نظرية المؤامرة وتكريس الفشل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا يخلو أي عمل سياسي من تعارض وصراع بين استراتيجيات واستراتيجيات مضادة. بل يمكن القول إن جوهر كل عمل سياسي وطني او اقليمي او دولي متعدد الفرقاء ومتعارض الرهانات ومتنوع المصالح هو هذا التضاد والصراع بالذات. وهو يحتد تارة وتتراجع حدته تارة اخرى بحسب الشروط العامة التي تجري فيها الصراعات ويتمظهر فيها التضاد.
كل استراتيجية هي عبارة عن عدد معين من العناصر المتضافرة بعضها واع ومعلن من قبل اصحابها بينما بعضها الآخر قد لا يكون معلنا فحسب وانما يتم الحرص على الاحتفاظ به في طي الكتمان اي انه موضوع اخفاء منهجي ومتعمد حتى لا تتأثر الممارسة السياسية ورهاناتها بانكشاف تلك العناصر امام الخصوم الذين سيبادرون الى العمل على تعطيل مفعولها وحرمان اصحابها من الاستفادة منها لو ظلت وراء الستار، ولم يفطن لها الخصوم والاعداء.
إن الاصرار الذي يبديه صانع القرار الاستراتيجي في مختلف المجالات، وخاصة السياسية منها، في عملية اخفاء بعض العناصر الاساسية المكونة لاستراتيجيته لا يوازيه الا إصرار الخصوم من جهتهم على العمل والقيام بكل ما يمكن القيام به من اجل كشفها وتعطيل مفعولها من جهة، والاصرار من جهة اخرى، على إخفاء واقع كون تلك العناصر مكشوفة لديهم حتى لا يدرك الآخر هذا المعطى الجديد فيعمل على تغيير استراتيجيته في الوقت المناسب وقبل ان ينتبه لذلك خصومه الذين استطاعوا كشف تلك العناصر. وهكذا فإننا امام عملية كتمان مزدوج على الدوام: الكتمان الذي يطال الاستراتيجية الخاصة وصنوه المرتبط الخاصة باستراتيجية الآخر. وهذا هو المبرر الرئيسي الأول لكل عمليات التآمر التي تعرفها كل حياة سياسية بهذا القدر اوذاك.
وبالفعل، فإن المؤامرة تلعب دورا هاما في الصراعات السياسية المفتوحة بين القوى السياسية المتباينة، غير انه لا يمكن اختزال كل الصراعات السياسية في بعد المؤامرة فيها، لأن المؤامرة لا تغطي كل العمليات السياسية وجوانب الصراع فيها قاطبة، وبالتالي، لا يمكن تفسير تلك الصراعات من خلال هذا العنصر حصرا مهما بدا بارزا على هذا المستوى او ذاك. لان القيام بذلك يعني الوقوع في مرض سياسي عضال يعطل كل مفاهيم الاختيار والمسؤولية والقدرة على تقدير الاوضاع التي تجري فيها اشكال الصراع التي تعرفها مختلف المجتمعات والدول ويحرم بالتالي من القدرة على الاستشراف والتوقع.
والمؤامرات انواع وأشكال مرتبطة بطبيعة المجالات التي يتم تناولها من حيث كونها بؤرة الصراع. لذلك يمكن الحديث عن المؤامرة العسكرية التي قد تتخذ هي ايضا اشكالا متعددة كما يمكن الحديث عن المؤامرة السياسية الداخلية والخارجية على السواء.
وعلى مستوى آخر يمكن اعتبار التزوير في الانتخابات والاستفتاءات الشعبية مؤامرة من حيث كونه يستهدف اخفاء حقيقة اوزان القوى الاجتماعية والمنظمات السياسية المتنافسة على ساحة سياسية بعينها. وهو عنصر حاضر بهذا القدر اوذاك في كل عملية انتخابية يتم اجراؤها خاصة في المجتمعات غير الديمقراطية حيث يكون الصراع على السلطة مفتوحا بين القوى السائدة التي تحاول ادامة سيادتها وبين القوى التي تتطلع الى ممارسة الحكم باي ثمن ولو من خلال اللجوء الى اعتماد مختلف اساليب التزوير للارادة الشعبية. وفي الحقيقة إنه لا حصر على الاطلاق لهذه الاساليب اذ يمكن ان تبدأ بالقانون الانتخابي مرورا بتحديد الدوائر الانتخابية في المدن والارياف وصولا الى استعمال الدعايات والاشاعات المغرضة وشراء الذمم وتغيير النتائج عنوة بعد اعلانها في مختلف مكاتب التصويت.
اعتماد نظرية المؤامرة يكشف في العمق منطق التهرب من المسؤولية وعدم الاستعداد لتحمل نتائج التكتيك الفاشل او الاستراتيجية عير المتناسبة مع ضرورات الواقع الذي تمارس فيه.
إن الاعتراف بامكانية المؤامرة لا يبرر باي حال من الاحوال تفسير كل شيء بواسطتها لان في ذلك نوعا من الدعوة الضمنية الى العدمية السياسية والتاريخية. فبدل محاولة اثبات تدخل التآمر في صنع الاحداث وهدر الطاقات في مقتضيات اعتماد نظرية المؤامرة كمفهوم لتفسير مجمل الاحداث الكبرى والصغرى الثانوية والمصيرية التي تعرفها الساحة السياسية فإن المطروح هو التركيز على رصد وحصر المعطيات الفعلية ومحددات السياق الذي تجري فيه الممارسة ومحاولة الوقوف عند العوامل الاساسية لتمييزها عن العوامل الاقل اهمية في عملية صنع الحدث.
ولا مراء في ان اعتماد نظرية المؤامرة في مواجهة الاخفاق السياسي او التنظيمي وفشل الاستراتيجيات المعتمدة من قبل صانع القرار الرسمي او الحزبي عامل اضافي في تكريس الفشل وتعميقه وسد المداخل الممكنة لمواجهة اسبابه الحقيقية والانتصار عليها.
التعليقات
مثال ثاقب
قاريء ومتابع -نظرية المؤامرة في العالم العر بي هو صفة عضوية موروثة جينيا في خلايا العقل العربي الذي يفسر كل شيء بمؤامرة وهذا التفكير الساذج جلب الكوارث والخسائر للمنطقة وافقدنا الفرص الكثيرة للتقدم والتطور والنجاح. وشكرا على المقال الممتاز.
عباقرة النظرية
عبد الحكيم مصطفى -بعد احداث 1 ايلول 2001 خرج علينا العبقري محمد حسنين هيكل على الجزيرة ليقول لنا ان الصرب هم الذين قاموا بالعمل الارهابي. وبعدها جاء كاتب مصري آخر ليقول ان الموساد هي التي نفذت العملية. في الصيف عام 2010 اعلن حسن نصر الله ان اسرائيل هي التي اغتالت رفيق الحريري وان لديه الأدلة. في الخريف نفس العام طالب سيادته بالغاء المحكمة. هل هذا دفاعا عن اسرائيل ام ان المرتكب الحقيقي هي عناصر محسوبة على الحزب. الانظمة الفاشلة في السودان وليبيا على سسبيل المثال تفسر الفشل يتدخل الامبريالية نظريات المؤامرة ستستمر لأن لها سوق كبير في صفوف البسطاء والساذجين.
حياتنا مؤامرة
ساذج متقاعد -تعليقا على المقال وعلى معلق رقم 2 هناك قطاعات كبيرة في العالم العربي لا تزال تعتقد ان مذابح دارفور هي مؤامرة صهيونية لا علافة للنظام الدكتاتوري الفاشل في المجازر. وهناك من يعتقد احتلال العراق مسرحية لاعطاء ايران دور اكبر في المنطقة وان احداث 11 ايلول هي خطة سي اي ايه بالتواطؤ مع بوش واسرائيل وهناك من يقول ان الجزيرة قناة يهودية وان الموساد يمول فضائيات اخرى وان بن لادن عميل أميركي ويستلم المال من شركات صنع الاسلحة الأميركية لكي تنفق الادارة اموال باهظة على شراء الاسلحة لمكافحة الارهاب. وان القبض على صدام مختبأ في حفرة بائسة هي مسرحية لزيادة شعبية بوش في اميركا وان الانتخابات في البحرين والأردن مزورة مقدما حسب نظريات الاخوان المسلمين الفاشلين ولا يمر يوما دون ان نسمع تحليلات ساذجة وللأسف من قبل اشخاص يظهروا الى الفضائيات كخبراء وكنا نصدقهم.
عباقرة النظرية
عبد الحكيم مصطفى -بعد احداث 1 ايلول 2001 خرج علينا العبقري محمد حسنين هيكل على الجزيرة ليقول لنا ان الصرب هم الذين قاموا بالعمل الارهابي. وبعدها جاء كاتب مصري آخر ليقول ان الموساد هي التي نفذت العملية. في الصيف عام 2010 اعلن حسن نصر الله ان اسرائيل هي التي اغتالت رفيق الحريري وان لديه الأدلة. في الخريف نفس العام طالب سيادته بالغاء المحكمة. هل هذا دفاعا عن اسرائيل ام ان المرتكب الحقيقي هي عناصر محسوبة على الحزب. الانظمة الفاشلة في السودان وليبيا على سسبيل المثال تفسر الفشل يتدخل الامبريالية نظريات المؤامرة ستستمر لأن لها سوق كبير في صفوف البسطاء والساذجين.
تعليق 3
سعيد الشيخ -مما لاشك فيه ان هناك مؤامرة خلف المقال للتشكيك بنظرية المؤامرة والتي بدونها ستكون جلسات المقاهي مملة وعواميد بعض الصحف فارغة والاتجاه المعاكس يغير اسمه للاتجاه المتطابق او المتوافق. ولكان عنوان المقال نظرية الشفافية وتكريس النجاح وشكرا للاستاذ حسن السوسي على اثارة الموضوع ولتعليق الساذج الأسبق.
تعليق 3
سعيد الشيخ -مما لاشك فيه ان هناك مؤامرة خلف المقال للتشكيك بنظرية المؤامرة والتي بدونها ستكون جلسات المقاهي مملة وعواميد بعض الصحف فارغة والاتجاه المعاكس يغير اسمه للاتجاه المتطابق او المتوافق. ولكان عنوان المقال نظرية الشفافية وتكريس النجاح وشكرا للاستاذ حسن السوسي على اثارة الموضوع ولتعليق الساذج الأسبق.
العرب والمؤامرة
moussa -ان الواعي العربي العام قائم اساساعلى نظرية المؤامرة ,وبالتالي تجده يفرز انتاجا فاسدا مفسدا لا ضير من محاكاته.كل هذا دفع الى الاعتقاد وترسخ في اللاوعي عندنا ان الطهارة فينا والرجس هو من عمل الغرب والاستعمار والامبريالية.استاذ حسن نهنئك على هذا المقال ونتمنى منك المثابرة على كتابة هذا النوع من المقالات لان فبها دفع الى الامام لمكاشفة عوراتنا الثقافية .
سياسات قاصره
فتاه من الشرق -لقد وجدت السياسات لتسيير أمور الدول و الشعوب و رعايه مصالح العامه من قبل الساسه الحكام و هذا ما يجب أن يكون من السياسيين و هذا ما هوه مطلوب و موكل إليهم , و أما ماآلت إليه التوجهات الحديثه للسياسيين وخاصه العرب فهو بعيد كل البعد عن مصالح الشعوب و المجتمعات التابعه لسلطاتهم , لقد تحولت السياسات من مفهومها في تسليك أمور الدول إلى تسليك أمور الحكام و أتباعهم و تحولت مؤامرات السياسيه التي قد يحيكها الساسه لأجل مصالح دولهم إلى مؤامرات ضد الشعوب التي أعطتهم ثقتها و ولتهم على أبناءها و أرواحها أنها حقا لمأسات كبرى , فللأسف يا استاذ حسن باتت رقاب الشعوب العربيه تحت سيوف ساستها عوضا من أن تكون سيوف ساستهاخلفها لحمايتها و دعمها و تحريرها و باتت المؤامرات تحاك من قبل السياسين بالأتفاق مع السياسات المعاديه للسيطره على المستضعفين و حكمهم بيد من حديد , و بكل وقاحه يطالبون بالمبايعه و التجديد و المضحك أنهم يخرجون بأصوات الأغلبيه المسحوقه أو عذرا يخرجون من الأنتخابات ب الأغلبيه الساحقه .....
سياسات قاصره
فتاه من الشرق -لقد وجدت السياسات لتسيير أمور الدول و الشعوب و رعايه مصالح العامه من قبل الساسه الحكام و هذا ما يجب أن يكون من السياسيين و هذا ما هوه مطلوب و موكل إليهم , و أما ماآلت إليه التوجهات الحديثه للسياسيين وخاصه العرب فهو بعيد كل البعد عن مصالح الشعوب و المجتمعات التابعه لسلطاتهم , لقد تحولت السياسات من مفهومها في تسليك أمور الدول إلى تسليك أمور الحكام و أتباعهم و تحولت مؤامرات السياسيه التي قد يحيكها الساسه لأجل مصالح دولهم إلى مؤامرات ضد الشعوب التي أعطتهم ثقتها و ولتهم على أبناءها و أرواحها أنها حقا لمأسات كبرى , فللأسف يا استاذ حسن باتت رقاب الشعوب العربيه تحت سيوف ساستها عوضا من أن تكون سيوف ساستهاخلفها لحمايتها و دعمها و تحريرها و باتت المؤامرات تحاك من قبل السياسين بالأتفاق مع السياسات المعاديه للسيطره على المستضعفين و حكمهم بيد من حديد , و بكل وقاحه يطالبون بالمبايعه و التجديد و المضحك أنهم يخرجون بأصوات الأغلبيه المسحوقه أو عذرا يخرجون من الأنتخابات ب الأغلبيه الساحقه .....
استراتيجيات معاصره
ahmad -ان الاستراتجيات المعاصره تنحو الى ان تكون مبهمه المعالم و حتى إن كانت معلنه ورأت النور تصلنا عبر صياغات مخالفه لما في مضمونها.......... و ما يحز في نفسي الهتافات التي تصحبها.... متى سيتوقفوا عن الاستخفاف بعقولنا ؟
اوافق مع الكاتب
الهاشمي -المؤامرة جزء لا يتجزأ في الثقافة العربية والاسلامية فبدأت المؤامرات منذ عهد الخلفاء الراشدين ولم تتوقف بعد وسوف تستمر الى الأزل. اوافق مع الكاتب ان السياسيين يستعملوا نظرية المؤامرة لتغطية الفشل وتبرير سياسات القمع وهذا واضح وجلي في العراق اثناء الحكم الصدامي والآن في سوريا وليبيا والسودان وفي العراق الحديث تغيرت الوجوه ولكن ثقافة التآمر والعنف والقتل لا زالت قائمة.
اوافق مع الكاتب
الهاشمي -المؤامرة جزء لا يتجزأ في الثقافة العربية والاسلامية فبدأت المؤامرات منذ عهد الخلفاء الراشدين ولم تتوقف بعد وسوف تستمر الى الأزل. اوافق مع الكاتب ان السياسيين يستعملوا نظرية المؤامرة لتغطية الفشل وتبرير سياسات القمع وهذا واضح وجلي في العراق اثناء الحكم الصدامي والآن في سوريا وليبيا والسودان وفي العراق الحديث تغيرت الوجوه ولكن ثقافة التآمر والعنف والقتل لا زالت قائمة.