تبدل جذري في المزاج الانتخابي الألماني
"غير المصوّتين" الألمان مارد استيقظ ليهزّ عرش الديمقراطية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يتأكد الألمان يومًا بعد يوم أن الأحزاب لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة، ولا تعمل إلا لحماية هذه المصالح وضمان استمرارها، وهذه المصالح لا تتصل أبدًا بما يريده الناس، ولذا تتوسع شريحة غير المصوّتين، ما يهدّد النظام الديمقراطي الحزبي في ألمانيا.
ساره الشمالي من لندن: اللافتة كبيرة، تتدلى فوق متجر في أحد شوارع مدينة كولونيا الألمانية، وعليها خطّ بأحرف كبيرة: "لقد استيقظ المارد". المارد هنا هو الاسم الذي أطلقه ويرنر بيترز، رئيس حزب غير المصوّتين في ألمانيا، على جمهور من الألمان لا يصوّتون في الانتخابات العامة، وهم من يرمي بيترز إلى إيقاظهم قبل الغد، أي قبل الأحد 22 أيلول (سبتمبر)، موعد الانتخابات العامة في ألمانيا، بحسب ما ورد في تقرير نشرته شبيغل أونلاين.
آن الأوان
بيترز هذا الذي ينتمي إلى النخب الألمانية المثقفة، يعمل مديرًا لفندق شيلسي في كولونيا، ويملأ وقته بتأليف الكتب واستضافة اللقاءات الثقافية والفلسفية. وقبل عقد ونصف عقد من الزمان، أنشأ حزب غير المصوّتين، وهدفه من ذلك تسليط الضوء ساطعًا على النظام الديمقراطي القائم على التعدد الحزبي.
غير أن قلة قليلة من الألمان انتبهوا إلى وجوده ووجود حزبه خلال هذه الأعوام، واكتفت هذه القلة بالابتسام هازئة به. لكنه يؤكد اليوم أن المزاج العام في البلاد يتغيّر، فيقول حاملًا عبء أعوامه الاثنين والسبعين: "أرى فكرتي تتبلور فعليًا، وأقول إن الأوان قد آن". فهو مقتنع أن الألمان يتقبلون أفكاره، "إذ تأكدوا من أن الأحزاب لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة، ولا تعمل إلا لحماية هذه المصالح وضمان استمرارها، وهذه المصالح لا تتصل أبدًا بما يريده الناس"، كما يقول.
خلال الصيف المنصرم، تقول "شبيغل أونلاين" إن بيترز حل ضيفًا على العديد من البرامج السياسية الحوارية، معلنًا استيقاظ المارد، بنبرة قد لا تتجاوز نبرة تتوخى الحذر، ولا تتوانى عن السعي الحثيث إلى الإقناع، بالرغم من أنها تتوجّه إلى شريحة من الناخبين الألمان، قد تكون ذات أهمية كبيرة يوم الاقتراع، أي غدًا الأحد. فبيترز وأتباعه يحاولون جديًا هزّ أركان النظام الانتخابي الألماني، من خلال إقناع المواطنين بعدم الشعور بأي ذنب إن آثروا الابتعاد عن صناديق الاقتراع.
ضرر بالديمقراطية
للمرة الأولى في تاريخ ألمانيا الحديث، يعلو صوت المثقفين الألمان، من كتّاب وصحافيين وفنانين، في وجه الأحزاب المتنافسة ومرشحيها، وذلك من خلال توجيه الانتقادات اللاذعة والبناءة إلى النظام الانتخابي السائد في ألمانيا. ويبدو أن هذا الكلام الانتقادي يوازي تراجعًا تراكميًا في حجم الكتلة المقترعة في ألمانيا، من 82 بالمئة في العام 1998 إلى نحو 71 بالمئة في العام 2009.
وفي الانتخابات التشريعية هذا العام، من المتوقع أن يتجاوز عدد الممتنعين عن الاقتراع عدد المقترعين، على أن يعمّ هذا التجاوز الكتل الشعبية، التي تعتمد عليها كل الأحزاب على الساحة السياسية الألمانية.
تصديقًا لهذه التوقعات، يحذر مانفريد غولنير، رئيس مؤسسة فورزا للإحصاءات، لشبيغل أونلاين من رقم قياسي قادم في العزوف عن التصويت، لكنه يستدرك قائلًا: "لا خوف من أن تهبط نسبة المقترعين عن 70 بالمئة". لكن الاقتراع لا يأتي مرتفعًا بدافع تأييد سياسي للأحزاب، كما يقول، بل بسبب الخوف على الديمقراطية، ومن هنا الخوف الحقيقي.
ففي انتخابات العام 2002، عجز إدموند ستويبر، المرشح المحافظ لمنصب المستشار، عن تأمين كتلة نيابية وازنة في البرلمان بفارق ستة آلاف صوت، فقط لا غير. فغير المصوّتين يؤثرون في من يتولى منصب المستشار، وفي التحالفات الحزبية البرلمانية، تمامًا كما يؤثر المصوّتون، بل يشتد تأثيرهم بسبب الضرر الذي يمكن أن يلحقوه بالثقافة السياسية الألمانية وبالتمسك بالقيم الديمقراطية.
خوف على الديمقراطية
على ما ترى شبيغل أونلاين، لو صحّت الإحصاءات الانتخابية، سيأتي البوندستاغ القادم بنسبة من الشرعية الديمقراطية أقل من البرلمانات الألمانية السابقة، ما يجعل قراراته المستقبلية عرضة للتشكيك في شرعيتها، وهذا يتركها بلا قبول شعبي واسع النطاق.
فاستطلاع الرأي، الذي أجرته مؤسسة "إنسا" الألمانية، يؤكد أن 50 بالمئة من غير المصوّتين لن يقترعوا، وإن اقترعوا فسيصوّتون بورقة بيضاء. والخوف على الديمقراطية في ألمانيا مبرر، فمنذ سقوط النازية بعد الحرب العالمية الثانية، اجتهد مواطنو ألمانيا الغربية من أجل إظهار أنفسهم نماذج حية للديمقراطية، وكانت المشاركة في الانتخاب مدعاة فخر للغالبية بينهم. غير أن ظاهرة العزوف عن التصويت ليست طارئة اليوم على المجتمع السياسي الألماني، فغير المصوّتين الألمان هم من الفقراء وذوي التعليم المتدني، الذين يلومون الطبقة السياسية المخملية على ما هم فيه من حالة مزرية.
فقد وجد "إنسا" أن 41 بالمئة من العاطلين عن العمل لا يصوّتون، بحسب ما ذكرت شبيغل أونلاين، يضافون إلى جمهور ممن صوّتوا وخاب أملهم من أداء أحزابهم، فقرروا العزوف، وإلى مجموعة ثالثة مستجدة تتألف من نخب ألمانية مثقفة، لا تثق بنظام ديمقراطي حزبي. ونسبت شبيغل أونلاين إلى هرمان بينكرت، من "إنسا"، قوله: "طرأ تبدل جذري على المزاج الانتخابي الألماني، فما عاد العزوف عن الانتخاب عيباً كما كان في الماضي".