فضاء الرأي

الجسد عقل عظيم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

هناك وشائج قربي بين الكلام والنور، كما ان الجذر اللغوي لكلمة "يقول" - say، و"يرى" - see في اللغة الانجليزية واحد. والحال نفسه في معظم اللغات الأجنبية، وكأن الحوار (الكلام) بين الأنا والآخر يقترن دائما بالنور. وكلمة "نورني" هي إحدي لوازم الكلام في بر مصر، حين يريد شخص ما أن يعرف ما خفي عنه، أو يسترشد برأي أو حكمة أو نصيحة، وحين يصيب الإنسان الهدف، يقال له "الله ينور عليك".
واللافت للنظر أنه رغم امتلاك الإنسان لحاسة البصر، فهو بحاجة دائما إلي النور (أولا) كي يبصر جيدا، ففي الظلام يتساوي الجميع.. من يمتلك حاسة البصر ومن يفتقدها علي السواء، ومن هنا جاء المثل الشعبي البسيط العميق (النهار له عينين)، وهو ما يفسر ارتباط " النور " و" التنوير " بالثقافة والحرية.
هذا الكتاب.. الجديد في بابه ومنهجه ومضمونه، يحمل أكثر من مصباح كاشف، يسلط الضوء علي المسكوت عنه والمقموع واللامفكر فيه، في ثقافتنا ولا شعورنا وممارستنا، يصحبنا في رحلة ممتعة داخل أنفسنا، صادمة أحيانا لكنها صادقة غالبا، لأنها تخترق العصب العاري والتابو الأكبر في حياتنا، وهو (الجنس).
ومن المفارقات في ثقافتنا البائسة، أننا مازلنا نخلط بين الجسد والجنس، لا نخاف الخطأ بقدر ما نخشي افتضاح أمره، ناهيك عن أننا حصرنا " الشرف " بين ساقي المرأة فقط، لتصبح هذه القيمة الأخلاقية العليا، خارجه عن الرجل لا يمتلكها أو يتحكم فيها، ويصبح بالتالي قتل المرأة من أجل الشرف، ليس (جريمة) وإنما رفعا لعار الرجل والعائلة والقبيلة!

(2)

الإعلام اليوم، من قنوات فضائية وانترنت واتصالات عبر الأقمار الصناعيةrlm;، أحضر العالم كله أمام مرمي ومشهد الجميعrlm;.rlm; وحفزالأفراد والشعوب علي مقارنة أوضاعهم وأحوالهم بأوضاع وأحوال الآخرين باستمرار، وهو ما فتح الباب أمام الانسان العربي ليحلم أحلاما تفوق قدراتهrlm;، ويحبط أحباطا يفوق احتمالهrlm;.rlm; وأصبحت المسافة بين الخيال والواقع، بين الرغبة وقلة الحيلة، هي مصدر المشاكل والأمراض الجديدة في مجتمعاتنا المكبوتة والمقهورة.

وعلي سبيل المثالrlm;، فقد عمم الإعلامrlm;، من خلال الاعلانات والفيديو كليب وبرامج المنوعات والأفلام،rlm; صورة معينة للأجسام وللجنس كفكرة طبيعيةrlm;، وهو ما ولد رغبة جامحة في المحاكاة، وهي أحدي آليات الانسان الاساسيةrlm;،rlm; للتغلب علي النقص والقصور، وردم الهوة بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون.
ان ابتكار صور معينة للأجسام والإلحاح علي هذه الصور الهوليودية، فضلا عن الممارسات الجنسية غير المألوفة، جعل البعض - رجالا ونساء، صغارا وكبارا - ينتقل علي الدوام من إحباط إلي احباط.
في كل الأحوال، أصبح الجسد هو محور اهتمام الجميع، دون أن نفهم لغة هذا الجسد أو نتعلم أبجدياته ونحوه وصرفه، فضلا عن قوانينه ومنطقه. والواقع أنه لا وجود للجسد خارج اللغة التي تعبر عنه، والتي يعبر هو من خلالها وعبرها، فالجسد يسكن اللغة.
وحسب علوم: النفس واللغة والاتصال... فإن هناك أربع شفرات للتواصل الإنساني بشكل عام (والملاغية والمناغشة بين الرجل والمرأة بصفة خاصة)، الكلام والصوت (السمع)، والجسد والوجه (البصر). فأنت لا تقنعني بما تقول فقط من كلمات، وإنما بصوتك ووجهك وجسدك ككل.

(3)


الكلمات لا تخرج فقط من فم الانسان، وإنما من كل جسده ومسامه، و" البنت المصرية تتكلم بالعين والحاجب " حسب العامية المصرية، ناهيك عن ان ما يقوله الفم ليس بالضرورة هو ما يقوله الجسد. فالإنسان لا يمكنه أن يختبئ خلف جسده وإن كان بإمكانه أن يتواري خلف كلامه.
ولا يمكن ان نتحدث عن الجسد إلا في إطار مرجعية معينة، وفي داخل ثقافة محددة. والجسد في الفلسفة الغربية المعاصرة، يختلف عن مفهومنا الشرقي الضيق له، فالجسد هو " عقل عظيم " أو قل أن العقل ليس سوي وسيلة للجسد، كما يقول " جيل دولوز ". فالجسد يفكر، وكل الاعضاء تساهم في التفكير وفي الإحساس، وفي " الإرادة ".
ثمة إذن طريقة للفهم خاصة جدا، هي تلك الطريقة التي تتمثل بجسد المرء، وهناك أكوام من الأشياء لا نفهمها إلا بأجسادنا، خارج دائرة الوعي الواعي، ودون أن نستطيع أن نصوغ فهمنا في كلمات، كما يشير " بيير بورديو ".
وإذا كان الجسد سليما متصالحا مع الحياة، فإن " العقل " يعمل في اتجاه طبيعي ويكون انتاجه مطابقا لأهداف الحياة. والعكس بالعكس، ان الثقافة الحقيقية هي التي تخضع للحياة، وتخدم الجسد، أما ما يسمي بثقافة التعتيم علي الجسد (وكراهيته)، فهي فاسدة وخادعة (وارهابية) لأنها تتنكر لقانون الحياة، للجسد ومتطلباته، وحقه في التعبير عن نفسه، وهي السبب المباشر في العديد من المآسي والجراح والشروخ في جسد المجتمع ككل، وفي العلاقة بين الجنسيين، فضلا عن العلاقات الزوجية، وهنا بالتحديد تكمن أهمية هذا الكتاب الرائع.

bull;من تصديري لكتاب الدكتور خليل فاضل " الجنس.. أزواج وزوجات وأمور أخري ".

dressamabdalla@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
nero
nero -

قتل المرأة من أجل الشرف، تفهم صح الان

nero
nero -

البنت المصرية تتكلم بالعين والحاجب و هذه مسأله او مشكله مثل من يتكلم بذراعيه و الحل بقوانين هذه القوانين تمثلها دورات دراسيه فى العلاقات العامه اكثر من دوره و فى المفاوضات سوف تجد البنت المصريه كلمات كثيره تختار منها بها لن تحتاج لـ الحاجب لان هذا كان فى فيلم اسماعيل ياسين فى مستشفى المجانين كان فطائرى و دخل المستشفى ويريد يكتب الحركه للحاجب و العين الان مجلات تمثل قوانين بها يستطيع يتكلم و لا يحرج زراعيه او الحاجب او العين الا لشغل اخر بهم من هنا يفهم ان الحياه مشاكل او مسائل قوانين تحلها و من علماء و ليس من جلسه لـ صعيدى و فلاح و عامل فى الكنيست او مجلس الشعب يفكروا لكن من علماء تخرج و يأخذ شغل العلماء متخصصين و يضعه فى مجلات كتب دورات

العقل الجسدي
قاريء ايلافي -

في العالم العربي الجسد غبي وأبله وساذج لا يعرف الا الجنس والشهوات ولهذا لا يستطيع أن يقود العقل الا في طريق البحث عن الملذات وعندما لا يجدها الا في جسد المرأة يحاول عقل الرجل تغطية جسدها بالكامل للاحتفاظ به لنفسه كنوع من الانانية والذكورية البغيضة. شكراً لفيلسوف العرب على المعلومات القيمة لعلهم يتدبرون.

الروح والجسد والشرف
ابو ياسر -

((سأل الشافعي رحمه الله الروح تحمل الجسد ام الجسد يحمل الروح فقال الروح تحمل الجسد والدليل ان الروح اذا خرجت من الجسد تلف وتعفن فالكفار واهل الاهواء اشبعوا شهوة الجسدونسوا شهوة الروح فهم في ضنك اما شهوة الروح فهي الايمان بالله تعالى والايمان اعتقاد في القلب وقول في اللسان وعمل في الجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية..))ففي ضوء مفاهيمنا وقيمنا الاصيلة يجب ان يتحكم العقل في ضبط الشهوات وليس العكس لان العقل ظاهرة تتعلق بالروح وبعلم النفس... فمثلا شرع الله الصيام لتهذيب نفس الصائم بكبحها عن شهواتهاا، ليُرَبي المسلم من خلال ذلك على قوة العزيمة والإرادة، ويجعله متحكماً في شهوات نفسه وأهوائها، بحيث لا يكون مستسلماً ومنقاداً لها...ولكن الان وبغياب القيم والمباديء الاصيلة وتخلف دولنا والهجمة الشرسة على حضارتنا وتراثنا والضعف والهوان الذي اصابنا في الصميم وانبهارنا بالتقدم العلمي والتطور التكنولوجي ((دون ان يكون لنا دور بارز ورائد ))فخلف خلف اضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات واصبحنا عبيد الجسد وشهوة المال والشهرة ...وما اضعفنا امام الفيديو كليب وبرامج المنوعات والأفلام،التي تعرض‏ صورمعينة للأجسام وللجنس ..وما اضعف الكثير من مثقفينا ومغتربينا امام المغريات الغربية وتنكرهم لاوطانهم وهموم شعوبهم وما نتعرض له من انقسامات ومن مشاكل داخلية وخارجية ...

العقل والنقاب
samir bolos -

شكرا يادكتور عصام المقــال (الرســـالة) وصلتوكل لبيب بالاشارة يفهمو .والعنوان رمــزي جـــدا الجســد عقــل عظــيم اي عندما يحجب المجتمـــع الجســـد فهو يحجــــبالعقــــل . وهـــذا لـــب المقـــال بل مربـط الفــرسشـــكرا لك مرة أخـــري.

رائع
بلدوزر -

مقال رائع ما احوجنا لفهمه