أصداء

"أشرف السادات".. عاشقة أشرف

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

قومت باليمن اعوجاج الفلك
يا واحدا في الدر لا ندّ لك
مَن يفعل الخير بهذا الوجود
يبقَ اسمُه حيا بظل الخلود
إن أوجز المُداح أو آطنبوا
فمَن بهذا الفضل لا يَعجب
(ترجمة حرة من قصيدة للشاعر الايراني الكبير سعدي الشيرازي في القرن السابع الهجري).

أشرف السادات مرتضايي المعروفة بـrdquo;مرضيةrdquo; الفنانة الإيرانية لم يكن لها مثيل.
فهذه المطربة التي منحت صوتها الشجي المريح للقلب على مدى عدة اجيال.. غادرت دنيانا الفانية في الساعة الواحدة بعد ظهر يوم الأربعاء 13 اكتوبر الحالي في باريس تاركة ورائها الملايين من الإيرانيين والمحبين لها في حداد على رحيلها. هؤلاء الإيرانيون والمحبون الذين كانوا يسمعون اغنياتها العذبة لفترة تقارب الـ70 عاما.

"مرضية" او كما يحلو للبعض تسميتها "ام كلثوم ايران" ولدت في طهران في العام 1924 وبدأت العمل الفني بالمشاركة كممثلة في مسرحية بمركز طهران عام 1942.
وفي يوم من أيام عام 1943 وعندما كان الايرانيون يستمعون الى اذاعة طهران التي كانت قد تأسست قبل ثلاثة أعوام فقط، يسمعون برنامج المفضل rdquo;الزهور الملونةrdquo;، البرنامج الذي كان يبث اعمال وروائع الفنانين المشهورين بأصوات المغنيين الرجال طبعا، فوجئوا بعبارة قالتها المذيعة: rdquo;تسعمون الان فقرة لصوت رائع.. صوت مرضية". وكانت مرضية أول أمرأة تغني في اذاعة طهران. وكان صوتها الرائع العذب يشجو في بيوت الإيرانيين لسبعة عقود ولعدة أجيال.

مرضية اختارت الصمت والبقاء في المنزل فور وصول الملالي الى السلطة، التزمت الصمت ولم تغني، ما جعل الايرانيين يكتفون بالعودة الى اغنياتها السابقة المسجلة بعد ان حرموا من سماع صوتها.

استمر صمت مرضية من عام 1979 أي بوصول الخميني الى السلطة حتى عام 1994 لفترة 15 عاما. وكانت في هذه السنوات تغني للأشجار والطيور في قرية rdquo;لالونrdquo; بالقرب من طهران التي عاش فيها ابواها.

سافرت مرضيه في أحد أيام ربيع 1994 إلى باريس.. وبمشاهدة تسجيل متلفز عن مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة للمقاومة الإيرانية أصرت أن تلتقي بها.. لا أحد يدري الا الله ماذا دار من حديث بينهما خلال اللقاء.. وكانت مرضية انذاك في الحادية والسبعين من عمرها.. ولكن كان اللقاء فرصة لمرضية لاعلان وقوفها الكامل ودعمها اللامحدود للمقاومة الايرانية وعمودها الفقري منظمة مجاهدي خلق. وقالت مرضية ذات يوم: rdquo;ان الحياة هي القيمة الحقيقية الوحيدة التي همست بها في الف اغنية غنيتها، وسأهمس بها في الأغاني التي انوي ان اغنيهاrdquo;.

هكذا هي اشرف السادات مرتضايي التي تحولت إلى ملحمة حية في الثقافة الإيرانية المعاصرة. لقد تعلمت منذ نشأتها وحتى رحيلها عن هذه الدنيا وعلى امتداد اكثر من نصف قرن على ايدي اعظم اساتذة الموسيقى الإيرانية والتي بدورها ساعدت في صنع قطع نادرة من الموسيقي الإيرانية التقليدية.
مرضية.. نغمة إيرانية، صرخة عشق ناعمة مثل الحرير التبريزي الفاخر في وجه الظلمة التي القت ببراثنها على إيران منذ اكثر من 30 عاما من الزمن.
ولكن الحياة الحقيقية لمرضية حسبما قالت بدأت منذ أن انضمت إلى مجاهدي خلق. وفور دخولها فرنسا للالتحاق بالمقاومة.. وبدلا من أن تجري حفلات الموسيقى في قاعات مبهرجة في اوروبا طلبت باصرار الذهاب إلى العراق لكي تكسر صمتها الذي امتد نحو 15 عاما، وليرتفع صوتها في أحضان طلائع درب حرية الشعب الإيراني اعضاء مجاهدي خلق الإيرانية في معسكر أشرف. وعند دخولها أشرف أصرت مرة أخرى أن تغني من على ظهر دبابة من دبابات جيش التحرير الوطني الإيراني وتنشد نشيدا من أناشيد مجاهدي خلق:
يأتي من وطني إيران
دوي اصوات الشعب الإيراني
وهز من هذه الصرخات وجود الشياطين الحاكمين
وسيكون موت الظالمين صعبا ومؤلما
ومنذ ذلك الحين لم يتمكن احد من ان يوقف مرضية، لقد اصبحت عاشقة أشرف وأهل أشرف.
وفي عام 1997 وفي الوقت الذي كانت فيه تعيش في باريس في قصر صغير فخم وفي ذروة شعبيتها وتألقها الفني وامتلاكها لكافة الامكانيات وخاصة فيما يتعلق بإجراء حفلات الغناء في قاعات أوروبية وأميركية مختلفة، أصرت مرة أخرى الى الذهاب إلى أشرف الى جوار مناضلي درب حرية الشعب الإيراني.. وذهبت بالفعل وعاشت اكثر من ستة اعوام الى جانب مجاهدي خلق المقيمين في أشرف. وكانت مرضية في الأيام الصعبة والعسيرة للقصف والغارات الجوية على العراق في مارس وبداية أبريل 2003 لفترة عشرين يوما موجودة في اشرف ولم ترضى ان تغادر العراق ولم ترضخ لدعوات المغادرة الا حينما تلقت رسالة من قائد المقاومة الإيرانية السيد مسعود رجوي يطلب منها فيها وباصرار المغادرة الى اوروبا فغادرت مخيم اشرف الذي تعلقت به وبالمقيمين فيه مرغمة بغير رضاها.
ومنذ العام 2003 إلى العام 2010 الذي غادرت فيه الحياة لم تنس يوما احدا من اصدقائها في أشرف.. وعندما هاجمت القوات العراقية العميلة للنظام الإيراني في حكومة نوري المالكي في يوليو 2009 أشرف، وفي حين كانت تقف على رجليها بصعوبة بالغة بعد ان ناهز عمرها الـ85 عاما، ذهبت إلى كنيسة بالقرب من بيتها في باريس وأضاءت شموعا وقالت: rdquo;هذه هي نهاية عمري الفنيrdquo;.
وعندما ذهبت مريم رجوي الى المستشفى الاميركي في باريس لزيارة مرضية قبل ساعات من وفاتها، اصبحت هذه الزيارة "كليب فيديو" يشاهده ملايين المحبين لها.. وهذا التسجيل خير دليل على عشقها لاشرف والاشرفيين ومجاهدي خلق. تقول مرضية في هذه المكالمة القصيرة: استغرب رغم ان النوم يحاصرني الا انني أريد أن أبقى مستيقظة لكي التمس الدعاء لمجاهدي خلق.. كم هي جميلة برامج الأشرفيين..
نعم كانت مرضية في ذروة سمعتها الفنية، لكنها نذرت نفسها للمقاومة الإيرانية لاجل النضال على طريق الحرية لوطنها وكانت ثابتة على عهدها حتى اخر لحظة في حياتها... رحلت عن هذه الدنيا وهي لم تهادن ولم تساوم ولم تتراجع قيد أنملة في نضالها ضد الاستبداد اللاانساني الذي يمارسه نظام الملالي في طهران.
* خبير ستراتيجي إيراني
m.eghbal2003@gmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف