التحديات البيئية وتكنولوجية الاندماج النووي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
زادت التحديات البيئية في قريتنا الكونية الصغيرة، فعاش العالم، في الصيف الماضي، معاناة تغيراتها، بحرائق هائلة في روسيا، وبفيضانات شديدة في الصين والباكستان. فقد أدى سوء استخدام الطاقة لارتفاع درجة الحرارة على سطح الكرة الأرضية، والذوبان السريع لجليد قمم الجبال، ليؤدي لحرائق شاسعة في منطقة، وفيضانات غزيرة في مناطق أخرى من العالم. وتحتاج معالجة هذه التحديات لجهود إقليمية وعالمية مشتركة، ولن تستطيع أي حكومة معالجتها بجهود فردية، وبدأت تتفهم دول العالم هذه الحقيقة، وتعاونت للعمل في مشروع دولي لبناء مفاعل الاندماج النووي، فما هو هذا المشروع؟
يحاول مشروع مفاعل الاندماج النووي لنقل اقتصاد العالم لاقتصاد هيدروجيني، وذلك بإنتاج كميات هائلة من الطاقة النظيفة من مياه البحر، وذلك بالاستفادة من ذرات الهيدروجين المكونة للماء. وقد أكدت صحيفة اليابان تايمز في افتتاحيتها في الشهر الماضي، بأن مجلس مشروع المفاعل الاندماج النووي أقر خطة لأكبر مشروع عالمي لهذه التجربة، يشارك فيه الاتحاد الأوربي، والولايات المتحدة، واليابان، وروسيا، والصين، وكوريا الجنوبية، والهند. وترجع فكرة هذا المشروع لعام 1985، حينما قررت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وبالتعاون مع الاتحاد الأوربي واليابان للعمل في مشروع اندماج نووي لإنتاج الطاقة النووية، لتقر نماذجه الهندسية في عام 2001، وتوافق على بناء مفاعله في عام 2005، وتعتمد خطته التنفيذية في عام 2007. وعين مجلس المشروع، اوسامو موتوجيما، المدير العام السابق للمركز الوطني الياباني لعلوم الاندماج النووي،، مديرا عاما لتنفيذه، كما وفرت اليابان 20% من خبرائه. والجدير بالذكر بأن التجارب العلمية للاندماج النووي بدأت في عام 1932، وطورت أبحاثها العسكرية في الأربعينيات، كما تمت تجربة الانفجار النووي للقنبلة الهيدروجينية في عام 1952، وأجريت أبحاث التحكم في الاندماج النووي لإنتاج الطاقة في الخمسينيات.
وتعتمد فكرة هذا المشروع على آلية إنتاج الطاقة في الشمس من اندماج النظائر المشعة للهيدروجين. فسيقوم مفاعل الاندماج النووي في مرحلته الأولى بإنتاج نظائر الهيدروجين المشعة، وذلك بدمج ذرتين من الهيدروجين لتكوين الديوتريوم، أو بدمج ثلاث ذرات من الهيدروجين لتكوين التريتوم. وسيقوم في مرحلته الثانية بدمج التيوتريوم والتريتيوم لتكوين غاز الهليوم، وسيترافق ذلك بإنتاج كمية هائلة من الطاقة. وتنحصر صعوبة عملية الاندماج النووي في تحويل النظائر المشعة للهيدروجين، الديوتريوم والترتيوم، إلى البلازما. والبلازما هو غاز أيوني، مكونة ذراته من الكترونات وبرتونات غير متساوية، ويحتاج حصره والتحكم فيه لدرجة حرارة عالية جدا، تقدر بمائة مليون درجة مئويه. ومن المقرر أن يقوم المفاعل بإنتاج البلازما في عام 2019، وسيبدأ بعملية الاندماج النووي للديوتريوم والتريتيوم في عام 2027.
ويكلف بناء ها المفاعل تريليون ين ياباني، وسيغطي الإتحاد الأوربي 45.4% من الكلفة، وستغطي كل من باقي الدول الست 9.1 % من الكلفة. وسيبنى المفاعل في فرنسا، وسيكون قطره أو ارتفاعه 30 مترا، وستطور الدول المشاركة أجزاءه المختلفة، وتنقلها لموقع المشروع. وسيبدأ المفاعل بإنتاج الطاقة الكهربائية من مياه البحر في عام 2025، كما ستصنع الدول المشاركة مفاعلات اندماج نووي للتصدير التجاري في عام 2100. تلاحظ عزيزي القارئ كيف بدأت تتعاون دول الغرب مع دول الشرق الأسيوي لمعالجة تحديات الطاقة، وكيف تخطط لتجارب فيزيائية معقدة، وتنتظر عقود من الزمن لكي تطور تكنولوجيات صناعية جديدة، وتوفرها تجاريا لباقي دول العالم.
فباختصار شديد، هناك عملية الانشطار النووي، التي تعتمد على انشطار نواة اليورانيوم، لتنتج كمية هائلة من الطاقة المدمرة، والتي لا يمكن التحكم فيها، لتصنع منها القنابل النووية. كما يمكن التحكم بعملية الانشطار النووي في المفاعلات الذرية، بالسيطرة على كمية الطاقة الناتجة، لإنتاج الطاقة الكهربائية. وهناك عملية أخرى تسمى بعملية الاندماج النووي، التي تعتمد على دمج ذرات الهيدروجين، والذي نجح العلماء في الخمسينيات تطوير القنبلة الهيدروجينية منها. بينما يحاول مشروع الاندماج النووي الجديد، التحكم في الطاقة الناتجة من الاندماج النووي، لتطوير تكنولوجية تنتج الطاقة الكهربائية من مياه البحر، بكميات هائلة، لتنهي أزمة الطاقة الملوثة في العالم.
فعملية الاندماج النووي هي آلية لالتحام أكثر من نواة نووية لتكوين نواة أثقل. والجدير بالذكر بأن ذرة الهيدروجين مكونة من نواة بها بروتونة واحدة، وتدور حولها الكترونة واحدة. ويحتاج بقاء هذه الالكترونة في مدارها لتوازن طاقة جاذبة تقربها من نواة الذرة، وطاقة مضادة تبعدها عن هذه النواة. ويمكن بدمج نواة ذرة الهيدروجين مع نواة ذرة هيدروجين أخرى إنتاج كمية كبيرة من الطاقة. وتقاوم عادة نواة الذرة الاندماج بسبب القوة الطاردة الكبيرة التي تبعدها عن بعضها، وبزيادة الحرارة النووية لمائة مليون درجة مئوية تضعف هذه القوة الطاردة، وتسهل عملية الاندماج، لتنتج نواة أثقل، وتترافق هذه العملية بإنتاج طاقة إضافية. وباستمرار سلسلة متكررة من عمليات الاندماج تنتج طاقة هائلة. والسؤال لعزيزي القارئ: هل حان الوقت لعمل عربي مشترك في مشاريع تكنولوجية تعالج تحديات العولمة الجديدة؟ وهل سيتعاون العرب مع دول الغرب والشرق الأسيوي لتحقيقها؟ ولنا لقاء.
سفير مملكة البحرين في اليابان