إهانات فعنف مستمر... حتى الاغتصاب
سوء معاملة العاملات المنزليات وصمة عار على الجبين اللبناني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
شكّل ملف العاملات الأجنبيات في المنازل منذ سنين وصمة عار إنسانيّة وقانونيّة على جبين السجّلات اللبنانيّة، نظرًا لما يتعرّضن له من سوء معاملة، تبدأ بالشتم والإهانات والحرمان من الأكل ومن حريتهن وإستقلاليتهن، وصولًا إلى الضرب والاغتصاب.
بيروت: أجرت جمعية "كفى"، التي تعنى بمناهضة العنف ضدّ المرأة، دراسات عدة استندت خلالها الى شهادات حيّة، وشهِدت تعاونًا مع منظّمات دولية وحقوقيّة وإنسانيّة، مثل الجمعية الدولية لمكافحة الرقّ والاتّحاد العام للنقابات العمّالية النيبالية، والدولة اللبنانية في دوائرها المتخصّصة. وعقدت الجمعية اللبنانيّة مؤتمرًا تحت عنوان "تعزيز حماية عاملات المنازل المهاجرات، من خلال مناقشة مسار الهجرة من بلدان المنشأ إلى لبنان".
بين المنشأ والمقصد
حضر المؤتمر خبراء ومسؤولون ومعنيّون من لبنان والخارج، ناقشوا خلاله من زوايا مختلفة المشاكل البنيوية لأنظمة الإستقدام والتوظيف المعتمدة حاليًا. وعرضت تجارب دول أخرى قد تكون ذات إفادة للبنان، وسلّط الضوء على كثير من إنتهاكات حقوق الإنسان والعامل والتي تتعرّض لها تلك النساء، وتبدأ بقوانين ونصّ العقد في دول المنشأ، حيث يتم إيهامهن بأنهن قادمات إلى لبنان للعمل في إطار مجالاتهن وشهاداتهن فيصدمن بواقع مغاير فور مباشرتهن بالعمل.
فعمليّة الإستقدام يشوبها الكثير من الأخطاء من بينها عدم فهم العاملات لبنود العقد وغيرها، والإتفاق على رواتب معيّنة، ثمّ حصولها على أقل منها، لنصل إلى ممارسات مكاتب الإستقدام الإستعباديّة والإنتهاكات المنزليّة التي سبق ذكرها، وكلّ ذلك بسبب عدم وجود قانون يرعى حقوقهن.
القانون في درج الحكومة
أكّد وزير العمل اللبناني سليم جريصاتي محاور العمل الأساسية للوزارة، في إطار تحسين ظروف عمل عاملات المنازل المهاجرات وتنظيمه، وأهمّها اعتماد مبدأ الاتفاقيات الثنائية، مع التشديد على ضرورة وجود تمثيل ديبلوماسي حقيقي بين بلد النشأة وبلد المقصد، وعمل اللجنة التسييرية المؤلّفة من 30 شريكًا من الوزارات والإدارات الرسمية والمنظّمات، والسعي إلى إقرار مشروع قانون تنظيم عمل عاملات المنازل الذي لا يزال حاليًا في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وفي موضوع الاستقدام، لفت جريصاتي إلى أن وزارة العمل تقفل مكتبَيْ استقدام أو ثلاثة يوميًا، وتكافح باستمرار مسألة أصحاب العمل الوهميّين. وشرح أن الاعتماد حاليًا على المؤسسة الوطنية للاستخدام غير ممكن، في ظلّ الإمكانيات الضئيلة للمؤسّسة، لذا يبقى الإعتماد على مكاتب الاستقدام الخاصّة في هذا المجال.
ورأى جريصاتي أن إقرار قانون خاص بالعمل المنزلي أفضل وأسهل من شمل هذا النوع من المهن المتقطّعة في قانون العمل، وكشف عن موافقة الأمن العام اللبناني على إعطاء عاملات المنازل فترات سماح يتسنّى لهنّ في خلالها البحث عن صاحب عمل جديد.
المطلوب الغاء الاستعباد
أكّدت مايا عمّار، المستشارة الإعلاميّة لجمعية "كفى"، لـ"إيلاف" أن المؤتمر عُقد بعد دراسات مطوّلة أجرتها الجمعية، وبعد تبيّنها وجود أخطاء كثيرة في عمليّة استقدام العاملات الأجنبيات، تبدأ من بلد المنشأ. والهدف فهم هذه القضية الشائكة لتحسين الممارسات وعمليّة الإستقدام وتحسين وضع العاملات المنزليات وتمكينهن وإرشادهن، وهنّ على أرض المطار، حول كيفيّة التواصل مع القوى المولجة بحمايتهن.
وتقول عمّار: "نناقش شقيّن، الأوّل يعنى بالإستقدام الذي يُشعر صاحب العمل أنه يملك العامل ويحقّ له انتهاك حقوقه، والثاني يدخل في التركيبة القانونية التي تعتريها الكثير من الشوائب، إذ لا يوجد قانون في لبنان يراعي المعايير الدوليّة، فالعاملات المنزليات اللبنانيات والأجنبيات لا يشملهن قانون العمل اللبناني ولا يحميهن، والقانون الخاص ما زال مثار جدال، ولم تقرّه الأمانة العامّة لمجلس الوزراء"، بالرغم من بدء العمل عليه في العام 2005، وهو يتضمّن الكثير من البنود التي تحفظ حقوق العاملة المنزليّة، وتضمن حريتها واستقلاليتها، ويتطرّق للعلاقة التعاقدية بطريقة متوازنة وغيرها من التفاصيل التي تصل إلى نوعية أكلها.
لسنا الدولة
وعن التدابير الحمائية تقول عمّار: "تواجه العاملة صعوبة في أن تشتكي، ففي الكثير من الحالات هي لا تعرف حقوقها، ولا تجيد التواصل ولا اللغة، وهناك حجز على حريتها ولا يمكّنها من التنقل بمفردها، وبالتالي يصعب عليها الوصول إلى العدالة، لكن الجيّد وجود بعض الأحكام الإيجابيّة في هذا الإطار حصلت عليها عاملات قليلات استطعن الوصول وتقديم شكاوى".
وعن محاولة الجمعية إغفال دور الدولة ومساعداتها في هذا المجال، نظرًا لمحاولة إتهامها الدائم بالتقصير، تقول عمّار: "على العكس، هدفنا التحسين والمساعدة وتسليط الضوء، لكننا لا نأخذ دور الدولة التي تشرّع وتصدر وتنفّذ وتطبق وتراقب القوانين، إنّما المطلوب أن تفعّل الدولة مشاركتها وتتحرّك بفعاليّة أكبر، فهناك هوة كبيرة بين الدول والجمعيًات، والدولة ترى أن نظرة الجمعيّات للأمور مثاليّة وفلسفيّة، فيما هم يجدون أن الدولة مقصّرة في واجباتها، خصوصًا أن واجبها الوقوف في صفّ الضعيف، وحماية أصحاب العمل من الغش ومن الخداع الذي يكلفهم مبالغ طائلة يدفعونها من دون وجه حق".
نظام إجتماعي جائر
تؤكد عمّار أن العمل المنزلي عمل بكل معنى الكلمة، ويجب أن يكون محميًا بقانون العمل، ويجب توضيح بنود عقد العمل الموحّد بين الفريقين، وترجمته إلى لغة العاملة ليتعرّف كل طرف إلى حقوقه وواجباته. والأهمّ إلغاء نظام الكفالة الذي وصفته عمّار بنظام الإستعباد.
أمّا في ما يتعلّق بالجرائم التي ترتكبها العاملات من سرقة ودعارة وغيرها من الممارسات الإجراميّة، تقول: "وفق نظام الكفالة، صاحب العمل كفيل مسؤول، لكن عندما ننزع عنه هذه الصفة تنتفي حجّته باتهام العاملة بالسرقة، وفي حال تمّت السرقة فعلًا تحاكم السارقة كغيرها".
وتختم عمار قائلة: "مهمتنا الأساسية مناهضة العنف ضدّ المرأة، وفي لبنان نتعامل مع العاملات الأجنبيات باعتبارهن مهاجرات وعاملات وفقيرات، وننسى أنهن نساء في الدرجة الأولى، يتعرّضن للتمييز والعنف لأنهن مستضعفات ويعاملن كسلعة وليس كإنسان، وهذا ما نحاول الإضاءة عليه، فالعنف يطال المرأة، سواء كانت لبنانية أو أجنبية، من النظام الإجتماعي نفسه".
معاقبة المنتهكين
في سياق المؤتمر، أكد العقيد في قوى الأمن الداخلي إيلي أسمر أن القوى الأمنية تمارس كافة صلاحياتها في هذا المجال، وهي لم تردّ أي شكوى في هذا الخصوص، خصوصًا أن هناك خطًا ساخنًا يمكن للعاملات اللجوء إليه لطلب تدخل القوى الأمنية وحمايتهن، "والمقصّر من القوى الأمنية يعاقب، والدليل على عملنا وجود كثير من اللبنانيين في السجون بسبب انتهاكهم حقوق العاملات في منازلهم".
وأشار أسمر إلى وجود انجازات للقوى الأمنية لم تذكر في الدراسة المعدّة والتقارير الواردة، "فهناك كثيرات حصلن على أحكام قضائية تضمن حقوقهن، إضافة إلى قيام القوى الأمنية بحملات توجيهيّة لدفع النساء والرجال على مكافحة جميع أنواع العنف ضد المرأة".
وأكّد أسمر أن هذا المؤتمر يندرج ضمن محاولات التخطيط لإيجاد حلول لاحقة، "أهمها رفع الوعي المعدوم، خصوصًا أن هناك مشروع قانون خاصّاً يعملون عليه منذ العام 2005، وهو كفيل بضمان كل حقوق العاملات".
شتم وتعنيف واغتصاب
كشفت الصحافية سعدى علّوه النتائج الأولية لدراسة نفّذتها "كفى"، بالتعاون مع "المفكّرة القانونية"، حول ممارسات استقدام عاملات المنازل من النيبال وبنغلادش وتوظيفهنّ في لبنان. وتثبت النتائج أن هذه الممارسات والإجراءات تُوقع عددًا كبيرًا من العاملات في حالات عمل قسري أو اتّجار بالبشر.
وأشارت إلى أن النتائج الأولية للبحث ارتكزت على مقابلات عشوائية مع 100 عاملة منزلية نيبالية وبنغلادشية، وأصحاب مكاتب استقدام، وعدد من أصحاب عمل لبنانيّين، وهو ما تمّ انتقاده، لأن 100 عاملة لا تشكّل الشريحة الكبرى من العاملات المنزليات في لبنان، في إشارة إلى عدم دقّة الدراسة.
وأضافت: "النتائج كشفت عن أن معظم العاملات البنغلادشيات غادرن بنغلادش عبر وسيط، غالبًا ما يكون فرداً من عائلة العاملة، مقابل نسبة أقلّ من العاملات النيباليات اللواتي يلجأن بنسبة أكبر إلى المكاتب مباشرةً. وفي الحالتين غالبًا ما كانت العاملات عرضة لممارسات الغشّ والخداع وإعطاء وعود كاذبة تتعلّق بقيمة الراتب، أو نوع العمل، أو العطلة الأسبوعية، أو ظروف الأسرة".
كما بيّنت علّوه المبالغ الطائلة التي تدفعها العاملة للمجيء إلى لبنان، من تكاليف سفر وفحوص طبية وغيرها، والتي تُغرقها بديون حتّى قبل وصولها إلى عملها، ما يعزّز خضوعها لظروف العمل القاسية وقبول الوعود الكاذبة، إضافة إلى ممارسات الاستقدام الخادعة والطريق الشاق للوصول إلى لبنان، وحقيقة الوعود التي تُترجم هنا مجموعة انتهاكات تتعرّض لها عاملات المنازل، من عزل، وعدم احترام لخصوصيّتها، واحتجاز جواز سفرها، وحجز حريتها، ومنع تواصلها، اضافة الى تعنيف اقتصادي، ومعنوي وجسدي وجنسي.
إلغاء الكفالة
وأوضحت المحامية موهانا اسحق بعض المسائل حول نظام الكفالة بين النصوص المكتوبة، مثل مستند "تنازل" الذي يوقّعه صاحب العمل بهدف السماح للعاملة بالانتقال إلى صاحب عمل آخر، والأعراف المتّبعة مثل إلزاميّة سكن العاملة مع صاحب العمل وارتباطها به.
وعرضت نتائج هذا النظام التي تتلخّص باختلال التوازن بين فريقي العلاقة، فسح المجال لكثير من الانتهاكات، صعوبة وصول العاملة إلى القضاء، ادّعاءات وشكاوى كيديّة من قبل صاحب العمل بهدف إخضاع العاملة، كتهمة السرقة مثلًا، وخلق حالات من الاتجار بالبشر، وعدم وجود أي إمكانية تعويض لصاحب العمل في حال كانت العاملة هي المسؤولة عن فسخ العقد وتحمّله مسؤوليات معنوية ومادية كثيرة.
وأمام جدليّة تقصير الدولة ومثالية طروحات الجمعيّات المجتمعيّة، تبقى حقوق العاملات مهضومة في ظلّ عدم وجود قانون يرعى علاقتهن بصاحب العمل، الذي يبقى هو الآخر بنظام كفالة يدفعه لتحمّل مسؤوليات شتى، ولو تخطّى المعايير الإنسانيّة والحقوقيّة في التعامل مع الآخر.