أصداء

اصابةُ العقلِ العربي بحادثِ اصطدام

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

(اذا وقعت واقعة عظيمة، لا تضحك و لا تبكِ ولكن فكّر ) سبينوزا

بحادث مؤسف على الطريق( المعرفي الحضاري) اصطدم عقلنا بشاحنة التأريخ الراجعة الى الوراء وكانت الصدمة من الشدة بحيث انها غيرت اتجاه مركبة عقلنا الى عكس اتجاهه أي جعلته يتجه الى الوراء، ومن جراء تلك الصدمة اصيب عقلنا بأعطاب بليغة، اقعدته عن اغلب فاعلياته وشلّت الكثير من قابليته على التفكير واصيب بنوبات غريبة من الهذيانات والهلوسات مما جعلت الآخرين يسخرون منا، واحدة من هذه الهذيانات، ان عقلنا قرر أن نقاتل حول خبر جاء في صحيفة قديمة جدا يتجاوز عمرها الـ (500) عام، يقول الخبر، ان جماعة من قبيلة (تيهان) سرقوا ناقة لنا، فعلينا ان نبحث في شجرة نسب هذه القبيلة عن كل من له علاقة نسبية بهذه القبيلة المعتدية، فننصب له كمينا ونغتاله بمسدس كاتم للصوت او بعبوبة ناسفة لننسفه هو ومن معه، عقوبة بأثر رجعي، والّا فالعار كل العار سيلحق بنا ان لم نفعل. ومن المصادفات الغريبة ان ورقة منتوفة من مصدر لا يُعرف اسمُه، وقعت بين أيدينا، وقد جاء في هذه الورقة الملعونه، ان احد مشايخ قبيلة ) جهلان) وفي سنة 200 للهجرة شتم ابن شيخ قبيلتنا، فعليه قرر عقلنا المصدوم، ان نشتم كل ابناء تلك العشيرة الماضين منهم والحاضرين والى يوم الدين.

وهكذا بقينا نتجول في اروقة التأريخ واحيانا ندس رؤوسنا بين انقاضه هروبا من الواقع. والعيش بين انقاض التأريخ لا يكلفنا الّا الكلام والصراخ من فوق المنابر، وقد ادمنّا هذا اللون من ( المخدر التأريخي ) فصرنا كلما اوشكت جرعة منه على النفاد اخرجنا من جعبة التأريخ التي نحملها على ظهورنا جرعة اخرى، ولا بد ان يكون عيارها اشد من سابقاتها فهذا هو حال المدمنين.

لا يعني هذا الكلام، اننا نريد ان نتنكر لتأريخنا او ننسفه، فهو الخزين لكثير من التجارب، والمفاصل الحضارية التي شهد لنا بها العالم، كم هو عظيم لو جعلنا هذه التجارب دافعا للانطلاق لا للنوم والسبات. فمعظم شعوب العالم تحترم تأريخها وتستفيد منه ولكنها لا تريد ان تعيش فيه، وهذا ما عبر عنه رئيس وزراء بريطانيا السابق ( توني بلير) حين قال: ( انا أحترم تأريخ بلادي ولكني لا أريد ان اعيش فيه ). يبدو اننا مصابون بـ (النوستاليجيا) وهو (التعلق غير الطبيعي بالماضي والميل اليه) ونتيجة لهذا التعلق المرضي بالتأريخ بقينا نحمل جهلنا المعتق الذي اصبح مضرب مثل ومادة (نموذجية) للتخلف عن الركب الحضاري، وصار اسمنا يتصدر القوائم التي تتكلم عن الأمية والخرافة والمرض. فحسب المنظمة العربية للثقافة والتربية والعلوم ( ALECSO ) ان أربعة اشخاص أميين من بين عشرة اشخاص من العرب، وحسب هذه المنظمة فان اعداد الأميين في الوطن العربي احيانا في تزايد، حيث كان عدد الاميين سنة (1970)، (50) مليون، وفي عام (1990) اصبح عددهم (61) مليون امي. وهكذا تجري التطورات المخيفة علما ان شيئا من التقدم حصل في السنوات الاخيرة في محو الامية، واذا ما استمرت الدول العربية على نفس التقدم في مكافحة الامية فأنها تحتاج الى ( 7، 25) سنة لكي تقضي على أمية الحرف (امية القراءة والكتابة ) فقط، رغم ظهور تعريف جديد للأمية حالياً، وهو: عدم الإلمام بأحدى لغات الحاسوب (الكومبيوتر). وليس القراءة والكتابة فقط، ولا ندري ماذا سيكون تعريف الأمية بعد ( 7، 25 ) سنة وحسب الاحصاءات الصادرة من منظمة UNESCO)) ومنظمة التنمية التابعة للامم المتحدة ( UNDP ) تشير الى تدهور خطير في معدل القراءة لدى العرب بشكل عام، بحيث ان الخط البياني الهابط يكاد يصل الى اوطأ مستوى في العالم اجمع، فالفرد العربي يقرأ بما لا يزيد عن (6) ست دقائق في السنة، وبمعدل كتاب واحد لاكثر من ( 000، 300 ) شخص في المنطقة العربية. واما عن عالم الكتب المترجمة فيصيب كل (مليون عربي) 4.4 كتاب، بينما يبلغ نصيب كل ( مليون اسرائيلي ) (380) كتابا، ونصيب كل (مليون هنغاري) (500) كتابا، وحصة كل ( مليون اسباني) (950) كتابا. وان ما تستهلكه دار نشر فرنسية واحدة، وهي (دار باليمار) من الورق يفوق ما تستهلكه مطابع العرب مجتمعة من المحيط الى الخليج.

اما عن التطور الصناعي وعالم الاختراعات، فليس هناك احيانا مجال للمقارنة. فجمهورية مصر العربية بدأت بالتصنيع في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، وبنفس هذا التأريخ بدات كوريا الجنوبية تدخل عالم الصناعة والاختراعات، والفرق بين الدولتين لا يحتاج الى بيان، وهذه اسرائيل عدد الاختراعات السنوية فيها قرابة (500) اختراع، وعدد الإختراعات في الدول العربية مجتمعة لا يتعدى ( 25) اختراعاً. ارجو ان لا يفهم هذا من باب جلد الذات ونشر صورة سوداوية لواقعنا. كم اتمنى ان تكون هذه الأرقام التي تعود علينا غير صحيحة، ولكن التمني وحده لا يكفي، هذا اولا، والامر الثاني، هو، علينا ان نرى واقعنا كما هو ولا نحاول الهرب، وتأخذنا العزة بالنفس، فنغمض اعيننا عما نحن فيه. فمهاتير محمد، مؤسس (ماليزيا الحديثة) رفع شعار: (اليابان معلّماً) ولم يجد في ذلك غضاضة. مشكلتنا اننا صرنا كلما شعرنا بالهوة الحضارية تتسع بيننا وبين الآخرين، تمركزت فينا الذهنية الهروبية نحو الماضي من دون تمحيص، حتى صرنا نشرب بول البعير لأن التأريخ يسرد لنا قصة، وقصص التأريخ عندنا (مقدسة)، برئ منها من نسبت اليه، ان في بول البعير شفاء من كثير من الامراض الخطيرة، حتى وصل سعر الزجاجة الواحدة سعة 75، 0 لتر ( 4دولار امريكي). علما ان بعض الطلبة الجامعيين لا يفوّتون هذه البركة، رغم تصريحات الأطباء بانه لا يوجد اي دليل علمي على صحة هذه المقولات، بل ان هذا البول يحتوي على مواد ضارة وجراثيم وعندما تنتقل الى الجسم فإنها تسبب (الحمى المالطية) وهي حمى خطيرة تؤثر على الجهاز العصبي والبولي والكبد والطحال. اضافة الى ذلك قال رئيس قسم الدراسات الإسلامية في احدى الجامعات: ان هذه الأشياء خرافة ونوع من الدجل والشعوذة، استغلت لأغراض تجارية والاستناد إلى أحاديث في هذا الجانب دجل ".وأضاف:" إن ما لا يصدقه العقل لا يمكن أن يكون حديثا نبوياً. ولكن يبقى ( التأريخ) الذي تمترسنا به اصدق أنباء من العقل في حده الحد بين الجد واللعب. ووصل الأمر بنا صرنا نطلب المستقبل بعقلية الخوارق، لا كما تفعل الشعوب التي تحترم نفسها، حيث تكافح وتعمل ليل نهار من اجل مستقبل افضل. مستقبلنا نحن ياتينا جاهزاً ومحسناً على كف عفريت، لأننا ما زلنا نبحث في الرمال عن ( مصباح علاء الدين) السحري، او نبحث عنه في قعر( فنجان قهوة ) ينتظر (العرّافة) تفك طلاسمه فيصبح مستقبلنا حينها بين ايدينا ملطخاً بثمالة القهوة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
كما أنت دائما
مصطفى المهاجر -

السيد الكاتب حسين السكافيكأنني أستمع اليك, و أنت تجلس أمامي..في دمشق أو لندن, كما أنت دائما..باحث جاد, تمد بصرك و بصيرتك نحو المستقبل, منقبا في أوراق الماضي عن مصادر الاشعاع لا عن عفن الفتن و الخلافات... مرحى لك يا أبا زيد, يا صديقي الذي نسيني تماما, مخيفة تلك الأرقام التي استعرضتها عن الجهل و الأمية في عالمن العربي و الإسلامي..و بالمناسبة هل بلغك أن اللغة العربية دخلت خانة اللغات المهددة بالانقراض ....؟! تحياتيز

الحـل ؟؟
نبيل الشمري -

وماهو الحل ؟؟هذا نتيجة الجهل الذي دام لسنين .. وما زال دائماًولا يمكننا محوه بـيومين !

ما أجمل عنوانك!!
من غزة -

رائع عزيزي الكاتب!!كتابتك رائعة وسهلة وعميقة رغم وجع الموضوع وصدقه المؤلم!كل احترام لنورك.

فكر خلاق
حسين ابو سعود -

موضوع رائع من قلم نفتخر بصاحبه المفكر حسين السكافيالى مزيد من التعرض للتاريخ لعلنا نخرج من اسر الماضي ونتجه لافاق المستقبل

..
القس ورقة بن نوفل -

ان العالم الاسلامى يعيش حضارة او ثقافة اصولية راديكالية تقف عند ظاهرة النص المتجمد لا تريد ان تتغير تقدس التاريخ والتقاليد وتؤمن بالمسلمات ايام الخلافة الاموية والعباسية برغم انهم ليسوا من ابداع الدولة الاسلامية بل نقلت عن اليونانية والاغريقية عن طريق اشخاص مسيحين الاسلام ينظر الى الماضى نظرة تقديسية ولا يعترف باى دور بوجود الاخر وكما قال عمر عندما احرق مكتبة الاسكندرية مادام عندنا القرأن فلا حاجة لنا للكتب الاخرى والاسلام يعتمد على الغيبيات اكثر من اعتماده على المنهج العلمى العقلانى والمسلم يظل كما هو لان القرأن يعلمه عدم البحث والتجديد فهو يكره الموسيقى والعلم والرسم لان النبى قد حرمها وكل الدول التى تتمسك بالتشريع الاسلامى وانها المصدر للحكم لايمكنها ان تتطور وتصيبها شلل تام فقوانين البنوك والنشاط السياحى والا نتاج السنمائى كلها تتعارض مع هذه التشريعات المسلم يمكن ان تستعمره وتستغل خيرات بلاده ويسكن فى غرفة حقيرة لاتدخلها الشمس فقط لا تقترب من دينه ونساءه فهو بالف خير ووو شكرا

دفاتر قديقه
سامي عبود -

عندنا مثل في بلاد الشام يقول ،، عندما يفلس التاجر يبحث في دفاتره القديمه ،، وهذا حال امتنا للاسف نهرب للماضي لعجزنا عن مواجهة تحديات الحاضر فاصبحنا كمن يقود سيارته في طرق مزدحمه وهو ينظر في المراة معظم الوقت ، فعندما نواجه مشكلة نبحث عن اشخاص عاشوا قبل الف عام لكي يحلوها لنا ،، وبرآيي للخروج من هذا المأزق يجب علينا الخروج من ثلاثة اقفاص مسجونين فيها منذ قرون ،الاول ، التوظيف الخاطيء للدين والثاني الخلاص من الانظمه المستبده والثالث اعادة النظر في الكثير من العادات والاعراف التي عفا عليها الزمن ،، فلو فعلنا هذا كبداية ربما ولعل وعسى نستطيع القفز الى داخل مقطورة خلفيه في قطار الحضاره .

ثلاث ميزات
غالب حسن الشابندر -

هذا البحث الجميل يتميز بثلاث ميزات ، الفكرة الواضحة ، الارقام القوية، النتيجة الناضجة تحياتي للكاتب

الجهل مقابل الحقد
مراقب -

لقد أصبح الشيعة وإيران هم الشغل الشاغل "لمعظم" العرب للأسف الشديد. صفّوا قلوبكم من الحقد الأعمى يا عرب حتى تبدأ عقولكم تشتغل و تثمر!

Suggestion to Elaph
Jad -

ليتكم تضعوا هذا المقال ضمن الصفحة الأساسية لمجلتكم. مقال رائع حقا!!