أصداء

في الذاكرة الوطنية التونسية و الشباب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لما سأل فيصل باي، أحد أحفاد الأمين باي، آخر بايات الدولة الحسينية في تونس، تلاميذ إحدى المدارس الثانوية، بمدينة الكاف، ان كانوا يتذكرون اسم من أسماء بايات تونس،الإجابة كانت الصمت. واستغرب فيصل باي، في الشريط الوثائقي حول بايات تونس لمحمود بن محمود، كيف لم يتمكن التلاميذ من تذكر، أي إسم من أسماء البايات... المشكل لا يقف عند ذلك الحد، فجزء كبير من التلاميذ و الشباب التونسي، يجهل تاريخه، ناهيك ان بعضهم يجهل سنة و يوم إعلان الجمهورية و تاريخ الإستقلال، و يخلط بين الزعماء التونسيين و الأجانب، حتى ان هذه الأخطاء، التي تبرز في فروض التلاميذ، تحولت في وقت من الأوقات، الى مادة دسمة للترفيه و الترويح عن النفس، تتناقلها الصحف و صفحات الفايس بوك.


ربما نجد عذرا لهؤلاء التلاميذ، لجهلهم بجزء كبير من تاريخ تونس، خاصة بعد ان شيطنت الرواية "البورقيبية" تاريخ البايات، و قامت بتهميش، أغلب الخصوم السياسيين. فرفاق النضال ضد الاستعمار الفرنسي، مثل صالح بن يوسف و الطاهر بن عمار، الذي وقع على اتفاقيات الإستقلال الداخلي، و وقف الى جانب بورقيبة في معركته ضد صالح بن يوسف الرافض لتلك الصيغة من الإستقلال، و جدت نفسها في أتون أكبر المحاكمات السياسية عقب الإستقلال او فريسة الملاحقات و الاغتيالات.


و في الحقيقة، فإن مراجعة تاريخ تونس، بصفة دقيقة و موضوعية الى جانب تسليط الضوء على وجوه بارزة من الذاكرة الوطنية التونسية، اسقطتها، عمدا او سهوا، الرواية البورقيبية، لم تتم إلا مؤخرا، سواء، من الجهات الرسمية، بإنشاء معهد للحركة الوطنية، او عبر نشاطات الجمعيات المدنية، كمؤسسة التميمي، التي نظمت لقاءات مع شخصيات سياسية تونسية، كانت مؤثرة في حكومات بورقيبة المتعاقبة. كما بادر وزراء سابقون و اعلاميون، و مجموعات على الفايس بوك، بالتعريف بالفترة البورقيبية، و نفض الغبار على شخصيات لم تلق حظها في الماضي، كالدكتور محمود الماطري، اول رئيس للحزب الحر الدستوري التونسي الجديد.


بعض الصحف التونسية، من جهتها، خصصت أركانا للتعريف بمحطات سياسية عرفتها تونس، و إجراء حوارات مع ساسة تونسيين عملوا تحت الرئيس التونسي الراحل، و هي كلها خطوات هامة، لكنها بقيت منقوصة، في ظل تنامي الفضائيات و تأثير الصورة في الحياة العامة.


و بالنسبة للكتب السياسية، التي تسابق وزراء سابقون في إصدارها مؤخرا، فكانت أقرب الى تبرئة ذمة، هذا السياسي او ذاك من بعض الأحداث السياسية التي عرفتها تونس أو تبرير موقفه من القرارات التي اتخذها بورقيبة، مثل التعاضد، و الوحدة التونسية الليبية، و الصراع مع اتحاد الشغل،و حوادث الخبز...

أما الكتب، التي أعاد كتابها الإعتبار لوجوه بارزة من الحركة الوطنية التونسية، ككتاب خليفة شاطر، حول الطاهر بن عمار،او تلك التي تحلل بعين نقدية جوانب من شخصية بورقيبة و علاقته بالدين و الصحافة، و على اهميتها تبقى نادرة، في غياب واضح للكتب التي تتناول بالنقد و التمحيص ما لم يقال و ما خفي من الذاكرة الوطنية التونسية، عدا بعض الدراسات و اللقاءات النخبوية التي تديرها مؤسستي التميمي و معهد الحركة الوطنية، و بذلك تبقى بعيدة عن متناول شريحة واسعة من التونسيين و خاصة الشباب منهم المتعطش لمعرفة تاريخ بلاده، بعين نقدية و مراجعة علمية للتاريخ، و بلغة سلسلة و بسيطة، تجعله لا ينفر من قراءة تاريخه.

الإهتمام بالحركة الوطنية و برموزها، هو بالأساس اهتمام بالمستقبل و الحاضر، فلا يمكن ان نفهم حاضرنا و مستقبلنا، الا إذا تصالحنا مع تاريخنا، كما لا يمكن ان يتم ذلك، الا اذا أعدنا قراءة التاريخ و أعددنا، الوسائط و المراجع النقدية الكافية لفهم هذا التاريخ من مختلف جوانبه و أبعاده.


لقد استرعى الفيلم الوثائقي " زمن بورقيبة" الذي بثته قناة العربية، انتباه ملايين التونسيين و العرب، كما فجر فيلم وثائقي حول اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد بثته الجزيرة الوثائقية، عدة انتقادات و سجلات، في حين تحركت بعض الوجوه السياسية و النقابية، في اتجاه رفع دعوى قضائية من اجل الكشف عن قتلة حشاد، وهو دليل على أهمية الصورة في إعادة بناء التاريخ، و على ان هذا النوع من الأفلام قادر على جلب المشاهد،و خلق حلقة تواصل بين الماضي و الحاضر. لكن رغم ذلك لم تراهن مؤسسات الإنتاج السمعي البصري و مؤسسات الصناعة السينمائية بتونس حكومية كانت او خاصة، على الأفلام الوثائقية او حتى الروائية التي تعيد إحياء تاريخ تونس او تسلط الضوء على شخصيات من الحركة الوطنية رغم ان جزءا كبيرا منها أصبح يتمتع بإمكانيات مادية هامة، انعكست على البرامج الإجتماعية و برامج الترفيه، التي تقتني حقوقها بمئات الملايين.
ان القنوات الكبرى، مثل بي بي سي و أرتي و تي في 5 و سي ان ان و حتى قنوات عربية حديثة النشأة، تخصص ميزانية ضخمة للأفلام الوثائقية، و الأشرطة و المسلسلات التاريخية والأفلام السياسية، كما أصبح لهذه الأفلام سوقا هامة و مهرجانات و مشاهدين أوفياء و نقاد، و تطورت صناعة الفيلم التاريخي و الوثائقي و الوثائقي الروائي، حتى أصبحت إعادة تجسيد سقوط جدار برلين،لحظة بلحظة و ما حفها من حيثيات سياسية، او بناء الأهرامات او تصوير حياة عيسى عليه السلام، من أسهل ما يكون بحكم مشاركة مختصين من كل المجالات في بناء الفيلم.


اما في تونس فإن هذه الأفلام تعد على أصابع اليد الواحدة، أفلا يستحق الشيخ الثعالبي، و الطاهر بن عمار و المحاكمات السياسية ابان الإستقلال و ثورة علي بن غداهم، و صدام الحكومة مع الإتحاد العام التونسي للشغل، و ابو القاسم الشبابي و المنصف باي، و اغتيال صالح بن يوسف، و الصراع البوريقبي اليوسفي و المحاولة الإنقلابية لسنة 1962،...الا تستحق كل هذه الأحداث التاريخية لفتة من مؤسسات الإنتاج السمعي البصري، حتى لا نستغرب فيما بعد من جهل شبابنا بتاريخه و عزوفه عن المشاركة في الحياة السياسية و الشأن العام.


Iheb_ch@yahoo.fr

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف