في مخاصمة الإسلاميين للسلطان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مال الفقهاء والعلماء في التاريخ الإسلامي في الغالب إلى تجنب مخاصمة الحكام والسلاطين، وقد صورت أدبيات حركات الإسلام السياسي المعاصرة الأمر على أنه سمة ضعف وهوان ميزت الحقبة التاريخية التي تلت حقبة الخلافة الراشدة، حتى أنها عممت لقب "فقهاء السلطان" على هذه الشريحة التي مثلت الأكثرية الكاثرة من علماء الشريعة و أصول الدين والأئمة في الإسلام.
بل إن ثمة ملاحظة أساسية في هذا السياق، لا مندوحة عن سوقها، هي أن حركات الإسلام السياسي جميعها تقريبا، لم تكن أبدا من تأسيس أو قيادة علماء أو فقهاء مسلمين معترف بعلمهم وشهادتهم و حقهم في الاجتهاد، بقدر ما كانت هذه الحركات نتاجا لنشطاء سياسيين تخرجوا في الغالب من جامعات وكليات "علمانية"، و قاموا بدراسة العلوم الشرعية الإسلامية بدرجات متفاوتة، من باب الثقافة العامة، فيما يقيت طبقات العلماء والفقهاء المعاصرين لهم موالية للسلاطين والحكومات على دأب أسلافهم طيلة القرون الماضية.
و بالعودة إلى النصوص التأسيسية في الإسلام، أي القرءان الكريم و السنة المشرفة، فإن الاعتقاد الأقرب للصواب، هو أن الحكم الشرعي قد حث الرعية على موالاة الراعي وعدم الخروج عليه، كقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم.." (النساء/59)، و قد زكت الأحاديث النبوية المعنى نفسه في روايات كثيرة وبأسانيد متعددة.
و لم يجوز العلماء والفقهاء المسلمين الخروج على الحكام والسلاطين إلا في حالات استثنائية يبلغ فيها الاستبداد درجة منع الناس عن الوضوء والصلاة وآداء العبادات، أو يفرط فيها أولي الأمر في أرض المؤمنين للكافرين، أما فيما عدا هذه الحالات فإن الواجب الشرعي يقتضي السمع والطاعة والولاء للسلطان، أيا يكن وضع شرعيته، فقد عدد الفقه مصادر عديدة لهذه الشرعية، على نحو ما فصل الماوردي في أحكامه السلطانية، ومن بينها مصدر "الغلبة والقهر".
و لربما بدا الظاهر من هذه القواعد الشرعية أن الإسلام قد حث أتباعه على الخضوع للمستبدين، و أن علماءه و فقهاءه قد استمرأوا عطاء الحكام والظالمين، غير أن الرؤية عندي غير ذلك، إذ الأمر متصل في رأيي بتحليل متوارث لأصول الاستبداد و أسبابه و طرق مقاومته منذ وقوع أول فتنة في تاريخ المسلمين وتعاقب أنظمة جائرة و تجبرها على أمور الدنيا والدين. و روح هذا التحليل أن الاستبداد قبل أن يكون ممارسة سلطانية هو ثقافة شعبية، و أن المسلمين يستحقون عادة حاكمهم، وأن مجيء حاكم أفضل رهين توفر رعية أفضل ذات ثقافة أوعى و أكثر استيعابا لأسس الاعتقاد و مقاصد الشريعة.
و قد اختار العلماء والفقهاء غالبا طريق الإصلاح الديني و الأخلاقي والتربوي و الاجتماعي و النفسي، في سبيلهم إلى إدراك إصلاح طويل المدى للحالة السياسية للأمة، مجنبين بمنهجهم هذا أمتهم وأوطانهم الدخول في فتن سوداء كقطع الليل المظلم، باعتبار أن الفتنة أشد من القتل، ولكون "مائة سنة تحت إمام ظالم، خير من سنة بلا إمام"، كما ذهب إلى ذلك العلامة إبن تيمية.
و من هذه الرؤية الإسلامية، استمد بعض العلماء المعاصرين وسائلهم الإصلاحية السلمية، متجنبين الدخول في مواجهات غير متكافئة مع أنظمة الحكم، تهدر فيها الطاقات و تستنفد فيها الملكات وتسفك فيها الدماء و تسود فيها المظالم، ومن ذلك تجربة بديع الزمان سعيد النورسي في تركيا و حركة الشيخ عبد الحميد بن باديس في الجزائر..إلخ، وهي تجارب وحركات راهنت على إصلاح المجتمع العميق بدل تبديد الجهود في التسرب إلى الدولة العميقة، و راهنت على إصلاح أخلاق الفرد وسويته باعتباره الطريق إلى إصلاح أخلاق الحاكم و تنوير بصيرته.
و من الحكم اللافتة في تعامل العلماء والفقهاء المسلمين مع السلاطين، تشبثهم بما اعتبروه أصلا قرءانيا في مخاطبة ولاة الأمر، خلافا لتعامل العديد من قادة الإسلاميين المعاصرين، فقد حث القراءن على القول اللين، ودعت السنة المحمدية إلى الدعاء بالصلاح و الهداية للحاكمين، و لم ير هؤلاء العلماء والفقهاء في الكلمة الطيبة والقول الحسن مظهر خنوع و خضوع، بقدر ما اعتقدوا أن الحاكم ينصت عادة إلى النصيحة المهذبة و يدبر وجهه عمن أعلن الكره والعداوة، وذلك طبع الدول والسلاطين على مر السنين.
هذا إلى أن غاية المؤمن هي الإصلاح، فإن وجد أن الوسائل التي تغيى منها الإصلاح ستفضي إلى إفساد أكبر ولى عنها، وفضل الصمت باعتباره أضعف الإيمان. و قد قلت مرة لصديق مؤمن "أن فلانا - قائد أحد الحركات الإسلامية- لو دعا أتباعه إلى كنس شوارع بلاده و إماطة الأذى عن طرقها طيلة عشرين عاما قرر فيها مواجهة السطان، لكان ذلك أقرب إلى الله والإيمان، وأنفع للشعب والأمة، ولأتباعه و سائر المؤمنين".
و لقد عمل العلماء والفقهاء في الإسلام ما أمكنهم، على أن لا تحل مشاعر الغضب لديهم محل الرشد، و أن لا تسوس أمزجتهم فتاويهم للناس، و أن يفصلوا بين تقديراتهم الشخصية و نظراتهم الخاصة للحكام، وبين أمانتهم في توجيه المؤمنين نحو السلم و الأمن والنأي عن الفتن و الارتقاء بأخلاقهم و إيمانهم و تربية أنفسهم وأبنائهم بما سيؤدي في النهاية إلى نظام الحكم الرشيد المأمول، وصلاح الرعية والراعي معا، لكن القوم يستعجلون!.
إن الدعوة إلى إبعاد الإسلام عن ممارسة السياسة بالمعنى المباشر، لن تقود إلى إبعاد الإسلام عن ممارسة السياسة بالمعنى العميق، ففي الممارسة المباشرة تشويه لحقائق الدين واستغلال لآياته من أجل ثمن قليل و مساهمة في إذكاء الفتن و سفك الدماء و الإفساد في الأرض، أما الممارسة العميقة فتعني مساعدة الإسلام المؤمنين به على مزيد من التقوى والصلاح والأخلاق الحميدة والنظافة الشخصية والعامة و خلق أنظمة رشيدة عادلة في المستقبل القريب أو البعيد..وما ذلك على الله بعزيز.
* كاتب تونسي
التعليقات
دمتم لنا يا حكامنا
يونس -يقول خالد شوكات: الاستبداد قبل أن يكون ممارسة سلطانية هو ثقافة شعبية، و أن المسلمين يستحقون عادة حاكمهم، وأن مجيء حاكم أفضل رهين توفر رعية أفضل ذات ثقافة أوعى و أكثر استيعابا لأسس الاعتقاد و مقاصد الشريعة. انتهى قول الكاتب. إذن أيها الحكام العرب اضربوا واصفعوا واسجنوا واسرقوا ومارسوا الفساد الذي يحلو لكم. فنحن شعوب هذه اليقعة من الأرض العربية، لا نستحق إلا حكاما على شاكلتكم. وكل من رفض منا هذا المنطق، ودعا إلى الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي على السلطة، فهو زنديق ... يستحق أن يوضع رأسه تحت المقصلة.. دمتم لنا يا حكامنا الأفذاد العباقرة، فنحن لا يواتينا إلا أنتم، حتى وإن كان البعض منكم مستواه الدراسي متدن جدا لم يتجاوز الثالثة ثانوي، والبعض بالكاد يميز بين العصا والألف..
المصير
مواطن تونسي -وماذا عن غير الإسلاميين؟ ماذا عن اليساريين الذين لا يؤمنون بالعنف ويدعون إلى ممارسة حقهم في التعبير بحرية وبشكل سلمي عن معتقداتهم السياسية ويريدون فضح الفساد وسوء التدبير والرقي بمجتمعهم إلى مستويات أفضل مما هو عليه. هل هؤلاء أيضا يصنفون في إطار من يخاصم السلطان؟ هل تقديم مقترحات مثلا لتطوير وسائل الإنتاج والرفع من الإنتاجية يؤدي إلى مخاصمة السلطان؟ هل الدعوة برحمة إلى إعادة النظر في توزيع الثروة بما يضمن وصول جزء منها إلى الفقراء يشكل عاملا من عوامل التخاصم مع السلطان؟ ثم بأي حق ينصب شخص ما نفسه علينا سلطانا ويحدد لنا المجالات التي سيتخاصم معنا حولها إن اقتربنا منها؟ يا أستاذ خالد شوكات، أنت ليبرالي، ولا شك أنك تعلم أن ممارسة الحكم صارت من زمان تعاقدا بين الحاكم والشعب لفترة زمنية محددة تتجدد لولايات معدودة وفق برامج مرسومة، والشعب يسحب السلطة بالانتخابات ممن لم يمارس السلطة طبقا لما تم التعاقد عليه في البرنامج الانتخابي.. إذا استمر الحاكم على رقابنا مدى الدهر دون تعاقد وبلا رغبة منا، فإننا سنتحول إلى متاع له وإلى أقنان في ضيعته. هل يرضيك يا خالد أن يكون هذا مصيرنا من جانب حاكمنا؟؟ كيف تقبل لنا بهذا المصير؟ هل هذا أمر تدعو إليه فقط طلبا للأجر والإحسان، وبالمحبة الخالصة لنا ولأوطاننا؟
وتحريف وتجريح
2242 -لماذا المسلم يحق له تكذيب وتحريف وتجريح ونقد كل مذاهب ومعتقدات الآخرين ويمنع منعاً باتاً إن أراد أياً كان مناقشة معتقده بطريفة نقدية
المهادنة
حميدو -عنوان المقال هو: في مخاصمة الإسلاميين للسلطان، وفي الواقع فإن هذا عنوان كودي للعنوان الحقيقي الذي هو: في تزلف المثقفين الليبراليين للسلطان..
المغفل النافع
سعيد -الذين نسميهم اسلاميين جدلا هؤلاء تقمصوا الفكر الماركسي في التغيير واقتنعوا بالافكار والعقائد والاساطير اليهودية الشيوعية في مقاومة السلطان وخلعة حتى اذا ما انقلبوا على الديمقراطية والملكية في سوريا ومصر والعراق وليبيا وايران وغيرها واذا بالشيوعيين والاشتراكيين واليهود يسيطرون على كل شئ وهم كالانعام بل اضل سبيلا في سجون الناصرية والبعث والاشتراكية والخمينية التي صفقوا لها طوبلا
نعرف ولانريد ان نعرف
العفاري -العالم الاسلامي- عرب وعجم-( يحكم من الخارج-اي من امريكا-وامريكا-اي الامبراطوريه الامريكية ان استطاعت-تحكمها وتديرها-الحكومه العالميةالخفيه-)وماقيادات الامه الا حجرعلى رقعة شطرنج تحرك حسب مايراد لها بواسطة ريموت-مقرةامريكا-
الآية المظلومة
عراقي وبس -لماذا يا إستاذ ومعك الكثير من الفقهاء ووعاظ السلاطين لاتكملوا سورة النساء 59 وهي دستور للحكم خطفه السحرة والطواغيت فأصبحت حتى في الصلاة والمساجد تقرأ ناقصة (كلا تقربوا الصلاة..). يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول أن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا.
كفي يا رقم 6
Bichara -كفا اطلاق التهيؤات على انها حقائق: ما دليلك على ان امريكا تحكمنا؟ ام انك تردد ما يقوله لك مريدي الانقضاض على السلطة (بما ان الحاكم هو مجرد العبان في يد الكفار..) نعيب زماننا والعيب فينا..اصحوا يا عرب.الكاتب محق تماما بما كتب:اليس القذافي كان واحد من العامة وهكذا الاسد والجميع؟ صعدوا الى الحكم من وسط مجتمع قمعي مستبد؟انكار هذا,في احسن الاحوال سيبقينا على ما نحن علية,لا نتقدم خطوة واحدة الى الامام..باقين في مؤخرة شعوب الارض
لا للظالمين
باسم العبيدي -ونحن في ذكرى ثورة الحسين (ع)على الظلم والظالمين التي يعيشها العالم الأسلامي كل عام في مثل هذه الأيام،أقول مع أحترامي لما تطرحه فهو غير صحيح لأنه يتقاطع مع المنطق الذي يدعو الى الثصدي لكل حاكم يتعدى على حقوق الله والرعيه وهذا ماقام به الأمام الحسين عليه السلام في ثورته من أجل الأصلاح((لم أخرج أشرآ ولابطرآ ولاظالمآولامفسدا وأنما خرجت في طلب الأصلاح في أمة جدي)) وهذا هو التأسيس الصحيح للعقيدهأما "طاعة ولاة الأمور فهذا لايعني طاعة الفاسق لأن((خير الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)) أضافة الى أن النصوص القرآنيه تؤكد لنا((ولاتركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار) ولكنك نقلت من علماء وفقهاء أسسوا لهذا المنطق الذي جعل من ولاة الأمور مؤمنهم وفاسقهم وأجب الطاعه له وهذا مايرفضه الدبن والمنطق والخلق والأ لما حارب الأنبياء الحكام وعلى سبيل المثال لاالحصر كما تصدى موسى لفرعون ولكان عليه الطاعه كما تدعي في مقالك الذي يعتمد بالأساس على قول فقهاء لايركن الى فتاويهم أوفقههم أو تنظيرهم لأن أغلبهم كانوا من وعاظ السلاطين في فترة الحكم الأموي والعباسي،أما ولاة الأمور الذين تجب طاعتهم فهم أهل الذكر من الأئمه المعصومين والصحابه المنتجبين أما من شذ في فتواه مثل أبن تيميه الذي تستشهد بقوله فهو لايعدوا منظرآ للفكر الأموي الذي بنى دولته على الظلم والجور والطغيان وكلامه ليس حجه على غالبية المسلمين وأنما حجه على أتباعه فقط فلو دققت في كلماته لوجدته يجنح جنوحآ غير عقلاني فكيف للأنسان أن يرضخ للظالم مائة عام ويكون في ذلك خير من سنه بدون أمام ، فأن كان هذا الظالم الذي أرضخ له مائة عام هو أمامي فبئس هذا الظالم وبئس هذا العبد وبئس هذا الأمام ، اليس هذا منطقآ غريبآ من شخص يسمي نفسه شيخ الأسلامنعم المؤمن يريد الصلاح ويريد السلام ولكن ليس على حساب المباديء العليا ولذلك نعتقد في مدرسة أهل البيت بأن التصدي للظلم هو أعظم درجات الجهاد ولاطاعة لمخلوق في معصية الخالقوهكذا كانث ثورة الحسين جذوة لن تنطفيء ويخبو شعاعها الى يوم الدين فالمطلوب أن نسأل أهل الذكر عن أمور ديننا فليس كل من أدعى العلم عالمآ وليس كل من أدعى الفقه فقيها فأولئك أهل البت هم معدن الرساله وفقهاء الأمه ومنهم نأخذ أحكام ديننا وليس من أبن تيميه ومن هم على شاكلته وشكرآ