فضاء الرأي

عدم استقرار أم حالة حرب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

"دعم الولايات المتحدة للديمقراطية في الشرق الأوسط "، هو عنوان مؤتمر دولي يقام في الفترة من 21- 22 أكتوبر القادم، في معهد الدراسات الآسيوية التابع لكلية الآداب في جامعة ملبورن - استراليا، بمشاركة نخبة من أبرز الباحثين والأكاديميين والخبراء الاستراتيجيين في العالم.
تكمن أهمية هذا المؤتمر في كونه يناقش تحولات السياسة الخارجية الأمريكية بعد انتخاب الرئيس باراك أوباما، مع تقييم مرحلة الرئيس بوش الإبن، بسلبياتها وايجابيتها، فيما يتعلق بتعزيز الديمقراطية في المنطقة، والإرث الثقيل الذي تركه لسلفه الرئيس أوباما.
في بحثه المعنون: "الديمقراطية، والتطرف، والدول الهشة وحركات التمرد: ميراث بوش لأوباما والتحديات المقبلة "، يؤكد " خوان كول " أستاذ التاريخ بجامعة ميتشيجان، أن عقيدة بوش العسكرية في تصدير الديمقراطية إلي منطقة الشرق الأوسط، كانت علي حساب ( جوهر) العملية الديمقراطية نفسها. فقد شجعت واشنطون العمليات الاجرائية مثل الانتخابات ووضع دستور جديد في العراق وغيرها، لكن دون النظر إلي الإعداد المؤسسي لهذه الاجراءات مثل، دعم النظام السياسي والقضائي، تدريب الحقوقين والخبراء القانونيين واحترام سيادة القانون، ناهيك عن إن اختيار منطقة الشرق الأوسط الكبير لتطبيق هذه الديمقراطية المسلحة بعد نهاية الحرب الباردة كان اختيارا خاطئا.
فقد حاول بوش جاهدا تطبيق مبدأ ( الديمقراطية المسلحة ) في بلدان الشرق الأوسط، الذي حل مكان أوروبا كمحور للسياسة العالمية، حتي يحدث تغييراً جذرياً في مجري التاريخ، فقد اعتقد أن اعتماد القيم السياسية ــ الاقتصادية الأمريكية، يمكن أن يعقبها قيم مكملة: أخلاقية وثقافية وحتي دينية.
ومثل العراق، في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي عامي 2002 و2006، رأس الجسر لإعادة تركيب الشرق الأوسط علي أساس ديمقراطي، لكن يبدو أن الرياح تأتي عادة بما لا تشتهي السفن، لأن التحولات الديناميكية في أرض الواقع صبت في ــ عكس الاتجاه الذي أرادته أمريكا - لأنها بمحاولاتها نشر أفكار الديمقراطية بالقوة، أضعفت الأنظمة الموالية لها، وقوت من ساعد التيارات الدينية المعارضة، وهي في نهاية المطاف، ضد الولايات المتحدة نفسها، حدث ذلك مع وصول حماس إلي السلطة في غزة، ونجاح 88 عضوا من الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية عام 2005 في مصر.
" آمي هولمز " أستاذة علم الاجتماع في الجامعة الاميركية بالقاهرة، تناقش أثر الوجود العسكري الأمريكي علي عملية التحول الديمقراطي في دول الخليج، في بحثها المعنون: " الديمقراطية والوجود الاميركي في الكويت وقطر والبحرين "، بإعتبار أن هذه الدول الثلاثة تمثل نماذج ثلاثة مختلفة للعلاقات الخليجية مع الولايات المتحدة.
الجديد عند هولمز هو تحليلها الاقتصادي - السياسي للعلاقة بين الديمقراطية والعلاقات الأمنية الخليجية - الأمريكية، فالوجود العسكري الأمريكي، حسب هولمز، أدي إلي توطيد السلطات الحاكمة في الخليج من ناحية، كما أنه أرتبط بعلاقات اقتصادية متميزة في مجال الاستثمار في هذه الدول من ناحية أخري.
لكن، في المحصلة النهائية، أثر الوجود العسكري الأمريكي في الخليج تأثيرا سلبيا، وبالأحري علي العملية الديمقراطية في كل من الكويت وقطر والبحرين، وبدرجات متفاوتة. وتمثل البحرين حالة نموذجية في هذا السياق، فمنذ العام 1970 أصبحت أولوية السياسة الأمريكية هي الحفاظ علي الوصول إلي المرافق البحرية في المنامة بدلا من تعزيز الديمقراطية هناك، واختار المسؤولون الأميركيون،على الرغم من تلقيهم أوامر بالرحيل في عامي 1973 و 1975، وعلى الرغم من حل الجمعية الوطنية من قبل أمير البلاد، عقد صفقة مع " آل خليفة " تمثلت في استمرار الوجود العسكري، في مقابل غض الطرف عن الانتقاد العلني لفشل التجربة الديمقراطية في البحرين.
أما في الكويت، فقد تزامن الوجود الأمريكي وحماية السيادة الكويتية، مع الانفتاح السياسي وانتشار مؤسسات المجتمع المدني، وهو ما أدي إلي ظهور العديد من المنظمات غير الحكومية والجمعيات السياسية ( المعارضة )، ولكن التجربة الديمقراطية الخاصة في الكويت تعزي أساسا إلى مثابرة المواطنين الكويتيين وإصرارهم، إلي جانب النخبة من المثقفين والكتاب المدافعين عن الديمقراطية والحرية، وليس إلي الضغوط الخارجية الأمريكية.
أما " قطر "، فإنه من السابق لأوانه، كما تقول هولمز، تقديم أية معلومات دقيقة عن أسرة " حمد آل ثاني " التي لم يتم ' اختبارها ' عمليا حتي الآن، من قبل نشطاء المجتمع المدني المطاليبين بالديمقراطية، كما حدث في حالة " آل خليفة " في البحرين، و " آل الصباح " في الكويت. ومع ذلك، فإن استعداد الولايات المتحدة لإقامة مثل هذه القواعد العسكرية الدائمة، وتحويل مركز قيادتها الدائم إلي قطر يمكن اعتباره، موافقة ضمنية ( نموذجية ) على الوضع السياسي الراهن.
في تصوري، أن السرعة التي تتطور بها الأحداث في الشرق الأوسط، تتجاوز ( بمراحل ) أهداف ومحاور وأبحاث هذا المؤتمر المهم، لأن معظم دول المنطقة تعاني من أزمة مركبة، تتمثل في " العجز الديموقراطي " الممتزج ب" عدم الاستقرار "، وهي معضلة كبيرة يستشعر خطورتها ( ويدفع ثمنها الباهظ ) الأقليات في المنطقة اليوم.
فقد دأب اللاعبون الرئيسيون في المنطقة علي تبرير غياب الديمقراطية بالحاجة إلي فرض الأمن والاستقرار، لكن حين يغيب الأمن والاستقرار أيضا، نصبح أمام حالة جديدة أشبه ب "حالة الحرب" التي تتجه بنا نحو الفوضي، من الكويت إلى البحرين، ومن السعودية إلى اليمن، ومن لبنان وفلسطين والعراق إلى إيران، ومن اليمن إلى السودان ومصر، حيث تتوزع كل أنواع الفتن التاريخية: الدينية والطائفية والعرقية والإيديولوجية والحروب بالوكالة، وهي حالة غرائزية عدوانية ( شديدة العدوي )، تحاصرنا علي الأرض، ومن الفضاء أيضا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف