سلوك الإنسان بين الشريعة والأخلاق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إن أكثر من يواجه مشاكل في التوفيق بين الشريعة والقيم السائدة في المجتمع بصورة عامة هم المهاجرون المسلمون الذين يعيشون في الغرب. سأضرب مثلين في هذا الموضوع. إن الكثير من المسلمين الذين يعيشون في الغرب يقومون بالتحايل على القانون من أجل مكاسب مادية أو من أجل التهرب من مسؤوليات معينة أمام السلطات والقوانين في تلك الدول. فهناك الكثير، في السويد مثلا ً، ممن يلجأ للإنفصال عن زوجته، في الدوائر الحكومية فقط وليس شرعا ً، من أجل الحصول على مكاسب مادية كإيجار شقة أو راتب مساعدة إجتماعية إضافي أو من أجل التهرب من البحث عن عمل مع ضمان تدفق المساعدة المادية لعائلته، مما جعل بلدية مالمو في ذلك البلد تقوم بإحضار مأذون شرعي أو إمام لتوثيق عملية الإنفصال كي تكون شرعية أيضا ً. لكل له أسبابه المبررة وغير المبررة.السؤال المهم هنا، هل هذا عمل أخلاقي قبل أن يكون شرعيا ً؟ إن الكثير من هؤلاء مسلمون ملتزمون ومنهم شيوخ دين أيضا ً. ولو سألت أحدهم، إن إعترف بذلك، سيقول لك أنا لم أطلق زوجتي فهي على ذمتي وهذا على الورق فقط. وإن سألت رجل دين أو ماهو سائد بين المتدينين فسيقولون هي زوجته ولم تطلق إذ لايوجد بالشرع مايقول أنه حرام. لكن يمكن أن تحرم بالعنوان الثانوي كعملية خداع، والخداع غير جائز شرعا ً لكن من السهل تبريره وإيجاد له مخرج أو حيلة شرعية. هذا الفعل يطرح السؤال عن الفجوة بين الشريعة والأخلاق الذي ذكرته في مقالتين سابقتين وهنا أريد أن أتناول الموضوع على المستوى الفردي وليس الجمعي.
مثال ثاني عن تلك الفجوة هو موضوع المصافحة بين الرجل والمرأة. فالكثير من الملتزمين والملتزمات يواجهون حرج في موضوع المصافحة، ويتم التركيز في هذا الموضوع على النساء المحجبات أكثر من الرجال ولو سألت رجل الدين عن هذا الفعل سيقول لك بأن ملامسة المرأة ليد الاجنبي حرام شرعا ً من غير التفكير بالمبدأ الأخلاقي وعواقب هذا الفعل المباشرة وغير المباشرة، كالحرج الكبير الذي يحدث وصورة المسلم بعيون الآخر. لاأتكلم عن عواقب عدم المصافحة وتاثيرها على الفرد والمجتمع كتقليل التواصل وخلق حواجز تعيق نقل الصورة الصحيحة إلى الأضرار الأخرى كفقدان العمل أو قلة الأصدقاء بسب الكثير من الحواجز الشرعية، وليست المصافحة فقط. سيقول رجل الدين لك فكر بماستقوله لربك يوم القيامة ولايسئل نفسه ماذا سيقول المسلم لربه عندما يعطي صورة سلبية عن أن المسلم بعيد كل البعد عن روح اللياقة والذوق بعدم إحترامه لطريقة تعارفت عليها الكثير من الثقافات وعبر عصور كثيرة، فالمصافحة مفتاح للتواصل وكسب الآخر. فأنا هنا لاأطرح موضوع شرعية أم عدم شرعية أو أخلاقية أو عدم أخلاقية الفعل فلكل فرد وهو حر في عمله وسلوكه وتبريره لكني أريد طرح موضوع الفجوة بين الشريعة والنظرة الأخلاقية التي هي غالبا ً كبيرة وتكبر كلما إبتعدنا عن مصادر التشريع في الشرق الأوسط والعالم الأسلامي.
فمن الناحية العلمية فقد ركزت نظرية التنافر أو الإختلاف الإدراكي (theory of cognitive dissonance) على هذا الموضوع. فالنظرية تقول أن حدث هناك إختلاف بين فكرة الإنسان عن شيء وسلوكه تجاه ذلك الشيء فهو يتبع طرق ثلاث للتخلص والإفلات من حالة التناقض والإزدواجية. كموضوع الإنفصال مثلا ً فهو ينم عن حالة من التناقض التي لابد أن تبرر بحال من الاحوال. فالطريق الأول هو تغير السلوك بما يلائم الفكرة عن الموضوع كتطليق الزوجة شرعا ً أو إلغاء حالة الإنفصال على الورق فقط في دوائر الدولة، وهذا يحدث نادرا ً. الطريق الثاني هو تعديل الفكرة لتبرير السلوك، كأن يقول هو ليس طلاق حقيقي وإنه فقط على الورق، ولايوجد من يحرمه بشكل صريح. أما ما يمس الجانب الاخلاقي فيمكن أن يبرر العمل بالقول، وهل من الأخلاقي أن أبقى بلا عمل ومساعداتي الإجتماعية لاتكفي، أو فلان ليس بأفضل مني فهو رجل متدين وقام بنفس العمل مما يضيف شرعية على العمل. الطريق الثالث هو إضافة فكرة جديدة على الفكرة السابقة عن الموضوع لتبرير العمل كالقول مثلا ً، نحن ليس في دولة إسلامية أو تلك دولة كافرة ولانعترف بقوانينها أو ماشابه ذلك.
إذن، توجد هناك فجوة كبيرة بين ماهو شرعي وماهو أخلاقي مما يجعل الكثير منا يقع في تناقض عجيب أو تشدد في ماهو شرعي على حساب ماهو واقعي وماهو مطلوب. هذا يخلق شخصية ومجتمع إزدواجيين ويؤدي إلى حالة من التناقض، وهذا بالضبط مانعيشه في مجتمعاتنا العربية، فقد صارت الشريعة منظومة من القيود على الفرد تعيق حركته وتطوره. إن من ينكر هذه الحقيقة كمن يدفن رأسه في الرمال أو كمن يلبس نظارات ملونة حيث يريد أن يرى العالم الخارجي باللون الذي يعجبه. والسؤال المهم هو، مالحل؟ هل نحن بحالجة لشريعة لكل تفصيلة في حياتنا وهذه التفاصيل تتجدد في كل لحظة؟ وأن أمكن تجنيد جيش من المشرعين لهذا فكيف يمكن أن تلائم كل بلد وكل ثقافة بل ثقافات متعددة في مجتمع واحد؟ وماعلاقة تلك التشريعات مع القوانين لكل البلدان التي يجب أن نحترمها إذا عشنا فيها؟ بالتأكيد الجواب لايمكن خلق شريعة بهذا الحجم فهو غير ممكن من الناحية الفنية والعملية.
فعلى المستوى الفردي، يمكن تنمية الحس الأخلاقي الذي يهضم ثقافات متعددة في أزمان مختلفة مقابل تقليص ماهو شرعي في التفاصيل الدقيقة والذي يقيد الإنسان في كثير من الأمور ويجعل منه كالرجل الآلي أو كالمريض الذي لابد من أخذ إرشادات الطبيب لكي يشفى أو على حد قول المشرعين لينجو. وتوسيع ماهو أخلاقي من خلال تنمية العقل النقدي بالخصوص لدى الأطفال، أي الإنطلاق دائما من معيار خلقي لتقييم الأفكار والأفعال وليس بالضرورة يكون ضد ماهو ديني. فالدين كمنظومة من القيم عالج الكثير من المسائل الأخلاقية لكن المشكلة بما هو شرعي الذي يريد أن يؤطر ماهو ديني بقالب معين ويعممه على كل زمان ومكان فتحدث حالة التناقض. إن تعميم ماهو أخلاقي يعطي الإنسان شخصيته والحرية في تقييم ذاته ونقدها وتصحيح مسارها ويحمله مسؤولية أفعاله من خلال ربط الفعل بالأثر والعاقبة وليس فقط بالعاقبة الأخروية. إن الشرعي فيمكن أن يقيد حركة الإنسان ويضيعه في التفاصيل التي تحرمه من متعة التفكير والإبداع ونقد الذات ولا أقصد هنا تقليصه على حساب المسائل الكبرى كتحريم الزنا أو أكل اللحم الغير مذبوح شرعا ً أو شرب الخمر، بل في التفاصيل التي لها بعد إجتماعي كالمصافحة مثلا ً أو عمل المرأة والإختلاط بالرجل في الدراسة والعمل والقائمة تطول.
التعليقات
قبل الأديان
خوليو -ونقصد قبل الأديان المسماة سماوية كانت الأخلاق، نشأت هذه منذ نشأة الكتابة وعندما بدأ الانسان بكتابة تاريخه كان يُميز بين الصالح والطالح وقد سجل ذلك، وحمورابي شرعن العلاقات الاجتماعية وسلوكية الانسان ومكافئته وتكريمه، فاللوائح الطينية تُخبرنا عن سلوكية الانسان، ويالها من سلوكية راقية أنشأت أسس الحضارة الانسانية، عندما دخل إله السماء على الخط لم يأت بجديد، فقط أراد أن يقول كل هذه الأشياء الجملية هي من عندي، وهذه خاصة اسلامية: يتبنون كل شيئ جميل وكل اكتشاف علمي دون أن يكون لهم يد في صنعه ويقولون هذا موجود في كتابنا، عبر عن هذا الشيئ الاصلاحي جمال الدين الأفغاني بقوله عن أوروبا، وجدت الاسلام ولم أجد مسلمين، تعبير يدل على رغبة في اللحاق بالحضارة، العائق الأكبر لهذه العملية هي تلك الشريعة التي فقدت صلاحيتها، لا بل أنهاتتجرأ وتشرعن عن عجزها عن اللحاق بما مقتضاه أن الأمم الراقية مُسّخرة لخدمة المؤمن، لأنه خير شعب، هذا ما قاله المؤسس.
مع التحية
عراقية -الان ومن خلال النطرية الموضحة في المقال اعلاه ;نظرية التنافر; استطيع ان احدد بشدة سبب الكثير من المشاكل النفسية قبل الاجتماعية التي يعاني منها معظم المغتربين العرب في الخارج. فاخلاقياتنا لا تنم إلا عن طرق تفكيرنا وما تحمله من سلبيات وايجابيات...فالإناءُ ينضح بما فيه على حد قول الحكمة العربية القديمة. مقال رائع!
حكاك الاجرب !
عابر ايلاف -يا اصحاب المنخوليا ان صاحب مقولة وجدت اسلاما ولم اجد مسلمين هي للامام محمد عبده وليست ليس للافغاني ولكن الامام هزم نفسيا امام الغرب يبدوان مفردة الاسلام والشريعة تسبب لكم حكاكا حكاك الاجرب ! ان حضارة الغرب قامت على اسس الحضارة الاسلامية ان كنت منصفا ، ماعلينا اناقش الكاتب المحترم / كم يمثل المتدينون المسلمون من تعداد المسلمين في الغرب ؟ عشرة الاف عشرون الف خليهم مائة الف ! هل كلهم على هذه الشاكلة وهل المسلم هو فقط من يتحايل على الانظمةوالقوانين الوضعية الا يتحايل المسيحي الشرقي وغير الشرقي واليهودي واللاديني بل ان التحايل على القانون يشمل الطبقات العليا في المجتمعات الغربية مثل السياسيين والعسكريين والشخصيات المرموقة اذا رغب انسان ان تكون له قناعاته الخاصة في السلوك العام في المجتمع علينا ان نحترمها وفي اماكن الاوروبي ان يتفهمها ويحترمها لدينا طائفة مسيحية تعيش خارج التاريخ والواقع المعاصر وهي طائفة ا لاميش والمورمون الخ تقبلها المجتمع الغربي بدون مشاكل فلم لا يتقبل المتدين المسلم بنفس الدرجة
وأنك لعلى خلق عظيم
باسم العبيدي -أبتداءآ فأن جميع البشر بحاجه الى هكذا مواضيع وذلك للتصور الحاصل لدى الكثير من الناس وخصوصآ في عالمنا العربي والأسلامي بأن هناك تقاطع بين الشريعه والأخلاق وهذا وهم كبير وسأحاول أن أركز بعدة نقاط على هذا التصور فأقول1- الله في جميع الشرائع السماويه هو مصدر الخير والمحبه والرحمه فلايأمر الآ بالعدل والسلام والحب وكل الصفات الجميله (أن الله يأمر بالعدل والأحسان وأيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعضكم لعلكم تذكرون)2- أن الله لم يترك شيء الأ نظمه (مافرطنا في الكتاب من شيء) لذلك خلق الله الأنسان على الفطره السليمه (فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لحكم الله) وعندما يقول الناس فيعني كل البشر دون أستثناء أذن هم خلقوا على الفطره السليمه التي هي أساس الأخلاق3- أن الأنسان أي أنسان ووفق أي معتقد سماوي أو وضعي يعرف جيدآ ماهو أخلاقي وماهو غير أخلاقي ولو بمقدار نسبي لدى الناس الذين يعتقدون بشرائعهم الوضعيه أو اولئك الذين ليس لهم حضآ في معرفة أصول عقائدهم السماويه وهنا مكمن المشكله عندما يفترق الأنسان عن أصل معتقده السماوي نتيجة قصور التفكير والتفكر وسطوة بعض المفسرين المنحرفين عن جادة الشرع القويم وغلبة ماهو مادي على ماهو معنوي فيغلبون أفكارهم الواهمه على ماأراده الله وهذا ماهو كائن حتى اليوم ولكن (من أصدق من الله قيلا)والأن سأرد بعد هذه النقاط الثلاث على ماتفضلت به في مقالتكالأخلاق في واقعنا المعاصر هي أوسع من الشريعه ليس بسبب قصور الشريعه ولكن بسبب عدم فهمنا الحقيقي للشريعه وعلينا أن لانجامل على حساب رضا الله فالمثال الأول الذي ذكرته في مقالتك حول الشخص الموجود في السويد أقول لوكان لدى هذا الشخص كابح شرعي لما تصرف وفقآ لما ذكرت حتى ولو سأل رجل دين فبرر له هذا التصرف ،ولو كان لديه كابح أخلاقي لم يتصرف بهذا التصرف أيضآ بسبب أن الصدق من أهم الصفات التي يتمتع بها الفرد في حياته وعليه أن يبني سلوكه عليه والكذب ممقوت مهما حاولنا أن نجمله لأننا يجب أن نخشى الله قبل أن نخشى الناس ومن الممكن أن يخطأ الأنسان فيعدل مساره ولكنه أن كذب فمن الصعوبه جدآ أن يعود للصدق لاسيما بعد أن يحصل على منافع جراء كذبهأما موضوع المصافحه بين الرجل والمرأه فأقول لك أن من خلق النفس البشريه حدد بدقه أسس التعامل فيما بينها وهل أن القاء التحيه دون مصافحه هو تقليل لقدر المقابل لاياأخي هذا
صح
خوليو -المقولة للشيخ محمد عبده وليست للأفغاني صاحب كتاب الاستبداد،نعتذر عن الخطأ،ولنغتنم الفرصة ونقول للسيد العابر اذكر لي طبيباً واحداً(فقط واحد من مشاهير الأطباء العرب والمسلمين لم يقرأ كتاب جالينوس (البدن)،(أعتقد أنك سمعت بجالينوس، تفضل يامستر عابر اذكر لي واحد، فكيف تقول أنّ أساس تقدم الغرب هو الاسلام؟ وإن طلبت الانصاف فالحضارة العربية الاسلامية هي لبنة في مدماك الحضارة الانسانية، ولبنة صغيرة فقط ،والآن دوركم، أرونا زخمكم، أم أن المفلس يرجع لدفاتره القديمة؟ حدثنا عن التقدم في الأرض التي نشأ عليها الاسلام وفي أي وقت تشاء، نحن بالانتظار ،هذه فرصتك ياسيد عابر، وبالمناسبة ماهو معنى منخوليا هل هو على وزن إمعة لايفهمها إلا قائلها؟ لقد اضطروا أن يسألوه معناها وهم من قرض الشعر والفصاحة.
وهذا صحيح
منخوليا = خلل عقلي -هل تعلم أن الرازي انتقد كتب جالينوس!أم أن لبنة الكراهية الكبيرة التي تجتاحك أعمتك عن رؤية الحقيقة؟