العقد الأول في الألفية الثالثة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
(1)
أمر جديد كل الجدة حمله العقد الأول 2010، فقد كانت أهم أهداف الرئيس أوباما المعلنة من زيارته الأخيرة إلي الصين، التقليل من الآثار السلبية لعملية تحول الصين إلي الدولة الأولي اقتصاديا في العالم، علي الولايات المتحدة تحديدا، الأمر الذي بات حتميا عام 2027. هذا أيضا كان هدف الرئيس جورج بوش الإبن الذي أدار سياسة عقلانية مع الصين، وهكذا فإن الهدف الأساس هو ايجاد فرص عمل مشترك ومتوازن، فالدولتان تحتلان المركزين الأول والثاني عمليا وتتبادلانهما بالتناوب.
بحث الرئيس أوباما تخفيض سعر صرف الإيوان الصيني والتحكم فيه بشكل كامل من قبل السلطات المالية والسياسية في الصين، وهو السعر الذي يسمح بان يكون المنتج الصيني دائما أرخص وأقل تكلفة من مثيله في الأسواق العالمية بما في ذلك السوق الأمريكية، والمفاجأة هي: رفض رئيس الوزراء الصيني وين جياباو مجرد مناقشة هذا الأمر.
لكن يبدو أن قيمة الإيوان ليست إلا جزءا صغيرا من مشكلة أكبر، فإذا تتبعنا تطور الاقتصاد العالمي في العشرين سنة الأخيرة، أي بعد تفكك المعسكر الاشتراكي، نجد انه كان هناك مصدران أساسيان لهذا التطور في العالم. المصدر الأول تمثل في ادخال موارد جديدة في الاقتصاد العالمي، وهي علي سبيل المثال لا الحصر: أراضي وامكانيات وشعوب دول المعسكر الاشتراكي المنهار. والمصدر الثاني، وهو يرتبط ارتباطا مباشرا بالمصدر الأول، هو أن الولايات المتحدة ودول أوروبا قامت بتقديم قروض هائلة ساعدتها علي النمو السريع، كما ساعدت الصين وروسيا في تحقيق نمو اقتصادي كبير في هذا المجال واستخدمت آليات كثيرة ومختلفة، منها ثنائية السوق الاستهلاكية الأمريكية والصناعات التصديرية الصينية. وهذه كانت إحدي الآليات المهمة للاقتصاد العالمي اجمالا، حيث جعلت القروض سهلة المنال ومنخفضة النسب وشروط الحصول عليها أسهل بدرجة كبيرة، وبفضل هذه القروض السهلة ارتفع الطلب الاستهلاكي، إلا أن مسؤولية تسديد هذه القروض كان يجب أن يتحملها طرف ما، وهذا الطرف كان " الصين " التي أخذت تشتري الديون الأمريكية وتدخر احتياطيات كبيرة، كما شاركتها في ذلك دول أخري، في نفس الوقت سمحت هذه الآليات للصين بخلق سوق استهلاكية تصدر لها بكميات هائلة ما تنتجه، وهذه المنظومة ظلت فعالة لفترة طويلة إلا أن مواردها قد انتهت حاليا لأسباب عدة.
(2)
الأزمة المالية الراهنة ليست واحدا من هذه الأسباب، وإنما هي نتيجة لها، ويبدو أن حجم الديون الأمريكية التي اشترتها الصين قد أخذ شيئا فشيئا يقلقها، فالصينيون لا يعرفون كيف يتصرفون فيها الآن، والجانبان باتا مرتبطان ببعضهما البعض ( الصين بأمريكا وأمريكا بالصين ) ولم يجد أي منهما مخرجا من هذا الوضع بعد.
يقول باري آيتشنجرين أستاذ علوم الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا في بيركلي: " أن منع أزمات مشابهة من الحدوث في المستقبل يتطلب حل مشكلة اختلال التوازن العالمي... وهذا سوف يعتمد أساساً على قرارات تتخذ خارج الولايات المتحدة، وتحديداً في الصين... ولكن تظل الآمال قائمة في تجنب تكرار ذلك، ويعتمد أحد هذه الآمال على حسن نوايا الصين في دعم استقرار اقتصاد الولايات المتحدة والعالم." (1)
وإذا كانت المنافسة بين الدولة الأولي والثانية، أمريكا والصين، في العالم أمر قائم وموجود منذ قرون طويلة، فإنه لم يحدث قط في التاريخ أن وجد هذا الترابط الكامل بين الدولتين المتنافستين، تحقيقا لرؤية كورنو، الذي كان عالما اقتصاديا فذا قبل أن يكون فيلسوفا للتاريخ، فكل من الصين وأمريكا تستطيعان أن تلحقا الضرر ببعضهما البعض، وبنفس القدر، وهو أمر جديد كل الجدة، ومطمئن في نفس الوقت، بالنسبة لمستقبل السلام العالمي، الذي حلم كانط به قبل أكثر من مائتي عام.
والشركات العابرة للقوميات هي أفضل من يعبر عن هذا التداخل والتشابك المعقد، أو قل: العولمة اقتصاديًا، إذ أن هذه الشركات لا ترتبط بالبلد الأم أو المنشأ، بل نراها تنقل مقرها الأساسي ببساطة للخارج، حيث الضرائب أقل والخدمات أفضل، ومن ثم فهي شركات ذات طبيعة طفيلية بالنسبة للدولة القومية، ولا تنتمي الواحدة منهما إلى الأخرى أيديولوجيا.
" إن العولمة تتطلب من المشروعات أن تتلون كالحرباء - أن تكون أمريكية في الولايات المتحدة ويابانية في اليابان وفرنسية في فرنسا. فشركة ماكدونالد، وهي شركة مطاعم أنشئت في الولايات المتحدة في أبريل 1955، واحدة من المشروعات العالمية النادرة التي تقدم في كل مطاعمها نفس الأطعمة الخاصة بها مع عمليات تكييف تناسب الأذواق المحلية. ويمكن تقديم ماكدونالد باعتبارها اتحادًا فيدراليًا كل مؤسسة فيه مستقلة ولكنها تبرم مع الشركة الأم عقدًا يتضمن التزامات إجبارية للغاية " (2).
(3)
بعض الكلمات الجديدة في قاموس اللغة الإنجليزية المتداولة اليوم، تؤكد ذلك وأكثر، " من هذه الكلمات ذات الدلالة Outsourcing - وتعني أن: شركة ما تتعاقد مع شركة أخري في بلدها أو خارجه علي القيام بجزء معين من عملها. ولفظة - Insourcing وتعني أن: شركة ما تقوم بعمل محدد في عدد من الشركات الأخري. ولفظة - Offshoring وتعني أن: شركة ما تنقل عملها كليا أو جزئيا من بلدها إلي بلد آخر، أو تقوم شركة ما من بلد ما بعملها في بلد آخر.
هذه الكلمات مفتاحية لفهم العملية الاقتصادية اليوم، وهي تشير إلي تغير عضوي في بنية رأس المال العالمي، إلي درجة أنها تخلخل الكثير من المسلمات في الفكر الاقتصادي ( الاشتراكي علي الأقل ) وهي أن رأس المال يولد الحروب.
العكس هو الصحيح، ربما كانت بنية رأس المال العضوية الراهنة، أو بالأحري عملية الانتاج العالمية، ورأس المال أحد مكوناتها، من التداخل والتشابك والتعقيد إلي درجة قد تمنع قيام الحروب، التي عرفناها، مستقبلا. وهي لاشك تعرقلها علي نطاق واسع اليوم " (3).
لم يناقش أوباما مسألة " حرية الضمير وحقوق الأقليات " مع رئيس الوزراء الصيني وين جياباو، وهي من الطقوس التقليدية في السياسة الأمريكية في تعاملها مع الصين علي وجه التحديد. وفي أول جولة قامت بها وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون للمحيط الهادي قالت: " أن الولايات المتحدة لا تنوي الربط بين سياستها ومسألة حقوق الإنسان ".
أعقب ذلك تأكيد الرئيس أوباما نفسه في الأمم المتحدة: " أننا لاننوي تصدير ديموقراطيتنا ". ورغم أن الأمريكيين أنفسهم لم يفهموا هذا الكلام جيدا، فإن المحادثات بين أوباما ورئيس الوزراء الصيني وين جياو باو لم تتطرق مطلقا لمسألة الديموقراطية أو حقوق الإنسان.
لقد ولت مرحلة الرئيس بوش ( الأب والإبن ) التي رفعت شعار " مقرطة العالم "، وولت مرحلة الرئيس بل كلينتون عندما كانت حقوق الإنسان رقم واحد، حيث حاول الأمريكيون استخدامها مرات عديدة مع الصين ولم ينجحوا، وفي النهاية تخلوا عنها.
ويكفي أن نعرف أن أوباما رفض مقابلة زعماء المعارضة والانفصاليين في الصين، مما يدل علي تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية، وطقوسها التقليدية.
الهوامش:
1- باري آيتشنجرين: هل يعود الاختلال إلى التوازن العالمي من جديد؟، ترجمة: مايسة كامل، بروجيكت سنديكيت، 2009. www.project-syndicate.org
2- ديفارج (فيليب مورو): العولمة، ترجمة: كمال السيد، شركة الخدمات التعليمية (علي الشلقاني) بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، مطابع الأهرام التجارية، 2001، ص- 63.
وأيضا: بيتر مارتن وشومان: فخ العولمة، ترجمة وتقديم: د. عدنان عباس علي، مراجعة وقديم: أ.د. رمزي زكي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد 295، أغسطس، 2003، ص - 337.
3- - توماس ل. فريدمان: العالم مستو.. موجز تاريخ القرن الحادي والعشرين، ترجمة: حسام الدين خضور، دار الرأي، دمشق 2006، ص- 6.
التعليقات
الصين مفتاح العالم
ألفة السلامي -وضعت يدك على عنصر مهم في فهم السياسة الاقتصادية العالمية وهوالعلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين.والتحليل الاقتصادي المقدم من د.عصام عميق جدا متشرب بمنهج الفلاسفة.
الصين مفتاح العالم
ألفة السلامي -وضعت يدك على عنصر مهم في فهم السياسة الاقتصادية العالمية وهوالعلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والصين.والتحليل الاقتصادي المقدم من د.عصام عميق جدا متشرب بمنهج الفلاسفة.