فضاء الرأي

"فتح" و"السلطة".. أيُّهما يقود الآخر؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بعد رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اعترى نهجَ السلطة تغيراتٌ لا تخطئها العين، ولعل أبرزها ذاك الذي وصل إلى أشكال النضال؛ إذ عمل الرئيس محمود عباس على استبعاد أية مظاهر عسكرية، حدث هذا قبل أن تكتمل عملية التحرر والاستقلال، وترتب على ذلك تطورٌ إيجابي في علاقات السلطة الفلسطينية، مع الولايات المتحدة، وإسرائيل، على نحو خاص، وكان الدعم المالي، والإشراف الأمني الأمريكي أوضح تجلياته.

التزمت السلطة بخطة خارطة الطريق، ولا سيما في شقها الأمني؛ فمنعت مظاهر التسلح، وحظرت أية نشاطات فصائلية عسكرية، أو شبه عسكرية، ولم تكن حركة فتح التي عُدَّت في عهد عرفات "حزب السلطة" بمعزل عن تلك الضوابط.

كانت الإخفاقات والتراجعات التي منيت بها "فتح" من بين الأسباب التي هيأت للحدِّ من نفوذ الحركة على الساحة الفلسطينية، وإنهاء تفردها بالقرار والمؤسسات، وعلى المستوى الأمني خضعت العناصر الأمنية لمقاييس مهنية غير تنظيمية، وأصبح سلام فياض، رئيس حكومة تصريف الأعمال، يحظى في أوساطها باحترام ظاهر، وانتقل ولاؤها من التنظيم إلى السلطة. والمحصلة لما سبق، وغيره، انحسارُ الحضور الفتحاوي في السلطة والحكومة، ووفقا لمعلومات صحفية، اشتكى أعضاء في المجلس الثوري للحركة في اجتماعه الأخير من إقصاء فتح عن المراكز الحساسة في الحكومة التي يترأسها فياض.

ويطالب المجلس الثوري باستعادة الوزارات "السيادية" إلى فتح، وهي المالية التي يشرف عليها فياض، والخارجية التي يتولاها رياض المالكي، كما يطالبون باستعادة أمانة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مرجعية السلطة الفلسطينية، من ياسر عبد ربه، فضلا عن استعادة الإشراف على التلفزيون الرسمي الفلسطيني منه، والثلاثة الذين يهيمنون على أهم المراكز الحساسة- باستثناء وزارة الداخلية التي احتفظت بها فتح- هم من خارج الحركة؛ ما يعزز بحسب أعضاء في المجلس الثوري وجود "حالة تهميش" طالت التنظيم الذي يهيمن على الضفة الغربية، منذ الانقسام السياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.وعلى خلفية هذه المطالب التي تستبطن مخاوف التهميش، أسئلةٌ عن الدوافع: هل هي سياسية؟ أم هو على خلفية الصراع على النفوذ والمصالح؟ هل ثمة اختلاف، بين الحركة والسلطة، في الأهداف والرؤى؟ أم ثمة تباين في الخيارات الواجب انتهاجها في مواجهة هذا التعنت الإسرائيلي، وتعثر المشروع الوطني الذي ترى فتح أنها حارسته، وقائدته؟

بالرغم من التوافق العام على مشروع الدولة الفلسطينية، فإن بعض المتابعين يرى أن استعادة فتح لمكانتها السابقة في السلطة من شأنه أن يؤثر على مساعي الأخيرة في استبقاء الرضا الأمريكي، والوفاء بمتطلبات خارطة الطريق، ولا سيما أن في فتح أصواتا لا تخفي امتعاضها من الدور الذي يمارسه الجنرال الأمريكي كيث دايتون على أجهزة السلطة الأمنية. فضلا عن مخاوف من تراجع الانضباط المالي والإداري الذي عرفته السلطة برئاسة فياض للحكومة، وإشرافه على ماليتها.

ومن الواضح أن الكفة راجحة -من الناحية العملية- لصالح النهج الذي يتبناه عباس وفياض؛ إذ بات واضحا بعد حصار عرفات في المقاطعة، وعزله سياسيا الثمنُ الباهظ الذي يترتب على الفلسطينيين دفعه؛ إذا اختاروا إدارة الظهر، أو خفض التعاون، مع الإدارة الأمريكية. ولعل مَنْشأ التباين بين فتح والسلطة في اختلاف وظيفة كل منهما، فالأولى حركة تحرر وطني، والثانية سلطة رسمية تسعى لاستكمال الاستقلال وفق التزامات دولية محددة. وتدرك قيادة فتح، وأطرُها التنظيمية أن تماهيها مع السلطة قد جرَّ عليها الكثير من الخسائر؛ فتحملت نتائج إخفاقات السلطة السياسية، والفساد المالي والإداري الذي اعتراها.

ولا يخفى أن مكانة السلطة ما لبثت تقوى، وتمتد، على حساب منظمة التحرير، وحركة فتح، وحتى مؤتمر الحركة السادس حقق للسلطة أكثر مما حقق لفتح؛ إذ تمكن أبو مازن من احتواء الحركة، وَفْق برنامجه، وتحت قيادته، حين عقد المؤتمر في الضفة الغربية، بعد أن نجح في استمالة بعض المخالفين، مثل أبو ماهر غنيم، المفوَّض العام للتعبئة والتنظيم، وأحد المؤسسين، ونجح في إسكات آخرين، وأبرزهم اللواء محمد جهاد، عضو اللجنة المركزية، والمسؤول العسكري الأول في الحركة الذي سبق أن هاجم فياض، واتهمه أنه ينفذ مخططا لعدم عودة فتح لتسلم الحكم. وفي المؤتمر السادس للحركة أشرك أبو مازن 1200عضو، معظمهم من الضفة الغربية، ثم غزة، وأقلُّهم من الخارج، وفي المؤتمر تضاعف عدد الأعضاء لينتهي بـ 2250 عضوا، وهذا يعني تغييرا كبيرا في البِنْية.. لم يكن عديمَ الأثر على مواقف الحركة، وبرنامجها؛ فقدمت الخيار التفاوضي على خيارات المقاومة، وهي وإن أبقت على المقاومة المسلحة، إلا أنه بقيت بلا تفعيل، ولا ينفك الرئيس عباس يستبعدها، ويحذر منها.

وكذلك، نجح عباس في تجاوز فاروق القدومي، وتهميشه؛ إذ صرح نبيل شعث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، مفوض العلاقات الخارجية فيها، لـ'القدس العربي' في السادس والعشرين من يناير( كانون الثاني) بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتولى حاليا المسؤولية عن الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن فاروق القدومي لم يعد له أي علاقة بتلك الدائرة. ولم تفلح حملة القدومي على عباس، واتهامه بالتواطؤ على قتل عرفات، في إفراز نتائج عملية؛ إذ لم يصادف "أبو اللطف"، في دعاويه، أية قيادات داخلية، تناصره، أو تتساوق مع أهدافه. ومن قبل تم عزل، عضو اللجنة المركزية للحركة، هاني الحسن، وتهميشه بعد أن اصطدم بتيار محمد دحلان، متهما إياه بالعمل تحت قيادة دايتون. وما زال الإفراج عن القيادي الكاريزمي في الحركة، مروان البرغوثي، وعضو لجنتها المركزية، غيرَ متحقق، ولا مؤشرات على قرب حدوثه، وهو الذي صرح من سجنه بمخالفته لنهج عباس المقتصر على النضال الشعبي السلمي.

وفي ضوء هذه التعديلات التي شهدتها حركة فتح، يطرح السؤال عن مصيرها: هل يُسار بها نحو التهميش، والإقصاء، أم نحو الاحتواء و"التهذيب"؟ لا يبدو أن السلطة، بصفتها الاعتبارية، والحكومة برئيسها سلام فياض، قادرة على تجاوز حركة فتح، أو الاستغناء عنها، ولا سيما في هذا الطور الانتقالي الذي يواجه فيه النهج التفاوضي المعوِّل بنسبة عظمى على الدعم الأمريكي، والدولي، تعثرا واضحا. وتتوقف العلاقة بين السلطة وفتح على توفر ظروف تسمح بالتوافق على الخيارات المعتمدة في مواجهة هذا الاستعصاء السياسي.

وعلى المدى القريب يسهم الطرفان في منع الفراغ؛ فالسلطة تنشغل ببناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، والحشد الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران. مع محاولات تقوم بها قيادة فتح المتنفذة، والمتوافقة مع عباس، لاحتواء "الزعلانين" من الحركة بوساطة "المجلس الاستشاري" الذي أقره المجلس الثوري في دورته الأخيرة، مشيرا إلى أنه سيتكون من أعضاء اللجنة المركزية السابقين وعدد من أعضاء المجلس الثوري السابق.

لكن هذا التقاطع بين السلطة وفتح سيكون أكثر تعرضا للانفكاك، كلما طال الوقت، ومضت إسرائيل في سياستها التوسعية، وستكون الحركة أكثر استحقاقا لتجاوز الأشكال السلمية للنضال، إذا لم ترَها كافية لردع السياسة العدوانية التي تبدو إسرائيل، حكومةً، وجيشا، ومستوطنين، أكثر انخراطا فيها.

o_shaawar@hotmail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
يد السلطة أعلى
عبد الباسط البيك -

الجواب على سؤال السيد كاتب التعليق سهل جدا و لا مجال للإختلاف حوله لأن البراهين و الدلائل عليه كثيرة و يسهل توفيرها ثم طرحها للوصول الى الجواب . بكل تأكيد أن السطة هي التي تتحكم الآن بحركة فتح , و هي التي تحرك قياداتها و كواردها . مؤتمر حركة فتح مضى منذ أشهر معدودة , و الجميع شاهد كيفية تحكم أعوان السلطة بالمؤتمر من حيث تحديد مكان إقامته , ثم تحديد من هم الذين سيدعون للحضور , و أخيرا في عملية تسيير المؤتمر ذاته حيث أنه خرج عن المألوف و الأعراف التي كانت تسير عليها حركة فتح في المؤتمرات السابقة. لا أحد يجادل بان السلطة هي التي سيطرت على المؤتمر من بدايته الى آخره و فرضت جدولها في المناقشة أوضاع القضية في المرحلة الراهنة . و أسباب هذا التحول الجذري عديدة , من جملتها غياب الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي كان يمسك بيده كل الخيوط و يحركها حسب رؤيته . و السبب الآخر بأن السلطة الآن هي التي تمسك بخزينة المال , و هي التي تغدقه أو تمنعه عن كوادر حركة فتح و بقية العاملين في أجهزة السلطة. و حيث أن كثيرا من كوادر الحركة أصبحوا ينتظرون الراتب آخر الشهر من كيس سلام فياض الذي يعرف كيف يهب و يمسك حسب المواقف السياسية من السلطة تأييدا أو معارضة , فإن كثير من الكوادر تركوا دورهم النضالي و فضلوا أن يتحولوا الى موظفين عند أبو مازن يصفقون و يطبلون و يسبحون بحمد المفاوضات التي لا نتائج لها و لا خير فيها الا بتقديم المزيد من التنازلات للعدو الصهيوني . على شرفاء حركة فتح أن يخرجوا من تحت عباءة السلطة القذرة التي فقد الكثير من نقاوتها و شرعيتها بعد أن حولها رجال أوسلو الى ناطور عند العدو . آن الأوان أن تتحرك العناصر الشريفة في فتح لتوقف عباس و شلته عن التلاعب بالقضية , و أن يسحبوا البساط من تحت أقدام زمرة تتاجر بالوطن و المواطنين , و ليعود لحركة فتح دورها الريادي الذي عرفت به.

فتح وحماس والسلطة
د محمود الدراويش -

لنصارح اهلنا واخوتنا ابناء امتنا , عن حال بلادنا واهلنا في الداخل , وكيف تسير الامور , والسمات والملامح التي تحكم علاقة الناس بالسلطة والفصائل ,طبعا لا اود ان افلسف الاوضاع لتبدوا بصورة تختلف عن الوقائع والحقائق , ولا اعرف او احبذ اللف والدوران وتسطيح الاشياء ,ولهذا اود ان اقر بان في بلادنا طبقة تحتكر السلطة والمال والسلاح والاعلام وحظوة المحتل ودعمه واسناده ,طبقة سمها حركة او ما شئت ,لكنها تقبض على زمام القرار وتختطف الشعب والقضية , وتتقمص وتتماهى مع استبداد المحتل وصلفه وظلمه وعدوانه على شعبنا وارضنا , طبقة لا يبدوا في سلوكها السياسي اية حكمة او فطنة او خبرة او منطق , ولا تلمح في مواقفها كرامة وطنية اوعزة وشرفا او نزاهة و غيرية ''طبقة لا ترى في القضية والوطن اكثر من بقرة حلوب وقصعة تغرف منها وتمتص ما تستطيع وما يحلو لها , طبقة ادارت ظهرها للشعب والقضية والوطن وتيمم بوجهها تماما صوب المحتل فله المحبة والقبل وله الدفئ والرقة والظرف والحنان والحرص ,وله الطاعة والركوع والامتثال , طبقة خدعت شعبنا واضاعت بقايا ارضه وقضيته , طبقة لا تملك معرفة ولا ثقافة ولا اعدادا ولا تجربة تقتضيها ادارة سليمة للسلطة والمجتمع لبناء الدولة والاستقلال والتحرر والاستقرار, طبقة تطلب مالا وثروةا وسلطة ولم يعد في قاموسها مكان للوطنية والتحرير والثورة والتضحية والزهد , طبقة تركع للمحتل وتخضع وتنحني له حتى في نومها , جيرت نفسها تماما له ,طبقة تضرب بعصى غليظة وتقتل وتعتقل وتعذب ابناء شعبها المحطم والمشتت والضائع , لكنها تستعطف المحتل وتؤثره وتتزلف له وتحابيه ولا تمتلك امام صلفه مروءة او نخوة , في بلادنا طبقة مستبدة متسلطة تتحكم بمصير شعبنا ومستقبل اجياله وما في سلوكها ونهجها الا دمارا وخرابا وضياعا ,طبقة حملت لنا بؤسا وفقرا ومرضا واحباطا وحصارا وانقساما وفضائح وخزيا وعارا , طبقة ليس دمها من دمنا ولا لحمها من لحمنا ولا تحمل روحنا واملنا وتطلعاتنا ,بل تحمل شرورا واحقادا وشبقا فاضحا وجشعا مميتا قاتلا لمشروعنا الوطني , نعم ان في بلادنا طبقة تحتل بلادنا وكرامتنا وتمتهن شرفنا وعرضنا , طبقة لا تصدق ولا تقول حقا ولا يتضمن قولها وعملها فكرا ومنطقا او خلقا , طبقة لا تعرف العدل والانصاف وطعم الحرية بل طبقة محسوبية وفساد ورذيلة ودجل ولهو وعبث وتهريج , طبقة اخذت على عاتقها مسؤولية تصفية القضية والاجهاز

الحكم المثالي
غلي -

الايام تثبت ان المصلحه الفرديه والحزبيه فوق كل اعتبار اي ان القضيه كلها الحصول على ماامكن الحل نظام ديقراطي علماني صارم بدون محاباه شفاف -يحترم الجميع القانون اي لا احد فوق--لا ان يقال الاستثناء هو القانون بل القانون هو الاستثناء المعروف عن الفلسطينين الحداثه والتعليم والتحضر-ماذا حصل للبعض بسبب الافكار الدينيه الظلاميه المتطرفه لقد تغير البعض في اللباس والسلوك الحجاب الكامل ولا تصدق انك مع اناس من فلسطين كما قلت حكم علماني حيث لاتناحر ولا وجود لوكلاء الله على الارض الجميع له الحقوق وعليه الواجبات--شكرا للجميع

السلطة تقود
احمد -

برأيي ان الجهات الدولية تحاول ان تمحي من الحركات الفلسطينية اي محتوى نضالي ولو كان بسيطا ..فما ابعاد القادة الذين يحملون نهجا مغاير لنهج السلطة القائم على التخاذل الا تفسيرا لذلك.والسلطة هي التي تقود ذلك العمل كما هو واضح وكما هو مبين في المقال.ولكن السؤال هل تستطيع ان تقضى على ذلك النهج بشكل فاعل ؟