تحالف غير مقدس ضد المرأة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
في شهر مارس من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمرأة، وما حققته من مكاسب في مجالات عديدة، كانت المرأة فيها مهمّشة في زمن سابق. الهدف المباشر والمعلن من هذا الاحتفال السنوي هو: إعلاء قيمة "حقوق المرأة " بإعتبارها جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. وهو هدف يتكامل ويتناغم مع هدف آخر في عصر العولمة هو: أن الاستثمار في المرأة هو العامل الوحيد الأكثر فعالية في استراتيجيات التنمية، لتخفيف حدة الفقر، وتحقيق النمو الاقتصادي.
ومن الصعب اليوم أن يستطيع بلد في العالم، تحقيق أدني تقدم إذا ترك نصف سكانه يتخلفون عن الركب، ناهيك عن أنه إذا ظل نصف سكان العالم، عرضة للتهميش اقتصاديا وسياسيا وقانونيا واجتماعيا، فإن الأمل في دفع عجلة الديمقراطية والازدهار في الألفية الثالثة، سيظل محفوفا بالمخاطر الشديدة.
قضية المرأة إذا قضية " عالمية " ترتبط بمستقبل هذا الكوكب، ويتشابك فيها العامل الاقتصادي بالقانوني والسياسي بالإنساني، ولم يعد التشكيك بعالمية حقوق الإنسان مثلا، والتركيز علي الخصوصيات الدينية والقومية والثقافية، مقبولا في عصر يزداد فيه العالم اندماجا وانفتاحا في الوقت نفسه، وإنما أصبحت محاولة تجزئة حقوق الإنسان نوعا من التهرب من تطبيق معايير حقوق الإنسان الكونية، ومن الامتناع عن الانخراط الكامل في المسؤولية الجماعية عن العالم.
في يوم الاثنين 15 فبراير 2010 رفض 334 مستشارا (من الرجال)، تعيين المرأة قاضية في مجلس الدولة في مصر، أي أنهم حكموا بحرمان أكثر من نصف الشعب (44 مليون إمرأة)، وهو ما عبر عنه الصديق سعد هجرس بهذا العنوان الصادم " حكم ظالم في يوم مظلم "، يقول: " أن الأغلبية الساحقة من حضرات المستشارين أعضاء الجمعية العمومية لقضاة مجلس الدولة قد اختارت السير في طريق وعر يبدأ اليوم برفض تعيين المرأة قاضية وسيصل غداً- لا محالة- إلى إشهار "الفيتو" في وجه تعيين القاضي القبطي أيضاً.. لقد اختار حضرات المستشارين- باختصار- إعلان الحرب على الدولة المدنية الحديثة ومحاولة جر البلاد إلى الخلف وإعادة عقارب الزمن إلى الوراء لإحياء الدولة الدينية على جثة الدستور وأشلاء مواثيق حقوق الإنسان ".
في نفس التوقيت تقريبا أنطلقت دعوة في فرنسا، لعودة المرأة العاملة إلي المنزل حتي تصبح (أما حقيقية) لأطفالها. المفارقة هنا هي أنه خلافا لمصر، فإن فرنسا دولة علمانية (بجد)، كما أن نسبة تمثيل المرأة في سلك القضاء الفرنسي أعلى من نسبة الرجال، ناهيك عن ان من يقف وراء هذه الدعوة ليس من رجال الدين أو القانون، وإنما هو تيار فكري جديد يضم رجالا ونساء وصفته الأديبة الفرنسية " إليزابيث بادينتير " بالخطير، مؤكدة علي أن: " فرنسا تشهد نقط تحول فى اتجاهها نحو تحرير المرأة. ويرجع ذلك لمجموعة جديدة من علماء البيئة والمدافعين عن الرضاعة الطبيعية والمتخصصين فى علوم السلوك، وأن المرأة الفرنسية الشابة أصبحت تواجه ضغوطاً متزايدة، لتكون " الأم المثالية " التى تلتزم بمبادئ صارمة فى رعاية أطفالها، مما سيتسبب في انتكاسة تدوم عقوداً للحركة النسائية فى فرنسا ".
أول من تنبه إلي هذا التحالف غير المقدس ضد (المرأة والعولمة) في الشرق والغرب، هو " جورج سوروس " في كتابه: " حول العولمة " عام 2002، يقول: " لاحظت مؤخرًا حصول تحالف غير مألوف بين أصولي السوق الحرة في جهة أقصى اليمين والمنظمات المضادة للعولمة في أقصى اليسار. هناك تحالف موضوعي غريب الشكل بين هاتين الجهتين العدوتين (في السابق). وهو تحالف يهدف إلى تدمير المؤسسات الدولية التي نملكها حاليًا، ويركز علي المرأة أساسا ".
كلام سوروس ينبغي أن يؤخذ علي محمل الجد، لأنه الشخصية النموذجية للعولمة، وهو ثمرة هوياته المتعددة: يهودي من أصل مجري يحمل الجنسية الأمريكية ورجل مالي ومحسن ساهم في تمويل بلدان الشرق.
فقد نبهتني الأستاذه " أمينة شفيق " إلي الوشائج التي تربط بين تحرير المرأة والاقتصاد العالمي. ففي نهاية كتاب قاسم أمين عن (تحرير المرأة) الذي صدر أول مرة عام 1899، توجد احصائية ترصد عدد حالات الزواج والطلاق في القاهرة بين عامي (1882 - 1898)، حيث بلغت حالات الطلاق نسبة أعلي بكثير من حالات الزواج.
الاستنتاج الذي توصل اليه أمين: ان هناك خللا في الأسرة المصرية نتيجة للأزمة الاقتصادية العامة في المجتمع المصري. ومن ثم بحث في بنية العلاقات الاقتصادية القائمة وقتئذ، وتوصل إلي أن إلغاء السخرة وبناء خزان أسوان وتآكل الحرف الصناعية التقليدية، زاد من حدة الأزمة الاقتصادية مما أدي إلي تفكك الأسرة المصرية نتيجة لأرتفاع نسب الطلاق.
لم تكن " النفقة " للمطلقة قد وجدت بعد، وفي الغالب كانت تعود الي منزل أسرتها ليعولها الأب أو الأخ، أو تعيش علي الاعانات الخارجية غير الثابتة من هنا وهناك، من هنا بحث قاسم أمين عن حلول عملية للخروج من هذه المشكلة المزمنة، منها أن تنزل المرأة إلي سوق العمل لتعول نفسها، لكن هذا العمل المجزي كان يتطلب تعليما وتدريبا معينا،... وهنا فقط ظهرت فكرة تعليم المرأة أو بالأحري " تحرير المرأة " في مصر.
من طرائف التحالف غير المقدس ضد المرأة، ما قاله أحد المستشارين في مجلس الدولة، وكأنه لسان حال التيار الفكري الجديد في فرنسا: من أن المرأة القاضية يمكن أن تكون حاملاً، وأن شكلها وهى حامل من شأنه أن يؤثر على هيبة القضاء، كما أن ساعات الرضاعة قد تؤثر على سير الدعاوى القضائية التي تنظرها....... ومش حكمل !