أصداء

حكايات الحب والموت عندما يُفَك عنها الرصد

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

اكتشفت بعد عن طالعت مجموعة قصص الطبيب هشام البستاني القصيرة " عن الحب والموت " أنها فعلاً كنز مرصود كما كتب هو في تقديمه لها، لذلك وجب توجيه التحية والعرفان إلي كل ما حرضه وشجعه علي نشرها وفي مقدمتهم مني العاصي " التى تبرعت بطابعتها جمعاً من فوق قصاصات ورقية عديدة "..
رغم التقسيم الظاهر لجزئي المجموعة " عن الحب " و " الموت " إلا أن القارئ المُدقق سيجد نفسه متسقاً مع طرفي المعادلة كأنما هو يسير بخطي وئيدة بين حافتيهما متنقلاً بين دفقات العاطفة التى محلها القلب ومعايشة الحياة بدفء مشاعرها التى بعدها الموت..


صاغ هشام ( مواليد 1975 ) قصصه الأربع عن الحب متمسكاً فور تسطيره للصفحة الأولي بحقه في إصطحاب قارئه إلي عالم من المتغيرات التى قد يلاحظها ولكنه لا يعرف كنهها وأن لم يشعر بها فهي بكل تأكيد محيطة به أو علي مقربة منه..


ابتسام العينين الذي يمثل حقلين عشبين ساعة انكسار اشعة الشمس يجعل المحب يعترف لمحبوبته بأنه " شخص فقد القدرة علي التعجب " وبالرغم من ذلك يقذف نفسه داخل حركة الحياة لكي يواصل مسيرة الحب.. أما " حنين " فهي تفضل الراحة النفسية علي " وجع الرأس " ولكنها لا تتوقف عن التنقيب في خبايا ذكريات حبيب القلب " واثق " الذي سبقها إلي الدنيا الخالدة وما فتأ منذ صعوده إلي السماء يدعوها لتلحلق به، هل تتخيل أم يطوف بها هذا الخاطر كلما اشتقات إليه أو ضمت صورته وقبلتها؟؟..
كلام وحديث الشاب العشريني - قصة عبر البرزخ - الذي يعيش في صورة جده ذو السادسة والسبعين عاماً لأنه مغرم به إلي درجة التمازج في الشكل والروح، يصيب كل من يسمعه في مقتل مما يجعله في نظر القاص يغوص في مقولاته بحثاً عن الرموز والإشارات التى تُعبر عن معني الحياة والحب لأنه عندما ينظر إلي نفسه يري صورة جده ذات الإبعاد الثلاث.. بينما تتمتع قصة " اليوم السابع " بنبض الحياة والحب من أولها إلي آخرها شداً وجذباً بين قطبيها اللذان يتصلان وينفصلان علي مدار الأيام والشهور التى قد يكون جملتها اربع سنوات أو أقل أو أكثر.. ربما تمثل طلسماً، لكنها غير عصية علي الامتاع عند ما تنفذ إلي القلب والعقل معاً كما يتمني القاص..
يدفعنا القسم الثاني من الكتاب ".. والموت " بشدة إلي التفكير المرهف الحساس والعميق حول معني الموت وكيف يلتقي مع الحب..


" ذات يوم في جهنم " تبدأ بطلب الإعتراف بينما ومضات الضوء والكهرباء تُعمي البصر، أما " حافلة موقوته " وإن كانت تحكي عن موت طلفة رضيعة أثناء ركوبها مع أمها في سيارة باص استقلتها من أربد إلي عمان، إلا أنها تصف بصدق ملامح البشر وسلوكياتهم حين ينضغطون في داخل سيارة قديمة متهالكة تتحول بمرور الوقت إلي فرن بشري يزيد من نيرانه ضغط الركاب وعرقهم وقلة ثاني اكسيد الكربون والزهق الإنساني..


" دُوَار " تكشف لنا حالة ابن من أهالي الهامش السكاني الأقل شأناً الذي يحيط بعبدون التى يغطي أسقف بيوتها القرميد الأحمر، مقارنة بعقرب وقع في قبضة عدد من الصيبان الذين يحيطون به من كل زاوية..
بطلنا تخرج من الجامعة ووجد أن آماله النظرية غير قابلة للتحقق " البلد واقفة ما في شغل " ومع كل مرة يمد يده ليأخذ مصروفه من أبيه يفقد جزءاً من إنسانيته وتحيط به الكوابيس فيري نفسه صقر جبلي غير قادر علي أستخدام جناحيه.. أما العقرب فعلي قدر ما تعلم من الحياة وجد نفسه محاطاً بالنيران من كل جهة، من هنا يأتي الرابط الدرامي يين صورة العقرب الذي طعن نفسه قبل أن يتحول إلي رماد وصاحبنا الذي يلقي بنفسه من عل فيصعب التعرف علي جثته " لأنها تسبح في الدم وأسفلت الشارع الحاميين "..
وهكذا في بقية قصص الجزء الثاني.. مواقف منحوته من حياة البشر تُسهل علي المحبوبة التي تستطيع أن تفتح باباً في رأس حبيبها أن تربطه إليها بحلقة ذهبية.. أما ذلك الزائر الأجنبي للعاصمة العربية الذي تفتح له الأبواب " لأنه أمريكي " فتتقاذفه النظرات التى تتحسسه جسمه في أكثر من موضع " وبرغم الدعوات الكريمة التى توجه إليه كلما سار مسرعاً في الشارع إلا أنه يحس أن السماء تتصدع والعمارات تنهار..


أما إبداعية " عند أعتاب الطاغية " فموت بطلها مؤكد، لأننا سنكتشف قبل النهاية بسطر واحد أن بطلها كان يخاطب الطاغية طوال الوقت بصيغة المفرد.. وبرغم أنه أذل نفسه وترجي الحاكم أن يجعله من عبيده وآداه من أدواته التى يستعملها ضد البشر، وتعهد بأن لا يُعارض وأن يكون قناع سيده لمواجهة أي مشكلة أو حتى كارثة بعد أن رمي عقله وراء ظهره.. إلا أن الديكتاتور أمر بحز رأس " هذا النكرة الذي يخاطبنا بصيغة المفرد "..


هكذا تسير بنا لغة الحوار الذكي فوق أسطر قصص الحب والموت بين جمالية الإيقاع التى تخايل عقل القارئ وتتواصل مع قلبه.. جمالية مستمدة من قوة الفكرة وقدرة القاص علي تمتينها عبر الأسطر التى لاتتعدي الخمس وثلاثون سطراً ( يوسف يزور المدينة للمرة الأخيرة ) أو التى تصل بالكاد إلي الثمانين سطر ( مأساة بائع كتب مستعملة )!!.. ورومانسية شفافة تحمل كم هائل من الأحاسيس البشرية الراقية دون خدش للحياء ( غيمة صيف بطعم العسل )!!.. وقدرة فطرية علي بسط الفكرة الإنسانية المركبة دون حذلقة أو تقعر ( الملل يسكن في شارع الجاردنز )..
تلقائية النص الذي كتبه طبيب الأسنان هشام البستاني تجعل منه وميضاً يحكي عن أختناق الأنفاس في داخل الباص المتهالك وصرخة في فضاء الملل ورعباً من جحيم الفقر وأملاً في غد لا زالت الأيدي التى تنبش عنه، أبعد من أن تعثر عليه..

bull;استشاري أعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف