تعددية المناهج والتكرار المستقل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
التطور نحو التخصص الفائق تسبب في ردة فعل ترجمت إلى تقارب عدد من المناهج، واشتراكها في عدد من المفاهيم، من نحو مفهوم "البرادايم" - Paradigm أو النموذج الإرشادي الأساسي، وهو مفهوم بلورة "توماس كون" - Thomas Kuhn وعني به ما يملكه ويشارك فيه أعضاء جماعة علمية (فيزيائيون، علماء فلك، علماء اجتماع hellip;) وبالمقابل تتكون هذه الجماعة ممن يرجعون أو يستندون إلى نفس هذا النموذج.(1)
ويبدو أن استخدام هذا المفهوم كأداة تحليلية قد سمح بتعيين أكثر الإنجازات قيمة وأهمية في مسيرة العلم، باعتباره مجموعة من الفرضيات والقضايا الرئيسية التي تحدد المشاكل المنهجية والأساسية في مجال علمي معين، وتوجه النظر إلى الجوانب الأكثر دلالة في مرحلة تاريخية له.
ونتيجة لإحراز "النموذج الإرشادي الأساسي" - Paradigm لنجاح علمي مرموق، وتقديمه الحلول للمشكلة العلمية، عن طريق صوغ منضبط من التعميمات الرمزية المتصلة بهذه المشكلة، مثل قوانين نيوتن على سبيل المثال، فإن ميزة هذا النموذج هو أنه يوقف تنازع التيارات المتعددة والمختلفة المسيطرة في حقلها المعرفي، ويحولها إلى مدرسة واحدة، تمتلك نمطًا من العمل العلمي الأكثر فعالية.
وأيضًا مفهوم "التمثيل" - Representation((2) وهو من المفاهيم التي انتقلت من حقل معرفي إلى حقل معرفي آخر، واستخدمت كأداة تحليلية وأثمرت نتائج مذهلة. فقد كان من أكبر التحديات التي واجهت العقل الإنساني فهم (أو الوصول إلى) الأشياء التي نعرف أنها موجودة ولا نستطيع أن نراها، إذ أنه ليس كل ما هو حقيقي ومفيد، ملموس ومرئي. فالزمن، على سبيل المثال، حقيقي، ولكن لا يمكن إدارته بصورة كفء، إلا عندما تمثله الساعة والتقويم الزمني hellip; هكذا "واجه علم القرن العشرين مشاكل التعقيد بالاستعمال المتسق للنماذج التمثيلية، والنماذج التي تقتدي بالعناصر التي تبني العالم من حولنا بدلاً من تحليله، وهي استراتيجية نجحت في عدد متزايد من الحقول المعرفية"(3).
وأدت الحاجة الماسة إلى روابط بين المناهج المختلفة إلى ظهور "تعددية المناهج" - Pluridisciplinarity و"المناهج البينية" Interdisciplinarity، في النصـف الثاني من القرن العشرين، ظهورًا مشوشًا في المجتمع العلمي والأكاديمي.
ففي مقاربة أولى، يمكن القول أن عدة مناهج، في تعددية المناهج، تتشارك دراسة موضوع مشترك، لا يستطيع أي منها أن يرصد كافة مظاهره بالتقنيات والأساليب التي بحوزته وحدها، وحسب "ب. نيكولسكو" - Nicolescu فإن تعددية المناهج "تختص بدراسة عدة مناهج في آن واحد لموضوع واحد يتعلق بالمنهج الواحد نفسه"(4) إذ أن البحث المتعدد المناهج، يقدم شيئًا أكثر للمنهج المعني"، لكن هذا "الأكثر" يكون في خدمة هذا المنهج عينه حصرًا.
أما المناهج البينية فهي تتعلق بنقل الطرائق والأساليب من منهج إلى آخر.(5) بغية توسيع فهم مجال معين أو حقل معرفي معين أو بلوغ هدف مشترك. وعلى سبيل المثال، أدى نقل طرائق الرياضيات إلى الظواهر الارصادية الجوية أو أسواق المال إلى توليد نظرية الشواش أو الفوضى - Theory of Chaos، ومثلها مثل تعددية المناهج، تتخطى المناهج البينية "المناهج" لكن غائيتها تبقى هي الأخرى مندرجة في البحث المناهجي.
"إن المعارف المختلفة" والمناهج المتعددة، تقدم الكثير من المعلومات الجديدة والتبصرات الثاقبة، وخلفها يوجد تاريخ واحد. إلا أن في كل من هذه المناهج العديد من الثغرات إذا أخذ منفردًا، لكن معالجتها مجتمعة قد يسهم في ملء الفراغات. من هذه العلوم علم الآثار القديمة (الأركيولوجيا) وعلم الوراثة وعلم اللغة، الأنثروبولوجيا الثقافية، علم السكان (الديموغرافيا، الاقتصاد، الأيكولوجيا، علم النفس، علم الاجتماع.. وكلها دعامات للتفسير والتأويل.
إن التاريخ عند البعض ليس علمًا (والتطور جزء من التاريخ)، فنتائجه لا يمكن أن تتكرر، ومن ثم لا يمكن اختبارها بالمنهج التجريبي. لكن دراسة نفس الظاهرة من زوايا مختلفة، من حقول معرفية ومناهج مختلفة - كل يوفر حقائق مستقلة - لها قيمة التكرار المستقل، الأمر الذي يجعل المعالجة متعددة النظم لا غنى عنها"(6) وهي وحدها التي تمكن الباحث من رؤية الوحدة الجوهرية للعلوم ومناهجها، فضلاً عن أن تعددية المناهج اليوم أصبحت جزءًا من واقع معرفي إنساني جديد، لم تعد تغريه "الواحدية" في الرؤية وفي المواقف، بل هي تعددية في الفكر ومنطلقاته، والنزوع الإنساني الذي لم يكن ليقيم عند حالة واحدة تستحوذ عليه جميعه.
الهوامش :
1-Kuhn (T): The structures of scientific Revolutions, Chicago University Press, 1962.
2 - Representation تعني "امتثال"، وامتثل الشيء (تصوره) hellip;وهي في اللفظ الأفرنجي تعني التمثيل أيضًا.
مراد وهبه: المعجم الفلسفي، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 1998، ص - 96.
3- Levenson (T): Measure for Measure. A Musical History of Science. Simon amp; Schuster, New York, 1994, P. 276.
4 - نيكولسكو (ب): بيان العبرمناهجية، تقديم: أدونيس، ترجمة: ديمتري أفيرنيوس، دار مكتبة إيزيس، سلسلة "آفاق" 2، دمشق، 2000، ص - 54.
5 - المرجع نفسه: ص - 55.
6 - سفورزا (لويجي لوقا كافللي): الجينات والشعوب واللغات، ترجمة: أحمد مستجير، المشروع القومي للترجمة (205)، المجلس الأعلى للثقافة، 2000، ص - 5.
التعليقات
nero
nero -التطور نحو التخصص الفائق يجب له معارض يشغلها من يفهم اذ كثير لا يقدم الكتب بترتيب فى تخصص او مستويات علميه و هذا مطلوب اذ كثير سهل و هو متفرغ يكون عالم فى تخصص فقط يشترى كتب التخصص التى يكتب اسمائها على اعلان للجمهور مثل كتاب علوم ابتدائيه ثم يصل للثانوى بجدول به خانات كل خانه تخصص مثل كمياء و هكذا يجمع الكتب و يؤهل نفسه من المنزل ثم يتصل بمعاهد مثل جامعات تختبره او تساعده يعمل مستوى و يدخل كـ عالم اذ النظرى مثل الذكاء الصناعى لا يحتاج يذهب للجامعه و يرى بنفسه فقط يضع البرنامج او كتاب و سوف يشتغل فى عقله و لا يحتاج يرى و هذا ايضا فى من يجمع كتب العربى ليعرف يكتب شعر او قصه و يحترف هذا
محاضرة أم مقال؟
حسن عثمان -محاضرة ، أم مقال؟ ما الحكاية نحن قراء، ولسنا طلبة مقرر لديك سيدي الدكتور العزيز
كم انت رائع
صديقك الى بيحبك -صديقى العزيز كم انت رائعكم انت موفق فى كلماتك وموضوعاتكانت رائع الى مزيد من التوفيق
كم انت رائع
صديقك الى بيحبك -صديقى العزيز كم انت رائعكم انت موفق فى كلماتك وموضوعاتكانت رائع الى مزيد من التوفيق