حوار مع السيد عزيز الحاج: خطر انقراض الديمقراطية الغربية (2/3)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تلصق الحكومات الاوربية كلمتي "غير شرعية" بكلمة الهجرة لجعل "ابناء الهجرة" غير شرعيين و لنزع أي امكانية للتعاطف معهم لدى المواطن الاوربي الذي يفزع من اللاشرعية. و يتساءل المرء: ماذا عليه أن يفعل لكي يهاجر هجرة شرعية الى بلد اوربي ؟ هل يتقدم بطلب هجرة ام يطلب تأشيرة دخول ؟ كيف يمكن اختراق " الستار الحديدي "؟ و اذا ما كان أحد ما منا مطاردا وحياته في خطر، هل يستطيع أن ينتظر ثلاث او اربع سنوات حتى توافق دولة على استضافته، هذا إن فعلت؟ و إذا ما كان هذا المغلوب علي أمره يعيش في سوريا أو في الاردن من أين يحصل على ما يقيم اوده و اود عائلته و يدفع ايجار الشقة؟ ما الذي يفعله اذا ما عرض مهرب عليه أن يوصله الى احدى الدول الاوربية ليحط الرحال اخيرا و يجد لاطفاله مدارس يدرسون فيها؟ هل يرفض استغلال الفرصة مفضلا انتظار فرصة قد تأتي و لكنها في الغالب لا تأتي بالهجرة الشرعية؟
الكل يعرف ان السلطات الاوربية لا تمنح المواطنين من الشرق الاوسط تأشيرات دخول الا في حالات نادرة لا تستحق الذكر، بينما بلدان الشرق الاوسط تمنح تأشيرات دخول للأوربيين بدون تأخير، بل ان ابواب العمل و الاستثمار مفتوحة امامهم، و لم تفكر حكوماتنا بما هو مألوف و معروف في العرف الدبلوماسي أي المعاملة بالمثل، لأنها متواطئة ضد ابناء جلدتها.
تقدمنا زوجتي و انا بأوراقنا لدعوة زوجة ابني مع اثنين من احفادي لزيارتنا في المانيا. و وفق القوانين الألمانية فإن راتب زوجتي يسمح بتوجيه الدعوة لها و لحفيد واحد، و مدخولي الشخصي لا يسمح بتوجيه دعوة حتى لشخص واحد ( لاحظ رجاء: في حالة الضريبة يُعامل الدخلان كدخل واحد ). فقررنا: لنحاول أن يأتوا لزيارتنا عن طريق فرنسا. حينها قامت زوجة ابني بمراجعة القنصلية الفرنسية في اللاذقية و سألت إن كانت التأشيرة السياحية متاحة لسيدة عراقية و طفليها، أجابت الموظفة المختصة بأنه لا يوجد قانونٌ ما يمنع منحها التأشيرة، و لكن عليها ان تحجز لها و لطفليها في فندق باريسي و أن تقطع تذاكر الطائرة، و بعد تأمين كل هذه المستلزمات، كان عليها أن تحضر مقابلة في السفارة الفرنسية في دمشق، فقطعت الطريق مع ابنها الصغير متجشمة عناء السفر.
بعدها بعدة ايام جاءت النتيجة و كانت كالآتي: لم تكتفِ السلطات الفرنسية برفض طلب التأشيرة، انما ختمت على جوازها وجواز الاطفال بختم الرفض لكي لا يطلبوا تأشيرة دخول إلى دولة اوربية اخرى، إضافة لجواز الأم فإن جوازات سفر مصطفى ( 7 سنوات ) و رند ( 5 سنوات ) تحمل حتى هذه اللحظة ختمين بالرفض. و بفعلِ هذا الختم رفضت دولٌ اوربية اخرى منحهم تأشيرة دخول، و في رسالة وجهتُها الى وزير الخارجية الفرنسية كتبتُ له متسائلا : الا يُشبه ختمُكم ذلكَ الوشمَ بالحديد المحمي الذي يوشم به العبيد على اجسادهم لكي لا يفكروا بالحرية أو بالهروب الى سيد آخر ؟ لكنه، كما متوقع، لم يرد علي.
أن صياغة مصطلح الهجرة غير الشرعية هو مراهنةٌ على ضعف ذاكرتنا عما بشر به الغرب نفسُه لعقدين خليا، حينها كان الهجومُ مستمراً على الاتحاد السوفييتي و حلفاءِه على انهم يُسدلون، على شعوبهم و امامَ القادمين اليهم، الستارَ الحديدي، و تم التبشير بحقوق الانسان و حريتِه في الحركة والتنقل و رفع الحدود ، و اعتُبر عابرو الحدود من اوربا الشرقية و الاتحاد السوفييتي الى اوربا الغربية مناضلين من اجل الحرية و لم يُعتبروا مهاجرين غير شرعيين، فقد فَتَحَتْ أوربا الابوابَ على مصاريعها امامهم، و وُفّرت لهم كل الفرص من اجل تزييت ماكنة الدعاية ضد الاشتراكية، و بعد انجاز المهمة لم تعد لمثل هذه الافكار من قيمة بل يصارالى اعادة صياغة محتوى العولمة بحيث تكون طريقا وحيدَ الاتجاه : آتي اليك و تفتح لي الابواب ، و لكنك لا تأتي لانك مشتبه بك ارهابي او انك في احسن الاحوال لا تندمج. و قد رأينا في الجزء الذي نشرناه من هذا الموضوع من هم المسئولون عن عدم الاندماج حقا. على ان السؤال اللاحق ضروري لاكمال الصورة.
هل نحن ارهابيون ام ضحايا الارهاب؟
هذه هي الصورة التي أشاعها اليمين الاوربي و وسائل الاعلام المعادية للاجانب و قد تعززت بعد الحادي عشر من ايلول ـ سبتمبر، و كتبت وسائل الاعلام عن محمد عطا احد المشاركين في العمل الارهابي انه كان عاديا تماما و يشرب الكحول بل انه قد شوهد يبتسم! لم تكن وسائل الاعلام الغربية ساذجة أو تفتقر إلى الحرفية في صياغة الخبر، لقد ارادت أن توصل للمواطن الأوربي الرسالةَ التالية: لا يغرّنكم ان جاركم يتصرف بشكل طبيعي فهو في لحظة من اللحظات قد يفجّر نفسه. وبات كل عربي و مسلم، بل كل قادم من المنطقة حتى لو كان مسيحيا أو صابئيا أو علمانيا أو ملحدا أو عاصيا لا يؤدي الفروض... الخ، بات موضعَ شكٍ و ريبة مهما حاول تبديد الصورة.
و قد استجدت مؤخرا حقائق مؤلمة، فقد نشر موقع لوون وتش (LoonWatch) تقريرا ساخرا عنوانه " جميع الارهابيين مسلمون عدا 94% منهم" أشار فيه الى تقارير متأخرة لمكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي أفادت بأن خطر الارهاب الاسلامي على الولايات المتحدة قد تمت المبالغة به كثيرا، و في احصاء موسع للمكتب لتحديد الجهات التي قامت باعمال ارهابية في الولايات المتحدة وجد التقرير إنه للفترة من عام 1980 حتى 2005 فإن الاسلاميين قد ارتكبوا 6 % من مجموع الاعمال الارهابية فيما كان 42 % من حصة مجموعات امريكية لاتينية و 24 % قامت بها منظمات يسارية متطرفة ، بل أن منظمات يهودية متطرفة قامت بـ 7 % من مجموع الاعمال الارهابية . اما في اوربا فقد كانت النتائج تشير إلى أن المرتبطين بمنظمات ارهابية اسلامية قد ارتكبوا بين عامي 2007 و 2009 أقل من نصف الواحد بالمائة و أن نسبة 99,6 % من مجموع الأعمال الارهابية قد ارتكبت من قبل منظمات غير اسلامية و يأتي في مقدمتها المنظمات الانفصالية كمتطرفي الباسك.
و اذا ما نحينا عدد الذين سقطوا من الابرياء على ايدي الامريكان و حلفاءهم، فإن ما لا يرغب ان يناقشه الاعلام الأوربي هو ان ضحايا الاعمال الارهابية من العرب و المسلمين أو من سكان المنطقة بمختلف تلاوينهم على يد المتطرفين الاسلاميين هو اكثر بمئات المرات من ضحايا الارهاب الاسلامي في كل أجزاء العالم الأخرى، لا بل ان مدينة واحدة من مدن العراق ، الرمادي أو الحلة على سبيل المثال، قد خسرت بسبب الارهاب الاسلامي وحده من ابناءها اكثر بكثير مما خسرت الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر.
والسيد عزيز الحاج يعرف كيف بدأت الحكاية، أي حكاية التطرف الإسلامي المعاصر و تدخله النشيط في الحياة السياسية، و يتذكر افضل مني من هو الذي أجهز على الاسلام المعتدل و من اطلق العنان لقوى الاسلام الظلامي في مواجهة المد اليساري في زمن عبد الكريم قاسم و كيف استعملت الاكاذيب و التشويهات لمواجهة التحولات الاقتصادية و الاجتماعية التي تبنتها حكومة قاسم و كيف واجه رجال الدين و القوميون المتطرفون العرب و الكورد بالتحالف مع شاه ايران، قوانين الاصلاح الزراعي و قانون الاحوال الشخصية حتى ادى هذا التحالف الى اسقاط عبد الكريم قاسم، و قد دعم ذلك و موله الغرب و الولايات المتحدة، و هو يعرف لاشك من الذي جهز و مول القوى المعادية للاتحاد السوفييتي في افغانستان و ما هي طبيعة هذه القوى و ماهو برنامجها و من دعم الطالبان، و أخيرا و ليس آخرا من دعم انظمة الطغيان في بلدنا و بلدان أخرى اثناء الحرب الباردة و من كان يمتلك القدرة الاوفر على تغيير الانظمة بانقلابات عسكرية. و اذا ما قال قائل أن هذه الامور تعود للماضي، أقول له اننا دائما نقطف ثمار الماضي المرة التي زُرعت شجرتُها قبل أن تثمر بعقود او اكثر، ناهيك عن أن ثمار الحاضر التي اينعت بمساعدة التحالف الغربي في العراق هي اكثر مرارة من ثمار الماضي بدليل الوقائع التي تردنا الينا كل يوم.
هذه هي الاسباب الرئيسية لقيام اعداد متزايدة من الناس، من بلدنا و من بلدان أخرى، بترك بلدانهم و البحث عن مكان آمن.
و يدخل بالطبع ضمن اسباب الهجرة بكافة اشكالها الفقر المخزي الذي تعاني منه اغلب مناطق كوكبنا مقابل تراكم الثروة بشكل اسطوري على الطرف الآخر، و قد كتبتُ في مقال سابق أن عالَماً اكثر ثراء لا بد ان يكون عالما اكثر عدلا، و الا استمرت بشكل أو بآخر اعمال التدمير و القتل الناقمة و الهجرة، و على العالم المتقدم أن يتحمل مسئولياته في اقامة نظام اقتصادي يتوفر على شكل من العدالة العالمية، و لكن المصالح الضيقة و قصيرة النظر للمؤسسات الصناعية الكبرى و الانظمة السياسية للعالم المتحضر هي المسئولة عن التخلف، كما انها بنفس القدر المسئولة عن التحول المناخي الكارثي الذي حول مناطق واسعة من العالم الى صحارى قاحلة أو مناطق تعاني من فيضانات مستمرة و مدمرة فقضى على مساحات زراعية شاسعة كانت تطعم مئات الملايين و قدر رفضت الدولة الاكثر تلويثا لكوكبنا اتفاقيات الحد من التلوث في اكثر من مناسبة.
محاكمة الغرب: الهجرة و الديمقراطية
بالرغم من ان الديمقراطية الامريكية قد تأسست على الاقصاء الدموي للسكان الاصليين من الهنود الذين اعتُبروا هراطقةً متوحشين وفق مفهوم الحضارة المسيحي ـ الغربي، ( نجد اليوم، بعد انجلاء التضليل و زيف أفلام الكاوبوي، انهم أقاموا حضارات مذهلة و كان لهم طراز حياة رائع متناغم مع الطبيعة يمتاز بالعفة و القناعة )، أقول بالرغم من ذلك الا ان الديمقرطية الأمريكية اللاحقة لم تتهدد بقدوم المزيد و المزيد من العبيد و " الاحرار" من الوافدين إليها، انما تعززت و تعززت حتى وصول اول رئيس من اصول افريقية الى الحكم كرئيس للولايات المتحدة بما ينطوي عليه من قيمة رمزية. ( إن كل رؤساء الولايات المتحدة هم ابناء أو احفاد مهاجرين غير شرعيين حسب الصياغة االمتأخرة ).
واذا ما كان لنا، آسفين ، أن نحتكم لنفس التبويب الاثني العنصري في تشخيص مَن كان يهدد الديمقرطية حقا، فسنجد انهم الذين يتحدرون من اصول اوربية مثل قادة منظمات المافيا الشهيرة و أمثال جوزيف مكارثي و مشروعه سيء الصيت في محاربة المثقفين و اليساريين حين ضمت قائمة اعداء امريكا خيرة ابناء كوكبنا من فنانين و مثقفين كبار امثال شارلي شابلن و ايليا كازان و غيرهم. و اليهم تعود عصابات الكوكوكس كلان التي عاثت في الارض الامريكية فسادا فقتلت و احرقت بيوت السود المسالمين الفقراء.
أما الاقليات وخصوصا السود الذي استُقدموا من افريقيا كعبيد فقد كانوا، على الضد من ذلك، عنصرَ تطويرٍ للديمقراطية و ليس عنصر تهديد لها، فقد ناضل السود الملونون، مسيحيون، مسلمون، بوذيون ومن اصول آسيوية مع رموز الحركة مثل مارتن لوثر كنغ، القس المسيحي و مالكولم اكس، المسلم في سبيل الحقوق المدنية وفي سبيل ديمقراطية اكثر تكاملا وكان ذلك في مصلحة كامل الديمقراطية الامريكية و كامل الشعب الامريكي و ليس للسود او للاقليات فقط، حتى اقتنعت بعدالة نضالهم اوساطٌ واقعية من البيض مثل الرئيس الامريكي جون اف كندي الذي حاول اقامة تشريعات عادلة في مجال الحقوق المدنية أنتهت باغتياله من قبل اليمين الامريكي و انصار الفصل العنصري كما اغتيل من بعده كل من مالكولم اكس و مارتن لوثر كنغ من قبل نفس الجهة التي اغتالته كما تدل الوقائع.
لقد اغني التنوع الثقافي و الاثني و الهجرة المستمرة الديمقراطيةَ الامريكية و طوّرها و لم يكن عائقا في طريقها.
واذا ما استرسلنا في قضية علاقة الهجرة بالديمقرطية نجد في مثال جنوب افريقيا ان المواطنين البيض الاوربيين، و هم مهاجرون دخيلون على البلد، كانوا أعداء سافرين للديمقراطية. فقد قاموا بحرمان الاغلبية الساحقة من السكان السود من حقوقهم المدنية و منعوا عليهم الاختلاط مع البيض حتى في مدارس الأطفال و قتلوا منهم الالوف المؤلفة؟ و لا شك ان القارئ يعرف تماما أن نظام الفصل العنصري قد حظي بدعم امريكا و بريطانيا بدون تحفظ.
و كما وقف ضد الحقوق المدنية و اندماج السود و الملونين عتاةُ الفصل العنصري في امريكا و جنوبِ افريقية الامس، يقف في اوربا اليوم ليس فقط عتاة العنصرية الحديثة أمثال زاراتسين و لوبين و خيرت فيلدرز ، بل أيضا اوساط واسعة من اليمين المعتدل، يقفون عقبة امام اندماج الوافدين و المهاجرين مدعين بأن المهاجرين يهددون الديمقراطية ويتهمونهم بعدم الاندماج بينما لا ترغب نفس هذه الاوساط باندماجهم و تعرقل ذلك بشواهد كثيرة من اجل أن يبقوا مواطنين من الدرجة الثانية و مصدر عمالة رخيصة و احتياطيا لمهن متدنية و شاقة.
فالعراقيون الذين رُفضت طلبات لجوءهم في هولندا مثلا يعملون بأقل من نصف الاجر الذي يتقاضاه ابن البلد و يعملون بكدح اشد و بانتاجية اعلى من اجل أن يحصلوا على العمل مرة اخرى حيث يعرفون أن لا احد يدافع عنهم، و كل هذا يجري بعلم السلطات الهولندية التي تجبي منهم الضرائب على اساس 5 يورو للساعة أو أقل. و هذا الاجر هو اقل حتى من نصف الحد الادنى للأجور المعمول به قانونا. و قد اجريت شخصيا اتصالات مع شابات و شبان في عدة بلدان اوربية من ابناء المهاجرين ممن ولدوا هنا عن فرصهم في عمل يتقدمون له و ينافسهم فيه مواطن " أصلي " من نفس البلد، أشار اغلبهم ان فرصهم تقترب من الصفر، بل ان بعضهم قد قدم امثلة ملموسة على انهم لم يحصلوا على عمل تقدموا به رغم أن مؤهلاتهم افضل من ابن البلد.
تعليقات القراء و مواضيع أخرى
الموضوع الذي نحن بصدده شائك و متشعب و موضع جدل، و قد أضافت تعليقات القراء على القسم الاول من هذا الموضوع اضافات مهمة لذا اصبح جزء لاحق من هذا الموضوع ضروريا.
www.munir-alubaidi.de