دارفور... التاريخ والصراع والمستقبل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
المؤلف: عبد النعيم ضيفي عثمان.
الناشر: دار الرشد، الرياض، طبعة أولى، 2009م.
عدد الصفحات: 190 صفحة.
تحولت قضايا الأقليات العرقية والدينية والجهوية، التي كانت تعالج عادة ضمن الدولة الواحدة، إلى ثغرات سياسية وأمنية و"منفذ" إلى تدخل الدول الأخرى في الشؤون الداخلية. والحال أن قصور التجربة المحلية في معالجة الخلافات الداخلية وعدم نجاعتها في إيجاد تسوية لها، واللجوء في غالب الأحوال إلى الحل العسكري لحسم تلك الأزمات الداخلية، أفضى إلى مزيد من التدخل وتحول الأزمات البسيطة إلى "مدخل" للمطامع الأجنبية بذريعة نصرة الحق وحقوق الإنسان.
تعد قضية إقليم دارفور واحدة من أبرز الأمثلة على ما تقدم، فقد تفجرت هذه المشكلة عام 2003م نتيجة أسباب عادية قد تحدث في أي مجتمع ويستطيع أي مجتمع أن يحتوي آثارها، أو يتداركها، لكن الظروف المحيطة بالعالم الإسلامي والعربي حملت هذه المشكلة أبعاداً أكبر من حجمها الطبيعي، وهو ما يؤكده كتاب "دارفور التاريخ والصراع والمستقبل" إذ أخذت قضية دارفور أبعادها الحالية نتيجة تدخل أطراف أجنبية في المشكلة، ونتيجة لثروات متوقع ظهورها في الإقليم كالنفط.
تبرز أهمية الكتاب من خلال تناوله موضوع إقليم دارفور، هذا الإقليم الذي يقع في غرب السودان، وتبلغ مساحته خمس مساحة السودان، وتبلغ مساحته 510 آلاف كم، وتحد الإقليم ثلاث دول: من الشمال الغربي ليبيا ومن الغرب تشاد ومن الجنوب الغربي إفريقيا الوسطى، فضلاً عن متاخمته لبعض الولايات السودانية مثل شمال بحر الغزال وكردفان من الشرق والشمالية من الشمال الشرقي.
يمتد الإقليم من الصحراء الكبرى في شماله إلى السافنا الفقيرة في وسطه إلى السافنا الغنية في جنوبه، كما ينقسم الإقليم إداريا إلى ثلاث ولايات: شمال دارفور وعاصمتها مدينة الفاشر، وجنوب دارفور وعاصمتها مدينة نيالا، وغرب دارفور وعاصمتها مدينة الجنينة.
يرى الباحث أن قضية دارفور مثال صارخ على كيفية استغلال المشكلات المحلية واستخدامها كمطية للسيطرة على مقدرات الشعوب، والمتتبع لتاريخ القضية يجد أنها لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لولا التدخل الأجنبي.
وتكمن صعوبة تناول هذا الموضوع في أنه من موضوعات السهل الممتنع بسبب راهنيته، وأن حدة الصراع تتصاعد فيه يوماً بعد يوم، ومما يجعل الموضوع صعباً أيضاً صعوبة التنبؤ بنتائج الأحداث نظراً لكثرة المتغيرات عام 2007م.
ويشير الكتاب إلى أن حرب دارفور حرب إعلامية في المقام الأول، لعب فيها الإعلام الغربي دوراً كبيراً في إعطاء المشكلة بعدا أكبر من أبعادها الحقيقية، وقد حظيت هذه المشكلة باهتمام إعلامي غربي لا يتفوق عليها الاهتمام الإعلامي بأحداث الحادي عشر من سبتمبر أو الحرب العراقية. ويؤكد أن حل المشكلة لن يخرج عن أن يكون إفريقياً بجهود الاتحاد الإفريقي، وإن كان ينقص الاتحاد الدعم المالي، فبقليل من الجهود يمكن أن يلعب الاتحاد الإفريقي دوراً أكبر في استيعاب المشكلة.
الفصل الأول يتناول تاريخ دارفور، وتاريخ سلطنة الفور والتي أخذ الإقليم اسمها، ثم يتواصل الحديث عن أحوال الإقليم تحت الحكم المصري بمرحلتيه وتاريخ الإقليم في فترة الحرب العالمية الأولى، وهي الفترة التي شهدت انضمام الإقليم لجمهورية السودان في عام 1916. ويتساءل الباحث: هل لدى السودان بدائل يستطيع أن يحل بها أزمة دارفور دون مدعاة للتدخل الأجنبي؟ ويجيب بالإيجاب، إذ يملك السودان من الإمكانيات الإدارية والفنية ما يستطيع بواسطتها تدارك أية مشكلة تواجهه في المستقبل، سواء في دارفور أو في أي إقليم آخر، فالسودان يملك نظاماً قضائياً عالي المستوى، ويملك أحزاباً لها دور مؤثر "حوالي سبعة عشر حزباً"، كما يحتوي على منظمات مجتمع مدني قوي متماسكة.
الفصل الثاني يتناول جذور المشكلة في دارفور، وتتناول موضوعاته أطراف المشكلة، واندلاع الحرب في الإقليم وموقف الحكومة السودانية من القضية، وكيف احتوتها حتى وصول الأحداث لاتفاقية أبوجا عام 2006م، كما يوضح الفصل دور القوى المحلية والإقليمية في محاولة علاج الأزمة التي حدثت في الإقليم.
فيما يتناول الفصل الثالث دور القوى الإقليمية والدولية في المشكلة رغبة في معرفة انعكاسات الأزمة في دارفور على هذه الدول وكيفية تناولها للأزمة. أما الفصل الرابع، فيبحث في دور المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية في علاج الأزمة، كما يوضح دور الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن والأمين العام في الأزمة ونتائج تدخلها وموقف السودان من هذا التدخل.
ينطلق الكتاب من مجموعة من الفرضيات، التي تعتبر أن مشكلة دارفور نتجت عن صراع داخلي محلي حول الموارد بين المزارعين والرعاة، وحول المياه والأرض، فأدت عوامل الجهل والتخلف مع غياب التنمية إلى تفاقمه. وقد نقلت النخبة الدارفورية المشكلة إلى صراع مع المركز، نظراً لغياب التنمية الشاملة وغياب العدالة في توزيع السلطة والثروة، إلى جانب الإقصاء والتهميش.
كما لعب العامل القبلي وتداخله مع دول الجوار والاضطرابات في دولة تشاد المجاورة دوراً كبيراً في تعقيد الأزمة الدارفورية. وأفضى الخطأ في منهج حكومة الإنقاذ الوطني، والحكومات التالية، في تعاملها مع المشكلة إلى تعقيدها وتدويلها. وعليه فإن الطرفين، الحكومة والحركات الدارفورية، كما يرى المؤلف، يتحملان المسؤولية فيما وصلت إليه المشكلة وما آلت إليه الأوضاع الإنسانية والأمنية، التي مثلت نافذة ومبرراً للتدخل الأجنبي وتدويل القضية.
والحال أن إثارة قضية دارفور في الأوساط السياسية الغربية تدين إلى اللوبي الصهيوني الذي جعل من مهمته افتعال أزمة الإقليم وتأجيجها وتسليط الضوء من بعد ذلك على تلك الأزمة، في الوقت الذي لم يكن فيه أهل المنطقة من العرب والمسلمين يسمعون بوجود الإقليم أصلاً، ناهيك عن معاناته من أزمة ما. والمطلع على ظروف وعوامل نشأة عدد من منظمات الإغاثة الإنسانية المهتمة بقضية دارفور (مثل حملة أنقذوا دارفور) ونجاحها في جعل دارفور قضية رأي عام داخل الولايات المتحدة وخارجها، يدرك خطورة الجهود الإسرائيلية في إثارة الوضع في دارفور، وحرصها على إيجاد موطئ قدم لإسرائيل في السودان وتقسيمه بحسب جهاته الأربع.
...كاتب وباحث
hichammunawar@gmail.com
التعليقات
العرب والتعددية
طارق صادق -الخارطة التي رفعتها الأحزاب القومية العربية بأسم الوطن العربي، هي في الحقيقة خارطة لبلدان الجامعة العربية. وهذه البلدان ليست عربية خالصة الا ما ندر منها. فهنالك العديد من الأقوام والأمم والأثنيات التي تقطن هذه الجغرافية قبل قدوم العرب اليها. والمشكلة هو أن الحكومات العربية في المشرق وشمال افريقيا والسودان تجاهلت حقوق غير العرب ان كانوا مسلمين او غير مسلمين. هم ارادوا تعريب ما تبقى من امم واثنيات هذه الجغرافية. وهذا هو جوهر مشكلة دارفور وغيرها. انني لم اطلع حتى الآن على الكتاب، لكن العرض الذي قدم له يظهر انه يتناول القضية من باب المؤامرة المزعومة. وتجاهل حقيقة شعب دارفور وحقوقه، لا يصب في صالح السودان ومنظري الخطاب القومي العربي، مع فائق تقديري لأمة العرب الكريمة والعظيمة.