تركي الدخيل يحدق بجوهرة في يد فحّام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
bull;لمذا أغفل الدخيل الإشارة إلى الدور المصري في دعم الثورة اليمنية؟
bull;في ربوع صنعاء حيث السحاب والمطر، والفقر والكرم، والسماحة والتخلف، والسياسة والقات تفتح عينيك على بلاد العجائب.
من عبارة عبدالعزيز الثعالبي (1876-1944) :"جوهرة في يد فحام" ينطلق الإعلامي تركي الدخيل إلى رسم تقاطيع كتابه عن اليمن، مستهلا بجملة من المقالات القصيرة التي يسمُها ب:" مقدمات.. لا مقدمة" تحمل عنوان:" سحر الصور : قراءات في خارطة اليمن السعيد" الكتاب يحمل عنوان:" جوهرة في يد فحام" صدر عن دار مدارك، بيروت، سبتمبر 2010
عبر عناوين الكتاب الكثيرة (135) عنوانا، جاءت عوضا عن التقسيم المعهود للكتب في أبواب وفصول نجد أن الكاتب يضمن كتابه مجالين، الأول: المقالات القصيرة التلقائية البسيطة، التي لا تنشغل كثيرا بالمفاهيم أو الاصطلاحات الثقافية أو الاقتصا- سية إنما تلج مباشرة إلى المضمون، مقدمة مزيجا سرديا مفعما بالقص والحكي الذي يقصد تقديم المعلومات إلى القارىء العام بشكل مباشر عفوي.
فيما إن المجال الثاني يتضمن ستة حوارات تحمل عناوين: الجدل الديني في حوارين مع الشيخ عبدالمجيد الريمي، والشيخ الحبيب علي الجفري، ثم حوار مطول يقع في (107) صفحة من صفحات الكتاب بعنوان:" الإيمان يمان الحارس" مع الحارس الشخصي لأسامة بن لادن : أبو جندل ناصر أحمد البحري، ثم حوار يحمل عنوان:" جدل المرأة" مع الناشطة الحقوقية اليمنية أمل الباشا، ثم حوارين يحملان عنوان:" الأدب في الدين والسياسة" مع كل من: الشاعر د. عبدالعزيز المقالح، والشاعر والكاتب المسرحي محمد الشرفي.
يقع الكتاب في (328) صفحة، وقد تضمن ملحقا عبارة عن فهارس الكتاب، وهو ملحق في غير موضعه، لأن أسلوب الكتاب لا يعنى كثيرا بالمصطلحية والمفاهيمية، وبالتالي لن تشكل هذه الفهارس أساسا لمن يعتمد الكتاب مصدرا منهجيا.
جوهرة الفحام
لماذا جوهرة في يد فحام؟ عن هذا السؤال يجيب تركي الدخيل في صفحة (43) من الكتاب حيث يذكر: بيني وبين اليمن مديونية وجدانية عصية على التفسير، كان للثراء البصري المحفوظ في مخيلتي أكبر الأثر في دفع هذا الكتاب إلى الإصدار، ثم وجدتني مضطرا لأن أكتب مقدمة طويلة أفرش بها المناخ الذي تحركت فيه داخل اليمن، لم تكن تسميتي للكتاب سوى التعبير الأكثر نصاعة عن عمق الوشائج التي علقت في قلبي عن اليمن السعيد. كان اختياري لعنوان الكتاب... وسيلة للتعبير عن فكرة رئيسية وهي أن اليمن الجوهرة تنازعت مصائره أيادي الفحامين. عنوان الكتاب المأخوذ من عبارة عبدالعزيز الثعالبي، تمثل تعبيرا عن حبي لليمن الجوهرة من جهة، ونقدي لأيادي الفحامين من جهة أخرى".
ينطوي الكتاب وفق هذا السياق الذي يرى إلى اليمن كجوهرة، لكنها وقعت في أيادي فحامين لم يقدروها حق قدرها، فكان مصيرها هذه العزلة التاريخية الطويلة حتى حكم الإمام الذي لجأ إلى السحر والخرافات.
تركي الدخيل يستشرف قدرا من هذا البؤس الفحّامي الذي حاق باليمن زمنا طويلا، فيكتب :" كانت رحلاتي إلى اليمن مصدر ثراء كبير، ليس لفهم التاريخ اليمني فحسب، وإنما فرصة لفهم الحالة العربية بأكملها، على اعتبار اليمن خزينة من أعظم خزائن التراث الإنساني، ومن أعرق زوايا الأرض بكل ما تحمله من إرث ثقافي؟ ".
يستشرف الدخيل مكونات الواقع اليمني بإضفاء مسحة تاريخية أولية على سرده، فيتحدث عن الثورة، التي هي من أبرز الأحداث التي أثرت في تاريخ اليمن" وليس عسيرا أن تشاهد على وجوه الناس وعلى تجاعيد جباه المسنين آثار الاضطرابات السياسية التي لم تهدأ".. وهو يرى في تعليقه على إحدى رسائل الزبيري المكتوبة في العام 1962 قبل قيام الثورة اليمينة بثلاثة أشهر، يعلق الدخيل:" لا يمكن فصل التأثير السياسي عن التركيبة السسيولوجية للتكتلات اليمينة المتعسكرة قبائليا وسياسيا، وعلى الرغم من الثورات العلمية والصناعية التي بلغت رياح تأثيرها العديد من الدول العربية غير أن طغيان العادات والتقاليد وجاثوم "اللا ثبات" حال دون إفاقة الروح اليمنية من غفوتها".
الإخوان والقات والسلاح
في صفحات قصيرة وسريعة يتنقل تركي الدخيل ليرسم أبرز تقاطيع وتقاطعات الوجه اليمني سواء من التاريخ إلى الظواهر السياسية ومن الجغرافيا إلى الظواهر والعادات لاجتماعية إلى القلاقل والحروب.. تركي لا يعنيه كثيرا أن يقبض على أطراف السرد التاريخي المنهجي، ولا يعنيه كثيرا أو قليلا أن يصب لغة كتابه في إطار من المفاهيمية المتبعة في كتب التأريخ.. إنه لا يكتب كتابا بهذا المعنى، إنه يمضي على سجيته يغلب الطابع الحكائي القريب من القارىء العام أحيانا، ويستشرف بعض الأسئلة الحية الدارجة أحيانا أخرى لتقديم صورة عن حالة اليمن اليوم.. لهذا يتدرج في الكتابة عن دور الإخوان المسلمين في مقتل الإمام يحيى آل حميد الدين، ويرى أن هناك " لا عبين كبار أسهموا في كتابة تاريخ اليمن الحديث" من أبرزهم: الإخوان المسلمون الذين ساهموا " في نسج المشهد الثقافي والديني والسياسي في اليمن منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي" وأيضا حزب التجمع للإصلاح، وحزب المؤتمر، وتحدث الدخيل عن دور الفضيل الورتلاني الجزائري.. بيد أن تركي الدخيل لم يخصص في صفحات كتابه أية إشارات للدور المصري في حماية الثورة اليمنية، وفي مساندة أطراف الثورة زمن جمال عبدالناصر، ولم يتطرق إلى الحضور المصري في اليمن سواء كان عسكريا أم تعليميا وثقافيا.
ومن هذا المشهد يؤكد الدخيل على أن في اليمن " خطوطا متداخلة. هنالك هم يتزايد، وحدس يطرح تساؤلات عدة حول ما بعد ذلك، والإجابات يكتنفها الغموض خصوصا في مجتمع قبلي مسلح، وفي أجواء تغذيها الشائعات المدسوسة حول المؤامرات التي تستهدف الإنسان والوطن بغية إشغال البسطاء بمثل هذه الأفكار. اليوم يقف الإخوان المسلمون بثقلهم مع حركة التمرد التي يقودها الحوثيون، في الوقت نفسه الذي يدعمون فيه مطالب الانفصال في الجنوب".
يتحدث الدخيل عن "سعادة اليمن وقصص الزواج المبكر" وعن " العنصرية القبلية" والتعدد المذهبي، وأخلاقيات التسامح، وعن الكرم في اليمن، وعن مذكرات الرحالة الغربيين، وعن لعنة الخرافة في اليمن التي كان تتبع في زمن الأئمة حيث" كان كل إمام يبدأ دعوته بإيهام الشعب بأنه يسيطر على الجن، ويتحدث إلى الملائكة، وأوهموا الناس أن الإمام يملك من الجن ما يملك من الإنس، فالإمام ملك الجن والإنس، ويسوقون الناس سوقا بهذه الخرافات وأمثالها".
ومن هذه المشاهد ينتقل الكاتب إلى المشهد الأكثر جلاء في حياة اليمنيين وهو :" القات" معنونا أربع صفحات بسؤال:" القات يسعد اليمنيين أم يقتلهم؟" فأهل اليمن " مستمتعون بحياتهم، رغم الفقر والعوز أحيانا، راضون بحالهم، لأن خيار الرضى هو المتاح، وهذا من حسن تدبير المرء، كريمون رغم ضيق ذات اليد. في ربوع صنعاء حيث السحاب والمطر، والفقر والكرم، والسماحة والتخلف، والسياسة والقات تفتح عينيك على بلاد العجائب". مع ذلك تمثل السياسة هاجسا يوميا لدى اليمنيين، يقول الكاتب:" الجميع يتحدث في السياسة، الصغير والكبير، الغني والفقير، الوزير والغفير، الجاهل والمتعلم، ولدى كل يمني تحليل شخصي للأحداث الداخلية والخارجية، وتحتل نظرية المؤامرة حيزا كبيرا من هذه التحليلات، فالإسلاميون يرون " أذناب الإمبريالية" يسعون في البلاد فسادا، واليساريون يرون " القوى الظلامية" يعودون بالمجتمع إلى الوراء، والمثقفون يعتقدون أن " السياسي قلص أدوار المثقف، خوفا منه".
الجدل الديني والمرأة
الحوارات التي ينشرها الكاتب هنا مع ست شخصيات، كانت قد بثت عبر برنامجه :" إضاءات" الذي يبث على قناة العربية، لكنه آثر هنا أن يعيد نشرها استكمالا لقراءة تقاطيع الوجه اليمني، وهي حوارات تركز على الجدل الديني، وجدل المرأة، وجدل الأدب والسياسة.. هذه الحوارات تشكل صلب الكتاب وجوهره، حيث تحتل الصفحات ( 77-328) وهي حوارات تشف عن قضايا متعددة تناولت : ضوابط التكفير، وحكم الخروج على الحاكم الجائر، وضوابط وحدة المسلمين، والدعوة وتحجيب الفنانات، والصوفية، وأزمة الفتاوى، والحوار مع السلفيين، والمدارس الفقهية، وفي الحوار الذي تم مع الحارس الشخصي لأسامة بن لادن تحدث الحارس عن التطوع في القاعدة، والطريق إلى أفغانستان، وطالبان، ومسألة تكفير الحكومات، وعن شخصية ابن لادن، وتناول الكتاب آراء " أمل الباشا" الناشطة اليمنية التي تحدثت عن القبلية والديمقراطية، وحصص المرأة في المؤسسات الرسمية، وموقفها الرافض لحجاب، فيما تحدث الشاعر عبدالعزيز المقالح عن جدلية العلاقة بين المثقف والسياسي، وتهميش دور المثقف، والخطاب الديني والمثقف، كما تحدث الشاعر محمد الشرفي عن الثورات في العالم العربي وماذا قدمت، وعن المرأة والحجاب والمشاكل، وعن الحرب على الفساد، وعن الدبلوماسية وقصيدته إلى أم كلثوم.
كثيرة هي القضايا التي تتضمنها هذه الحوارات المهمة، وفي أسئلتها وزإفاداتها يمكن الوقوف على بعض ملامح المشهد اليمني الراهن.
كتاب تركي الدخيل كتاب سلس الأسلوب، مترع بالأفكار والآراء المهمة التي تسعى صوب تلميع هذه الجوهرة اليمنية، وإعادة صقلها عبر الكلمات، فهي الآن في يد كاتب لا في يد فحام.