أصداء

الإختلاط بين الجنسين ضرورة للتماسك الإجتماعي (2)

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


في مقالة سابقة، (الإختلاط بين الجنسين ضرورة للتنمية البشرية)، كنت قد بينت، من خلال تصور علم النفس الإجتماعي، مدى أهمية العلاقات فيما بين أفراد المجتمع الواحد في تنمية وتطورالفرد وذلك لرفع مستوى وعيه وتطوير قابليته الذاتية. فكانت الخلاصة بأن وعي الإنسان هو نتيجة للثقافة السائدة في ذلك المجتمع وماهذه الثقافة إلا كائن يتحرك في حيز إسمه العلاقات بين الافراد. فقلة العلاقات وتحديد نوعيتها ومستواها يؤدي بالضرورة لقلة الوعي وفقر في الامكانات مما يجعل إرتكاب الخطأ، من أي نوع، ممكنا ً. فمن المعروف أن المرأة في مجتمعاتنا هي أقل حظا ً من الرجل في العلاقات، على الأقل في نوعيتها ومستواها، وهذا أنتج ضعف في والوعي والإمكانات والقدرات لعدم وجود علاقات صحيحة بين الرجل الأكثر خبرة وتعلما ً وتجربة والمرأة الأقل خبرة وتعلما ً وتجربة.

في هذا المقال سوف أتحدث عن فائدة الإختلاط بين الجنسين، من وجهة نظر علم الإجتماع، وكيف هذا الإختلاط يؤدي إلى زيادة تماسك المجتمع والتضامن فيما بين أفراده. فعلم الإجتماع يرصد ويدرس ويحلل الظواهر الإجتماعية للمجموعات البشرية في نشوئها وتطورها. وأود أن أنوه أيضا ً بأني لا أقصد في هذا المقال الإختلاط الغير شرعي ولا الخلوة الغير شرعية، ولن أتطرق في هذا المقال للجانب الديني بقصد حلال أم حرام، جائزشرعا ً أم غير جائر شرعا ً.

هناك حقيقة في علم الإجتماع تقول أن تماسك المجتمع والتضامن فيما بين أفراده يعتمد على مستوى الإندماج فيما بين مكونات هذا المجتمع من أفراد وجماعات. ولكن ماهو الإندماج (Integration) وكيف يعرف؟ الإندماج ظاهرة برزت كضرورة ملحة في المجتمعات التي تتعدد فيها الهويات العرقية والثقافية والدينية بفعل الهجرة المتزايدة لدول الشمال لأسباب مختلفة. لقد كان ظهور هذه الظاهرة كردة فعل على فشل سياسة الإحتواء والتذويب الثقافي (Assimilation) وظاهرة التهميش (Marginalisation) في سبعينيات القرن الماضي. فالإندماج يعني إنصهار الأقليات والمجموعات المهمشة في نسيج المجتمع من دون فقدانها هويتها، بحيث تشعر بإنها جزء من هذا المجتمع. بمعنى آخر الإشتراك والمشاركة الفعلية في جميع الفعاليات الإجتماعية والسياسية والثقافية من دون الشعور بالنقص والإضطهاد والمعاملة الدنيا. وأي قصور في هذا المجال يمكن أن يؤدي إلى تفكك المجتمع وضعفه مما يسمح لإستغلاله إقتصاديا ً بإن يحوله إلى مجتمع إستهلاكي، وإجتماعيا ً فيحوله إلى طبقات وفئات ليتفشى الفقر والأمية، وليس أقل من الإستغلال السياسي حيث يهيمن حزب أو جماعة أو فرد على السلطة ليصبح الآخرين ذكورا ً وإناثا ً مجرد أدوات ودمى لاتستطيع أن تحرك ساكنا.

السؤال المهم هنا هو: هل تتعامل المجتمعات العربية مع المكون النسائي على إنه كيان قائم بذاته له هويته وله ثقافته الخاصة به؟ أم يتم التعامل مع العنصر النسائي كأفراد لهم هويتهم الفردية كباقي الأفراد، إن كانو رجالا ً أم نسائا ً، في المجتمع؟ بالتكيد يتم التعامل حسب الحالة الأولى والدليل لايحتاج إلى الكثير من الذكاء لملاحظة ذلك. فمثلما يوجد سنة وشيعة، عرب وكرد وأمازيق، إبن بلد وأجبني، بإختصار شديد يوجد دائما في مجتمعاتنا (نحن و هم) نحن بصيغة الفاعل وهم بصيغة المفعول به. وهذا واضح جدا ً، فمرافق المجتمع مقسمة للنساء والرجال، والكثير من المحلات في الأسواق ووسائط النقل. لكن المشكلة الكبيرة في سلك التعليم حيث يعزل الصبيان عن البنات، والنساء عن الرجال، وليس إنتهاء ً بالمساجد ودور العبادة. لايستطيع أحد أن يدعي أن هناك عزل تام، نعم يوجد إختلاط لكن بنسبة قليلة لاتسمح بالتواصل وتبادل التجربة والخبرة والمعرفة. إذن، الحديث هنا ليس عن المنع أم من عدمه بل بدرجه ومستوى ونوع هذا المنع. فإن كان الأمر كذلك وحيث توجد إستثنائات فلماذا يتم المنع بإسم الحفاظ على العفة، بالعنوان الثانوي أو من باب سد الذرائع؟ اليست هي فوبيا العفة وخوف الرجل من نفسه وليس خوفه من المرأة. لماذا هذه الحواجز التي تعيق حركة المجتمع بإسم الدين والدين منها براء. فكلنا يعرف ان القرآن الكريم دعى للتعارف بين الذكر والانثى، فلم يقل بين الزوج والزوجة ولابين الأب والبنت، بل ذكر وأنثى وهو يقصد ذلك، فهذا على مستوى الأفراد. أما على مستوى المجموعات فقد دعى للتعارف بين الشعوب والقبائل، وافضل وسيلة هي الحوار والتواصل بجميع أشكاله. ولايخفى على أحد أيضا ً إن المرأة كانت تشارك الرجل في كل شيء في صدر الإسلام، حتى في أماكن الصلاة في دور العبادة، والعزل جاء في فترات متأخرة. بل الأكثر من ذلك، إلى الآن لايوجد عزل في الحرم المكي، فبإمكان الرجل الصلاة بجنب المرأة وهي كاشفة عن وجهها بلا نقاب. فما الحكمة من ذلك؟ وهل توجد هناك إستثنائات؟ أم إن الإختلاط هو الحالة الطبيعية والعزل حالة طارئة فرضتها ثقافتنا العربية بحجة فوبيا العفة!
السؤال هو هل مامطلوب هو دمج هذا المكون النسائي لجعله جزء من حركة المجتمع؟ بالتاكيد نعم، وذلك ً من خلال إشراك العنصر النسائي في جميع فعاليات المجتمع، أي بإتاحة نفس الفرص المتوفرة للذكر بالتعلم وكسب المال وتقليد المناصب، ليس هذا فحسب بل لها ما للرجل من حق بالموارد الطبيعية للمجتمع كالمال والوقت وغيرها. والاكثر من ذلك هي بحاجة للتميز الايجابي لتمكينها من تطوير ذاتها والمشاركة في عملية بناء المجتمع. وهذا الذي قلت لاينتفي مع كونها أم ترعى أطفالها، فقد ظهرت دراسات في بريطانيا تثبت أن الاطفال الذين تعمل أمهاتهم أكثر تطورا ً وتعلما ًمن باقي الأطفال بفعل نقل التجربة التي تمتلكها الأم من العمل والإحتكاك بالمجتمع. فنحن أمام خيارين لاثالث لهما، فإما نقول أن مجتمعنا متماسك ونحن في الركب الأول من الحضارة، وحينها نكذب على أنفسنا، أو نقول ونعترف بتخلفنا وهنا لابد من إشراك المرأة كعنصر أساسي لنخرج من هذا المأزق.
من المؤكد بأن المرأة تتعرض للتهميش في مجتمعاتنا العربية بفعل العادات والتقاليد، والمطلوب هو تمكينها وذلك يتم من خلال رفع مستوى وعيها بإفساح فرص التواصل مع الرجل. بل يجب التعامل معها كقيمة ثابته مساوية للرجل لخلق حوار متكافئ تنقل به تجربة الرجل وخبرته إليها، وهذا لايتم إلا بفتح باب التواصل. وقد قلت سابقا ً إن علاقة المرأة بالرجل في البيت، كزوجة أو أم أو أخت لاتخضع لمعايير التكافئ، فهي خاضعة لعلاقة معقدة تلعب السلطة بها الدور الكبير، مما يعيق عملية نقل التجربة والحوار المتكافئ. فهذه السلطة هي نتاج القوامة للرجل على المرأة أو النظام الأبوي الذكوري داخل البيت. إذن، لاحوار من دون تكافئ ولا وعي من دون علاقات سليمة، ولاتماسك لمجتمع من دون إندماج مكوناته.

هذه الأفكار هي دعوة لدراسة موضوع الإختلاط من الناحية الإجتماعية للوصول لفهم أكبر لفوائد هذه الظاهرة أو سلبياتها، أو إن كانت معقية لعملية التغيير والتطور التي ننشدها في مجتمعاتنا.

imad_rasan@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مع التحية
عراقية -

هناك الكثير من الافكار ذات الصلة التي يمكن طرحها من ذوي الاختصاص في هذا المجال مثلا كي يتاثر سلوك الفرد سلبا او ايجابا حين يكون ضمن سياق مجموعة وهذا ضمن اختصاص علم النفس حسب علمي , او كيف يمكن للمجموعة ان ترتقي او تتاخر بتاثير سلوك افرادها من وجهة نظر علم الاجتماعمثلا ... الشواهد والامثلة في واقعنا كثيرة ولا مجال للذكر هنا.تحياتي

مع التحية
عراقية -

هناك الكثير من الافكار ذات الصلة التي يمكن طرحها من ذوي الاختصاص في هذا المجال مثلا كي يتاثر سلوك الفرد سلبا او ايجابا حين يكون ضمن سياق مجموعة وهذا ضمن اختصاص علم النفس حسب علمي , او كيف يمكن للمجموعة ان ترتقي او تتاخر بتاثير سلوك افرادها من وجهة نظر علم الاجتماعمثلا ... الشواهد والامثلة في واقعنا كثيرة ولا مجال للذكر هنا.تحياتي

فهم مغلوط
ابو حسن -

قرات المقال ولم افهم ما معنى الاختلاط الذي تنادي به؟زرت اكثر من عشر دول عربية وانا الان في امريكا رايت في دولنا العربية انه لا يوجد مشكلة فمثلا انظر الى الجامعات والى الوزارات والى المؤسسات والى اغلب مرافق الحياة فتلاحظ ان الرجل يعمل بجانب المراة وان الطالب بجانب زميلته الطالبة لا فرق في التعامل ولا فرق في الوظيفة لا يوجد مشكلة فالاختلاط المضبوط والمدروس مرحب به وفي بعض الاحيان لا يمكن اتمام العمل الا به اين المشكلة ؟ لكن المرفوض هو اقران الاختلاط بحرية اللقاء وهذا موضوع مختلف تماما

كلا
ِAdam -

للاسف ان تجربة الاختلاط في المجتمعات الغربية الذين سبقونابها باجبال اثبتت فشلها الزريع و انتجت اجيال محبطة من عدة نواحي نفسية و اجتماعية و بريطانيا اول من اعترف بهذا الفشل. أن الوجود النسائي في التعليم اوجد تحيز كبير للبنات عن البنين. ان وجد صبي او شاب ذو كفائة عالية و لربما اكثر من مدرسته نفسها قامت المدرسة على تحطيمه معنويا و رفع مستوى ممن اقل منه من جنسهامن دون عدالة. من ناحية ثانيةتشجيع البنات على ممارسة الغرام و يعطى لهم حبوب منع الحمل من سن العاشرةو الاجهاض مجاني و بدون أزن او اعلام الاهل حتى. احباط الصبية جعلهم يتجهون الى الكحول و المخدرات. اما الفتيات فيعانون من السمنةالمفرطة و مشاكل اخرى جراء تناولهن حبوب منع الحمل بسن مبكرة... لن اطيل اكثر. الاختلاط اعطى نتائج سلبية كثيرة و اعادة النظر بالامر اصبح صعب الان.

فهم مغلوط
ابو حسن -

قرات المقال ولم افهم ما معنى الاختلاط الذي تنادي به؟زرت اكثر من عشر دول عربية وانا الان في امريكا رايت في دولنا العربية انه لا يوجد مشكلة فمثلا انظر الى الجامعات والى الوزارات والى المؤسسات والى اغلب مرافق الحياة فتلاحظ ان الرجل يعمل بجانب المراة وان الطالب بجانب زميلته الطالبة لا فرق في التعامل ولا فرق في الوظيفة لا يوجد مشكلة فالاختلاط المضبوط والمدروس مرحب به وفي بعض الاحيان لا يمكن اتمام العمل الا به اين المشكلة ؟ لكن المرفوض هو اقران الاختلاط بحرية اللقاء وهذا موضوع مختلف تماما

توضيح
عراقية -

الى الاخ ابو حسن مع التحيةاعتقد انه يجدر بك قراءة المقال بجزئيه مرة اخرى لتلاحظ ان الكاتب لم يروج او يدعو الى الاختلاط او عدمه وانما طرح وجهة نظر موضوعية كلا من علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي بهذا الموضوع.لك الحق اكيد ان لا تومن بالفكرة او تشجبها لكن من الاجدر ان تفهم معنى المقال الذي طرح في المقال رقم 1 شرح سابغ وتفصيلي لكيفية حدوث الاختلاط في مجتمعاتنا العربية بتنوعها.مع التحية

توضيح
عراقية -

الى الاخ ابو حسن مع التحيةاعتقد انه يجدر بك قراءة المقال بجزئيه مرة اخرى لتلاحظ ان الكاتب لم يروج او يدعو الى الاختلاط او عدمه وانما طرح وجهة نظر موضوعية كلا من علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي بهذا الموضوع.لك الحق اكيد ان لا تومن بالفكرة او تشجبها لكن من الاجدر ان تفهم معنى المقال الذي طرح في المقال رقم 1 شرح سابغ وتفصيلي لكيفية حدوث الاختلاط في مجتمعاتنا العربية بتنوعها.مع التحية

تعليق
عراقية 2 -

اردت فقط الرد بلطف على ما يقوله الاخوان اعلاه في التعليق 1و 2.على المعلق رقم 1 الرجوع لقراءة الجزء الاول من المقال اولا قبل الحكم.اما المعلق 2 فقد ائار حفيظتي بالفعل فأي حبوب منع حمل واي سمنة في الغرب تتحدث عنها يا اخي. تعال وشوف مجتمعاتنا الي اصبحت فيها السمنةفي علاقة طردية مع فرص زواج البنت والا فالعنوسة تنتظرها. الموشرات تشير الى ان السمنة في البلدان العرابية تفوق التوقعات فليس لهذا من صلة بموضوع الاختلاط حسب ظني.ارجوكم... دعونا ننتقد انفسنا لكي نتطور لا لنتغير ان كانت كلمة تغيير تثير حفيظة البعض.مع فائق احترامي

اعجاب
سامر وعراقي ايضا -

تحياتي لصاحبة التعليق رقم 4 علراقية 2 واقول لو كان جميع نساء العراق والعرب يفكرن بهذه الطريقة المودرن لكان كل شي اصبح افضل عندنا.مع الود

اعجاب
سامر وعراقي ايضا -

تحياتي لصاحبة التعليق رقم 4 علراقية 2 واقول لو كان جميع نساء العراق والعرب يفكرن بهذه الطريقة المودرن لكان كل شي اصبح افضل عندنا.مع الود

اختلاط صحيح
السوسنه -

تحيه للتعليق 4 واقول ان ما قصده الكاتب هو الاختلاط البعيد عن شهوة الرجل التي لا تنتهي فعندما نحترم المرأه ككيان انساني منتج كالرجل عندها يصبح مفهوم الاختلاط صحيح والغريب اننا ننظر للغرب بمنظار النصف الفارغ بالكأس فقبل ان نتهمهم بسلبياتهم انظروا الى ايجابياتهم التي لا حصر لها علما بان سلبياتهم ليست اقل من سلبياتنا ولكننا نعظم انفسنا وهذا سبب تخلفنا

لننهض..
Nehal -

تحياتي للجميع وللأخ كاتب هذا المقال..أنا من من يحاولون النهوض بأمتنا العربية في هذا المجال..واسأل الله العلي القدير أن يلهمنا الصواب..أؤيد الأخ عماد بشدة..يجب أن ننفض عنا غبار أي عادات بالية..ونضع أقدامنا على اولى أعتاب التطور دون أن ننسلخ عن هويتنا العربية المسلمة..أرجو من الأخ عماد ومن كل من يهتم بهذا الموضوع التواصل معي.لنكون من من يضعون اللبنات الأولى لمجتمع عربي مسلم أفضل بإذن الله.

لننهض..
Nehal -

تحياتي للجميع وللأخ كاتب هذا المقال..أنا من من يحاولون النهوض بأمتنا العربية في هذا المجال..واسأل الله العلي القدير أن يلهمنا الصواب..أؤيد الأخ عماد بشدة..يجب أن ننفض عنا غبار أي عادات بالية..ونضع أقدامنا على اولى أعتاب التطور دون أن ننسلخ عن هويتنا العربية المسلمة..أرجو من الأخ عماد ومن كل من يهتم بهذا الموضوع التواصل معي.لنكون من من يضعون اللبنات الأولى لمجتمع عربي مسلم أفضل بإذن الله.