت يومه يجد في 500 دولار ثروة تساويها ابنته، فيعطيها لبالغ قد يتجاوز الأربعين سنة. أما في حالات وفاة الصغيرة فلا متابعة جزائية ضد أحد".
كشف الملابسات
وقالت وزيرة التضامن اليمنية حورية مشهور في تصريح لبي بي سي "إن وزارتها تحقق في حادثة وفاة روان لكشف ملابسات الحادثة، وإنها لا تستبعد حدوثها، لأنها ليست الحالة الأولى".
وانتشر في اليمن ما يعرف "بالزواج السياحي"، ويقول علي الديلمي من المنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات، إن "خليجيين يدفعون مبلغًا من المال لعائلة يمنية مقابل الزواج من ابنتها الصغيرة".
وترى وزيرة التضامن أن هذه الظاهرة تراجعت "بعدما فرضت الحكومة اليمنية على الأجنبي الراغب في الزواج تقديم موافقة من سفارته ورخصة من وزارة الداخلية"، مضيفة أنه يبدو "بأن زوج روان كان أجنبيًا".
قانون حماية
وطلبت وزارة التضامن من مجلس النواب العودة إلى مناقشة الموضوع واستصدار قانون يحمي الفتيات الصغيرات من هذه الزيجات، كما طالبت المشاركات في لجنة الحوار الوطني أن يدرج سنّ الزواج في الدستور الجديد، حسب المتحدثة، التي ترى أن "ما يجب أن يتضمنه الدستور الجديد هو آليات تنفيذ القوانين مثل إجبارية التعليم".
وأضافت الوزيرة مشهور أنه "لا يوجد قانون يحدد سنّ الزواج، وقد حرك المجتمع المدني حملة سنة 2009 ضد الزواج المبكر بعد حالة الطفلة "نجود"، أفضت إلى موافقة مجلس النواب على تحديد سنّ الزواج، لكنّ الإسلاميين المتشددين فيه علقوه، متسببين في تعطيله".
وأشارت إلى "دراسة أجرتها الوزارة كشفت بأن البنات في الأرياف يتزوّجن في سنّ مبكرة مقابل ارتفاع للعنوسة في المدن، وأن حل المشكلة ليس في قانون رادع يحدد سنّ الزواج وحسب، بل يجب تعزيزه بالتعليم ومحاربة الفقر والقيام بحملات توعية للمواطنين لتجاوز المعتقدات السائدة، ذلك أن المواطن يستطيع التحايل على القانون لتزويج ابنته".
لا عقاب للرجل
من جهتها، قالت الناشطة الحقوقية اليمنية أروى عثمان في وقت سابق هذا الأسبوع إن الفتاة، واسمها روان، توفيت بعد جماع أسفر عن تمزق الرحم، عقب زواجها برجل أكبر منها سنًا بخمس مرات.
وقالت عثمان إنه لم يتم إتخاذ أي إجراء ضد الرجل. في حين أوضح راجح بادي، وهو مستشار لرئيس الوزراء محمد سالم باسندوة لرويترز "تتعامل الحكومة (اليمنية) بشكل جاد مع هذه القضية، وسوف تحقق فيها، وسوف يمثل المسؤولون عنها أمام العدالة".
وحثت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون السلطات في صنعاء يوم الجمعة على التحقيق في القضية "من دون تأجيل ومقاضاة جميع المسؤولين عن هذه الجريمة". وفي بيان قالت أشتون إن هذه الدولة الواقعة في شبه الجزيرة العربية يجب أن تفرض قانونًا يحدد السنّ الأدنى للزواج. وتزوج العديد من الأسر الفقيرة في اليمن بناتها القاصرات لتوفير نفقات تربيتهن والاستفادة من مهورهن.
دور المتشددين
حمل كثير من الناشطين في اليمن مسؤولية استمرار اليمن في العمل بقانون فضفاض لا يحدد سنًا للزواج للإسلاميين المتشددين في مجلس النواب، الذين يرفضون المبدأ استنادًا إلى ما تتضمنه الشريعة الإسلامية.
وقال سلطان السامعي النائب المعارض في المؤتمر الوطني والمتحدث باسم الحركة الجماهيرية للعدالة والتغيير لـ"بي بي سي" إن "مجلس النواب حاول تحديد سنّ الزواج بـ 18 سنة، لكنّ الإسلاميين المتشددين نظموا مظاهرات، وقالوا إن ذلك يخالف الشريعة".
وأضاف أن "ما يحدث في اليمن هو عمليات بيع للطفولة والإنسانية، وقد تسبب الفقر في استمرارها وتفاقمها، وهي منتشرة في المناطق الريفية والجبلية البعيدة، ونادرة في المدن".
ويشير المتحدث إلى أن "95 في المئة من اليمنيات لا يملكن بطاقة هوية، ما سهّل عملية تزويج الصغيرات، اللواتي لا يحضرن أمام القاضي، ويكتفي بما يقوله الولي والشهود حول أهلية العروس للزواج من دون ذكر سنها، ليصدر عقدًا رسميًا بالزواج". وأكد أن القضاء على الظاهرة يحتاج فعل الكثير.
ضائقة اقتصادية
ووفقًا للأمم المتحدة، فإن نصف سكان اليمن، البالغ عددهم 24 مليون نسمة، لا يحصلون على الطعام أو الماء النقي بشكل كافٍ. ووفقًا للمعايير الدولية، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فإن كل إنسان بغضّ النظر عن عمره يجب أن يبدي قبوله قبل الزواج.
وحثت هيومن رايتس ووتش قبل ذلك الحكومة اليمنية على حظر زواج الفتيات تحت سنّ الثامنة عشرة. ويقال إن حوالي 14 % من الفتيات في اليمن يتم تزويجهن في عمر 15 عامًا، فيما يتم تزويج نحو 52 % قبل سن 18 عامًا. وينفق الاتحاد الأوروبي سنويًا نحو 60 مليون يورو (79.85 مليون دولار) في مساعدات إلى اليمن.
الزواج المبكر
ينتشر الزواج المبكر بشكل كبير في اليمن، حسب منظمة هيومن رايتس ووتش، التي أعدت تقارير مفصلة حول الموضوع، اعتبرت فيها أن نصف الزيجات في اليمن يتم في سنّ تقلّ عن 18 سنة. أما في الأرياف فإن هذه السنّ تنزل إلى الثماني سنوات.
وذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن اليمن من أفقر البلدان في العالم، وأن هذا الفقر يدفع ببعض العائلات إلى النظر إلى بناتهن كمصدر للدخل، وبقدر ما يكون الزوج متقدمًا في السنّ تكون البنت صغيرة ما يجعل الهوة بينهما كبيرة. وسجلت المنظمة شهادة الطبيبة النسائية أروى ربيعي، التي قالت إنها تفحص الكثير من الفتيات الصغيرات يوميًا، وإن المعاشرة قبل سنّ 18، أي قبل اكتمال نمو الحوض والجهاز التناسلي، تعرّض الفتيات لأمراض خطيرة.
وروت الطبيبة حالة "طفلة في الثالثة عشرة من العمر جاءت إلى المستشفى من أجل الولادة، وكانت في حالة رعب شديد، وتوجّهت مباشرة إلى الحمّام، وأغلقت على نفسها، حتى وضعت هناك وليدها الذي توفي".
وفي شهادات سيدات حول الزواج المبكر، نقلتها المنظمة، قالت نادية، التي تزوجت في سنّ 13: "كان الزواج بالنسبة إليّ عرسًا وحفلة فقط. لم تكن لديّ أدنى فكرة عن الجانب الآخر منه، ولم يتمكن جسمي الصغير من تحمّل الحمل. أنا ضد أن تتزوج أي واحدة بالطريقة نفسها".
وتعتبر المنظمة أن الزواج المبكر "يعزل الفتاة، ويقضي على أية إمكانية لتعليمها، كما يجعلها أكثر عرضة للعنف الأسري، لأنها ستصبح بين يدي الزوج وأسرته".