فضاء الرأي

إيران صورة واحدة لشخصين وانقسام الوعي الجمعي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

(قد سمعت صوت ثورتكم) من خطاب محمد رضا بهلوي قبيل رحيله عن إيران


استدعت مشاهد المظاهرات الإيرانية الأخيرة في عيد الثورة، صورتان غاية في التناقض والاتساق في آن واحد، الصورة الأولى مجموعة من الثوار الإيرانيين يحرقون صورة الشاه، ويهتفون الموت للديكتاتور، وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً، تتكرر الصورة، ولكن أبطالها هذه المرة هم الخميني وخامنئي ونجاد، ولم يختلف الشعار كثيراً، الموت للديكتاتور، مع إضافة جديدة الموت لولاية الفقيه. فالشعب الإيراني ببعض أطيافه قرر استعارة النموذج القديم لقمع النظام الملكي ليعبر عن حالة الصراع التي يعاني منها الأن بين نظام لا يرى إلا ذاته، ومعارضة تٌقذف بالحجارة وتحاكم بالسجن التعسفي والإعدام. فكلا الصورتين عبرا عن حالة واحدة ولكن مع اختلاف بسيط.
في الحالة الأولى كان إجماع الشعب الإيراني، وتوحده ضد نظام الشاه هو السبب المباشر والوحيد لتحول الدولة الإيرانية، وزوال الحكم الملكي الذي استمر آلاف السنين بأسماء و أُسر متعددة. أي توحد الوعي الجمعي تحت فكرة تسلطية واحدة، وهي أن الحرية قد تتم إلا بعد إرساء قواعد الجمهورية، بالصياغة الخمينية. فحالة السلب النفسي قد عايشها الشعب في تلك الآونة كانت كفيلة بتحويل التيار الديني، من مجرد فكرة مناصرة للثورة، ليصبح هو الثورة ذاتها، خاصة في مراحلها الأخيرة، فكانت تكفي كلمات الخميني لتحرك الملايين، وتُحيد الجيش، ويكون لها مفعول السحر على الوعي المجتمعي بكل أطيافه السياسية والثقافية. فرغم وعود الشاه الإصلاحية في خطابه الأخير قبل رحيله من إيران وتركه لرئيس وزراءه (شاهبور بختياري) في مواجهة مباشرة مع الخميني القادم من باريس، واعترافه بالفساد المالي والإداري، ورغبته التي بدت أكيدة في تغيير السياسة الداخلية والخارجية للبلاد كمحاولة أخيرة للحفاظ على ما تبقى له من حكم، إلا أن العقل الجمعي الإيراني لم يكن ليسمع سوى صوت واحد تخيله نابع من داخله. ولم تنتهي تلك المرحلة إلى الآن فرغم مرور كل تلك السنوات، وتحول الثورة الإيرانية إلى دولة كاملة المؤسسات، إلا أن الرمز الثوري لم يزل قائماً وقابل للاستعادة بشكل مستمر. فالمسيرات التي خرجت في يوم عيد الثورة لتغرق الميادين تأييداً للنظام، تُعطي مؤشر واضح، أن وعي المجتمع في شق كبير منه ما زال أثير المرحلة الأولى التي يُجيد النظام استخدامها، وإعادة قولبتها كلما شعر أنه يفقد السيطرة على الأمور، فيستغل الطابع الاحتشادي للجماهير الإيرانية، ويوجها ثانية ليخدم بها موقعه واستمراره، فالإشكالية الحقيقية تكمن في الوعي الاجتماعي وليس في آلة قمع النظام منفردة.
وهذا يُحيلنا مباشرة للصورة الثانية، التي تجسد الرمز الجديد. الفضل الوحيد الذي خلفته المعارضة خلال الثمانية أشهر السابقة منذ أزمة الانتخابات الأخيرة وللأن، هو صنع حالة من الانقسام داخل بنية الوعي الاجتماعي. بمعنى أن تجرؤ بعض أطياف المجتمع على هدم التابوهات الثورية المجسدة في الخميني أو صورته، والهجوم المباشر على المقدسات في مبدأ الولاية المطلقة للفقيه، والصدام المباشر مع الكيان السياسي للدولة المتمثل في أحمدي نجاد وآلة النظام العسكرية، لهو دليل واضح أن هناك تداخل جديد في بنية الرمز الثوري، أدى لتغير في التوجه ضد الواقع السياسي وإشكالاته التي يعاني منها الشعب الإيراني. فحقيقة لم تهدف رموز المعارضة التعدي على كيان الثورة الإيرانية بأي شكل من الأشكال، أو حتى محاولة المساس بالمفاهيم المطلقة والمقدسة لنظام الحكم في إيران، بل على العكس تماماً، فطوال المرحلة السابقة، والخطاب المعلن لمير حسين موسوي، أو مهدي كروبي، أو حتى خاتمي، خطاب تصالحي، يُعنى دائماً بالتأكيد على الطابع الثوري والإسلامي للجمهورية الإيرانية، أكثر من تجاوزه أو محاولة طرح البدائل، ويكفي دليلاً تصريحات كوربي التي حاول فيها مصالحة نجاد مباشرة واعترافه بشكل مباشر بشرعيته كرئيس جمهورية منتخب تحت مظلة الولي الفقيه آية الله خامنئي، ففي النهاية فإن صدام رموز المعارضة مع النظام، لا يتعدى كونه صدام نخبوي حول الفروع وليس الأصول. خاصة إذا وضعنا في الاعتبار وفاة آية الله منتظري، والمحاولات التي يقف لها النظام بالمرصاد لكل من يحاول أن يحل محله كداعم للمعارضة الإيرانية، مثل موقف النظام من آية الله صانعي، حين قرر وبشكل مباغت أن يكون هو مرشد المعارضة الروحي، مما استتبع مهاجمته من قبل النظام بشكل مباشر، وقمع آية محاولة ممكنة. وكنتُ قد أشرت في مقالة سابقة تحت عنوان (نهاية منتظري وسقوط المرجعية الدينية للمعارضة الإيرانية) والمنشور في إيلاف، إلى أن نهاية منتظري هي نهاية موازية لرموز المعارضة الإيرانية، وسوف ينتج عن ذلك محاولة تصالح مع النظام، كما أن الساحة بالفعل خالية من أي رموز ديني يحمل نفس الذات الكاريزمية لمنتظري.
كل تلك الملامح لا تتعدى النخبة الرئيسية، ولكن الانقسام الحقيقي تم بين الجموع الشعبية التي شاركت في المظاهرات، وتدفع ثمن ذلك من محاكمات أو إعدامات. فقد بدا المشهد منقسم إلى مشهدين الأول يحمل صور الخميني، ويهتف بنجاد وخامنئي، ويسير في مشهد مهيب. والثاني يحرقون فيه نفس الصور، ويلعنون كل المقدسات. انقسام يشي بتغير واضح في العقلية الإيرانية وتعاطيها مع الشأن السياسي. وإن كان لن يفضي إلى شئ واضح في القريب العاجل، فما زالت الآلة العسكرية تحكم قبضتها على الأمور، ولن تعطي مساحة حقيقية ليعبر هذا الانقسام عن ذاته بشكل كامل، فهو ما زال في مرحلة التكوين، وغير مدعوم كلية من كافة الطوائف السياسية أو الاجتماعية، ولا يملك أي إمكانية غير مسيرات تعبيرية حاشدة، يقابلها النظام بمنتهى القسوة. كما أن النظام ما زال قادراً على خلق أزمات مفتعلة على السياق الدولي ليستخدمها في الداخل بشكل مباشر، كالمراوغة الدائمة من نجاد في قضية الملف النووي، وربطه بكل ما هو داخلي وقومي. ولا إمكانية واضحة لانقسام داخل المؤسسة العسكرية التي تشكل صمام الأمان والتي أجاد النظام استغلالها، وتسليمها مقاليد الاقتصاد والسياسة.
فحقيقة ما أشبه اليوم بالأمس، ولكنه مجرد تشابه في الصورة النهائية وليس في بدايات المشهد، لكن من المؤكد أن ذلك التحول العفوي في الوعي الاجتماعي في إيران، لن يمر بهدوء، فما زالت الأمور في بدايتها، وسوف تقف بنا الأحداث على نهايات قد تنتج صوراً تصيبنا بالدهشة.

ahmedlashin@hotmail.co.uk

أكاديمي مصري


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ياريتك تهتم بقومك
muhammadd -

ياريتك تهتم بالديمقراطية وحقوق الانسان ونظام الانتخابات وحق التظاهر في بلدانك العربية بدل التباكي على حقوق الانسان في ايران ياريتك تقارن بين المراة الايرانية والعربية التي لايحق لها في بعض البلدان ان تقود سيارة وياريتك تقارن بالانتخابات في ايران والتابيد في بلدان العربان ياريتك تقارن بين ايران ان اصبحت تنتج كل ماتحتاجه من غذلء ودواء ومعدات وسيارات واسلحة وبين الدول العربية التي لاتستطيا ان تدافع عن نفسها وجعلت بلدانها قواعد امريكية عندما تنتقد وتبحث وتحقق الديمقراطية وحقوق الانسان وحق التظاهر عند قومك بعدها انتقل الى ايران ام انك تخشى ان ينتقل حق التظاهر والانتخابات العلنية النزيه والكرامة من ايران الى بلدان العربان؟

ربما!!!!!!!!!
برج المراقبة -

الصورة الأولى صحيحة ولكن الثانية والتي لا يظهر فيها ألأشخاص الفاعلين ولا المكان المعروف قد يؤشر ربما الى أن الكاتب أو أي جهة اخرى مساعدة له أو للناشر قد لفقوها في أي مكان وأي زمان من العالم وهذه الصورة لا تؤكد للمشاهد أنها حدثت في ايران فعلا.

شمولية الحكم
خالد محمد الصاوي -

إن النظام الإيراني فعلا قد نجح في بعض الفاعليات واستطاع أن يحل بعض الإشكاليات عنده لكن يظل حكمه حكما شموليا ولا يختلف من قريب أو بعيد عن الحكم في البلاد العربية فهو يشبهني بالحكم السوفيتي الشمولي الذي استطاع أن يكون قوة عظمى وأن يمتلك أقوى ترسانة نووية لكن سقط هذا النظام لأنه أقصى معارضيه وتعمد أن يكون نظاما شموليا ومن عارضه فهو عميل الإمبرالية العالمية هكذا الحكم في إيران يقصي معارضيه بدلا من الاستماع لهم وبدلا من أن يغير هذا النمط في الحكم ويلغي ولاية الفقيه والحكمية التشريعية التي تحكم باسم الله حتى لو أخطأت فكيف نعارض من يقول أنه يحكم باسم الله .....أهذا يعقل

القليل من الإنصاف
حسن حجازي -

عزيزي الكاتب ..يلزمنا عندما نكتب عن إيران ثقافة إستراتيجية نستطيع من خلالها تحليل الوقائعوتظهير الأولويات بما يخدم الحقيقة وقضايانا في آن معاً ..ماذا عن موقع إيران في مواجهة العدوان الأمريكي - الصهيوني إذا كان لا بد من التنظير فليكن مترابطاً وهادفاً ومسؤولا ... وعادلا!!..أثبت النظام الإيراني قوته الجبارة ..ليس بالقمع الذي يجري تظهيره بعجز.. بل بقوة إلتفاف الشعب حول ثورته ..نعم يوجد مشكلات ولكن ليس بالحجم الذي ينفخ به البوق المعادي..القليل من الإنصاف بالمقارنة مع الضغط العالمي --فإن النظام الإيراني من أقوى الأنظمة الشعبية في العالم..سيدي الكاتب..جميع الأنظمة في العالم فيها معارضات ومشكلات داخلية .. ارجو كمتخصص بالشؤون الإيرانية .. ان تطلع اكثر على مبادرات إيران تجاه العالم العربي والإسلاميبعيدا عن ( بروباغندات) الأنظمة الخاضعة تماما للنفوذ الأمريكي ..وهل يلزمنا حديثعن النظام العالمي الأميركي الذي يقود العالم نحو الكوارث..الرجاء.. الكثير من التأمل ..والكثير من إعمال الضمير.. آملاً أن نقرأ لكم الأفضل مع الإحترام

لملالي
irani -

بعض المعلقين بالفعل انخدعوا بواسطة البوق الاعلامي لحكومة الملالي . يا اخواني بسكم التخلف انا عايش في ايران اكثر من 90 % من الاحتياجات تستورد من الصين والتركية ودبي غير البنزين للسيارات التي نستورد من الخارج . لماذا ما تفتحون اليو تيوب لتشاهدو القمع والتعذيب

تقدير واحترام للكاتب
احمد -

احييك يا دكتور احمد علي كتابتك الدبلوماسيه والاستراجيه عن ايران قبل وبعد الثوره الخمينيه والتي تؤكد خلل النظام الحاكم وفشل المرجعيه الدينيه في ارثاء قواعد العدل في البلاد واظهار الاضطهاد والديكتاتوريه الكامنه والمنبثقه من وراء التعثف المذهبي للدوله بما يتعارض مع سماحة الاسلام في الأمن وتقويض معني ثقافة السلام في ايران...............تقبل تحياتي ايها الاستراتيجي المتخصص