فضاء الرأي

أحلام مستغانمي: قنابلها على الطاغية وقلبها مع من؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عنوان المقالة هذه تحوير غير بريء لعنوان كتاب الكاتبة والروائية الجزائرية الأكثر من معروفة ومشهورة " أحلام مستغانمي " الذي صدر في طبعتين العام 2009 بعنوان " قلوبهم معنا، وقنابلهم علينا " عن دار الآداب البيروتية. أحلام مستغانمي في غنى عن التعريف والتقديم بعد مسيرتها الروائية التي جعلتها تحتل مكانة أدبية مميزة بعد اصدارتها العديدة. والفعل (تحتلّ) هنا ليس بالقوة العسكرية الأمريكية التي تدينها أحلام، ولكن بقوتها الروائية عبر أعمالها بدءا من (على مرفأ الأيام، 1973)، وثلاثيتها (ذاكرة الجسد، 1993، فوضى الحواس، 1997، عابر سرير، 2003)، وأخيرا (نسيان كوم) التي تنصح الرجال بعدم قراءتها كنوع من الاستفزاز لرجولة عربية لا رجولة فيها بسبب تهميشها ونسيانها للنساء عبر خيبات عاطفية متكررة.

كتابها هذا موضوع المقالة عبارة عن مجموعة المقالات التي كتبتها أحلام في السنوات العشر الأخيرة في مجلة " زهرة الخليج " الإماراتية، وأعادت تجميعها وترتيبها في أبواب حسب موضوعاتها، فبدت وكأنها مشروع كتاب أعدّ سلفا حسب هذه الموضوعات لتجانس المقالات وترابط موضوعاتها عبر أسلوب أدبي بلاغي أكثر من رائع وجذّاب مما يثير الاعجاب من هذا الجيل الجزائري الذي نشأ بعد بداية ما عرف ب " مرحلة التعريب " بعد مرحلة الفرنسة التي سيطرت على العقل والشارع الجزائري بعد استعمار فرنسي ثقافي تجاوز المائة والثلاثين عاما، حيث اعتبر العقل الفرنسي الأرض الجزائرية الامتداد الفرنسي فيما وراء البحار، وتمت العودة للعروبة بعد تحرير كان ثمنه أكثر من مليون شهيد جزائري. والإشادة هذه بالتميز البلاغي العربي لأحلام يزداد عندما نتذكر أن هناك كتاب جزائريون كتبوا غالبية انتاجهم باللغة الفرنسية ثم تمت ترجمته للغة العربية.

شوف بوش بقى واتعلم
الفصل الأول من كتابها جاء مخصصا للرئيس الأمريكي جورج بوش الابن مقلبة أغلب أوراق حياته بإسلوب ساخر أقرب للضحك الذي سببه البكاء. ورغم شدة السخرية والنقد لسياسة بوش الإبن في العديد من المجالات الحياتية الأمريكية والعربية، إلا أنّ قدرتها على ربط ذلك بالمساخر العربية، جاء أقوى من أية مساخر بوشية، فيكفي أنها تتمنى (ما دامت أمريكا تتكفلّ بكافة شؤون دنيانا، فإني أقترح أن نرسل إليها ببعض من يحكموننا بشعارات الديمقراطية والشفافية، فيتكفل الشعب الأمريكي عنّا بنبش تاريخهم مجهريا، كعادته في نبش تاريخ مرشحيه للرئاسة، ويعيدهم إلينا مع توضيح: من منهم صالح للحكم للمسرح أم للمصحّ؟). وأطمئن أحلام مستغانمي أنه عندئذ سوف تمتلىء المصحات، ويكتب على أبوابها: (لا توجد غرف خالية). إذ من المستحيل أن نتعلم من ايجابيات ماما أمريكا الشقيقة الكبرى راعية شؤننا، هذه الايجابيات التي جعلتها القوة العظمى الوحيدة رغم كل سلبيات سياساتها، و إلا لماذا هي كعبة كل العرب رؤساء وملوكا وشعوبا؟ ومن من العرب لا يتمنى الهجرة إليها؟ ومن يصدّق أنّ العديدين من قيادات الإخوان المسلمين تعلموا وتربوا في بلاد الشقيقة الكبرى، وكذلك عتاة القوميين العرب؟.

حذاء يعيد كرامة مفقودة
وضمن نفس السياق الساخر المضحك المبكي، ترى أحلام مستغانمي أن حذاء منتظر الزيدي الذي وجهه للرئيس بوش قد صنع لحظة تاريخية، ورغم أن البعض سيفهم تشخيصها الحذائي هذا على أنه افتخار بتلك اللحظة، إلا أنني فهمته أنه بكاء وسخرية على واقع عربي أكثر من مسخرة. تقول أحلام: (إن كان بإمكان حذاء أن يصنع لحظة تاريخية فاصلة في وجداننا، ويشهر سلاحا أكثر فتكا من الأسلحة المكدسة التي اشتريناها من أمريكا، فما جدوى ما دفعناه من مال إذن؟. ما دام بإمكان حذاء أن يردّ لنا كرامة ما استطعنا استردادها برغم ترسانتنا الحربية الممتدة على مدى الخريطة العربية!). وعندئذ يبقى السؤال مطروحا: كم حذاء نحتاج لتحرير كل المحتل من الخريطة العربية؟. هذا السؤال موجه لمصانع الأحذية العربية والتركية خاصة أن حذاء الزيدي ثبت عبر التحاليل المخبرية أنه صناعة تركية مائة بالمائة، وبشهادة أبطال المسلسل التركي (مهند و نور) الذي اتاح فرصة للمشاة في الشوارع العربية.

شاربا الطاغية وأحذيته
أجرأ واشجع ما في مقالات هذا الكتاب تلك التي كتبتها أحلام مستغانمي عن جلاّد العراق البائد الديكتاتور صدام حسين، عبر العديد من اللقطات من مسيرته حيا جلادا وصنما مطاحا به وديكتاتورا مصلوبا، خاصة انه كما تسميه (الطاغية الذي ولد برتبة قاتل)، وفي النهاية (الذين لم يلتقطوا صورا لجرائمه، يوم كان على مدى 35 عاما يرتكبها في وضح النهار على مرأى من ضمير العالم، محولا أرض العراق إلى مقبرة جماعية في مساحة وطن، وسماءه إلى غيوم كيماوية منهطلة على آلاف المخلوقات لإبادة الحشرات البشرية، يجدون اليوم من الوقت ومن الامكانيات التكنولوجية المتقدمة، ما يتيح التجسس عليه في عقر زنزانته، والتلصص عليه ومراقبته حتى عندما يغير ملابسه الداخلية ".
جرأة أحلام مستغانمي في هذا الفصل تجعلها تنحاز بدون خوف للعراقي العربي والكردي الذي أهين وحرق وقتل في زمن هذا الطاغية الذي لم يسلم من جرائمه رفاقه في القيادة القطرية ووزراء دفاعه وإعلامه وضباط جيشه.

أمريكا التي نحسد
هي الشقيقة الكبرى (ماما أمريكا) التي تتجول أحلام في ثنايا سلبياتها وايجابياتها، من خلال معرفتها الميدانية لها، وتلخص ذلك بقولها (كنت أعتقد أنّ قوة أمريكا تكمن في هيمنة التكنولوجيا الأكثر تطورا، والأسلحة الأكثر فتكا، والبضائع الأكثر انتشارا. لكنني اكتشفت أنّ كل هذه القوة تستند بدءا على احترام البحث العلمي وتقديس المؤسسات الأكاديمية، واحترام المبدعين والباحثين والأساتذة الجامعيين. فاحترام المبدع والمفكر والعالم هنا لا يعادله إلا احترام الضابط والعسكري لدينا). وفي النهاية أقول لكاتبة (بلاد المطربين أوطاني) انني اكتشفت أنّ (بلاد العرب أكفاني)، و عندئذ من لا يهاجر إذا فتحت أبواب الهجرة، ولماذا لا يرغب من هاجر أن يعود؟.

هذا الكتاب جدير بالقراءة تماما مثل روايات أحلام مستغانمي، لذلك لم أتطرق لكافة موضوعاته، لأترك للقارىء اكتشافها بنفسه من خلال إسلوبها الرائع سخرية وضحا وبكاءا.
ahmad.164@live.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
*****
Majida katela -

مقال جميل قدمت فيه إبداع جديد للبارعة الرائعة مستغانمي ماداً يدكمن تحت قنابلها.. مقال قد بدا خالياً من المعلقين الهاربين من القنابل ..هي صرخة أحلام مستغانمي من ساح الفدا .. فاسمعوها واستجيبوا للندا.. واقرأوها لنبني الجيل غدا....شكراً د..أحمد..

*****
Majida katela -

مقال جميل قدمت فيه إبداع جديد للبارعة الرائعة مستغانمي ماداً يدكمن تحت قنابلها.. مقال قد بدا خالياً من المعلقين الهاربين من القنابل ..هي صرخة أحلام مستغانمي من ساح الفدا .. فاسمعوها واستجيبوا للندا.. واقرأوها لنبني الجيل غدا....شكراً د..أحمد..