أصداء

رحلتي مع نوال السعداوي (2-3)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لم أستطع النوم تلك الليلة، فتفاصيل رواية lt;امرأة عند نقطة الصفرgt; التي طُلِب منّا تحليلها كواجب، وتفاصيل اليوم الأول مع نوال أصبنني بالأرق. ولا من خير جليس عند الأرق إلا الكتاب! أخذت أقرأ lt;مذكرات من سجن النساءgt; لنوال السعداوي حتى غفت عيناى لبضع سويعات.


أصبحنا على رائحة "اسبرسو" نوال، وجدائلها البيضاء، ونشاطها الذي فاق نشاط القاعة بأكملها. عجيب كيف لتلك المرأة التي تقارب عمر جدتي أن تملك طاقة الإلقاء وحماس النقاش لساعات متواصلة! أراها وأتذكر جدتي ودلّة قهوتها وتلك الأبيات التي ترددها على مسامعنا كلّما زرناها. وأتسائل يا ترى، لو حلّ لجدتي إكمال تعليمها، ماذا سيكون موقفها من كتابات نوال؟ ولو صحّ لها استغلال طاقاتها الأدبيّة، هل ستصدر كُتُباً تضاهي جمال الوصف في روايات نوال؟


امرأة عند نقطة الصفر: هي حكاية فردوس التي تيتمت على صغر، وانتقلت لرعاية عمّها القمعي في القاهره، وأجبرت على الزواج من شيخ طاعن في السنّ. فردوس هي الفتاة التي هربت من أسواط زوجها المستبد، إلى أسواط الفقر والبطالة، ثم إلى استبداد "القوّاد" الذي جعل منها سلعة يتبادلها الرجال. فردوس هي التي فقدت ثقتها بالرجال جميعاً حتى أخذتها العزة بالإثم وقتلت "بائعها" القوّاد، وسُجنت وأُعدمت إثر ذلك.

امرأة بدأت عند نقطة الصفر، وتعدّت حدود الأرقام، حتى عادت إلى الصفر، وكأنها لم تكن!


- "من منكم وجد نفسه في فردوس؟"


- عن ماذا تتحدّث نوال؟ أَجُنّت؟ كيف أجد نفسي في فردوس؟


- "حسناً، أريد كل واحد منكم أن يرسم جدولاً لأوجه الشبه بينه وبين فردوس"


- كيف أشبّه نفسي بفردوس؟ كيف أقارن نفسي بشخصية عاهرة وقاتلة ومضطربة نفسيّاً وعصبيّاً؟ ملأت خانة فردوس بكل ماهو سلبي، وتركت خانتي فارغة. فأنا لست بفردوس!


- "حكاية فردوس هي حكاية حقيقية، ورواية امرأة عند نقطة الصفر تروي أحداث حياتنا جميعاً! كلنا فردوس! ألسنا شعوباً تناضل؟ ألسنا مدناً تعاني الفقر الاقتصاديّ والثقافيّ والعاطفيّ؟ ألسنا نضطر إلى الهروب أحيانا من مواقف محرجة أو طرقاً مسدودة؟ ألسنا ننادي بالإنسانية في عصر اجتياح غزة واحتلال بغداد؟ ألسنا جميعاً نمر في رحلة البحث عن الحق والعدالة؟ ألسنا نحسّ؟ ألسنا نتألّم؟ إذن كلنا فردوس!"


عجباً! لم ترمش عيناي لوهلة من دهشتي. أنا فردوس؟!

ربما أنا فردوس التي أُرغمت على ترك بيتها ومدرستها وأحبائها للانتقال إلى ظلال عمّها في القاهرة، تماماً كما تركت الرياض ومدارس نجد وأقاربي وصديقاتي للانتقال إلى ظلال (أو ضباب) بريطانيا!

و"لويزا" تلك المرأة التي تعمل في مجال التسويق، هي فردوس التي حوّلت جسدها المصون إلى سلعة يتداولها الرجال، كما تحوّل هي الأفكار المبدعة إلى سلعاً يتداولها الشُرّاء. فيمر الوقت وتفقد فردوس احترامها، ويمر الوقت وتفقد الأفكار قيمتها!

ونوال السعداوي هي فردوس السجينة، التي رفضت توقيع طلب الطبيب بالعفو عنها، واختارت الإعدام لأنه أشرف، ولأن الموت حرية! قتلت فردوس رجلاً، كما قاتلت نوال نظام الحكم في مصر، وسجنت بسبب توجهها السياسي وتمرّدها على أنور السّادات. رفضت نوال توقيع طلب العفو عنها، وفضّلت إذلال السجن على رحمة السادات!

مُنعت من أبسط حقوقها في السجن، الكتابة! لكنها لم تستسلم، ولجأت إلى المحارم الورقية وقلم كحل تم تهريبه من الزنزانة المجاورة لتكتب الكتاب الذي جالسني في أرقي: lt;مذكرات من سجن النساءgt;!

هذا هو الإبداع: أن نفكر خارج نطاق الزمان والمكان، أن نستغل الوقت، ونستغل ذلك المبدع في دواخلنا!


علمتني نوال أن أقرأ بين الأسطر. علمتني أن أجد بعضاً من نفسي في كل كتاب أقرأه، وكل شخص ألتقي به، وكل عمل أقوم به، وكل تجربة أخوضها. علمتني نوال أنني نتاج ذلك كله. إذن أنا فردوس، وأنا "ياسمين" في lt;بيروت ٧٥gt; لـ غادة السمان، وأنا "مصطفى سعيد" في lt;موسم الهجرة إلى الشمالgt; لـ الطيب صالح، وأنا "اسماعيل" في lt;قنديل أم هاشمgt; لـ يحيى حقي. وربّما أنا أيضاً إشارة الجمع في كتاب الرياضيات، وحرف الجرّ في كتاب القواعد!


الإبداع هو الخروج عن المألوف، هو التفكير خارج المحيط! كل قرار شجاع هو قارب يأخذنا من شط البقاع إلى شط الإبداع!

اتخذت نوال الكثير من القرارات الشجاعة في حياتها، لست أؤيد الكثير منها، لكنني أكنّ لكفاحها كل الاحترام والتقدير. كان بإمكان نوال أن تزاول مهنة الطب والجراحة، وتجني أموالاً ومنحاً ودروعاً. لكنها اختارت أن تكرّس حياتها للدفاع عن قضية الحرية الفكرية.


- "لا أملك مالاً ولا جاهاً! لكنني أملك 'عقلاً'! وليس كل من له عقل، 'يمْلكُه' !"


فلنرفع الخمار عن عقولنا، ولنطلق مدافع السلام على أنفسنا، ولنؤمن بقدراتنا..

فمن هنا،.. ينبع الإبداع!


دمتم مبدعين!

رحلتي مع نوال السعداوي 1-3

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
أوافقك تماماً
محمود من مصر -

أنا معك فى رأيك من نوال السعدنى ، فأنا أيضاً لا أوافقها فى بعض أرائها ولكنى أحييها على خروجها عن القطيع أو التغريد خارج السرب ، فهذا وحده يجعلنى أستعمل مخى وأفكر لوحدى وأحس بذاتى ، ولأنى مختلف عن القطيع سيستمع لى الكل ، وأكيد سيرفض الكثير أفكارى ولكنى أثبت إن انا موجود ، فلا يجب أن نحترم الشخص الرتيب المتوافق مع من حوله ، قد أكون مخطئ فى رأيى وهنا يكون الذكاء فى التعامل مع الأخر وتعديل أفكارى ، علينا أن نفكر ونبدع ونختلف ومن هنا يأتى الجديد... أنا معك تماماً

أوافقك تماماً
محمود من مصر -

أنا معك فى رأيك من نوال السعدنى ، فأنا أيضاً لا أوافقها فى بعض أرائها ولكنى أحييها على خروجها عن القطيع أو التغريد خارج السرب ، فهذا وحده يجعلنى أستعمل مخى وأفكر لوحدى وأحس بذاتى ، ولأنى مختلف عن القطيع سيستمع لى الكل ، وأكيد سيرفض الكثير أفكارى ولكنى أثبت إن انا موجود ، فلا يجب أن نحترم الشخص الرتيب المتوافق مع من حوله ، قد أكون مخطئ فى رأيى وهنا يكون الذكاء فى التعامل مع الأخر وتعديل أفكارى ، علينا أن نفكر ونبدع ونختلف ومن هنا يأتى الجديد... أنا معك تماماً

نوال السعداوي
عبقرية عصرها -

المفكره المبدعه نوال السعداوي بالنسبه لي هي رسول العلم والنور والثقافه. وقد تغيرت حياتي كثيرا للأفضل بسبب افكارها التنويريه التي جعلتني اتحرر من كثير من العقد والاسالييب الباليه الموروثه في مجتمعاتنا العربيه

نوال السعداوي
عبقرية عصرها -

المفكره المبدعه نوال السعداوي بالنسبه لي هي رسول العلم والنور والثقافه. وقد تغيرت حياتي كثيرا للأفضل بسبب افكارها التنويريه التي جعلتني اتحرر من كثير من العقد والاسالييب الباليه الموروثه في مجتمعاتنا العربيه

سوريا والتنوير
قطري منطقي -

حسب ما اعتقد ان الشعب السوري هو تقريبا الوحيد في الدول العربيه الذي يمتاز بالتسامح بين الاديان والاعراق والمذاهب--لماذا لانها ثقافه ويؤمن بالعيش المشترك -والاهم ان في سوريا حياة مدنيه علمانيه-لا تكقيريه متخلفه ,وعليه ستلاحظ ان النساء بصوره عامه متحررات لها شخصيه وترتدى الملابس العصريه بل ان احد الاستراليين قال لي لقد اندهشت وانا امشي في شوارعها خيل لي انني في جنوب ايطاليا والحقيقه انني لم اتوقع هذا في الدول العربيه وعليه نقول الدين لله والوطن للجميع-اي لاحق كل دين فرض فكره وطقوسه على الاخر-الحريه للجميع-بدون

سوريا والتنوير
قطري منطقي -

حسب ما اعتقد ان الشعب السوري هو تقريبا الوحيد في الدول العربيه الذي يمتاز بالتسامح بين الاديان والاعراق والمذاهب--لماذا لانها ثقافه ويؤمن بالعيش المشترك -والاهم ان في سوريا حياة مدنيه علمانيه-لا تكقيريه متخلفه ,وعليه ستلاحظ ان النساء بصوره عامه متحررات لها شخصيه وترتدى الملابس العصريه بل ان احد الاستراليين قال لي لقد اندهشت وانا امشي في شوارعها خيل لي انني في جنوب ايطاليا والحقيقه انني لم اتوقع هذا في الدول العربيه وعليه نقول الدين لله والوطن للجميع-اي لاحق كل دين فرض فكره وطقوسه على الاخر-الحريه للجميع-بدون

1 #
رندا -

إذن الابداع خالف تعرف ؟ هل هذا إبداع بذمتك؟ الإبداع له ثمار وليس مجرد سفسطة ومحاولات بائسة يائسة لنقد او نقض ما هو كائن! الإبداع يحوي في طياته البديل .. لمجرد ان تختلف عن السرب لو كل شخص فعل ذلك اتصور كيف سيكون عليه حالنا من فوضى فكرية واجتماعية ودينية.....الخ ولا تقل هذه فوضى ابداعية خلاقة!! !

1 #
رندا -

إذن الابداع خالف تعرف ؟ هل هذا إبداع بذمتك؟ الإبداع له ثمار وليس مجرد سفسطة ومحاولات بائسة يائسة لنقد او نقض ما هو كائن! الإبداع يحوي في طياته البديل .. لمجرد ان تختلف عن السرب لو كل شخص فعل ذلك اتصور كيف سيكون عليه حالنا من فوضى فكرية واجتماعية ودينية.....الخ ولا تقل هذه فوضى ابداعية خلاقة!! !

الحضارة الغربية
مسلم -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة و من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة) فاعتبروا يأولى الألباب

الحضارة الغربية
مسلم -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة و من سن سنة سيئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة) فاعتبروا يأولى الألباب

رد على رندا
محمود من مصر -

إعرفى.. من التميز والإختلاف يأتى الجديد سواء بنقض القديم أو الإضافة إليه ، وده أنا ذكرته فى رأيى السابق ، شئ مخجل ومشين أن نقول أن ارائنا متطابقة أو فكرنا واحد ، هنا ضاعت الشخصية الفردية ولم يعد يوجد سوى رأى جماعى ومن يخرج عنه وجب قتله ، الإبداع لايأتى من الجماعة ولكن يأتى من الفرد المتميز الخلاق زو المواصفات الخاصة الغطسان فى وسط الجماعة كالإبرة فى كوم قش ، لازم نعلم أولادنا التفكير والتميز والنظر للأشياء من كل الزوايا وإبداع أفكار ورؤى جديدة... أرجو أن أكون أفدت

رد على محمود
رندا -

التطابق الفكري ليس سلبي بالضرورة خاصة إذا ما كان الأفراد هم اختاروه ولم يفرض عليهم كما فرض الفكر الشيوعي أو الهتلري مثلاً!! لكن هناك أمور لا أثنان فيها!!بالتجربة أثبت الإختلاف فيها فوضى معيارية وتشرذم! كما أن كل تميز فكري لا يترجم منه شيء على أرض الواقع يعني انه جاء ضد المألوف والمقبول لذا وُلد ميتاً!أما توسيع المعارف وتعميقها بكسر الطرق التقليدية في الحصول عليها فلا خلاف على هذا!

نفتخر ونعتز بنوال
انتصار -

نفتخر ونعتز بوجود هذه الكاتبة المبدعة والعظيمة بيننا وفي عصرنا وفي عالمنا العربيكم نحن بحاجة لكتاب متنورين وعقلاء على مستوى فهم وادراك وعبقرية وجرأة الدكتورة نوال السعداوي......