أصداء

الفكر، الدين خطان منفصلان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

يطمح الانسان العقلاني في المجتمعات العربية الى فصل الدين عن السياسة املاً في اعادة تجربة العلمانية في مجتمعاته، الا اننا اذا تمعنا قليلاً في موضوع العلمانية، نرى انه من الاجدر بنا ان نطالب في فصل الدين عن الفكر قبل فصله عن السياسة، فنحن جميعاً نسعى الى المعرفة لاكتشاف افاق جديدة تصب في منفعة الافراد و الجماعة، من هنا أجد اهمية الاستناد على فكر قابل للتغيير، غير مرتكز على قواعد ثابتة لا حراك فيها، فتبنينا للثوابت تعاكس التغيرات البيئية و الزمنية.

دعونا في البدء نُعرف معنى المعرفة، في معظم الاحيان يتم خلط مفهوم المعلومة بالمعرفة ليضيع المعنى الاساسي للمعرفة نفسها. لا شك به ان المعرفة تستريح على قاعدة من المعلومات المتوافرة فكما قال اختصاصي الاعصاب "نكاش" المعرفة هي " رواية الانا"، ففي كل مرة نرغب باكتشاف ما لا نعرفه او نسعى نحو ادراك اوسع للمعلومة لتحويلها الى مفهوم معرفي، علينا ان نضع جميع معتقداتنا و مفاهيمنا على كفة الميزان لاستعراضها مجدداً، ففي كل رحلة غوص استكشافية، يتوجب علينا خلع جميع المكونات الانوية الناتجة عن معتقدات و اسس تراكمت في ذاكرتنا لتشكل جداراً استبدادياً و قمعياً كجدار برلين، لهذا يتوجب علينا التحرر من كل شيئ يمكنه اعاقة هذه الرحلة، و هذا لا يتم الا من خلال اعادة تغيير في مبنى "الانا" من خلال قبول الافكار المختلفة و محاولة ترميم التفكير المرتكز على الهدم و البناء بشكل استمراري.

و اذا اردنا تعريف مبنى "الانا"، نراه مرتكز على التعاليم المكتسبة من الثقافة الجماعية و هذا ما نسميه الوعاء الجماعي، لانه يحوي كل الافراد تحت بطانة من معتقدات و رؤى و مفاهيم، حيث يتداخل الوعاء الثقافي الواسع مع وعاء اصغر منه و هو الاسس التربوية الاسرية و التي تختلف بدورها ببعض التفاصيل ما بين اسرة و اخرى، ناهيك عن تداخل الأوعية الخارجية مع القاعدة البيولوجية لكل فرد، لنجد ان المحيط الخارجي له تأثير كبير على ظهور او انضمار بعض الجينات، فعندما نسعى نحو ادراك اوسع او معرفة امر خارج عن هذه الاسس يتطلب منا وضع "الانا" في خانة خارجية كي نستطيع تداولها لاعادة ترميمها.

ثمة من سيجد ضرورة اخلاقية في ابقاء الدين حاكماً للفكر كي يعطيه ابعاداً تتجاوز جميع الابعاد الكونية، فيبدأ اولاً بطرح عظمة الحكمة الدينية و استباقها غير البشرية في مفهوم المعرفة، لينهي بعدها خطابه التقليدي بضرورية تقييد الافراد داخل بوتقة جماعية، فنراه يسترسل في غناء واعظ لا ينتهي الا بعد مماتنا، و بما اننا ننادي بضرورة احترام اطروحات الغير و السعي الى فهم الاخر، فاننا ملزمون لسماع الافكار المتكررة المليئة بالانشاءات الادبية و التحف الاخلاقية الثابتة و العديمة لكل ما هو متجدد و الغيرملائم لازمنتنا.

دعونا نلقي نظرة الى ينبوع الدين، لنجده مرتكزاً على النشاط النفسي المؤجج للمشاعر المتعاكسة فيما بينها مثل الخوف و الطمأنينة، الرعب و الامان...عدا عن ذلك، نجد الدين خالياً من الاكتشاف فبتدوينه انغلق على المفردات و العبارات المتحكمة به، فأصبح سجيناً لها عاجزاً عن الحركة، ليتسم بصفات ثابتة، لذا لا نستطيع الاعتماد عليه لاكتشاف ما يحرك رغبتنا في معرفة الاشياء، فالتخلي عن الاكتشاف يعني التخلي عن المعرفة، لان المعرفة ناتج استكشافي، و الاكتشاف حصيلة استفسارات عدة لملاحظات و افكار شتى للواقع الخارجي، و من هذه الحصيلة تتأسس الفرضيات لانشاء النظريات فيما بعد و وضع البراهين لاثباتها في مرحلة لاحقة، لهذا علينا الاستفسارعن وسيلة للعطاء و الابداع في تحديد ركائز المتحول على اسس الثابت، اي كيفية تطبيق العلم على الركائز الدينية، و هنا تكمن المشكلة فالمتحول بحاجة الى اسس و ركائز مرنة قابلة للالغاء و الاكتساب و هذا ما يجعل الدين خارج حلبة العلم و التفكير، لهذا اجد ان المطالبة في فصل الاثنين عن بعضهما ضروري لغايات عدة تصب في خانات الابداع و الاختراع كما تهيئ لنا اجواءً اجتماعية قائمة على التبادل المشترك.

قام فلاسفة كثر باعطاء تفاسير مختلفة لحالة التفكير، منهم "هيوم" الذي اعتبر ان المعرفة مستندة على الانطباعات الحسية فلا يمكنها ان تكون دقيقة لانها ناتج عن محاولات شتى للتفكير معتمدة على الاسباب و النتائج المترابطة و الناشئة من تكرار الانطباعات الحسية.

اما علم البيولوجيا اليوم فقد اعطانا شرح اوسع مما اقترحه الفلاسفة انذاك، فعلينا ان لا ننسى اثر التحليل النفسي و اعتماده على علم الاعصاب القائم على تجارب لفهم دراسة الجهاز العصبي المؤسس بدوره على بيولوجيا الدماغ، كي يعطينا مساحة اكبر في تجنب الاخطاء لنصبح اقل تعرضاً و تفادياً لها. فتبني الفرد او الجماعة اسساً ثابتة، تجعله عاجزاً عن التعلم اي بمعنى اخر؛ القضاء على احتمال تغيير المشابك العصبية لادراك اوسع ناتج عن حالة التعلم، لهذا نجد ان الانسان المنغلق على مفاهيمه يجد صعوبة في تقبل المستجدات و هذا ما يسبب التراجع الفكري لانه في حالة ثبات غير قادر على مجاراة الزمن و التغييرات الطارئة عليه، فلا ثراء في الفكر من دون التنوع المثمر و التداخل الفكري الجماعي، لهذا يحق لنا المطالبة باعادة الدين الى مكانه الاصلي اي الى (المشاعر).

لا شك ان كل منا يختلف في ادراكه للاشياء و للخارج الواقعي، لان الادراك نفسه مبني على تمثيلات عقلية مرتكزة على قناعات و تفاسير ملخصة ب"الانا"، فعلينا ان نسعى دوماً نحو اعادة الحسابات الموجودة في هذا المبنى، و هذا لا يتم الا من خلال النقد و المحاولات المستمرة في تقبل الافكار المختلفة عنا و قبول الخطأ للوصول الى صواب جزئي، فالخطأ و الصواب متلازمان فهما انعكاس للمحاولات الجمة الساعية للوصول الى وعي اكبر لكل ما هوخارج عنا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مقالة فكرية عميقة
توماس أديسون -

شكرا على هذه المقالة العميقة التي لديها هدف تنويري نبيل يسعى الى تحرير العقل من مكابحه وقيوده وسجونه الموروثة من التربية والأسرة والمجتمع والمؤسسة الدينية ...لينطلق هذا العقل الى فضاء الحرية والإبداع ويكتب نشيد الأزدهار والتقدم لعموم البشرية ، ان فصل الفكر عن الدين وليس السياسة فقط هو لمصلحة الدين ايضا ، فليس مطلوبا من الدين ان يُحشر في كل شيء ويُقحم في مهمات ووظائف ليست من اختصاصه ، فالدين كنشاط روحي نطاقة الطبيعي المجال النفسي لأستمداد الشعور بالأمان والطمأنينة من خلال الإرتباط بقوى عليا هي الله وهذا النشاط بعيد كل البعد عن النشاط العقلي الفكري الذي يتحرك في اطار الملاحظة والتجربة والوصف والأستنتاج بحرية مطلقة من دون قيود أو انتظار أكتساب الأذن والشرعية من المؤسسة الدينية ، فالفكر خُلق كي يكون هو القائد للحياة والمبدع لها ولايقبل ان يقاد من قبل أية مؤسسة أو جهة .. لأنه هو النور ودائما النور يكون في المقدمة لأضاءة الطريق .

مجتمع الثوابت
خوليو -

مقالة علمية بحتة تُبين الفرق بين مجتمع الثوابت العديم الانتاج ومجتمعات المعرفة والمعلومة الغزيرة الانتاجات، وشيئ يسر العقل أن تأتي هذه المقالة من امرأة في مجتمعات أصحاب الثوابت التي تقبل المرأة فيها بضربها وبوجوب تنبيهها وترشيدها ورعايتها وحمايتها لأنها قاصر من المهد إلى اللحد في مجتمعات الثوابت، هذه المجتمعات تعتبر الأنا العلمية سخيفة وقزمة أمام علوم الأحلام والرؤيا،مجتمعات الثوابت تعتبر الأعمال السيئة وسوسة شياطين وليس نقص معلومة ومعرفة، وبناءً عليه يعتمدون على الاستخارات في حل المشاكل والصعوبات لأنهم يجهلون أسبابها، الخلاصة مقالة جيدة وتزيد جودتها على أساس أنها من فكر انثوي خلاق لن يتقدم الشرق التعيس بدون نهضته ووعيه ليبرهن بأنها ليست قاصر.

توضيح
انس برواري -

عزيزتي رندا... الغوص في موضوع الفكر بهكذا عموميه اتصور يبعدنا عن كشف ا لحقيقه المتعلقه بعلاقه الفكر بالدين...لايمكن وليس من الصحيح القول اننا في اي مرحله استقبال لمعلومه يجب وضع معتقداتنا على كفه ميزان.. لانه وببساطه يجب تعريف المعتقد اولا وبعد ذلك يجب فهم الثابت في اي معتقد والمتغير منه...حيث ان الثابت في اي معتقد لا يمكن منطقته بمعلومه معينه باعتباره لا يعتمد على معلومه معينه بحد ذاتها وانما باستقراء افق فكريه معينه لا يمكن وضعها على ميزان المعلومه اصلا... انا المتغير في المعتقدات فيمكن تعييرها حسب المعلومه التي يتم استقبالها ولا يشترط حينئذ ان نقول باننا قد وضعنا المعتقد جانبا بما ان المتغير في اي معتقد ليس هو جوهر المعتقد

nero
nero -

الفكر، الدين هو الحياه التى تربطها قوانين لتحددها بالضبط مثل الحياه الامريكيه و الحياه المصريه كل منهم خلفها قوانين تختلف عن بعضها المصريه لها قوانين الامركيه لها قوانين و داخلها منصب اكثر من حياه منهم حياه مجله هو و هى التى تختلف عن حياه مجله الشباب المصريه و الاثنين المجلتين لهم قوانين تربط هذه الحياه و يعرفها العالمين فيها و يقال فكرهم على مجله هو و هى و فكرهم على مجله الشباب ان فكرهم حياتهم دنياهم تربطها قوانين يعرفها و يراها المتخصصين

دعوة للفكر
حسن -

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (190) إن في خلق السموات والأرض على غير مثال سابق, وفي تعاقُب الليل والنهار, واختلافهما طولا وقِصَرًا لدلائل وبراهين عظيمة على وحدانية الله لأصحاب العقول السليمة.الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)الذين يذكرون الله في جميع أحوالهم: قيامًا وقعودًا وعلى جنوبهم, وهم يتدبرون في خلق السموات والأرض, قائلين: يا ربنا ما أوجدت هذا الخلق عبثًا, فأنت منزَّه عن ذلك, فاصْرِف عنا عذاب النار. رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)يا ربنا نجِّنا من النار, فإنك -يا ألله- مَن تُدخِلْه النار بذنوبه فقد فضحته وأهنته, وما للمذنبين الظالمين لأنفسهم من أحد يدفع عنهم عقاب الله يوم القيامة.

??
IRAQI-AMERICAN -

what are you talking about?

الانا العلمانية ؟!
قاريء ايلاف -

بالعكس نحن نرى ان الانا العلمانية قد اضرت بالبشرية اكثر مما فعلت الاديان لقد ذهبت الانا العلمانية على سبيل المثال بالحروب الى اشواط غير مسبوقة وجرى اباحة استخدام امضى الاسلحة وافتكها ابادة للجنس البشري فالقنبلة ذات السبعة اطنان قادرة على ابادة كل حي من انسان وحيوان وطير وشجر وحتى الجمادات في دائرة قطرها خمسة كليو مترات وقنبلة فراغية تستطيع ان تطيح بابراج سكنية لنصف المسافة تقريبا الانا العلمانية شيئت الانسان وجعلته بضاعة وشيئت الاخلاق وجعلتها بضاعة ولا سعادة للانسان الا ان يعود الى المثل والاخلاق التي تحتوي عليها الاديان وخاصة الدين الاسلامي .