الانتخابات العراقية: اختبار جديد للارادة السياسية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
نقاط التشاؤم واليأس التي يبديها العراقيون والخوف من وصول عناصر سياسية غيرنظفية الأيدي الى السلطة لتقود العراق من محنته الحالية وتدخله (قسراً) الى الظلام الأبدي موضوع له أهمية، والملاحظ عند التطرق الى بحثه بعقلانية، مشاركة عناصر أنتهازية عديدة لها تاريخ مظلم تشبعتْ بفترة ثقافية مظلمة من تاريخ عراق.
فعالم الحضارة والتقدم العلمي للمواطن العراقي يطغي عليه الكثير من (ألأرباك والفوضى المتعمدة) و يشوبه الكثير من الخوف والأمل، الخطأ والصواب، ويزداد فيه الأصطفاف الطبقي والقومي و الصراع المذهبي بدرجات تتفق مع مدى الثقافة السياسية والأجتماعية والدينية في البلاد.
وتزداد القناعة العراقية الذاتية بفشل وصول طبقة ذات قدرة ومهارة في ادارة شؤون البلاد السياسية بسبب ممارسة السياسيين للعمل السياسي المعاصر بطرق تقليدية فطرية وعشائرية ليست مفهومة في عالم السياسة المعاصرة، ويدخل فيها، تأمر السياسيين على بعضهم وأتهاماتهم العلنية والمبطنة للأخرين من، حلفاء الأمس أعداء اليوم، في عمل مشوه للعملية السياسية للأنتخابات. فالذي جعل حلفاء الأمس أعداء اليوم تتداخل فيه ضعف الأرادة العراقية التي قامرت ببناء قوتها المالية والسياسية على دول محيطة بالعراق (السنية منها والشيعية ). وأصبح الترجيح بتحسن الوضع الأمني والأستقرار في المدن العراقية بعد الانتخابات المرتقبة أمل ذو بصيص ضئيل مادامت الأدارة الحكومية والقوى السياسية الشعبية (تستند وتتلهف) في ربط أرادتها السياسية بأرادة الدول المحيطة بها والخضوع لاستراتيجيتها وألتماس تدخلها. ورغم أن بعض ساسة العراق فهموا ( لعبة الجغرافية السياسية والضغوط الأقليمية الى حد ما) أِلا أن أرادة الكثير منهم مازالت واهية وضعيفة، وتتجه الى الدعم والتعاطف والتأييد الخارجي، بضمنه أدخال أيديولوجيات هذه الدول (المثقلة بالمشاكل السياسية والأجتماعية والتبعية الأجنبية) وأدخال المال والسلاح ومذاهب المخربين الشاذة الى العراق تحت شعارات و تبريرات مختلفة، الأمر الذي يدعونا للقول بأن وضع مؤشرات أستقرار العراق مفقود بالمرة رغم أرتداء الجميع ثوب الوطنية والحديث عن الاجهزة العسكرية وعناصرها التي ترتبط بالأرادة الخارجية وتحتضنها.
في حديث لصحيفة "العرب" القطرية صرح الناطق الرسمي لفصائل من تُطلق على نفسها (الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية "جامع"، أن الجبهة في العراق لن تستهدف المقار الانتخابية، واصفا الدم العراقي بأنه خط أحمر لا يجوز تجاوزه". وهي في رأيي نقطة جديرة بالأنتباه والتحليل لما يدور في عقول البعض وفهمهم لسير العمل الأنتخابي. والنقطة الثانية كشفه عن وجود اتصالات لهم مع دول عربية، مؤكدا أن "هناك مشروعا متكاملا تم عرضه على بعض الدول العربية وهو يشمل نظرة الفصائل العراقية المقاومة لعراق ما بعد الاحتلال".
هل ينطبق هذا المنطق مع الوعي السياسي الجديد؟ ومن هي الجهة العراقية التي تحتضن هذه الفصائل الأجيرة وطابعها التخريبي المقصود والمُصرح به؟
الخيار الطائفي والخيار السياسي
سياسة الدولة هي ذكاء وعلم وأدارة وفن يُستخدَم ويَصب في مصلحة الدولة. والمقصود فيه هو ذكاء رموز الدولة في تحليل المعلومات الأستخبارية ودراسة مكامن الخطر ودرئه بذكاء وفطنة وحرص، وكذلك حماية مصالح الأفراد وممتلكاتهم ( وهذا مالم يتوفق في أنجاحه سياسو العراق الحديث في السنوات الماضية)، كما أن العمل السياسي ومبادئه هي، عِلوم تُدرّسُ في معاهد وأكاديميات متخصصة يطلق عليها تسمية (العلوم السياسية) وتشمل النظريات الحديثة في الاقتصاد والأدارة والعلوم الحديثة وفن المفاوضات العسكرية وعقود الأتفاقات الدولية، وليس علم المقاهي والأجتماعات الليلية التنظيرية لعصابات المقاومة الأسلامية السيئة الصيت.
وللأمانة، فأن الأخفاق العراقي جاء نتيجة ظروف سياسية صعبة ومُعقدة (زاد في تعقيدها ) ساسة العراق الجدد أنفسهم وأنتهازية البعض منهم وحبهم للسلطة الى الدرجة التي قللوا فيها من هيبتهم السياسية وهيبة وسيادة الدولة باللجوء الى الخيار الطائفي والدخول في حرب أعلامية لاطائل منها، نتيجة أهواء وضغوط وضعف ألأرادة الى الدرجة التي تصوروا فيها الى أن الوصول لنجاح أي عمل سياسي يحب أن يكون ( بأستشارة خارجية، وتحالف أفراد، وقراءة بيانات ).
فقدان قوة الأرادة السياسية
أنحرافُ العراق عن مساره الدستوري والقانوني جاء نتيجة استمرار الضغوط الداخلية والخارجية الساعية إلى لوي الأرادة العراقية ومنعها من أنتهاج سياسة وطنية والشروع في بناء دولة قوية يسودها النظام والاستقرار، ومازالت تلعب هذه الضغوط دوراً مقبولاً في نهج الدولة وأطارها السياسي العام.
فأذا كان لبعض الساسة والقادة المرشحين للأنتخابات حظ في النجاح، فأن عليهم الألتزام ببديهيات النجاح الضرورية وابداء الرغبة بتطوير إمكانياتهم وطاقاتهم الفكرية. وذلك يتمثل في أتخاذ بعض الخطوات الجريئة:
وتكمن الخطوة الأولى في حماية مؤسسات الدولة من أعمال الفساد والتخريب التي يهدد بها المشمولون بقرار هيئة المساءلة والعدالة لاجتثاث البعث وشمولها لأشخاص ذو ماضي أجرامي بأختبائهم تحت مظلة قوائم عراقية أنتخابية مختلفة للترشيح.
وتتمثل الخطوة الثانية في تدريب الموظفين المدنيين والعسكريين على أعمالهم المهنية وتقديم الخدمات التي تخص صميم ما تنص عليه واجباتهم والتاكيد عليها بطرق التفتيش المستقلة، بعد أنسحاب القوات الأمريكية المقرر سحبها في شهر آب أغسطس هذا العام.
والخطوة الأساسية الثالثة هي أعادة النظر في أستقلالية القضاء العراقي.
مع أدراك حقيقة أن الدول (عربية، أعجمية أو غربية) لن ترى بهجة الشرق فينا ونحن في أوضاعنا الحالية أِلا أن ساسة الفكر والسياسة والصحافة الأعلامية الحاقدة مستمرون في الترويج الكاذب، الذي لاشأن للعراق فيه، عن محاولات ايرانية لاختراق أمن الامارات والسعودية والكويت ومصر والسودان والعراق وحتى دول المغرب العربي وتهديدها.
ضف أليه التحالفات التي قد تضر ضرراً بالغاً بمستقبل بعض المرشحين السياسين كتحالف رئيس الوزراء الاسبق علاوي ودفاعه عن بعض المرشحين وتصريحه عن (حظر خوض مرشحين للانتخابات بتهمة الصلة بحزب البعث المحظور يهدد بجر العراق الى حرب اهلية). وذلك بحد ذاته العمل السياسي القديم المستورث من سلسلة نظام فكري بائد و لهجة البعثيين في التشكيك بكل ماهو عراقي أصيل للتمييز بين اليد النظيفة واليد الاجرامية، والذي يبين جزء من ضعف الأرادة وسوء التقييم المقصود للعملية الديقراطية الحقيقية التي ( تَجمع ) أهل العراق( ولاتجرهم الى حرب أهلية). وهو ما يعدنا بها مشاركيه، وبنفس الاسلوب والطريقة القديمة للتخويف والتهديد، بمشاركة فعلية من أعضاء في نفس القائمة وتحذيراتهم الهوجاء بعودة الهجمات الطائفية وتهيأة العصابات للتغلغل التكفيري التخديري بفتح جبهات عدائية للعراقيين والتجني على الأخرين في حملات أنتخابية يفترض فيها خدمة الوطن والمواطن واللحاق بالأمم والشعوب الحرة.
لقد كانت الفترة الماضية 2003 - 2009 حافلة بالمؤتمرات والحوارات واللقاءات والخطابات التي لم يجني العراقيون من ثمارها أِلا مزيد من الدماء وذروة الأعمال التخريبية لمصالحهم، وذلك لضعف أرادة السياسيين في الاختيار العراقي الوطني وتفضيلهم الاختيار المذهبي والحزبي الأناني والتخاذل لدول المنطقة العربية والأسلامية التي شملت تبادل الرسائل والشفرات السرية مع أعداء العراق لضرب مواقعه الحساسة والأضرار بمصالحه.
والحقيقة التي تخفى على ساسة العراق الجدد أن معتقداتهم السياسية الفكرية وتبنى أساليب العداء لبعضهم البعض لايُشم منها أِلا رائحة التراجع. فالتخويف والبطش والشك ببعضهم البعض (والأيحاء المُعلن ) بأن خصومهم يحملون أفكاراً شريرة، ليس عملاً أنتخابياً خُلقياً، ولكن " لايغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ".
ولعل الأدهى والأخطر هو رغبة البعض منهم بالانكفاء والأنحناء الى الروح العسكرية القديمة وبناء قوة عسكرية جبارة للجيش العراقي وزيادة تعداد أفراده ( من جديد) بمفهوم دكتاتور العراق السابق ليكون بعضهم (خير خلف لخير سلف ). هذه التخيلات وعقدة السجين السياسي وحمله ألأفكار المشؤمة التي يتم بثها بنفس الوسائل الأعلامية التي ضحى الشعب المضحي للتخلص منها وكانت قد باءت بالفشل مع قادة الدول الدكتاتورية الأخرى في العالم،مازالت تطغي على تصرفات البعض، ولم يتعض منها أعضاء الحزب القدامى.
فالعراق فيه 135 ألف جندي أجنبي ويتم تدريب وتسليح أكثر من 120 ألف عراقي وبناء ألوية وفرق عسكرية لحماية الوطن، بالاضافة الى تواجد (مانأمل التخلص منه ) مليشيات وعصابات ومرتزقة بلاك ووتر وقوات مخولة وغير مخولة بحمل السلاح، وتحمله بتخويل من مؤسسات داخل مؤسسات الدولة، دون التفكير بأن التقدم الحضاري للدولة لايتم فقط بتخصيص الميزانيات العسكرية الضخمة في بلد تطغي عليه البطالة والأمية بنسبة 42% أو بالتلويح ببناء القوة العسكرية قبل بناء الأنسان ثقافياً وأجتماعياً ووطنياً ليصبح غيوراً على وطنه ومنشأت أرضه. فرعاية حاجاته الأساسية ورعاية المصلحة الشعبية العامة بتركيز الجهود ينبغي أن تكون من الأولويات القيادية التي تمنح القائد السياسي الثقة والتركيز على البناء الحضاري والتقدم العلمي والتكنولوجي المبدئي، لا التهديد والتحذير والايحاء العقائدي بأن (حظر خوض مرشحين للانتخابات بتهمة الصلة بحزب البعث المحظور يهدد بجر العراق الى حرب اهلية).
أن العراق بحاجة الى من يفهم توجهات أبناءه وأجياله القادمة وعطشه للتخالط مع حضارات الشعوب الأخرى وبناء علاقات ودية متبادلة مع الدول على أساس المصالح والتنافس الحر في الحقول التجارية والمالية والتعليمية والفنون والرياضة والسياحة وغيرها، وترك جنين البعث المعاق للموت في الرحم.
أن أي حملة أنتخابية سياسية تُشنُ بتطعيم الشعارات الرخيصة ضد الولايات المتحدة أو أيران تحت ظل الظروف التي يمر بها العراق هي حملة في غاية الخطورة والسلبية وموقف يدل على النفاق السياسي و العقائدي والأنتهازية والبساطة الفكرية في التعامل الذي نرى أن يتم بهدوء وحذر، ومن الذكاء والحنكة السياسية المطلوبة أيضاً (عدم التغازل المذهبي ) في هذه الفترة العصيبة مع دول لها مصالحها في المنطقة وترويج الأتهامات والاشاعات ضدها.
وسيبقى أختبار الأرادة العراقية أرادة تفاعل مع الأحداث والتطورات، كما ستبقى موضع المراقبة والتحليل، وبأمل كبير، للنجاح.
أستاذ جامعي وباحث سياسي
DhiaHakim7@cox.net