هل يرضى العربُ منَ الغنيمةِ بالإِيَابِ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
هي بالتأكيد لحظات حرجة التي يمر بها الوضع العربي العام، وفلسطين، على وجه خاص، لحظاتٌ تستجمع ركام سنين من الصراع العربي الإسرائيلي، وتضع المسؤولين العرب، والفلسطينيين، على محك القرارات الصعبة؛ لكن يبدو أن القادة العرب، والفلسطينيين قد اختاروا الانتظار، ورضُوا من الغنيمة بالإياب، دون أية تغيرات دراماتيكية، أو تحولات جذرية، على صعيد العلاقة بالإدارة الأمريكية، ولا سيما، وهي تَظْهر بمظهر الراغب، والساعي إلى مواقف، لا تُرضي حكومة نتنياهو، مدفوعةً برؤية، أضحت- تشاركها فيها دول أوروبية فاعلة- لا ترى تطابقا بين المصالح الغربية، والإسرائيلية.
رأى المسئولون أن ينصبَّ الجهد العربي الرسمي على مؤازرة هذه التوجهات الأمريكية والغربية التي قد تنتقل، رويدا، من انتقاد إسرائيل، إلى رفع الغطاء الدولي عنها؛ لكن الوصول إلى هذا يتطلب إنضاج ظروف عربية، وإقليمية، تتصاعد، في تضييق الخناق على هذه الحكومة، وخفض مستوى العلاقات العربية، معها، إلى أدنى حد، مع تضافر، وتضامن، ودعم للقضية الفلسطينية، والقدس، وهو ما وجد ترجمة مالية له في قرار وزراء الخارجية العرب، بتخصيص 500مليون دولار لدعم القدس.
هل نحن في أسوأ أحوالنا؟
ليس العرب والفلسطينيون الآن في أشد الضعف، كما قد يُظن، كما ليست إسرائيل مطلقة اليد، ولا هي في مأمن من تداعيات مواقفها، فثمة اقتناع عالمي يقارب الإجماع، على ضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ورفض إدامته، خلافا للسياسة اليمينية لحكومة نتنياهو. وثمة تحول، ولو بطيء في الرأي العام الأمريكي، نحو إلزام إسرائيل بما تفرضه عليها عملية السلام.
وعلى الصعيد العربي الرسمي مؤشراتٌ، لا تخطئها العين، على مجافاةٍ، وفتور، شملت حتى علاقات إسرائيل بالدول العربية التي وقَّعت معها معاهدات سلام، كمصر، والأردن، كما تشمل، الدول المُصَنَّفة في الاعتدال، كالسعودية.
فلا ينفك الأردن، على لسان الملك عبد الله الثاني، يحذر حكومة نتنياهو من مغبة سياساتها في القدس، بشكل خاص، وفي آخر تصريحاته تأكيدٌ على "أن الممارسات الإسرائيلية تهدد العلاقات الأردنية الإسرائيلية، الباردة أصلاً، وتهدد أيضا بإشعال الشرق الأوسط برمته."
وأما السعودية فقد طالبت بتوضيحات من اللجنة الرباعية الدولية إزاء سياسة العنجهية الإسرائيلية وإصرارها على تحدي الإرادة الدولية، وانتهاك قوانينها، ورأت أن مثل هذه التصريحات تلقي بشكوكها على عملية السلام برمتها، وعلى جدية التحركات الدولية القائمة لإطلاق المفاوضات.
سحب المبادرة العربية:
كثرت الدعوات إلى سحب المبادرة العربية، حتى نُقِل عن الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى التلميح إلى ذلك، وهذا يعكس حالة اليأس من فرص السلام، مع حكومة إسرائيل الراهنة، وهذا الإجراء، وإن كان سلبيا؛ فإنه يدل على تحول في شكل العلاقة، غير أنه ليس مَرْبِط الفرس، ولا عليه التعويل، وإنما على حالة عربية سويِّة، ترتقي فوق الخلافات الفرعية، على قواسم مشتركة، تفرضها التحديات الماثلة على القدس، والقضية الفلسطينية.
ولا فاعلية لمثل هذه الحالة، دون أن تشتبك مع الحالة الفلسطينية المحتاجة، على نحو لا يقل عن سابقتها، إلى توحد سياسي، تتوازى، وتتغذى بمحفزات الصمود الاقتصادي، والمعنوي، والوطني، في مواجهة الهجمة الصهيونية على تلك المقومات؛ فلا بد من تفعيل ميزة الشعب الفلسطيني التي عُرف بها، على مدار جرحه النازف، حيث ظل عصيِّا على محاولات التيئيس، والتهجير، والاقتلاع، من مساكنه، وأراضيه. وأكبر دليل على ذلك، أنه ما زال باقيا في أرضه، بأعداد تتزايد، وتمثل خطرا ديمغرافيا، حذرتْ وزيرةُ الخارجية الأمريكية إسرائيل من تجاهله.
وحتى لا تُجهض هذه الحالة، لا بد أن يتعانق الرفضُ الفلسطيني في استئناف المفاوضات، مع المقاومة السلمية الشعبية التي يحاول الاحتلال، خنقها، بإعلان ساحاتها، في بلعين، ونعلين، مناطق عسكرية مغلقة، وباعتقالات طالت ناشطي اللجان الشعبية، وليس من المستغرب أن تطفو هذه الحالة على السطح، وتغطي، أو تحجِّم، من فاعلية الانقسام بين الضفة الغربية، وغزة، ما دام الجميع يواجه خطرا مشتركا.
إن سلامة الموقف الفلسطيني والعربي، وعدالتهما، وهذا التأييد الدولي، في مقابل العزلة الإسرائيلية، لا بد أن يدفع نحو خطوات عربية أقرب إلى المبادرة الذاتية؛ بما يؤكد الحق العربي، ويستبقي قدرا من الثقة بين الشعوب العربية والحكومات؛ فإذا لمست حكومة نتنياهو موقفا عربيا جديا، والتفافا عربيا، حول القدس، وفلسطين، وربطا حقيقيا بين مستقبل العلاقات معها، ونوعية تصرفاتها؛ فإن ذلك، مع الموقف الفلسطيني المتماسك، فإن ذلك قد يكبح من غُلواء تطرفهم، ويضطرهم إلى النظر حولهم، أو أنه قد يتسبب في تصديع حكومة نتنياهو اليمينية.
ويبقى ما سبق احتمالات نظرية، تعتمد على متغيرات دولية وإقليمية محيطة بإسرائيل، لكننا لا نستطيع الجزم بأن لا تتغلب الفاعلية الدينية المتطرفة، على خيارات الشعب الإسرائيلي، ولا نستطيع القطع بأن تلك الضغوط لن تزيد من قوة نتنياهو، حين يَظْهر بطلا قوميا في وجه ضغوط تبتغي تحجيم التطلعات الصهيونية التي تتغذى بمعتقدات دينية عميقة، وهو الأمر الذي طالب عمرو موسى الحكام العرب أن يتدارسوه، "فشل عملية السلام نهائيا، وبشكل كامل".
وحتى مع التعويل على الموقف الأمريكي والضغوط الدولية لا يليق بالموقف العربي أن يظل في وضع المراقب، والقدس بين أنياب التهويد، والاستيطان. كما لن يكون التوجه إلى مجلس الأمن مجديا، حتى لو سُبق بحشد دولي؛ ما لم تلمس الإدارة الأمريكية، والمؤثرين، في دوائر صنع القرار هناك، تحركا عربيا، يفعِّل أوراق العرب، أو يلوِّح، بذلك.