أصداء

علي هامش مؤتمر الترجمة وتحديات العصر

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أزعم ان المركز القومي للترجمة بجهده الدائب لعقد مؤتمر الترجمة بالقاهرة ( 28 - 31 مارس الحالي ) يُدشن لنفسه موقعاً حصيناً علي رأس المؤسسات النوعية العربية التى تولي اهتمام واسع ومعمق بهذا النشاط الحضاري الثقافي التنموي، ويضع الأساس لما يمكن أن يُمثل سلسلة متتالية من النشاطات العربية المماثلة.. وربما يتمخض الأمر بعد بضع سنوات كعن نشاط يجمع بين خبراء هذه المؤسسات ونظائرهم من اقطاب المؤسسات العالمية ذات الباع الطويل في هذا الميدان، الذي اصبح منذ بضعة عقود يمثل مؤشراً لمستوى تعامل المجتمعات مع أدوات التحديث المجتمعية ومرتكزات التطوير الحضاري، للنظر في أطر التعاون المجتمعي لتبادل الخبرات بين الطرفين..


عملية الترجمة في عالمنا العربي تواجه منذ عدة عقود تحدياً لا زالت لم تعثر بعد علي طريق للخلاص منه.. واعني بذلك تخطيطها وإصرارها بشكل منهجي وواقعي لتوفير الإحتياجات المعرفية التى تساهم في تطوير تنمية قدرات المجتمع للتعامل مع " إحداثات المستقبل " الذي دائماً ما يفرض نفسه علينا منذ أن توقفت قدراتنا علي المساهمة في الإبداعات البشرية علي مستوى الحضارة الإنسانية..


تلاشت بتعاقب العقود قدرتنا المجتمعية علي مواكبة العصر فيما يتعلق بالعلم ومواجهة الأزمات، وتحولنا إلي مجتمعات متلقية دون إرادة لما يفرض عليها..
لم يعد لنا دور مساهم في صناعة الحضارة وتطوير الحياة المجتمعية، ولم نتوصل بعد إلي الكيفية التى نتعرف بها علي جهد " الآخر " في هذا الخصوص..
وكانت النتيجة المباشرة أن ميدان الابداع في صناعة الترجمة تعرض في الكثير من الأحيان لتشوهات مست من قريب القواعد والأصول التى لأرساها الأوائل منذ عدة قرون وأغرقت الأسواق بما لا يتوافق مع الحاجة الفعلية للقطاع الأوسع من أبناء المجتمع ولحراكه التنموي، ولم توفر لهم أدوات التواصل مع ما تنتجه الحضارة البشرية علي مدار الساعة في كافة المجالات وعلي الخصوص ما يحقق لهم التقدم المستديم علي مستوى التطوير والإصلاح وإستشراف المستقبل..
لذلك أميل إلي القول أن من بين التحديات الكبري التى يواجهها ميدان الترجمة في مصر والدول العربية تحدي " ماذا نترجم "؟؟..


وهناك بالتأكيد اجابات كثيرة ومتنوعة لهذا السؤال، لكني اعتقد بدرجة من الصدق ان حصر الاجابة فيما يتعلق بالأطر التالية:
1 - التحديث المجتمعي والتعدد الثقافي
2 - التنمية المعرفية في مجال التقنيات وثورة المعلومات
3 - التطبيقات النهضوية المرتبطة بتطوير مناهج التعليم
4 - البرامج التدريبية المتصلة بسوق العمل التى تعتمد علي التقنيات
5 - تجارب الإصلاحات السياسية والإقتصادية ذات النتائج الإيجابية
6 - حقوق الإنسان ونماذجها المتعددة ومجالات تطبيقها التى من شأنها أن تساهم بشكل ملموس وفعال في تطوير الأداء المجتمعي المواكب لخطط التنمية التى تقوم بها الحكومات بالتعاون مع القطاع الخاص وبالتنسيق مع المؤسسات المدنية، وتشارك - من خلال الرؤية التى تجمع هذه الأطراف الثلاث - في تسيير عجلة التنمية علي مستوى متطلبات التحديث في نفس الوقت..


تعدد شركاء العقد الإجتماعي القائم بين المواطن ونظام الحكم الذي يخضع له، يوسع من دائرة حق المجتمع في أن يحصل أفراده علي ما يُنمي قدراتهم الخلاقة ومهاراتهم الإبداعية عن طريق مصادر عدة..


يتربع حق المجتمع في التعرف علي تجارب الآخرين علي قمة هذه الحقوق.. وتمثل الترجمة كما حددنا اطارها الركيزة الأكثر صلابة في هذا المنطلق..
هذا الحق المجتمعي في المعرفة بهدف التطوير والترقي في سلم التواصل الحضاري، يفرض علي مؤسسات الترجمة في وطننا العربي التى سيشارك العديد من رموزها في المؤتمر الذي دعي إليه الصديق جابر عصفور، ان يضع آلية مستقلة تُكَلف بحصر كل ما له صلة بالتطور الحضاري الذي اغني تجارب الكثير من المجتمعات الانسانية في شرق أوربا وجنوب شرق آسيا التى صمدت تطوراتها أمام تداعيات العولمة ومتطلبات المؤسسات المالية الدولية وأبانت عن قدر ملحوظ من النتائج الإيجابية التى حظيت باعتراف المنظمات الإقليمية و الدولية..


آلية مستقلة يتدارس خبراؤها دعاوي الإصلاح التى انداحت في منطقتنا دون رابط من جانب الكثير من عواصم صنع القرار الدولية التى حاولت بشتي الطرق فرض رؤيتها دون معرفة وثيقة باحتياجات المجتمعات العربية ومستوى ما حققته من ثقافة معرفية، ودون إستجابة من جانب نظم الحكم التى رفضت الدعوات - الإصلاحية - شكلاً وموضوعاً من منطلق انها بوابة للتدخل السافر في أدق شئونها الداخلية بهدف افساد العلاقة المستقرة والآمنة بينها وبين مواطنيها..


اعتقد مع آخرين أن نجاح مؤتمر القاهرة في الدعوة لتأسيس مثل هذه الآلية، من شأنه أن يشكل بادرة عملية لإصلاح واقع الترجمة المؤلم في وطننا العربي..
هذا الواقع الذي يشكو منه كثيرون ويربطون بينه وبين مضون الترجمة ودقتها وعشوائية البعض منها من ناحية وترويج بعض دور النشر لكل ما هو قبيح بهدف الثراء التجاري من ناحية ثانية وتدني مكافآت الترجمة من ناحية ثالثة، ومن ثم لا بد من إعادة النظر فيه وفق رؤية شمولية متجانسة تهدف لـ " ترجمة احتياجات التنمية المجتمعية المعرفية " إلي " واقع ملموس وفق خطية زمنية معلنة سلفاً "..


يبقي الإشارة إلي ضرورة منطقية في هذا الخصوص، ونعني بها الشفافية والمصداقية.. شفافية التصالح مع الواقع دون تزييف او إقصاء ومصداقية التواصل مع المجتمع!!..
فلا يصح أن تفتح هذه الآلية - كما أوضحنا الحاجة إليها - المجال لمزيد من التدهور العربي علي مستوى العمل الجماعي.. ولا أن تكون إطاراً لجمع شمل المتصارعين والمتضادين والمتنافرين.. ولا أن يكون ولاء القائمين علي أمرها وفق قناعات كل منهم الشخصية والأيديولوجية..


bull;استشاري اعلامي مقيم في بريطانيا drhassanelmassry@yahoo.co.uk

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف