استقراء المستقبل والدبلوماسية العربية- الأمريكية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من مفكرة سفير عربي في اليابان
عانت العلاقات العربية الأمريكية أزمات متكررة، منذ أن اعترف الرئيس الأمريكي هاري ترومان، في عام 1948، بتأسيس دولة إسرائيل في فلسطين. وتفاقمت هذه الأزمات بالمساندة الأمريكية المستمرة لها في صراعاتها وحروبها مع جيرانها. وقد استفادت إسرائيل من انفعالات الشعوب العربية وخلافاتهم، ومن قوة أصدقائها وكثرتهم، لتبدو قوة إستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. وقد خسر العرب من ثوراتهم الانفعالية ضد الولايات المتحدة في الحرب الباردة، ليحرموا من الاستثمارات الأجنبية وإبداعات القطاع الخاص التكنولوجية. كما خسرت الولايات المتحدة الكثير بسياساتها الشرق أوسطية، بعد أن انتشرت ظاهرة التطرف والإرهاب، وصعب معالجتها، وزادت كلفة مجابهتها. وقد بدأ حوار جديد في المنطقة عن ضرورة الاستفادة من التجربة اليابانية بخلق شراكة متناغمة مع حليفها الأمريكي، والتي حققت لليابان أمنها واستقرارها، وساعدتها على تحقيق تنميتها الاقتصادية والتكنولوجية. وقد مشت على خطى اليابان الكثير من دول آسيا كسنغافورة وكوريا الجنوبية والفيتنام والصين لتحقق تنميتها الاقتصادية والتكنولوجية المرجوة. والسؤال: هل سيحتاج العرب لاستقراء تغيرات هذا القرن لوضع إستراتيجية دبلوماسية للتعامل مع الولايات المتحدة خارج سياسات الحرب الباردة؟
يعلق المفكر الإستراتيجي الأمريكي، جورج فريدمان، في كتابه، المائة سنة القادمة، على صعوبة استقراء مستقبل الولايات المتحدة بقوله: "ثقافة الولايات المتحدة مزيج من كبرياء مبتهج وغم عميق، نتيجته أحساس الأمريكيين بالثقة المزعزعة دائما بالخوف من الغرق، بذوبان قمة الجبل الثلجي بالتغيرات الحرارية، أو بغضب الرب من زواج المثلى الجنسيين. لذلك يصعب المزاج الأمريكي المتراوح على الباحثين، استقراء مستقبل الولايات المتحدة في المائة السنة القادمة." وناقش الكاتب فجر القرن ألأمريكي الجديد بقوله: "بدأ هذا القرن، فجر العصر الأمريكي، بمحاولة مجموعة من المسلمين لإرجاع الخلافة، التي كانت يوما إمبراطورية إسلامية عظيمة، امتدت من المحيط الأطلسي وحتى المحيط الأطلنطي. وقد قاموا بضرب البرجين لجرها لحرب لإظهار ضعفها، لكي يصعدوا من انتفاضتهم الإسلامية. وقد ردت الولايات المتحدة بالغزو، ولم يكن هدفها النصر، بل كانت تصبو لزعزعة العالم الإسلامي، بصراعاته القبلية والعرقية والطائفية، للوقاية من بزوغ شمس إمبراطورية إسلامية من جديد. ولم تعد الولايات المتحدة الحاجة للفوز في الحروب، بل تحتاج ببساطة، لزعزعة استقرار عدوها، لمنعه من بناء قوة تهدد مصالحها. وسيشهد هذا القرن سلسلة متزايدة من المواجهات، بين قوى تتحالف للسيطرة على السلوك الأمريكي، لترد الولايات المتحدة بعمليات عسكرية فضائية، وبتكنولوجية حرب نجوم ذكية."
ويعتقد الكاتب بأن الحرب الإسلامية الأمريكية قربت على الانتهاء، وبأن تشاؤم البعض بقرب انهيار الولايات المتحدة لا تدعمه الأرقام. فبينما يمثل الأمريكيون 4% من سكان العالم، يقدمون 26% من منتجاته وخدماته. فقدر الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في عام 2007 بحوالي 14 تريليون دولار، أي 26% من الناتج الإجمالي العالمي المقدر بحوالي 54 تريليون دولار، أي ربع النشاطات الاقتصادية العالمية تمت في الولايات المتحدة. كما أن الاقتصاد العالمي الثاني هو الاقتصاد الياباني، والذي قارب إنتاجه المحلي الإجمالي في عام 2007 بحوالي 4.4 تريليون دولار، أي ثلث الاقتصاد الأمريكي. فالاقتصاد الأمريكي اقتصاد هائل، ويزيد عن مجموع اقتصاد اليابان وألمانيا والصين والمملكة المتحدة. ومع أن هناك قلق حقيقي بعد الأزمة الاقتصادية في عام 2008، وخاصة من نقص الطاقة في الولايات المتحدة، ولكن كان إنتاجها من النفط في عام 2006 حوالي 8.3 مليون يوميا، وهو قريب من ما تنتجه روسيا والمقدر بحوالي 9.7 مليون، والسعودية والمقدر بحوالي 10.7 مليون، كما يزيد إنتاجها عن مجموع ما تنتجه إيران والكويت والإمارات. وتنتج الولايات المتحدة 18.7 تريليون قدما مكعبا من الغاز الطبيعي، وهي الثانية بعد روسيا المنتجة لحوالي 22.4 تريليون قدم مكعب، ويزيد إنتاجها عن مجموع ما تنتجه الخمس الدول التالية بعد ترتيبها. ومع ذلك هناك قلق من اعتمادها على جزء من طاقتها على الخارج، ولكنها تبقى أحد أكبر الدول المنتجة للطاقة، وهي تعمل لكي تعوضه بتكنولوجية الطاقة البديلة. وتقع الولايات على مساحة كبيرة من الأراضي الشاسعة، ومع زيادة سكانها عن ثلاثة مائة مليون، تبقي حتى الآن قليلة السكان نسبيا. فيقدر متوسط عدد السكان في الكيلومتر المربع في العالم بحوالي 49، وترتفع هذه النسبة في اليابان لحوالي 338، وألمانيا لحوالي 230، بينما لا تزيد في الولايات المتحدة عن 31. وحينما نقارن الأراضي الصالحة للزراعة، نجد بأن الولايات المتحدة لديها أراضي تقدر بخمسة أضعاف ما تملكه آسيا للفرد الواحد، وضعف مساحة الفرد في أوروبا. وبما أن الاقتصاد مكون من الأرض والقوى البشرية ورأسمال، فهناك مجال كبير لاستمرار نمو الاقتصاد الأمريكي. كما تعتبر القوة العسكرية الأمريكية قوة هائلة، ومع أنها شاركت في حروب كثيرة، ولكن لم تتعرض داخليا لحرب طاحنة، ولم تضعفها الحروب النظامية، بل زادت قوة كلما دخلت حرب جديدة. كما تسيطر قواتها الحربية على جميع بحار العالم ومحيطاته، وبذلك ستسيطر على التجارة العالمية وتحافظ على مواقعها في الصدارة.
فعلى المدى القريب، وخلال المائة سنة القادمة، ستبقى الولايات المتحدة قوة هائلة، وستكون جذورها الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية متفرعة بعمق، وستترافق نشاطاتها بأزمات وحروب طاحنة، وسيتماشى ذلك مع شكوك الولايات المتحدة في قدراتها، والذي يعلق الكاتب عليها بقوله: "فهي نفسيا مزيج من الثقة الزائدة والتخوف من فقدان الإحساس بالأمن والاستقرار، وهو الوصف الدقيق للعقلية المراهقة، والتي ستكون وضعية الولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين. وقد بدأت للتو الولايات المتحدة رحلتها التاريخية والحضارية، وحتى الآن لم تتوضح معالم هذه الحضارة، فبعد أن أصبحت مركز العالم، بدأت تطور حضارتها والتي ستكون حتميا بربرية في البداية، وهي مرحلة تطور ضرورية، فالولايات المتحدة ثقافة شابة خرقاء مباشرة وأحيانا وحشية، وفي الكثير من الأوقات ممزقة بخلافاتها الداخلية، مع أن منشقيها متحدين فقط في أن قيمهم هي الأفضل. وستستمر في الجمع بين هذه المتناقضات، وكأوروبا في القرن السادس عشر، ولكن ستبقى بجميع تلعثماتها مؤثرة وبشكل رائع." فهل سيحاول العرب فهم حضارة الولايات المتحدة بعظمتها ولعثماتها، ويتعلموا من حكمة الثقافة الكونفوشيوسية الشرق أسيوية كيفية التعامل معها، للاستفادة من إمكانياتها الهائلة، بدل تضيع الوقت والمال في مناطحتها؟
سفير مملكة البحرين في اليابان