الحلال والحرام بين الدين والأخلاق (1)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
لقد كان هناك جدل كبير في القرن الرابع الهجري بين مدرستين إسلاميتين حول مفهوم الحسن والقبيح في أفعال البشر. فبينما تعتقد مدرسة المعتزلة العقلية أن الحسن والقبيح صفتان ذاتيتان مستقلتان يمكن للعقل أن يدركهما، فجاء الشرع بعد ذلك ليقول أن الحسن جائز لأنه حسن والقبيح غير جائز لأنه قبيح. فالشرع أحل الحلال لأنه حسن بذاته، وحرم الحرام لأنه قبيح بذاته. أما المدرسة الأشعرية الظاهرية فتعتقد عكس ذلك. فالأشاعرة يرون أن الحسن صار جائزا ً ومقبولا ً والقبيح صار غير جائز وغير مقبول لأن الله أمر به فصار كذلك، فالحلال والحرام ما أمر الله به بغض النظر عن أسبابه وعواقبه. أما العقل فإنه قاصر ولايمكنه بمفرده إدراك الحسن والقبيح. هذا الخلاف الذي أغنى الثقافة الإسلامية ينقلنا لعلاقة الدين بالأخلاق.
ماهي علاقة الدين بالأخلاق، ومن يصنع من؟ هل الأخلاق سابقة للدين أم جاء الدين لينتج الأخلاق؟ هل يمكن الفصل بينهما وإعتبار كل ماهو ديني محصور بين الحلال والحرام، وما هو أخلاقي بين الصح والخطأ؟
إن علاقة الدين بالأخلاق قديمة قدم الإنسان على وجه الأرض. فالدين باعتباره نظام من المعتقدات والتطبيقات العملية، كالعبادات والطقوس والشعائر وغيريها، تعبر عن إيمان الفرد بوجود خالق أو أكثر، وهذا النظام يرتبط ارتباطا ً وثيقا ً بالأخلاق التي هي عبارة سلوكيات تعبر عن قيم وعادات وتقاليد تشكل طريقة تفكير الإنسان وكيف ينبغي أن يعيش الحياة. فبينما يرتبط الدين بالوحي والغيب والمقدس، ترتبط الأخلاق بالعقل وتفكير الإنسان والتجربة، لكنهما مندمجان في الواقع ويعبران عن نفسيهما بالثقافة السائدة في زمان ومكان محددين. فالثقافة هي البوتقة التي تنصهر بها كل القيم، إن كانت دينية أم أخلاقية، فتشكل طريقة تفكير الإنسان وتعطيه قناعته التي بها يؤمن ويسلك ويتصرف.
إن الخطاب الإسلامي الحالي والذي يعبر عن نفسه من خلال المؤسسات الدينية لكل المدارس الإسلامية مازال يدور في فلك الشرع في إنتاج فلسفة أخلاقية تكون مرجعية لسلوك الإنسان. فقد أهمل المشرع دور العقل والتجربة وخبرة الإنسان إلى حد كبير في معالجة الكثير من المسائل الأخلاقية التي لايستطيع الشرع، المعتمد على الوحي والنص المقدس، من طرحها ومناقشتها وإيجاد حلول لها. من هذا المسائل موضوع الحرية بكل أنواعها وحقوق الإنسان والمساواة وغيرها. فموضوع مثل إلغاء عقوبة الأعدام وإجهاض من تحمل عن طريق الإغتصاب وحق الإنسان بالإنتقال من دين إلى دين آخر مازالت تعالج من خلال الحلال والحرام، بالرغم من وجود مساحة للمستحب والمكروه بينهما. هناك أشياء يفعلها الإنسان لايبدي الشرع فيها رأيا ً بل تعتمد على إجتهادات المشرعين. فموضوع الزواج من أمراة ثانية مثلا ً هو مقبول شرعا ً لكن به بعد أخلاقي مهمل حول مشاعر المرءة الأولى ومدى قبولها للوضع الجديد.
إن طرح هكذا مواضيع من خلال التجربة والعقل وخبرة الإنسان يمكن أن يكون حلا ً للكثير من المسائل بصفتها صح أم خطأ كاسبقية للحلال و الحرام. فالصح والخطأ أشمل من مفهوم الحلال والحرام، ولابأس إذا أعتمد الشرع على الصح والخطأ كمافعل المعتزلة من قبل في تشريع الحلال والحرام. فبينما يعتمد الحلال والحرام على النص المقدس وتفسير المشرع، يعتمد الصح والخطأ على الدافع والعاقبة والنتائج لفعل الإنسان. هذا لايعني بأن المشرع أهمل الدافع والعاقبة لاكنه يتناولهما من خلال النص المقدس الذي هو نتاج ثقافة سابقة لها ظروفها وحيثياتها وسياقها التاريخي، وأن سحبها وإعادة إنتاجها وفرضها على الثقافة الحالية لهو إجحاف وتعسف بحق العقل والتجربة وخبرة الإنسان. وذلك يؤدي إلى أن يعيش الإنسان حالة من الأزدواجية بين ماهو أخلاقي وما هو حلال أم حرام. وهذا بالفعل مانعيشه اليوم، فهناك مسافة كبيرة تفصل بين مايريده الشرع وماهو أخلاقي أو ما يمكن أن يكون عمليا ً في جعل الحياة أسهل. فكثير من المسائل التي يقول الشرع فيها هي مستحيلة من الناحية العملية فيلجأ المسلم إلى الحيل الشرعية لتفادي إشكالات الحلال والحرام، وأبسط مثل على ذلك موضوع القروض البنكية التي تعتمد على الفائدة المحرمة. فتحريم الربا به بعد أخلاقي لكن الشرع لم يستطع معالجته في العصر الحالي.
نعم لقد طرح الفكر الإسلامي مواضيع أخلاقية كانت جديدة لكنها تعبر عن نفسها بشكل آخرالآن ويمكن أن تعبر عن نفسها بشكل مختلف في المستقبل القريب أو البعيد، فهي بحاجة لمعالجات من نوع إستثنائي. من هذه المواضيع نصرة المظلوم أو مساعدة الضعيف، وغيرها مثل التواضع وفعل الخير. أما الآن فهناك مواضيع مثل المساواة وحرية الإنسان وحقوقه تحتاج لمعالجات مؤسساتيه وثقافة قائمة على مفهوم العقل والتجربة التي لايمكن إهمالها مقابل قراءة نصوص بطريقة تلائم عهود ماضية.
لقد توقف المسلمون في نفس النقطة التي بدأ بها فلاسفة النهضة بإنتاج فلسفة أخلاقية قائمة على العقل والتجربة وخبرة الإنسان. وهذا لايعني إهمال النص الديني بل يدعو إلى إعادة قراءته بشكل جديد ومختلف. تلك القرءة يمكن أن تنظلق من المفاهيم الأخلاقية الجديدة التي لم تكن موجودة، كمفهوم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان. تلك المفاهيم موجودة أصولها في الفكر الإسلامي لكن هي بحاجة لقرءة بشكل جديد. إن القرءة القديمة للنص الديني تنطلق من الفلسفة الوضعية وتتجاوز قليلا ً نحو الفلسفة التأويلية رغم معارضة التيارات السلفية. إن حاجتنا لتغطية كل أمور العصر لقرءة نقدية، أي مابعد التأويلية التي ترتكز على مفهوم المعايير الأخلاقية لقراءة النص.فهذه القراءة لايمكن أن تخرج بأي حال من الأحوال من مفهوم أن كل شيء مباح مالم يأتي نص بتحريمه، تلك القاعدة التي أركنت في زمننا الحالي.
التعليقات
ساكن
من سكان العالم -الحلال بالنسبه لـ الاسره التى الدين بينها و بين ربها الذى يحلل الحياه
ساكن
من سكان العالم -الحلال بالنسبه لـ الاسره التى الدين بينها و بين ربها الذى يحلل الحياه
مع التحية
عراقية -موضوع الدين والأخلاق موضوع شائك ومعقد ومن الصعب جدا على غالبية الناس الفصل بين الموضوعين لذلك نرى وبوضوح في مجتمعاتنا تلك الأزدواجية في التعامل والسلوكيات بين ما هو حرام,حلال... او اخلاقي,غير اخلاقي. مثال: تقاضي اغلب المقيمين العرب في اوربا راتب حكومي من الدول المقيمين فيها...لكن مع هذاترى اغلبيتهم يعملون دون علم تلك الحكومات باعمال لا يدفعون عنها ضرائب...كيف يقيَمون ذلك؟ حرام؟ غير اخلاقي؟ لا اعرف مقال اكثر من رائع!
الشرع كمرجعية
مسافر عبر ايلاف -اعتقد ان مرجعية الشرع هي الصحيحة لان ما تراه انت جميلا اراه انا قبيحا وبالعكس ولذلك لابد لنا وخروجا من الخلاف ان تكون لنا مرجعيه عليا ونهائية ويمكن الاختصام اليها في حالة الخصام والشقاق هذاجيد للجميع ومريح
الشرع كمرجعية
مسافر عبر ايلاف -اعتقد ان مرجعية الشرع هي الصحيحة لان ما تراه انت جميلا اراه انا قبيحا وبالعكس ولذلك لابد لنا وخروجا من الخلاف ان تكون لنا مرجعيه عليا ونهائية ويمكن الاختصام اليها في حالة الخصام والشقاق هذاجيد للجميع ومريح
arab
ali -مع الاسف العرب من اسوء جاليات في اوربا يبررون افعالهم باسم الدين ويحللون كل شئ خارج قيم انسانية واخلاقية بحجة ان هؤلاء اوربيين كفار يقبضون اعانات من حكومة يبيعون مخدرات يسرقون ينهبون يغتصبون نساء ويصلون خمسة مرات بالجامع وغاية تبرر وسيلة.
سلف ودين !!
عابر ايلاف -بالطبع هذا السلوك مرفوض ومدان ولكن هل المسلمين يفعلون ذلك اليس هناك عصابات من المسيحيين العرب او المشارقة وتمارس كل الجرائم من نصب واحتيال ومخدرات ودعارة وسرقة ؟! كل من يحاول ان يبرر سلوكه المشين بالدين اي دين فهذا مرفوض ومدان ، ولكن بالمقابل قولوا لنا كيف بنت اوروبا المسيحية حضارتها اليس على جماجم الشعوب الاخرى وسرقة ونهب خيراتها وتسليط الحكام الظلمة على شعوبها الامر الذي تسبب في ا فقار هذه الشعوب واستمرار وتفاقم ازماتها يعني لما دولة اوروبية تعطي لفرد من تلك الدول التي نهبتها في اسيا وافريقيا فأنها تعطيه من فوائد مانهبته من وطنه من خامات وكون وطنه سوقا استهلاكية لمنتجاتها اذا اعطته سواء كان مسلم او غير مسلم عربي او افريقي بعض فتات الموائد هذا من حقه اليس كذلك ؟!
مع التحية
عراقي ايضا -عذراَ يا عراقية لكن في اي دولة اوربية تسكنين؟ وشكرا
الي عابر ايلاف
الريس -تحياتي ، اشاطرك الرائ و لكن يجب علي المهاجرين تطوير نفسهم والاستفادة من العلوم الاوربية وتعلم اللغات والعمل عوضا عن الاتكالية
العلمانيه -والحل
same -مشكله معظم العرب والمسلمين انهم يريدون تطبيق ارائهم,ونصوصهم. ورغباتهم على الغير كل فرد حر فيما يختار ومايؤمن عالمنا عجيب نحن اكثر شعوب الارض يفرضون فكرهم على الاخرين.
عابر ايلاف
Sami -المسلمون الأوائل ايضا بنوا دولتهم وحضارتهم على هذا الأساس عن طريق (الفتوحات) و احتلال الاراضي حتى وصلو الصين و اسبانيا, ما رأيك دام فضلك!
نظرة وسطية
عراقي ليبرالي -ان الانسان البشري خلق كالحيوان في هذه الدنيا....الحيوان تعلم بالتجارب المتكررة ماهو المفيد له وما هو المضر...وكلما يولد حيوان ستتكرر عليه التجربة وسيعيشها من جديد من دون الاستفادة من اسلافه على عكس الانسان الذي تميز بالعقل...استفاد من تجارب الاسبقين ونازع وصارع من اجل ان لا يقع بأخطاء الاسلاف...الاسلام او بقية الاديان لم تأتي بشيء جديد بل تكلمت عن تاريخ الاسبقين وسنت قوانين ناتجة من تجارب الاسبقين والحيلولة للتخلص من اخطائهم...ولذالك نرى مثلا بالقرأن نص على اعطاء الذكر ضعف الانثى من الورث وذالك نتيجة للظلم الذي كانت تتعرض له الانثى في ذالك الزمان...واتوقع ان الله يطالبنا بالبحث للافضل من اجل الخلاص..فهل سنرى اليوم في حالة تساوت المرأة بكل شي مع الرجل واستطاعت العمل كما يعمل ان لا تأخذ كحقه؟!!علينا التفكر والاجتهاد ونتعلم من اخطاء الاسلاف ولا ارى اي تعارض بين الدين والسنن التي سنها الانسان عالعكس اراها دستورا شاملا...لكن علينا مراجعته واعادة بحقه بتطور الزمان والمكان ..والله اعلم
كذب عابر ايلاف
تاريخ -قراءت والعهدة على كتب التراث انه في عهد عمر بن الخطاب حلت مجاعة فاارسل الخليفة عمر الى عامله على مصر عمر بن العاص ان يبعث اليهم من الموءن فرد عليه عمر بن العاص يا خليفة لارسلن لك فافلة ذيلها عندي وراءسها عندك هذا هو ما قراءت والله اعلم
طيب
عابر ايلاف -ونحن المسلمون عندما فتحنا البلدان لم نقصر بحق شعوبها هاهم اليوم من اثرى اثرياء العالم وهناك دساتير وطنية تضع راس المسيحي براس المسلم ويحصل المسيحيون اليونانيون مثلا على معاملات تفضيلية ودلع زايد عن اللزوم
الأخلاق ثم الأخلاق
عراقي بسيط -السؤال الأول اللذي طرحه الكاتب وأجاب ضمنا أن الدين والأخلاق نشئا سويا وهذا غير صحيح والأخلاق سبقت الدين بحكم الفعل الأنساني اللذ سبق التفكير بالبعد الروحي اللذي نتج بتطور حجم الدماغ الإنسانيفالأخلاق هي الأساس والدين جاء ليؤطرها ويحميها بقدسيته وبعقاب الخوف الإنساني من أي شئ يرمز له الإله في المعتقدويقول النبي محمد (ص); جئت لأتمم مكارم الأخلاقوسعادة الإنسان وخلاصه تكون برجوعه الى مبادئ الأخلاق لذاتها وليس بسبب غاية أو خوفوالإنسان في مسيرته لإعتاق نفسه من الخوف في تطور فكره سيتحرر عندما يترك الإطار ويدخل الى قلب الذات الإنسانية في فعلها الأخلاقي إنما الأمم الأخلاق ما بقيتفإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا