2011: الهويات تستعرض عضلاتها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هل نحن علي أبواب مرحلة جديدة شبيهة بما حدث في أعقاب عام 1989، الذي شهد تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الشرقية من أوروبا، وتوقف الحرب الباردة وبداية الحروب الساخنة مع التغيير الهيكلي والتنظيمي لدول عديدة قادمة.
اليوم ، وقبل أن يبدأ عام 2011 ، تقف الهويات "تستعرض عضلاتها" - إن جاز التعبير - في أفريقيا وأوروبا وآسيا ، وتظهر في كل مكان تقريبا معلنة عن تواجدها، في معظم المجتمعات التي صارت مقسمة إلى مجموعات ثقافية وأثنية متعددة.
حسب " دومينيك مويزي " مؤلف كتاب "الجغرافيا السياسية للعاطفة : " فإن الموجة الجديدة من تشرذم الهوية، تمتد عبر أفريقيا وربما أوروبا. فمن المقرر في شهر يناير القادم أن يتم إجراء الاستفتاء على الاستقلال في جنوب السودان. وإذا أجري الاستفتاء فيكاد يكون من المؤكد أن يؤدي إلى تأسيس دولة جديدة في قارة أفريقيا، وهي الأولى منذ تفكك أثيوبيا في عام 1993. وقد تؤدي الانقسامات في الصومال، وكوت ديفوار، بل وحتى نيجيريا، إلى ميلاد دول جديدة."
وكأن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين هو الاستمرار المنطقي للعقد الأخير من القرن العشرين. وإذا كان الأمر كذلك فإن عصرنا سوف يكون عصراً جديراً بالدراسة كما يقول " مويزي" ، فهي لحظة من الزمن حيث أصبح العالم في خضم عملية عصيبة وغير يقينية من إعادة التكوين.
لقد شاهدنا في غضون سنوات قلائل دولاً مثل "الاتحاد السوفيتي" و "يوغوسلافيا" تختفي وتتلاشى بينما وجدنا دولاً جديدة (حوالي عشرين دولة) تظهر وتبزغ على المسرح العالمي، ومعظمها خرج من عباءة دول كبيرة لتعلن عن "هويتها".
ويبدو أن أوروبا أيضا ((27 دولة) تميل اليوم بقوة نحو تفتيت الهوية من تحت جلد اتحادها ورغما عنه ، أي أن الظاهرة ليست أفريقية خالصة. وهو ما يتجلي في حالة بلجيكا وكاتالونيا في أسبانيا، حيث أثرت - وماتزال _ الأزمة الاقتصادية على كافة أجزاء البلاد.
وفي آسيا ، تبدو الهويات في شمال العراق واليمن وجنوب لبنان وغزة مرشحة لمزيد من المصدامات، كما يُلاحظ اشتداد الحركات الانفصالية للمسلمين السنة في منطقة جنوب شرق إيران المتاخمة لأفغانستان وباكستان. ومن الواضح أن هذه الحركات الانفصالية في بلوشستان وسيستان، مصممة هذا العام علي تحقيق كامل أهدافها.
وهكذا ، فإنه في ظل اتجاه الفرد نحو العولمة والعالمية يتم - في نفس اللحظة ويا للمفارقة - اتجاهه الشديد نحو تحديد الهوية والشخصية، كرد فعل من ناحية وكإعادة اكتشاف للدين على أنه مستودع لهوية مهددة من ناحية ثانية.
لقد شعر الأفراد والشعوب التي اجتثت جذورها - أو كادت - ولم تعد تجد في " الدولة القومية" إطارًا لا ينازع للأمن والهوية، أنه لم يعد بمقدورهما الاستثمار في (الأيديولوجيات)، أو الإيمان بأنها مصدر أساسي للتضامن والحماية في مواجهة تلاطم أمواج العولمة ، حسب تعبير فيليب مورو ديفارج.
لكن يبدو أن إن تعقيد إشكالية "الهوية" يأخذ أبعادًا حادة في أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، فالحروب والمعارك والصدامات والحملات التي تنشب في سبيل الدفاع عن "الهوية" هي ما نشاهده الآن، وقلما نرى الحروب والمعارك التي تخاض في سبيل الدفاع عن مكاسب مادية أو استراتيجية، إذ أن الدفاع عن "الهوية" صار يحتل مكانًا في غاية الأهمية، مثله مثل الدفاع عن المصالح القومية، وأكثر.
وهو ما أشار إليه "هنري كيسنجر" مستشار الأمن القومي ووزير خارجية الولايات المتحدة الأشهر فى مرحلة الحرب البادرة - قبل أكثر من ثلاثين عاما - ، بمناسبة نجاح ثورة الأمام الخومينى فى إيران عام 1979 ، إذ قال : أن الحروب القادمة سوف تكون بين الهويات والديانات والأقليات.
هذا المعني أكده عالم الاجتماع الأميركي " دانييل بِل " بقوله : لقد أصبحت المشكلات والأزمات والتحديات الجديدة في عالم اليوم تتطلب نظاما لا مركزيا عالميا يرتكز علي دوائر أو مستويات أوسع من حدود وقدرات الدولة القومية ذات السيادةrlm;,rlm; بالنسبة إلي بعض الأمورrlm;,rlm; وأضيق من هذه الحدود والقدرات في أمور أخريrlm;,rlm; أو قل إن الدولة أضحت اليوم أصغر كثيرا من أن تقدر علي الأشياء الكبيرةrlm;,rlm; وأكبر كثيرا من أن تقدر علي الأشياء الصغيرةrlm;.
ومن الآن فصاعدا ، علينا أن نتابع ولادة الأفكار والمفاهيم - كما يقول " ميشيل فوكو - لا في الكتب الّتي تعلن عنها، وإنّما في الأحداث الّتي تتجلّى فيها وفي الصّراعات الّتي تنشب من أجل الأفكار والمفاهيم، ضدّها أو معها. فليست الأفكار هي الّتي تقود العالم، لأنّ للعالم أفكاره الخاصة التي ينتج منها الكثير باستمرار ، ولا يستسلم أبدا بشكل سلبيّ لإرادة الّذين يقودونه.