فضاء الرأي

القارئ الافتراضي.... هو أنا، إلي حد ما

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

كتب "نيتشه": "انها لحماقة جميلة لعبة الكلام هذه، بواسطتها يمكن الإنسان أن يرقص فوق الأشياء".. لكن الكلمة ليست لعبة وإنما هي "فعل" جاد، وربما، خطير. ومجمل فلسفتنا - كما قال نيتشه أيضا - هي تعديل استعمالنا للغة.

غالبا ما نتساءل، عندما ننشر مقالا في إيلاف، من هو قارئي الافتراضي - الإيلافي هذا، إلى أي جيل، تيار، ينتمي، ماذا ينتظر مني حتى أكون في حسن ظنه، ما هو العنوان المناسب الذي يجذبه لفتح مقالي، أي موضوع قريب من قلبه وعقله، هل أغلبه أنثوي أم ذكري، وأية طريقة مثلى للتأثير فيه/ فيها، حتى أشعر أني ساهمت في التغيير الفكري والاجتماعي المنشود...
نريد من هذا السؤال أن يكون موضوع مقال بمناسبة التصميم الجديد

هناك قول لاتيني قديم، هو: " للكلمة قوة الفعل " verba valent usu"، يردده "يورجن هابرماس" دائما في "نظرية الفعل التواصلي"، ومنه شيد فيلسوفا اللغة الإنجليزيان: "أوستين" فى بحثه الشهير "كيف تفعل الأشياء بالكلمات" و "سيرل" فى كتابه عن الأفعال الكلامية (أو أفعال القول)، نظرية متكاملة ومبتكرة.
وحسب " فتجنشتين " في كتابه " بحوث فلسفية ": فإن قول العبارات أو التلفظ بها هو فى الحقيقة تحقيق لأفعال معينة، مثل أفعال الأمر والاستفهام أو التأكيد، بهدف إحداث تأثير ما على الطرف الآخر فى الحديث أو الحوار، من مفاجأة أو إبهاج أو إزعاج أو تعكير.....إلخ.
من هنا، فإن لكل كاتب حقيقي "قارئ افتراضي" يلازمه كظله، يشاركه في خياله وتفكيره، يحاوره ويقلقه، ينقده ويمدحه أيضا. هذا القارئ الافتراضي هو القرين بإمتياز، كلما احترمه الكاتب كلما كان هذا الكاتب يحترم نفسه بالمثل، يقول " نيتشه ": " من أراد أن يكون عظيما، عليه أن يحترم ظله".
وفي كتاب أمبيرتو إيكو "القارئ في الحكاية" إشارة مهمة إلى القارئ الافتراضي الذي يكونه الكاتب داخل ذهنه قبل وأثناء إنجاز الكتابة وبعدها، وكلما كان هذا القارئ الافتراضي مثقفا وذكيا، كلما كان الكاتب متمكنا من موضوعه ولماحا في صياغاته.
وحسب "إيتالو كالفينو" (1923 - 1985 ) صاحب رواية "مدن غير مرئية": "نحن نكتب لإناس قرأوا عشرات بل مئات النصوص من روايات وقصائد وكتب ومقالات".. لذا فعلي الكاتب أن يكون حذرا لأن ما يكتبه سيوضع علي "الرف الافتراضي"، إلي جانب كتابات أخري قد يزيحها جانبا ويحتل الواجهة، أو تدفعه هي إلي التقهقر إلي الخلف، هذا ما عناه كالفينو ببحثه: "لمن نكتب؟ أو.. رف الكتب الافتراضي"، وهو أبرز من عبر عن القارئ الافتراضي، الذي هو في الحقيقة أكثر من مجرد "قارئ افتراضي".
أكبر التحديات التي واجهت العقل على مر العصور، فهم أو الوصول الى الأشياء التي نعرف أنها موجودة ولا نستطيع ان نراها. إذ ليس كل ما هو حقيقي ومفيد، يُلمس ويُرى. فالزمن مثلاً، حقيقي ولكن لا يمكن إدارته بصورة كفء إلا عند تمثله الساعة والتقويم الزمني. واخترع الانسان، على مر العصور، أنظمة وصفية تمثيلية مثل: الكتابة، النوتة الموسيقية، الرموز، الرياضيات وغيرها، ليدرك بالعقل ما لا يمكن لمسه أبداً. كما ان للحياة درجات مختلفة من الواقع كثير منها غير مرئي ولا نستطيع الوصول إليها إلا من طريق التوصل لأدوات التمثيل المناسبة. وأشهر قياس للتمثيل هو ما أورده أفلاطون في كتابه " الجمهورية " حيث تم تشبيهنا بالسجناء المقيدين بالسلاسل في كهف وظهورنا للداخل بحيث ان كل ما نعرفه عن العالم هو الظلال الساقطة على الحائط الذي أمامنا.
وما يدل عليه هذا التصوير هو ان أشياء كثيرة مما نسترشد بها لتحديد مصيرنا ليست واضحة بذاتها، وهذا هو السبب في ان الانسان عمل بجد لاقامة نظم التمثيل اللازمة للوصول الى وإدراك الجانب الافتراضي في واقعنا وتمثيله بمقاييس يمكننا فهمها، وهو ما سماه الفيلسوف " دانيال دينيت " بالتمديد الأصطناعي للعقل. ومن خلال التمثيل فإننا نجسد جوانب أساسية للعالم حتى نغير من الطريقة التي نفكر بها فيه. وبحسب الفيلسوف " جون سيرل " فإننا عن طريق الاتفاق الانساني: نخلع منزلة جديدة على ظاهرة ما. ان تنظيم الواقع في عالم من المفاهيم هو مركز الفلسفة على النطاق العالمي، وكما قال " فتجنشتين " فإن الوعي بالعالم لا بد من أن يقع خارجه. ففي العالم كل شيء على ما هو عليه، ويحدث بالصورة التي يحدث بها. ولا توجد قيمة فيه واذا وجدت فستكون بلا قيمة. واذا كانت هناك أشياء لها قيمة فلا بد ان تكمن خارج كل ما يحدث.

dressamabdalla@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
nero
nero -

القارئ او المستمع الافتراضي.... هو ليس أنا، و الا كل من نفسه فى حاجه يقف على باب نادى يتمنى البواب الامن ان يقلد شباب مع شابات و يردد ارجعى غيرى ملابسك و حدث من الموظف ان المستمع الافتراضى العضو سيده و تاج رأسه ايضا وقع فى هذا القاعده المتطرفه التى تعتبر تشغل لحسابها العالم ان الله كان يقدم لمصالح الانسان كل ما يريده الانسان قالها الرئيس مبارك الدين بين الانسان و ربه فـ مع الله يضع نفسه على قوانين يحقق ما يريد كليه طب لمن يريد و ليس لمصلحه مجلس الامن و تقدم كليه هندسه من يضع نفسه على قوانين تمثلها مناهج كليه هندسه يكون مهندس و كما يريد محايد مقدم هذا ايضا القاضى فى محاكمه الرئيس صدام حسين قال انا ميت هنا فى رد على كلمه الرئيس صدام عن حب القاضى لـ الشعر يعنى القاضى ناسى بيئته دين اهله نهائى و لايعرف هنا غير قوانين يشغلها و ليس يحكم من منصبه فقط يشغلها

ايظن ؟
سرور .. -

نحن شعوب بقيادات لا تحب المعادلات ولا التعقيدات ولا المنقولات .. والناس على دين مرشديها .. على المستوى التقني .. نحن صفرا .. وعلى المستوى الثقافي لا نفرق بين نتشه ولحمه .. لذا اكتب شيء نقرأه ونفهمه .. يعني لا تكتب من اجل ان يقال عنك كذا وكذا ولا يشق له غبار .. بل اكتب شيء سهل مهضوم مثل عملات دول الخليج العاربة .

الكاتب والقارئ
خوليو -

علاقة القارئ مع الكاتب علاقة فكرة وهدف، ويقدر ماتكون فكرة الكاتب هادفة لسعادة البشر من الناحية الثقافية والعملية بقدر ماتتوحد الصداقة بدون معرفة بعضهما البعض،أفكار نيتشة وفولتير وغيرهما تصادقت مع أجيال لم تعرفهما شخصياً بل أجيال خارج مناطقهما الجغرافية، وبقدر ماتكون فكرة الكاتب متفهمة لمشاكل الأرض بقدر ما تساهم في حلها،فهناك كتاب يعدونك بحياة سعيدة في السماء مستندة على الأوهام وقراء يصدقونهم، من جهتنا نريد كتّاب يساهمون في سعادة الإنسان على الأرض، وكتاباتك أستاذ عصام من إحداها،لأنك كشفت الوهم كما كشفه العديد من القراء، وكل كاتب يساهم في بناء مشروع من أجل سعادة البشر يسجل له التاريخ عمله ويخلده .